كتاب الخلل في الصلاة

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور : الخلل في الصلاه/ تاليف الخميني.

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر تراث الامام الخميني(س) ، 1420ق. = 1378.

مشخصات ظاهري : نب، 546ص.

شابك : 14000ريال ؛ 38000ريال(چاپ دوم)

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ دوم: 1426ق.=1384.

يادداشت : كتابنامه: ص. [520] - 536؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : نماز -- شكيات

موضوع : نماز

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني (س)

رده بندي كنگره : BP186/8 /خ76خ8 1378

رده بندي ديويي : 297/353

شماره كتابشناسي ملي : م 79-25777

[مقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

و بعد فهذه وجيزة في خلل الصلاة، و قد فسر بتفاسير: الفساد و الوهن و النقص و الاضطراب و غير ذلك، و الظاهر انها مصاديق عنوانه لا معان مختلفة له بأوضاع.

فإذا وقع في مهية تركيبية حقيقية أو اعتبارية شي ء مما ذكر يقع فيه خلل و اختلال، فاذا وقع في مهية تركيبة حقيقية أو اعتبارية شي ء مما ذكر يقع فيه خلل و اختلال، فاذا عرض لأركان بناء فساد في خشبته أو حديدة أو صار مضطربا من ناحية عوارض أو نقص منه شي ء أو وهنت أركانه مثلا صار ذا خلل.

و الصلاة بما أنها ماهية مركبة اعتبارية يدعى انها بناء فيه أركان و اجزاء و يعرض لهما خلل تارة من ناحية أمر يوجب فسادها مع عدم إمكان علاجه و اخرى من ناحية ما يوجب فسادها و لكنه يمكن علاجه، و يطلق على ما يعرض عليها الخلل اعتبارا فليس تسمية ذلك بالخلل

الا اعتبارا في أمر اعتباري.

ثم ان كل نقص أو احتمال نقص وقع في الصلاة يوجب بحسب القاعدة الأولية

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 4

فسادها أو الحكم بالفساد من غير فرق بين العلم بحصوله أو الشك فيه و من غير فرق بين الأركان و غيرها و لا بين عروض الشك في الركعات في المحل أو بعد الصلاة فالفساد بحسب الحكم أعم من الظاهري جامع بين جميع موارد الخلل المذكورة في مباحثه فالشك بين الثلاث و الأربع يوجب الفساد لولا دليل العلاج.

ثم ان الخلل كما يحصل بالنقيصة يحصل بالزيادة لا بمعنى الزيادة في المأمور به بما انه مأمور به حتى يقال بامتناعها بل بمعنى الزيادة في ما تعلق به الأمر مع قطع النظر عنه فلو تكرر منه الركوع يقال انه زاد في الصلاة عرفا لا بمعنى الزيادة في الماهية فإنها صادقة عليها حتى مع الزيادة بل بمعنى الزيادة في المأمور به مع الغض عن الأمر.

و ان شئت قلت حصلت الزيادة في مصداق المأمور به فالزيادة بهذا المعنى أمر معقول كما ان البطلان من أجلها أمر معقول فان بطلان الشي ء قد يكون لأجل النقص و عدم تطابق المأمور به مع المأتي به و قد يكون لأجل المزاحمة في الوجود أو لعروض مفسدة غالبة على المصلحة الكامنة فيه و طريق إحراز التزاحم هو الشارع الأقدس.

على ان للشارع جعل المبطلية استقلالا فان التحقيق صحة الجعل استقلالا في الوضعيات مطلقا و منها المانعية و الناقضية و المبطلية و توهم كون التشريع كالتكوين فلا يعقل جعل السببية و نحوها مستقلا قد فرغنا عن بطلانه في محله فلو دل الدليل على ان زيادة الركوع موجبة للفساد نأخذ به و نستكشف منه ان

الركوع الزائد مزاحم لوجود الصلاة الصحيحة المطلوبة و بهذا المعنى تكون الزيادة مبطلة.

و قد يقال ان البطلان بالزيادة حيث لا يعقل فلا بد و ان يرجع الى اشتراط العدم فتكون البطلان لأجل النقيصة.

و فيه ان العدم لا يعقل ان يكون شرطا و لا جزء بل و لا يعقل تصوره و الإشارة اليه و كل ما وقع من تصوره و الإشارة اليه انما يقع على الموجود الذهني اى المفهوم أو عنوان العدم الموجود بالحمل الشائع فلو كان البطلان من ناحية الزيادة غير معقول لا محيص عن طرح الأخبار الواردة في الزيادة أو تأويلها بوجه آخر لا بذاك الوجه

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 5

فان اشتراط العدم و التقييد به أوضح امتناعا منه و ما هو المعروف من ان عدم المانع من اجزاء العلة التامة كلام صوري لا بد من تأويله ان صدر عمن لا يحتمل فيه الغفلة فإن إثبات الجزئية أو الشرطية للباطل المحض و العدم غير معقول.

و ان شئت قلت ثبوت شي ء لشي ء فرع ثبوت المثبت له و لا ثبوت للعدم حتى الإضافي منه و ما قيل من ان للإعدام المضافة حظا من الوجود كلام ظاهري لا يعتنى به ان أريد به أن للعدم المضاف حظا منه و على ما ذكرنا من إمكان الزيادة و إمكان البطلان من أجلها لا بد من الأخذ بظاهر ما دل على البطلان من أجلها.

(القول في أنحاء الخلل)

فصل في الخلل العمدي

و هو على أقسام «منها» ما يصدر عن علم و التفات بلا عذر يدعو اليه و لا إشكال في كونه مبطلا مطلقا بالزيادة كان أو بالنقيصة ركنا كان أو غيره مثل ترك الجزء أو الشرط أو إيجاد المبطل و في إمكان شمول

حديث لا

تعاد

لمثله كلام يأتي التعرض له و على فرض إمكان الشمول لا شبهة في انصرافه عنه.

و منها ما وقع عن علم و عمد تقية و هي قد تكون عن خوف و اضطرار كما لو ضاق وقت الصلاة و اضطر بإتيانها على خلاف الواقع خوفا على نفسه مثلا و الظاهر صحة الصلاة عندئذ لوجوه أحدها

حديث رفع ما اضطروا «1» إليه

فإن الظاهر منها تعلق الرفع بذوات العناوين المذكورة فيه و حيث إنها غير مرفوعة خارجا فلا بد من حمل الحديث على الحقيقة الادعائية و مصححها رفع جميع الآثار إذ مع ثبوت

______________________________

(1) الوسائل كتاب الجهاد باب- 56- من أبواب جهاد النفس حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 6

بعضها لا يصح الدعوى إلا إذا كان الأثر المرفوع مما تصح دعوى كونه جميعها كقوله يا أشباه الرجال و لا رجال و ليس المقام كذلك و لازم رفع الآثار صحتها مع إيجاد الزيادة و القواطع و الموانع كزيادة السجدة مع قراءة العزائم و التكتف و قول آمين و نحوها.

و اما الترك تقية فلا يشمله الحديث لأنه ليس له أثر شرعي بل اثر ترك السورة مثلا بطلان الصلاة عقلا و ليس للشارع حكم الا وجوب الصلاة جامعة للاجزاء و الشرائط و ما ورد في الاخبار من الأمر بالإعادة و الاستيناف ليس حكما مولويا بل كناية عن بطلان الصلاة كما هو ظاهر و ليس اثر رفعه ثبوت مقابله الا عقلا و هو لا يثبت بالحديث.

الا ان يقال: بعد ظهور الدليل في رفع نفس العناوين و الحمل على الحقيقة الادعائية يمكن ان يكون الوجه المصحح للدعوى عدم الآثار مطلقا لا رفعها فإذا رأى المتكلم بهذا الكلام ان الترك لا اثر له في

التشريع و ان حكم الشرع معه الصحة و عدم الإعادة و القضاء قبال حكم العقل المترتب على اعتبار الاجزاء و الشرائط شرعا صح منه دعوى رفعه لفقد الأثر له مطلقا بل رفع الأثر العقلي برفع منشأه ممكن.

و مع صحة الدعوى كذلك لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الدليل و قد ذكرنا في محله ان لعنوان الترك ثبوتا إضافيا فراجع الأصول مع ان الرفع متعلق بعنوان ما اكره و ما اضطر اليه من العناوين الوجودية.

و لا فرق في التقية الاضطرارية بين كون التقية عن أمراء العامة و قضاتهم أو عن الكفار أو عن سلاطين الشيعة لإطلاق حديث الرفع و ما يأتي من الأدلة.

«ثانيها»

حديث لا تعاد الصلاة

«1» فإنه يدل على الصحة فيما عدا الخمس فان قوله لا تعاد كناية عن صحتها في هذه الحالة و لو بقبول الناقصة مكان التامة هذا بناء على شموله للخلل العمدي و عدم انصرافه و سيأتي الكلام فيه.

«ثالثها» روايات التقية

كصحيحة الفضلاء قالوا سمعنا أبا جعفر (ع) يقول

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 7

التقية في كل شي ء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله اللّه «1»

فهي بعمومها تدل على الصحة في جميع موارد الاضطرار سواء كان من قبل حكام العامة و قضاتهم أو غيرهم و سواء كان في الأركان أو غيرها بعد حفظ صدق الصلاة على الباقي.

و قد يتوهم ان قوله فقد أحله اللّه قرينة على تخصيص الشي ء في الصدر بالأمر التكليفي و فيه ان الحل و الحرمة و الجواز و اللاجواز و أشباهها لم توضع لغة للأحكام التكليفية بل هي موضوعة لمعنى يساوق التكليف تارة و الوضع أخرى ففي كل

مورد تعلقت بالعنوان النفسي الذي لا يتوقع منه الصحة و الفساد و لا التسبيب إلى أمر يكون مساوقا للتكليف كما لو تعلقت بشرب المسكر و الماء بخلاف ما لو تعلقت بمثل البيع أو الصلاة كقوله يحرم البيع الربوي و الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه أو قال أحل اللّه البيع و جاز البيع الكذائي و تحرم الصلاة في المغصوب فإنه يساوق للوضع حسب اختلاف الموارد.

فلو اضطر الى شرب الفقاع فقد أحله اللّه و يساوق التكليف و لو اضطر الى الطلاق بغير شرائطه و الى الصلاة على طريقة غير الحق فقد أحله اللّه و يساوق ذلك للوضع و بيان الصحة فقوله أحله اللّه في جميع الموارد بمعنى واحد يختلف بحسب الموارد تكليفا و وضعا.

هذا مع ان الحمل على خصوص التكليف يوجب الحمل على الفرد النادر جدا فان الابتلاء بالتقية في مخالفة التكليف كشرب الفقاع مثلا كان نادرا في عصر الصادقين (ع) بخلاف الابتلاء بالمخالفة تقية في الوضعيات كالمعاملات و العبادات فإنه كان كثيرا جدا فلا ينبغي الإشكال في بطلان هذه المزعمة كما لا ينبغي الإشكال في عمومه لكل خلل زيادة كان أو نقيصة ركنا كان أو غيره مع حفظ عنوان الصلاة على الباقي.

و توهم عدم العموم للنقيصة لأنها لم تكن محرمة و لا محكومة بحكم وضعي حتى تحلل عند الاضطرار و من هنا لا بد من تخصيص الحديث بالزيادة و بمثل القاطعية

______________________________

(1) الوسائل كتاب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر باب- 25- من أبواب الأمر و النهى و ما يناسبهما حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 8

و المانعية مما لها حكم وضعي أو تحريمي فاسد و ذلك لان من الواضح ان العقل و

العرف تبعا لاعتبار الشارع الجزء و الشرط في الصلاة يحكمان ببطلانها بتركهما و انه لا يجوز الترك المبطل فحكم الشرع على حسب الدليل بان الترك اضطرارا مباح لا مانع منه و قد أحله اللّه يفهم منه عدم بطلانها من هذه النقيصة و قياس المورد بحديث رفع الاضطرار مع الفارق كما يظهر بالتأمل.

و مثل الصحيحة بل أوضح منها دلالة في شمول الوضع

موثقة سماعة عن ابى عبد اللّه (ع) قال إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر اليه و قال ليس شي ء مما حرم اللّه الا و قد أحله لمن اضطر اليه «1»

بناء على أن ما في الذيل بمنزلة الكبرى الكلية المتيقن انطباقها على الصدر الذي تضمن للحكم الوضعي و احتمال كونه حكما مستقلا ذكره الامام (ع) في وقت أخر و قد جمع سماعة بينهما بعيد مخالف للأمانة في الحديث بعد احتمال وقوع الاشتباه معه في الدلالة.

و هنا روايات دلت على الصحة في موارد التقية عن العامة و لو من غير اضطرار في الارتكاب

كموثقة مسعدة بن صدقة و فيها فكل شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدى الى الفساد في الدين فإنه جائز «2»

و قد مر ان الجواز و نحوه ليس بمعنى الجواز التكليفي و

صحيحة أبي الصباح و فيها ما صنعتم في شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة «3»

دلت على التوسعة في الإتيان بالمأمور به على طريقتهم و هي تعم التكليف و الوضع الى غير ذلك مما تدل على صحة المأتي به على طريقتهم.

بل في كثير من الاخبار الحث على الصلاة معهم و الاقتداء بهم في صلاتهم و الاعتداد بها

كصحيحة حماد

بن عثمان عن ابى عبد اللّه (ع) انه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول اللّه (ص) في الصف الأول «4»

و

صحيحة ابن سنان عنه و فيها و صلوا معهم في مساجدهم «5»

و

صحيحة على بن جعفر عن أخيه (ع) قال صلى حسن (ع) و حسين (ع) خلف مروان و نحن نصلي معهم «6»

الى غير ذلك

______________________________

(1) الوسائل كتاب الايمان باب- 12- من أبواب الأيمان حديث: 18

(2) الوسائل كتاب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر باب- 25- من أبوابهما حديث: 6

(3) الوسائل كتاب الايمان باب- 12- من أبواب الأيمان حديث: 2.

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 5- من أبواب صلاة الجماعة حديث 1

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 5- من أبواب صلاة الجماعة حديث 8

(6) الوسائل كتاب الصلاة باب- 5- من أبواب صلاة الجماعة حديث 9

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 9

مما هو ظاهر في الصحة.

مع ان الصلاة معهم كانت في العصر الأول إلى زمان الغيبة مبتلى بها للأئمة (ع) و أصحابهم و لم يمكن لهم التخلف عن جماعاتهم و مع ذلك كانوا يعتدون بها كما انهم كانوا يحجون معهم طوال أكثر من مأتي سنة و كان أمر الحج في الوقوفين بيد الأمراء و لم يرد انهم عليهم السلام أو أصحابهم تخلفوا عنهم في ذلك أو ذهبوا سرا الى الموقفين كما يفعله جهال الشيعة فلا شبهة في صحة كل ما يؤتى به تقية و من أراد الوقوف على أكثر من ذلك فليراجع رسالتنا في التقية.

و منها ما وقع عن علم و التفات اكراها كما لو أكرهه مكره على الإتيان بالزيادة أو بالقواطع و الموانع و يدل على الصحة هنا ما لم يخرج

المأتي به عن صدق الصلاة عليه حديث الرفع «1» بعين ما ذكرناه في الإتيان الاضطراري.

فصل في الخلل عن جهل

و هو اما عن الجهل بالحكم أو بالموضوع عن تقصير أو قصور كما في تخلف الاجتهاد و التقليد الصحيحين زيادة كان أو نقيصة ركنا أو غيره و يدل على الصحة في الجميع مع الغض عن المعارض الذي نتعرض له حديث الرفع ببيان قدمناه من ان ضم دليل الرفع الى دليل وجوب الصلاة ينتج كون المأمور به ما عدا المرفوع و عليه فالإتيان به موجب للصحة عقلا.

و قد يستشكل في شموله للشبهة الحكمية بلزوم المحال ضرورة أن اختصاص الحكم بالعام به دور صريح و فيه ان الوجه المصحح للدعوى ان كان رفع الآثار أو عدمها في جميع التسعة فلا يرد إشكال لأن الحكم باق و المرفوع آثاره فلا يلزم اختصاص الحكم بالعالم به و ان كان المرفوع فيما يمكن رفعه كالشبهة الحكمية نفس الحكم حقيقة و في ما لا يمكن فيه ذلك رفع العنوان ادعاء بلحاظ آثاره لا بمعنى استعمال اللفظ

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 10

في المعنى الحقيقي و المجازي لما قررنا في محله من أن الاستعمال حتى في المجازات فضلا عن الاستعارات انما يكون في المعنى الحقيقي مع ان الاستعمال في أكثر من معنى جائز فلا ينبغي الإشكال فيه أيضا.

بل التصويب بالمعنى الذي ادعى قوم من مخالفينا معقول لا يلزم منه الدور كما قيل لإمكان كون الحكم الجدي أو الفعلي تابعا لاجتهاد المجتهد في الأحكام الإنشائية فما في الكتاب و السنة هي الأحكام الإنشائية مطلقا و يقتضي الأصل العقلائي الحمل على الجد إلا إذا دل الدليل على

التخصيص و التقييد و عليه فلا مانع هناك من ان يكون حكم اللّه الواقعي تابعا لاجتهاد المجتهد في الأدلة الظاهرية فلا يلزم الدور.

و في المقام يمكن ان تكون الجزئية و الشرطية و المانعية الإنشائية مشتركة بين العالم و الجاهل و مع تعلق العلم بالانشائيات منها تصير جديا أو فعليا فلا إشكال عقلي في المقام و إثبات الإجماع في المقام محل تأمل بعد احتمال استناد فتوى المعظم الى الأمر العقلي الذي تشبث به كثير من المحققين و لو ثبت إجماع على بطلان التصويب فإنما هو في التصويب الذي قال به غيرنا لا في مثل ما ذكرناه في المقام.

ثم ان مقتضى إطلاق حديث الرفع الأخذ به في جميع موارد الجهل لكن لا ينبغي الإشكال في انصرافه عن الجاهل المقصر سواء علم إجمالا باشتمال الشريعة أو الصلاة على أحكام تكليفية و وضعية و أهمل أم لا.

اما على الأول فلعدم صدق لا يعلم عليه لفرض علمه و لو إجمالا بالتكليف و مع عدم شمول حديث الرفع له يجب عليه الإتيان بالواقع و لو بنحو الاحتياط.

و اما على الثاني فلان الظاهر و لو بالقرائن الخارجية و بضميمة سائر العناوين المأخوذة في الحديث ان الرفع إرفاق لمن ابتلى بأحد العناوين لا باختيار منه و بغير عذر فمن أوقع نفسه في الاضطرار إلى أكل الميتة لم يرفع عنه الحرمة و ان وجب عليه حفظ نفسه بارتكاب المحرم من دون أن يكون الاضطرار اليه عذرا له فيستحق العقوبة بارتكابه و من علم انه لو ذهب الى مكان كذا اكره على شرب الخمر فذهب

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 11

اختيارا فابتلي بشربها عن إكراه لا إشكال في انه معاقب عليه فالجاهل غير المعذور

عقلا الجري ء على المولى لا يستحق الإرفاق و لم يرفع الحكم عنه و كيف كان الرواية منصرفة عن المقصر.

و اما القاصر فتشمله الرواية من غير فرق بين المجتهد المتخلف اجتهاده عن الواقع و المقلد المتخلف تقليده الصحيح عن الواقع و بين العامي القاصر و بتحكيمها على الأدلة الأولية تصير النتيجة كون الباقي تمام المأمور به و صحت صلاته فلا اعادة في الوقت فضلا عن القضاء فالتفصيل بين الشبهة الحكمية و الموضوعية معللا بلزوم الدور غير وجيه لما عرفت كما ان الإجماع غير ثابت.

ثم انه على ما ذكرناه من لزوم الأخذ بظاهر روايات البطلان بالزيادة لا إشكال في رفعها بالحديث.

و اما على مبني القوم من عدم معقولية البطلان بالزيادة و لزوم الإرجاع إلى اشتراط العدم فقد يقال بان الترك و العدم غير مشمولين له لأنه حديث رفع و لا يعقل رفع العدم و الترك و فيه انه بعد البناء على إمكان اشتراط العدم فلا ينبغي الإشكال في الشمول لأن شرطية عدم الزيادة المشكوك فيها في الشبهة الحكمية وجودية بل الترك أو عدم الزيادة لا بد و ان يكون لهما وجود اعتباري على الفرض بل لهما ثبوت إضافي و المفروض أن الرفع ادعائي لا حقيقي و عليه لا اشكال فيه.

ثم على الفرضين اى الرفع الحقيقي و الادعائي فكما لا توجب الإعادة و القضاء لا يجب الاستيناف لو علم بالواقعة في أثناء الفعل فلو زاد في صلاته أو ترك جزء أو شرطا و علم في الأثناء صحت صلاته و لا يجب الاستيناف بل لا يجوز قطعها.

بل لو كان محل الإتيان باقيا اى علم بترك الجزء قبل وروده في الركن لا يجب العود لان حال الجهل كان مرفوعا و

الميزان مراعاة حاله لا حال العلم بل على فرض الرفع الحقيقي يعد الإتيان به و بما بعده زيادة في المكتوبة بل على غيره أيضا زيادة حكما.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 12

و التفصيل في الفرق بين مؤدى الأمارات و الأصول و بيان ما هو مقتضى القاعدة من الاجزاء في الثاني دون الأول موكول الى محله هذا بحسب مقتضى الحديث مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة.

و تدل أيضا على الصحة مطلقا الا ما استثنى مع الغض عن سائر الأدلة

صحيحة زرارة المنقولة في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال لا تعاد الصلاة الا من خمس الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود ثم قال القراءة سنة و التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة «1»

و قد رويت في غيره بلا ذكر ذيلها اى لا تنقض السنة إلخ و ما في الفقيه اجمع و احتمال الزيادة في الرواية سيما بمثل ذلك مقطوع البطلان و لا تعارض أصل عدمها أصالة عدم النقص كما لا يخفى.

و الظاهر من قوله لا تعاد مع الغض عن الذيل هو الإرشاد الى عدم البطلان في غير الخمس كما يظهر بالرجوع الى العرف في مثل ذلك و الى أشباهه و نظائره في الاخبار و بملاحظة ما في الذيل يكون كالصريح في ذلك فان التعليل بان عدم الإعادة لأجل عدم نقض السنة الفريضة كالنص في ان عدم الإعادة لعدم الابطال فالحكم به للإرشاد إلى الصحة و احتمال كونه حكما مولويا في غاية السقوط.

فلا يعتنى بالتقريب الذي أوردوه لعدم شمول الحديث للجهل من ان الظاهر من قوله لا تعاد نفى الإعادة في مورد لولا الحديث كانت الإعادة بعنوانها متعلقة للأمر و هذا ليس

إلا في صورة السهو و النسيان اللذين لا يعقل معهما بقاء الأمر الأول و التكليف بالإتيان بالمأمور به فلا محالة يكون الأمر المولوي بوجوب الإعادة ممحضا فيهما و اما في صورة العمد و الجهل فيكون الحكم بها عقليا و الأمر بها إرشادا الى حكمه.

و بما ذكرناه من التقريب يظهر النظر في كلام بعض محققي العصر رحمه اللّه من الاتعاب لبيان صدق عنوان الإعادة على الوجود الثاني و لو وقع عن جهل أو عمد إذ لم يكن المدعى عدم صدق عنوان الإعادة في صورتي العمد و الجهل، بل كانت

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 13

الدعوى عدم تعلق الأمر المولوي بها مع وضوح الحكم بها عقلا و كيف كان يرد عليه ما قدمناه من كونه إرشادا إلى البطلان و عدمه.

هذا مضافا الى ان الفرق بين الجهل و السهو لا يرجع الى محصل ضرورة ان توجه الخطاب الى الجاهل سيما المركب منه غير معقول كالتوجه إلى الناسي و الساهي و الإجماع على اشتراك الجاهل و العالم على فرض صحته لا يدفع الإشكال العقلي و التكليف بالمعنى الذي لا اشكال فيه عقلا يشترك فيه الناسي و الجاهل على السواء كما انهما مشتركان في مورد الامتناع.

بل قد ذكرنا في محله بطلان أساس الاشكال و الرد فإنهما مبتنيان على انحلال الخطابات العامة كل الى خطابات عديدة عدد المكلفين متوجهة إليهم باشخاصهم و لازمه تحقق مبادئ الخطاب في كل على حدة فكما لا يمكن توجه خطاب خاص إلى الناسي لعدم حصول مباديه كذلك لا يمكن خطابه في ضمن الخطاب العام المنحل الى الخطابات لعدم حصول مباديه.

إذ فيه مضافا الى ان

لازمه عدم تكليف العاجز و النائم و الجاهل و غيرهم من ذوي الأعذار بل و العاصي المعلوم عدم رجوعه عنه فإن مبادي توجيه الخطاب اليه بخصوصه مفقودة لعدم إمكان الجد في بعث من لا ينبعث قطعا و من المقطوع عدم التزامهم بذلك ان قياس الخطابات العامة بالخطاب الخاص مع الفارق فإنه في الخطاب العام لا بد من حصول مباديه لا مبادي الخطاب الخاص.

فاذا علم الآمر بأن الجماعة المتوجه إليهم الخطاب فيهم جمع كثير ينبعثون عن امره و ينزجرون عن نهيه و ان فيهم من يخضع لأحكامه و لو الى حين صح منه الخطاب العام و لا يلاحظ فيه حال الأشخاص بخصوصهم الا ترى الخطيب يوجه خطابه الى الناس الحاضرين من غير تقييد و لا توجيه الى بعض دون بعض و احتمال كون بعضهم أصم لا يعتنى به بل العلم به لا يوجب تقييد الخطاب بل انحلال الخطاب أو الحكم حال صدوره بالنسبة إلى قاطبة المكلفين من الموجودين فعلا و من سيوجد

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 14

في الأعصار اللاحقة مما يدفعه العقل ضرورة عدم إمكان خطاب المعدوم أو تعلق حكم به و الالتزام بانحلاله تدريجا و في كل عصر حال وجود المكلفين لا يرجع الى محصل.

و الحق ان التشريع في الشرع الأطهر و في غيره من المجالس العرفية ليس الا جعل الحكم على العناوين و الموضوعات ليعمل به كل من اطلع عليه في الحاضر و الغابر.

فالقرآن الكريم نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أبلغه الى معدود من أهل زمانه و هو حجة قاطعة علينا و على كل مكلف اطلع عليه من غير ان يكون الخطاب منحلا الى خطابات كثيرة حتى

يلزم مراعاة أحوال كل مكلف و هو واضح.

فلا فرق بين العالم و الجاهل و الساهي و غيرهم بالنسبة إلى التكاليف الإلهية الأولية بعد تقييد المطلقات و تخصيص العمومات بما ورد في الكتاب و السنة كحديث الرفع و لا تعاد و غيرهما فالقول بسقوط الخطاب عن الساهي و الناسي خلاف التحقيق فيسقط ما يترتب عليه مما ورد في كلام المحققين من المتأخرين.

و ما قيل من ان تعذر جزء من المركب المأمور به يوجب سقوط امره و تعلق أمر آخر بالناقص فيما لو أراد الأمر تحققه عند تعذر التام مبني على مبان فاسدة قد أشرنا إليه قبلا و حققناه في غير المقام.

هذا مضافا الى ان العناوين المأخوذة في موضوع الخطابات و الأحكام سواء كانت من قبيل العمومات كقوله يا ايها الذين آمنوا و الطبائع و المطلقات كقوله من آمن و نحوه لا يعقل ان تكون حالية عن الطواري العارضة على المكلفين من العلم و النسيان و القدرة و العجز و غيرها.

ضرورة ان اللفظ الموضوع لمعنى لا يعقل ان يحكى عن غيره في مقام الدلالة إلا مع صارف و قرينة فقوله مثلا المؤمن يفي بنذره لا يحكى الا عن الطبيعة دون لواحقها الخارجية أو العقلية و كذا الحال في قوله يا أيها المؤمنون فإن دلالته على الإفراد ليست الا بمعنى الدلالة على المصاديق الذاتية لطبيعة المؤمن اى الإفراد بما

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 15

هم مؤمنون لا على الأوصاف و الطواري الأخر إذ لا تحكي الطبيعة إلا عمن هو مصداق ذاتي لعنوانها و لا تكون آلات التكثير كالجمع المحلى و الكل إلا دالة على تكثير نفس العنوان و لا يعقل دلالتها على الخصوصيات الفردية فعموم الخطاب ليس

في المثال إلا للمؤمنين.

فإذا ورد مثله في الكتاب العزيز يشمل كل مؤمن في كل عصر حال وجودهم و لكن ليس حجة عليهم الا بعد علمهم بالحكم فقبل تبليغ الرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لم يكن حجة على أحد الا على نفسه الكريمة و بعد التبليغ صار حجة على السامعين دون الغائبين و عند ما وصل إليهم صار حجة عليهم و بعد وجود المكلفين في الأعصار المتأخرة لم يكن حجة عليهم الأبعد علمهم به.

فالجاهل و العالم و الناسي و المتذكر و العاجز و القادر كلهم سواء في ثبوت الحكم عليهم و شمول العنوان لهم و اشتراك الأحكام بينهم و ان افترقوا في تمامية الحجة عليهم فذووا الاعذار مشتركون مع غيرهم في الحكم و شمول العنوان لهم و ان اختلفوا عن غيرهم في ثبوت الحجة عليهم.

و مما تقدم يظهر النظر في كلام شيخنا الأستاد أعلى اللّه مقامه في كتاب الصلاة و محصله دعوى انصراف الحديث الى الخلل الحاصل بالسهو و النسيان في الموضوع بدعوى ان ظاهره الصحة الواقعية و ان الناقص مصداق واقعي للمأمور به كما يشهد به

ما ورد في النسيان الحمد حتى ركع من انه تمت صلاته «1»

فالناسي مخصوص بخطاب متعلق بالناقص و لا مانع من خطاب الناسي و صلاة الذاكر و الناسي كصلاة الحاضر و المسافر فما اتى به تمام المأمور به.

كما ان الظاهر منه ان الحكم بالصحة و التمامية انما هو فيما لو تذكر بعد الفراغ من الصلاة أو بعد المضي عن إمكان تدارك المنسي كما لو تذكر بعد دخوله في الركن فالعامد الملتفت و الشاك في الجزئية أو الشرطية و نحوهما خارجان عن مصبه و كذا غيرهما

______________________________

(1) الوسائل كتاب

الصلاة باب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 16

ممن يصح له الدخول لجهله المركب أو للأصول العقلائية فإنه أيضا خارج عن مصب الحديث لما أشرنا إليه من الدلالة على كون المأتي به تمام المأمور به إذ على هذا يلزم من شموله له التصويب المحال أو المجمع على بطلانه فغير الناسي و الساهي في الموضوع اما خارج عن مصب الرواية أو خارج بدليل عقلي أو شرعي.

وجه النظر مضافا الى ما تقدم من عدم بطلان التصويب عقلا حتى ما قال به المخالف للحق و عدم ثبوت الإجماع على بطلان التصويب بالمعنى الذي ذكرناه.

هو ان الحديث ظاهر كالصريح في ان المأتي به ليس تمام المأمور به لان التعليل الذي ورد فيه بأن السنة لا تنقض الفريضة دال على أن المصداق الذي اتى به المكلف واجدا للخمس و فاقدا للقراءة و التشهد مثلا انما لم يبطل لان المفقود سنة و هي لا تنقض الفريضة فكونه سنة أي مفروضا من قبل السنة لا الكتاب كان مفروغا عنه بحسب مفاده فلو كان الساهي مكلفا بخصوص الناقص فقط و لم يكن الجزء المنسي جزء في حقه لم يصدق عليه انه سنة لا تنقض الفريضة فعدم نقضها متفرع على فرض كون الجزء سنة لا على عدم كونه جزء و هو ظاهر كالصريح في جزئية المنسي حال النسيان.

بل ظاهر قوله لا تعاد الصلاة الا من خمس ان غير الخمس أيضا داخل في الصلاة لكن لا تعاد بتركه لا انه غير جزء لها فعدم الإعادة بنفي الموضوع خلاف الظاهر فلا ينبغي الإشكال في عموم الرواية لكل خلل بأي سبب.

بل لولا انصراف الدليل و بعد الالتزام بصحة الصلاة مع

الترك العمدي و الدخول في الصلاة مريدا لترك القراءة و سائر الأذكار الواجبة و غيرها مما عدا الخمس لكان للقول بالشمول للعامد أيضا وجه لان الظاهر من التعليل ان الفريضة لها بناء و إتقان لا ينهدم بالسنة و التقييد بحال دون حال لعله مخالف للظهور في ان السنة بما هي لا تنقضها و حديث مخالفة جعل الجزئية مع الصحة حال العمد قد فرغنا عن بطلانه.

و كيف كان لو رفعنا اليد عنه بالنسبة إلى العامد العالم فلا وجه لرفع اليد عنه

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 17

بالنسبة إلى الشاك الملتفت المتمسك بالبراءة العقلية و النقلية للدخول في الصلاة فضلا عن الساهي للحكم و الجاهل المركب و من له امارة على عدم الجزئية أو الشرطية فانكشف البطلان بعد الصلاة أو بعد مضى محل التدارك و الإجماع المدعى في المقام غير ثابت بعد تخلل الاجتهاد فيه كما لا يخفى.

و قد يقال بعد الاعتراف بالإطلاق بأنه يقيد بما

في صحيحة زرارة ان اللّه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود و القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي فلا شي ء عليه «1»

فيقيد به رواية لا تعاد فان قوله فيها القراءة سنة بمنزلة التعليل فكأنه قال لا تعاد الصلاة بترك السنة و بعد تقييدها يصير المتحصل هو اختصاص نفى الإعادة بصورة الإخلال السهوي بملاحظة اندراج الإخلال الجهلى في العمدي لصدقه عليه.

كما لعله يشهد بذلك المقابلة بين الترك العمدي و السهوي في الرواية فإنه يستفاد منها اندراج الإخلال الجهلى خصوصا الجهلى بالحكم في الإخلال العمدي نعم إذا كان أمر شرعي بوجوب المضي يخرج عن العمد لان المكلف مقهور و مسلوب عنه القدرة على الترك و لو

بحكم العقل على وجوب الطاعة انتهى ملخصا.

و أنت خبير بان هذا لا يفيد فإنه بعد تسليم المقدمة لا يستفاد منه الا التقييد بالنسبة إلى القراءة كما ان دعوى عدم صدق العمد مع وجود الأمر الشرعي بالمضي بدعوى أن المكلف مقهور عندئذ و مسلوب القدرة فيها ما فيها.

فالأولى في التقريب ان يقال ان قوله فمن ترك القراءة متعمدا متفرعا على قوله القراءة سنة يدل على ان في ترك القراءة لكونها سنة التفصيل بين العمد و النسيان فيسري الحكم الى مطلق السنة.

و تدل على المقصود أيضا

رواية دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (ع) انه قال: القراءة في الصلاة سنة و ليست من فرائض الصلاة فمن نسي القراءة فليست عليه اعادة و من تركها متعمدا لم تجزئه صلاته لأنه لا يجزى تعمد ترك السنة و ادنى ما يجب

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 27- من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 18

في الصلاة تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود من غير ان يتعمد ترك شي ء مما يجب عليه من حدود الصلاة و من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي فلا شي ء عليه «1».

هذا غاية ما يقال في تقريب التقييد و اختصاص عدم الإعادة بالسهو لكن يرد عليه ان معنى التعمد عرفا و هو المستفاد من الكتاب و السنة أيضا هو إتيان الشي ء أو تركه مع القصد الناشي عن العلم بعنوان الفعل و العمل فمن قتل مؤمنا زاعما أنه كافر مهدور الدم لا يصدق في حقه انه قتل مؤمنا متعمدا و ان صدق انه قتل شخصا متعمدا و لا ينطبق عليه قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ «2».

و قد

ورد في الاخبار ان من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ملة الإسلام «3»

و من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه كفارة «4»

الى غير ذلك مما يشهد بان الترك متعمدا لا ينطبق الا مع العلم بأطراف العمل فمن قطع بان القراءة ليست جزء الصلاة فتركها لا يكون متعمدا في ترك القراءة في الصلاة و كذا من تركها مع قيام امارة على العدم أو حجة عليه من الأصل العقلي أو الشرعي فالترك التعمدى هو الترك مع العلم بالحكم و الموضوع و الا لم يكن متعمدا في ترك ما هو المفروض في صلاته.

و على هذا فمفهوم قوله ان كان متعمدا هو ان لم يكن كذلك الشامل للناسي و الساهي حكما و موضوعا و الجاهل بالموضوع و الحكم مركبا أو بسيطا بل و المتعمد التارك لعذر شرعي أو عقلي كما لو أكره أو اضطر الى الترك لانصراف المتعمد عن كل ما ذكر فالمفهوم دال على عدم الإعادة عليه.

و اما تخصيص النسيان بالذكر في الجملة الثانية مع انه من مصاديق المفهوم فلان الجهل بحكم القراءة و انها جزء الصلاة في زمان الصدور و من المخاطبين بتلك الروايات كان في غاية القلة فضلا عن العلم بالخلاف و اما النسيان فأمر يبتلى به عامة الناس نوعا فذكر مصداق من المفهوم في مثله متعارف.

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب الخلل حديث 7 و باب- 6- من أبواب فضل الصلاة: حديث 27

(2) سورة النساء آية 93

(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب الخلل حديث 7 و باب- 6- من أبواب فضل الصلاة: حديث 27

(4) الوسائل كتاب الصوم باب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم

حديث: 11

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 19

و الدليل على كثرة الابتلاء به دون غيره الروايات الكثيرة جدا الواردة في باب التكبير و القراءة و الركوع و السجود و ذكرهما و غير ذلك فإنها سؤالا و جوابا على كثرتها لم تتعرض لغير النسيان الا نادرا كالروايتين الواردتين في الجهر و الإخفات «1» و القصر و الإتمام «2» و اما الروايات الواردة في القراءة فكلها متعرضة للنسيان و في بعضها تصريح بان المراد بالتعمد الترك عن علم بالحكم و الموضوع

كقوله (ع):

في رواية قرب الاسناد ان يفعل ذلك متعمدا لعجلة «3».

و ان شئت قلت بعد ظهور التعمد في الشي ء في كونه عن علم و لو في العرف لا بد من الأخذ به و بمفهومه و مجرد مقابلة النسيان له لا توجب صرفه عن ظاهره بعد وجود نكتة ظاهرة في التخصيص بالذكر.

مصافا إلى انه مع الغض عما ذكر و تسليم المقدمات لا تدل الروايات الا على حكم القراءة التي يمكن ان تكون لها خصوصية فإنه لا صلاة الا بها كما في الحديث «4».

و ما ذكرناه من التقريب للتسرية إلى غيرها اشعار لم يصل الى حد الدلالة حتى يمكن معه رفع اليد عن الظاهر الذي هو الحجة و رواية دعائم الإسلام و ان كانت ظاهرة بل صريحة في العموم لكنها لا يعتمد عليها و لا تصلح لتقييد إطلاق الحجة و مما تقدم ظهر حال الخلل عن نسيان أو سهو فان دليل الرفع حاكم بالصحة كما انه مشمول لحديث لا تعاد بل شموله لنسيان الموضوع متسالم عليه بينهم.

فصل هل يشمل الحديث للزيادة أو يختص بالنقيصة؟ و قد يقال: ان أكثر ما في المستثنى حيث كان مما لا يقبل الزيادة

فهذا موجب لانصراف الدليل إلى النقيصة حتى في المستثنى منه فلا تعرض في الحديث للزيادة رأسا و فيه ما لا يخفى من الوهن ضرورة ان مجرد عدم كون بعض المصاديق قابلًا للزيادة لا يوجب الانصراف عنها.

و قد يقال ان المستثنى مفرغ و المقدر انه لا تعاد بشي ء و هو أمر وجودي و العدم ليس بشي ء فيختص بنقص ما اعتبر وجوده أو ينصرف اليه.

و فيه مضافا الى ان العدم لو فرض اعتباره في التشريع يكون له ثبوت

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 26- من أبواب القراءة في الصلاة حديث 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 17- من أبواب صلاة المسافر حديث 4

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة حديث 4.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب 1 من أبواب الوضوء حديث 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 20

اعتباري و وجود تشريعي انه قد تقدم ان الزيادة بعنوانها موجبة للزوم الإعادة و ان الزيادة ناقضة جعلا مع ان الظاهر عرفا من مثل

قوله (ع): من زاد في صلاته فعليه الإعادة «1»

ان الزيادة بنفسها موجبة لذلك و إرجاع ذلك الى اشتراط العدم كما قالوا انما هو أمر عقلي يغفل عنه العرف المعيار في أمثال ذلك مع ان المقدر المناسب للحديث خصوصا بملاحظة التعليل في الذيل انه لا يعاد بإخلال فيعم كل ما يخل بالصحة.

نعم هنا وجه لدخول زيادة الركوع و السجود في المستثنى منه و عدم البطلان بزيادة الركن و هو التعليل بأن السنة لا تنقض الفريضة فإن الفريضة هو الخمسة و اما الاشتراط بعدم زيادة الركوع و السجود أو كون زيادتهما مبطلة فلا يدل عليهما إلا السنة كقوله من زاد في صلاته فعليه الإعادة فالحديث بحسب

التعليل دال على عدم نقض ما فرضه اللّه بشي ء ثبت بالسنة.

و يؤيده الروايات الدالة على انه

لو أتم الركوع و السجود فقد تمت صلاته «2»

و قوله (ع): و ادنى ما يجب في الصلاة تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود من غير ان يتعمد ترك شي ء مما يجب عليه من حدود الصلاة «3».

فإن قلت ان قوله السنة لا تنقض الفريضة بمنزلة التعليل لما سبق و الفريضة هي ما أوجبه اللّه و السنة ما أوجبه رسول اللّه (ص) فهو دال على ان كل ما أوجبه النبي (ص) لا ينقض فريضة اللّه و من المعلوم ان ما أوجبه النبي (ص) هي الاجزاء و الشرائط المأخوذة في الصلاة و اما الموانع و القواطع و الزيادة فيها فهي خارجة عنه و حينئذ ان قلنا بأن العلة تعمم و تخصص تكون الرواية دالة على اختصاص عدم النقض بالواجبات و الفرائض النبوية و اما غيرها فناقض و ان لم نقل بالتخصيص فلا أقل من سكوتها عنها فلا يشمل المستثنى منه الا للنقيصة و كذا المستثنى.

قلت ان السنة في الرواية و الفريضة في قوله فرض اللّه السجود و الركوع ليستا بمعنى الواجبات المعروفة عندنا اى الواجبات التي يستحق المكلف العقاب على تركها.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 29- من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2

(3) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 21

ضرورة عدم تعلق الوجوب المولوي إلا بنفس طبيعة الصلاة من غير تعلق أمر مولوي بالاجزاء و الشرائط و لا ثبوت وجوب لها استقلالا و لا

تبعا و لا انحلال وجوبها أوامرها الى وجوبات و أوامر و لا بسط الوجوب النفسي الى الاجزاء و الشرائط بحيث تصير واجبات تعبدية نفسية مولوية فان لازمه اشتمال الصلاة و كل مركب واجب الى تكاليف عديدة يعاقب بترك الصلاة عقابات عديدة عدد الاجزاء و الشرائط و هو ضروري البطلان.

و ما يتكرر في الألسن من الوجوب الضمني لا يرجع الى محصل الا ان يراد ان الصلاة واجبة بالذات و ينسب الوجوب الى الاجزاء بالعرض و المجاز و الا فأمر الشارع بالصلاة و كل مركب أمر واحد متعلق بطبيعة واحدة يفنى فيها الاجزاء و الشرائط عند تعلقه بها و ان كانت ملحوظة حين تقدير الاجزاء و اعتبارها في المركب فليس الملحوظ حال تعلق الأمر بالطبيعة الا نفسها لا الاجزاء ففي قوله أقم الصلاة لا يلاحظ الا طبيعتها و عند اللحاظ الثانوي يرى اشتمالها عليها فترك الجزء ليس مخالفة لأمر المولى و لا يكون المكلف معاقبا عليه بل العقاب على ترك الطبيعة و المركب الذي يكون بترك الجزء أو الشرط.

بل المراد بالفريضة في تلك الروايات هو ما قرره اللّه و قدره و عينه و حدده في كتابه و يستفاد اعتباره منه كقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ «1» و قوله تعالى:

إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «2» و قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ «3» و قوله تعالى:

وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ «4» و قوله تعالى فَاسْجُدُوا لِلّٰهِ «5» فإن شيئا منها ليست فريضة بالمعنى المعروف بل بمعنى ما قدره و شرعه و حدده اللّه كما يستعمل في كتاب الإرث و يقال للإرث: إنه فرض اللّه و كقوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ «6» اى قرره و حدده و

قوله تعالى لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبٰادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً «7» اى مقتطعا محدودا و بالسنة

______________________________

(1) سورة البقرة- آية- 146

(2) سورة المائدة آية- 6

(3) سورة الإسراء آية- 78

(4) سورة البقرة- آية- 43

(5) سورة النجم- آية- 53

(6) سورة القصص- آية- 85

(7) سورة النساء- آية- 118

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 22

ما سنه و شرعه رسول اللّه و سنته سيرته و طريقته و شريعته فالمراد من الحديث ان ما قرره و شرعه رسول اللّه لا ينقض الفريضة و المراد بالفريضة في الرواية مع الغض عن سائر الروايات هي الصلاة فتكون الفريضة بمعناها المعروف عندنا فكأنه قال لا تعاد الصلاة لأنها لا تنقض بالسنة و قد مر ان ما في بعض الروايات فرض اللّه الركوع و السجود ليس بمعنى أوجبهما و الأمر بهما إرشادي لا يطلق عليه الفرض و لا على متعلقة الفريضة.

و كيف كان لا ينبغي الإشكال في أن السنة في الرواية ليست بالمعنى المصطلح و لا بمعنى الواجب من قبل النبي (ص) بل بمعنى ما سنه و شرعه و ثبت بالسنة اى الأحاديث و هو أعم من الشروط و الاجزاء و الموانع و القواطع كالزيادة فيها فإطلاق المستثنى منه المنطبق على الجميع المؤيد بالتعليل في الذيل محكم.

و على فرض التنزل عن ذلك فلا ينبغي الإشكال في إلغاء الخصوصية عرفا بل يفهم من سياق الرواية ان الصلاة التي من الفريضة لا تنقضه شي ء مطلقا الا الخمس من غير فرق بين الواجبات و غيرها كالموانع و القواطع و اما المستثنى فمختص بنقص الخمسة التي هي من فرض اللّه و الزيادة في الركوع و السجود داخلة في المستثنى منه كما لا ينبغي الإشكال في ان جميع ما يعتبر في الركوع و

السجود من الذكر و الاستقرار بل و وضع ما عدا الجبهة على الأرض مما علم من السنة داخلة في المستثنى منه و لا تنقض الصلاة بها.

فما في بعض كلمات الأعلام من انه لا يستفاد ما ذكر من الرواية لاحتمال كون المراد بالسجود و الركوع ما قرره الشارع في الصلاة غير وجيه لما عرفت من وضوح استفادته من التعليل الذي كالصريح في ذلك.

ثم ان الظاهر من حديث لا تعاد كما أشرنا إليه هو ان السنة المعتبرة في الصلاة مع فرض أنها سنة فيها لا تنقض الفريضة فجزئيتها للصلاة أو شرطيتها مفروغ عنها بحسب التشريع لكن مع ذلك حكم بعدم الإعادة بنقصها أو زيادتها و حديث الرفع بناء على الرفع الحقيقي فيما يمكن رفعه كالجهل بالحكم و نسيانه مناف له و يرفع

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 23

التنافي بينهما بالحمل على الحقيقة الادعائية كما في أكثر الفقرات بل لعله الظاهر منه فان الحمل على الحقيقي في بعض و الادعائي في غيره و ان أمكن لكنه خلاف الظاهر و السياق.

و كيف كان يستفاد منهما ان الاجزاء و ان كانت اجزاء لكنها مرفوعة بحسب الادعاء لفقد الأثر المترتب عليها.

و لعل حديث لا تعاد ناظر الى حديث الرفع و انه مع رفع الجزء و الشرط و المانع و لو ادعاء يرفع موضوع الإعادة و في الحقيقة المبنى و الأصل في صحة الصلاة مع الخلل هو حديث الرفع و تدل على الصحة أيضا بعض روايات أخر يأتي الإشارة إليها.

و في مقابل تلك الروايات ما دلت على البطلان

كموثقة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه (ع): من زاد في صلاته فعليه الإعادة «1»

و الظاهر شمولها لكل زيادة أتيت بها بقصد

كونها منها ركعة كانت أو جزء أو فعلا كالتكفير و التأمين.

و القول بالاختصاص بخصوص الركعة لأنه بها تزيد الصلاة و اما الاجزاء فلا تكون صلاة و الظاهر من قوله من زاد في صلاته جعلها زائدة عما هو المقرر و لم يصدق ذلك إلا بزيادة صلاة الى صلاته و أول مراتب الصدق الركعة و لا أقل من احتمال ذلك و معه لا تدل على البطلان بزيادة الاجزاء و يؤيده ان الروايات الواردة في الزيادة جلها واردة في زيادة الركعة حتى صحيحة زرارة و بكير الآتية «2» عن ابى- جعفر (ع) على نقل الكليني حسب نسخة الحر و المجلسي.

غير وجيه للفرق بين قول: زادت صلاته و بين قول: و زاد في صلاته إذ لو صح احتمال ما ذكر في العبارة الأولى على اشكال فيه أيضا فلا شك أن احتماله في الثانية ضعيف و على خلاف المتفاهم فان الصلاة مركب وحداني لها حدود فاذا زاد فيها شيئا بعنوان الصلاة فقد زاد فيها أ فهل ترى أن قوله زاد في صلاته سجدة فيه مسامحة و يكون على خلاف الظاهر؟ فلا إشكال في الصدق العرفي من غير فرق بين الركعة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 24

و جزئها و لا بين ما هو من سنخ الصلاة و غيره كالتكفير و التأمين إذا اتى به بقصد أنه منها.

و القياس بقوله زاد اللّه في عمرك مع الفارق فان عدم دخالة شي ء آخر غير الامتداد الزماني في العمر قرينة على ان الزائد و

المزيد عليه سنخ واحد بخلاف الصلاة المركبة من مقولات متعددة و اجزاء كذلك.

نعم لا يصدق العنوان إلا إذا قصد بالزائد كونه منها أو زيادة فيها فلا يصدق إذا اتى بها بلا قصدها فضلا عن قصد الخلاف من غير فرق بين الأذكار و الأركان و الأفعال و لا بين ما هو من سنخها و بين غيره.

و القول بالفرق بين مثل الركوع و السجود و غيرهما كالتكفير بصدق الزيادة مع عدم القصد في الأول دون الثاني فإن من اتى بركوعين و لو بلا قصد الصلاة يصدق انه زاد في صلاته إلا إذا قصد الخلاف مثل الإتيان بعنوان آخر كالسجود للعزيمة.

غير وجيه للفرق بين قول: زاد في صلاته و بين قول: اتى به في حالها و الركوع الثاني مع عدم القصد حتى ارتكازا كما لو ذهل عن الصلاة رأسا و ان اتى به في حالها بناء على عدم الخروج من الصلاة مع الذهول لكنه لا يعد زيادة فيها.

و توهم ان الإتيان بما هو سنخها يجعله جزءا قهرا بل حتى مع قصد الخلاف كإضافة غرفة في البيت الذي كان محدودا بحد خاص.

فاسد إذ قياس المركبات الاعتبارية بالأعيان الخارجية مع الفارق فان الاعتباريات متقومة بالقصد فكما ان التركيب و التقويم قبل التشريع لا يتحقق الا باعتبار الشي ء جزء كذلك لا يصير شي ء زيادة في المركب الاعتباري إلا بالقصد.

و الاستشهاد لصدق الزيادة و لو مع قصد الخلاف بما ورد في سجدة العزيمة أنها زيادة في المكتوبة «1» في غير محله لاحتمال ان تكون السجدة التابعة للسورة التي هي جزء الصلاة على رأى المجوز جزء تبعا و يقصد به الجزئية و لو منع ذلك فلا بد من حمل الرواية على التعبد و

انها زيادة حكما لا واقعا و لا يصح التعدي إلى غيرها.

كما ان القول بان ما هو خارج عن سنخ الصلاة لا يصير زيادة و لو بالقصد كما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 25

لو القى حصاة في لبن لا يصير ذلك زيادة فيه و ان قصد به ذلك.

فاسد فان ذلك قياس الأمر الاعتباري المتقوم بالقصد بالأعيان الخارجية التي ليس للقصد فيها مدخل.

ثم ان الموثقة تشمل الزيادة العمدية و غيرها لا بمعنى الزيادة التشريعية كما توهم فان التشريع بالمعنى الذي ذكروه ممتنع لامتناع إدخال ما ليس في الشرع فيه و لو بناء و قصدا لامتناع تعلق القصد بما هو خارج عن القدرة مع العلم بالأطراف نعم التشريع بمعنى الافتراء لا مانع منه عقلا.

بل بمعنى الزيادة عمدا على المأمور به في المأتي به فإن الإتيان بركوع أو سجدة أو كيفية في المأتي به بعنوان الزيادة على ما أمر به اللّه يعد زيادة في صلاته فان من علم ان الشارع لم يجعل في الصلاة إلا ركوعا واحدا في كل ركعة و لكن اعتقد أن الزيادة على المأمور به لا تضر يتمشى منه قصد الإتيان بالزائد منه بعنوان الزيادة في المأتي به لا في المأمور به بما هو كذلك فالجزء المزيد فيه تعد جزء زائدا على المأمور به و ان لم يكن زائدا عن ماهية الصلاة فإنها كما تصدق على المصداق الناقص بركعة أو ركوع تصدق على الزائد أيضا.

و من المحتمل ان الرواية وردت لأجل ردع المكلف من التعدي عن حدود الصلاة فإن الزيادة لما لم تكن بحسب القاعدة مضرة بالصلاة فربما يأتي المكلف بالزيادات بداعي زيادة

الأجر و الثواب و حيث إن في ذلك مظنة للهرج فأمر بالإعادة لحفظ حدودها و ان الزيادة ناقضة لها و هذا احتمال غير بعيد لكنه مخالف لإطلاقها و عليه فلا معارضة بينهما.

و كيف كان فالرواية شاملة لكل زيادة فحينئذ ان قلنا بان لا تعاد لا يشمل الزيادة كما قال به شيخنا الأجل فلا معارضة بينهما و ان قلنا بالتعميم تكون النسبة بينهما العموم من وجه فبناء على عدم شمول لا تعاد لغير السهو يقع التعارض بينهما فيه و ان قلنا بشموله لكل خلل إلا العمدي منه يقع التعارض في غير موارد العمد.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 26

فقد يقال في مقام العلاج بحكومة لا تعاد على أدلة اعتبار الاجزاء و الشرائط و الموانع و منها هذه الموثقة.

و فيه منع فان التقديم بالحكومة منوط بلسان الدليل مع موافقة العرف على ذلك كحكومة دليل نفى الحرج على الأدلة الأولية و في المقام حيث كان الإثبات و النفي واردين على موضوع واحد من غير تعرض أحدهما لموضوع الأخر و لا لمحموله و لا لسلسلة علله أو معلولاته و كان قوله: لا تعاد الصلاة كقوله: عليه الإعادة واردا على عنوان الإعادة فلا يكون فيه مناط الحكومة بوجه.

هذا إذا قلنا بان عنوانها متعلق للحكم و كذا ان قلنا بان الكلام فيهما مبني على الكناية عن البطلان و عدمه و الميزان هو المكنى عنه فيكون مفاد لا تعاد عدم بطلان الصلاة بالخلل و مفاد الموثقة بطلانها فلا وجه لتقديم أحدهما على الأخر و لا يكون التقديم عرفيا كما هو واضح.

و اما ما في ذيل الرواية من ان السنة لا تنقض الفريضة فإن قلنا بان قوله: من زاد فعليه الإعادة كناية عن

نقض الزيادة للصلاة و الميزان هو المكنى عنه لا المفهوم الكنائي لعدم تعلق الإرادة به فلا حكومة في البين أيضا فإن الدليلين واردان على موضوع واحد و هو النقض و عدمه.

و اما ان قلنا ان الاعتبار بلفظ الرواية فيمكن القول بالحكومة لأن الحكم بالإعادة مترتب على نقض الزيادة و قوله: السنة لا تنقض الفريضة يرفع العلة و أساس الحكم لكن الظاهر ترجيح الاحتمال الأول لأن الإعادة غير منظورة بوجه فان من الظاهر ان الزيادة ليست سببا لرفع التكليف الأول بالصلاة و إثبات تكليف جديد لوجوب الإعادة و العرف يفهم من أمثال ذلك المعنى الكنائي و ان إيجاب الإعادة على من زاد كعنوان مشير الى المكنى عنه.

و اما أظهرية لا تعاد من الموثقة لاشتماله على الاستثناء الدال على الحصر و التعليل الموجبين لقوة الظهور فغير بعيدة لكن كونه بحيث يقدم في مقام التعارض في محيط

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 27

العرف على معارضه محل تأمل.

و يمكن حمل من زاد فعليه الإعادة على الرجحان المطلق أعم من الوجوب حملا للظاهر على النص فان دليل لا تعاد نص في عدم لزوم الإعادة و الموثقة ظاهرة في لزومها، و هذا مبني على عدم كون «فعليه الإعادة» كناية عن البطلان و على عدم مانعية عدم الفتوى باستحباب الإعادة عن الحمل المذكور و لكن في هذا الجمع أيضا إشكال.

و كيف كان سواء قلنا بأنه لا جمع عرفي بينهما أو قلنا بوجود مناط الحكومة في لا تعاد صدرا أو ذيلا أو باظهريته دلالة من الموثقة لا بد من معاملة التعارض بينهما بعد لزوم تخصيص الأكثر المستهجن.

الا ان يقال كما أشرنا إليه بأن اختصاص الموثقة بالمتعمد للزيادة ليس مستهجنا لعدم ندرة التعمد

غير المضر بنظر المكلف لو لا ورود النهى عن الزيادة أو الأمر بالإعادة كما في الموثقة فإن الندرة انما هي بملاحظة ورود ذلك و لولاه لم تكن نادرة خصوصا في محيط المتعبدين الملتزمين للعبادة و إكثارها و أما ندرة تعمد الزيادة بعد ملاحظة الأمر بالإعادة فلا توجب استهجانا.

و لو أغمضنا عن ذلك أو زيفناه و لم يصح حمل الموثقة على زيادة الركعة للإشكال فيه كما مر و وصلت النوبة إلى المعارضة فالترجيح لحديث لا تعاد للشهرة على عدم إبطال الزيادة السهوية التي هي الفرد الشائع لمضمون الرواية.

بل يمكن ان يقال ان المشهور لم يعملوا بمضمون الموثقة مطلقا اما في الزيادة السهوية في غير الأركان و بعض الموارد التي دلت الأدلة الخاصة على الابطال فواضح و اما في الأركان فلأن المستند حديث لا تعادوا ما في الزيادة جهلا بالحكم فلاستنادهم بأمر عقلي كالدور و التصويب و الإجماع و الشهرة القرائنية اما مرجحة كما قالوا أو مميزة للحجة من غيرها.

و مع الغض عنه يمكن ان يقال ان عدم عمل المشهور بالموثقة في المورد

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 28

الرائج من الزيادة يكشف عن قرينة دالة على اختصاص الموثقة بالعامد أو بالركعات.

و لو أغمضنا عن ذلك فالترجيح أيضا لحديث لا تعاد لموافقته للسنة النبوية و هي حديث الرفع العام لجميع الموارد صلاة أو غيرها بناء على شمول أدلة العلاج للعامين من وجه كما هو الحق و كون الكتاب و السنة مرجحين حتى مع كون النسبة بينهما و بين أحد المتعارضين أو كليهما عموما من وجه كما لا يبعد و على فرض عدم اندراجهما في أدلة العلاج و سقوطهما بالتعارض فمقتضى القاعدة عدم إبطال الزيادة.

و مما تعارض الموثقة

رواية سفيان ابن السمط لو لا ضعفها و إرسالها لقوله (ع) فيها: تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان «1»

اللازم منه صحة الصلاة في جميع موارد الخلل السهوي ضرورة عدم لزوم سجدتي السهو في الصلاة الباطلة فالرواية بلازمها تعارض الموثقة و ان كانت النسبة بينهما عموما مطلقا لان المفروض لزوم التخصيص المستهجن و معه يعارض العام الخاص.

و توهم ان بينهما عموما من وجه لأن الرواية متعرضة للنقصان دون الموثقة فاسد لان العموم من وجه أو المطلق انما يلاحظ بين العنوانين الشاملين بالعموم أو الإطلاق للمصاديق كالعالم و الفاسق و كل عالم و كل فاسق و اما إذا صرح في الدليل بالإفراد أو بالأصناف فلا فاذا قال أكرم كل عالم عادل و كل عالم فاسق و ورد لا تكرم العالم الفاسق فليس بين الدليلين العموم المطلق بل لا يعارض لا تكرم لقوله أكرم العالم العادل و يعارض الجملة الثانية بالتباين و السر فيه ان كلا من الجملتين مستقلة لها حكم و يلاحظ النسبة بين كل من الجملتين مع غيرها فيقع التعارض بالتباين في المقام بين الحديثين.

و قد يقال ان دليل سجدتي السهو ليس في مقام تكفل حكمين أحدهما الإعادة من جهة الزيادة و ثانيهما وجوب سجدتي السهو بل هو ممحض لحكم الزيادة السهوية في فرض إحراز صحة الصلاة و عدم مانعية الزيادة من الخارج مع سكوته عن بيان أن اى مورد تصح فيه الصلاة و لا تكون الزيادة مانعة.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 29

و فيه ما لا يخفى فان الدليل و ان لم يتكلف الا لحكم الزيادة السهوية لكن

العموم يقتضي ان يكون سجود السهو لكل زيادة و كل نقيصة فيشمل الأركان و غيرها و لازمه عدم البطلان بها في جميع الموارد و دعوى فرض الصحة في موضوعه بلا شاهد.

و ان شئت قلت ان قوله لكل زيادة سجدتا السهو لو القى الى العرف الخالي ذهنه عن الشبهات لا يشك في ان السجدة ثابتة للخلل كلها و لا تضر الزيادة مطلقا بصحة الصلاة بعد العلم بان سجود السهو ليس في الصلاة الباطلة بل كونه في مقام البيان يدل بإطلاقه على ان ليس في الزيادة و النقص الا سجود السهو.

و قد يستشكل في رواية سفيان بأن أجزاء الصلاة اما أركان و اما غيرها من القرآن و الذكر و الدعاء و لا فرق في البطلان بالزيادة أو النقصان في الأول بين العمد و السهو و معه لا مورد لسجود السهو و في الثاني لا يتصور الزيادة بعد ما أمر بها في الصلاة بل مقتضى

بعض الروايات ان كل ما ذكرت اللّه و رسوله فهو من الصلاة «1»

فأين الزيادة التي لو وقعت عمدا تبطل الصلاة و لو وقعت سهوا توجب السجدة.

و أجيب عنه بأنه يمكن ان يكون المراد من الزيادة في المرسلة ما اعتبر عدمه من قبيل البكاء و القهقهة و الوثبة و التكلم بغير الذكر و القرآن فيكون معنى المرسلة ان في ترك كل ما اعتبر وجوده في الصلاة أو فعل ما اعتبر عدمه فيها سهوا سجدتي السهو.

و لا يخفى ما في الاشكال و الجواب اما في الأول فلأنه وراء ما ذكر أمور تبطل بها الصلاة مع العمد حسب موثقة أبي بصير إذا وقعت بعنوان الصلاة أو الزيادة فيها كالتكفير و التأمين و زيادة القيام و الجلوس

كمن قام أثناء التشهد أو جلس أثناء القراءة بعنوان الزيادة فيها أو فعل أفعالا أخر بعنوان الصلاة بل لعل زيادة فاتحة الكتاب أو بعضها بعنوان الزيادة في الصلاة موجبة للبطلان و لا ينافي ذلك الرواية المشار إليها من ان كل ما ذكرت اللّه و رسوله فهو من الصلاة لاحتمال ان يكون المراد بها و بمثلها ان من قرء القرآن أو دعي دعاء أو ذكر رسول اللّه (ص) متقربا الى اللّه صار من الصلاة بعد وجودها و لا ينافي ذلك البطلان لو اتى بها بعنوان الزيادة فيها تأمل.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 30

و اما في الثاني فلان ما اعتبر عدمه في الصلاة لا يكون وجوده مع عدم قصد كونه من الصلاة أو زيادة فيها من الزيادة بل يرجع الى نقصان الصلاة بفقد القيد و هذا هو الموجب للبطلان لا الزيادة و لا هي مع النقصان و الحمل على أن مبطلية الإتيان بما اعتبر عدمه لكونه موجبا للنقصان خلاف الظاهر خصوصا مع المقابلة بينهما في الرواية.

و مما يعارض موثقة أبي بصير حديث الرفع حتى على تقدير وجود مناط الحكومة من أجل استلزامها التقييد المستهجن على المفروض فحينئذ ان قلنا بان حديث الرفع حديث واحد معارض للموثقة يأتي فيه ما مر في معارضتها لحديث لا تعاد إلا في بعض ما يختص به.

و ان قلنا بأنه لاشتماله على الفقرات المستقلة موردا و حكما كالروايات المتعددة بل لعل رسول اللّه (ص) جمع الموارد المختلفة التي رفعها اللّه عن أمته في كلام واحد كما ربما يستفاد من بعض الروايات فيكون كل فقرة منه حاكمة على إطلاق الرواية فيما يقابل

تلك الفقرة فيكون حاله كالمخصصات المنفصلة الواردة على العام الموجبة للاستهجان إذا خصص بكلها فيقع التعارض العرضي بين المخصصات للعلم إجمالا ببطلان بعضها و مع عدم جريان مرجحات باب التعارض في مثل المقام أو كون نسبتها الى جميع الفقرات على السواء تسقط عن الحجية و لكن العام أو المطلق كما في المقام يسقط عن الحجية أيضا للعلم بورود مخصص عليه إجمالا مع فرض عدم وجود القدر المتيقن الموجب للانحلال فيرجع الى مقتضى القاعدة من عدم البطلان بالزيادة.

و من هنا يظهر الكلام في معارضة حديث الرفع مع المستثنى في حديث لا تعاد فإنه بناء على ما ذكرنا من إطلاقه صدرا و ذيلا بالنسبة إلى مطلق الخلل غير الخلل الحاصل بالعمد و العلم و بناء على ملاحظة كل عنوان فيه و في حديث الرفع مستقلا كما هو الموافق للتحقيق تكون النسبة بين كل عنوان من عناوين المستثنى في حديث لا تعاد و بين ما يقابله من عناوين حديث الرفع العموم من وجه فان مقتضى

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 31

المستثنى لزوم الإعادة في ترك الركوع مثلا بأي سبب كان و مقتضى فقرة رفع النسيان مثلا من حديث الرفع عدم الإعادة إذا كان عن نسيان فيعم حديث رفع النسيان الركوع و غيره و يختص بالنسيان و يعم حديث لا تعاد الخلل النسياني و غيره و يختص بالركوع مثلا فيما إذا لو حظ عنوان الركوع في المستثنى فيقع التعارض بينهما بالعموم من وجه و هكذا الحال في سائر العناوين من كل منهما و حيث كان تحكيم حديث الرفع على المستثنى في جميع الفقرات متعذرا للزوم التخصيص المستهجن أو المستغرق إذا قلنا بخروج الخلل عن علم من مفاد لا

تعاد صدرا و ذيلا فيقع التعارض بين فقرأت حديث الرفع و مع عدم الترجيح يسقط عن الحجية كما يسقط حديث لا تعاد عنها بعد العلم الإجمالي بورود تخصيص عليه و عدم قدر متيقن في البين فلا بد من العمل على طبق القاعدة من بطلان الصلاة مع نقص الجزء الركني و صحتها مع زيادته بناء على شمول المستثنى للزيادة أيضا و الا فالأمر أوضح.

و ربما يتوهم ان حديث لا تعاد ليس في مقام البيان بالنسبة إلى المستثنى و لا أقل من عدم إحراز ذلك و انما المحرز قطعا كونه في مقام بيان المستثنى منه سيما مع لحاظ ذيله من ان القراءة سنة إلخ فسقط القول بالمعارضة و القول بالعموم من وجه.

و فيه ان الظاهر كونه في مقام بيان قاعدة كلية في طرفي الإعادة و عدمها بل الظاهر ان قوله ان السنة لا تنقض الفريضة بعد استثناء الخمسة التي هي الفرائض الإلهية المستفادة من الكتاب لبيان ان الميزان في نقض الصلاة التي هي فريضة هو الخلل الواقع فيها من قبل فريضة اللّه اى الخمسة و في عدم نقضها هو الخلل الواقع فيها من قبل غير الفريضة بمعنى ان الفريضة ناقضة للفريضة و اما السنة فلا فالميزان في النقض هي الفريضة بذاتها مطلقا من غير دخالة حالات المكلف في ذلك كما هو الأمر في السنة و هذا هو معنى الإطلاق فلا ينبغي الإشكال في إطلاقه صدرا و ذيلا.

و يؤيد ذلك انه لو دخل الإهمال في المستثنى لا محالة سرى الى المستثنى منه لان ما عدا الخارج منه من الحالات داخل في المستثنى منه و الداخل غير معلوم

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 32

فيكون هو مهملا أو مجملا

و هو ينافي كونه في مقام البيان بالنسبة إلى المستثنى منه ثم على فرض الإهمال لا يصح التمسك بالصدر و لا بالذيل فلا بد من العمل بالقواعد و مقتضاها البطلان في النقيصة و الصحة في الزيادة.

و يمكن ان يقال في أشباه ذلك بالمعارضة بين فقرأت الروايتين بعد عدم إمكان اعمال التخصيص أو الحكومة لورود فقرأت الحاكم أو المخصص في عرض واحد على المحكوم أو العام فيؤخذ بالمرجح لو كان و الا فلا بد من القول بالسقوط أو بالتخيير في الأخذ بإحداهما و في المقام يقدم لا تعاد لوجود المرجح و هو الشهرة المحققة بالبطلان مع نقص الخمسة لو لم نقل بأن الإجماع المدعى أو الشهرة غير معتبرين لاحتمال كون كل منهما مستندا الى القواعد أو الى قوله لا تعاد و غيره.

ثم ان ذلك كله فيما إذا قلنا بشمول حديث الرفع للتروك كما قررنا وجهه و اما مع عدم الشمول كما احتملناه أو لا لكون الترك لا رفع له و انه لا اثر له شرعا بل الأثر و هو البطلان و لزوم الإعادة عقلي فلا يعارض حديث لا تعاد و يكون إذن مستند البطلان بترك كل من الخمس هو حديث لا تعاد هذا على ما هو التحقيق من عدم اندراج زيادة الركن في مستثنى لا تعاد بل في المستثنى منه كما مر و اما مع اندراجها في المستثنى فيقع التعارض بينهما في الزيادة و يتضح الكلام فيه بما مر.

و مما ذكرنا يظهر الكلام فيهما مع

صحيحة زرارة و بكير ابني أعين عن ابى- جعفر (ع) قال: إذا استيقن انه قد زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتد بها و استقبل الصلاة استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا

«1»

فإنه يجرى فيها ما جرى في موثقة أبي بصير مع حديث الرفع و حديث لا تعاد.

نعم لا شبهة في عدم شمول هذه الصحيحة للزيادة العمدية و الإكراهية و الاضطرارية و ما صدر عن تقية و يحتمل اختصاصها بالسهو أو به و بالنسيان أو عمومها للجهل بقسميه أيضا كما يأتي الإشارة اليه.

و على اى حال تكون النسبة بينها و بين ما تقدم هي العموم من وجه لأن حديث الرفع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 33

في كل فقرة منه يختص بعنوانها الخاص و يعم النقيصة و الزيادة، و هذه الصحيحة تعم أكثر العناوين و الحالات و تختص بالزيادة، و

حديث لا تعاد «1»

ينفى الإعادة عند الإخلال بخصوص غير الخمس و يعم النقيصة و الزيادة و هذه الصحيحة تثبت الإعادة عند الإخلال بأي جزء أو شرط مع اختصاصها بالزيادة، فحال التعارض بين الصحيحة و بين كل من حديث الرفع و حديث لا تعاد في مادة الاجتماع، بعد فرض عدم جريان الحكومة و عدم صحة التقديم بالشهرة ما تقدم في موثقة أبي بصير هذا كله مع كون المتن ما تقدم ذكره كما هو كذلك في الوافي و مرآة العقول و في النسخة التي عندنا من الكافي و في ما عن التهذيب و الاستبصار نقلا عن الكافي و اما على ما في الوسائل «2» من زيادة كلمة ركعة بعد قوله في الصلاة المكتوبة فلا موضوع للمعارضة.

و اما معارضتها مع رواية سفيان بن السمط «3» فقد يقال إنها بالتباين لاختصاصهما بالزيادة و عمومهما للأركان و غيرها و مع ذلك يقدم رواية سفيان فإنه بعد تخصيصها بما عدا

الأركان بمقتضى ما دل على وجوب الإعادة في زيادة الركن يتعين تقديمها على صحيحة زرارة بالنسبة إلى زيادة غير الركن إذ لولاه لزم لغوية قوله تسجد سجدتي السهو لكل زيادة لبقائه حينئذ بلا مورد.

بل تقديمها عليها مقتضى تقديم الأظهر على الظاهر لأنه لا شبهة في ان قوله:

تسجد سجدتي السهو أظهر في الدلالة على الصحة في زيادة غير الركن من دلالته عليها في زيادة الركن لمكان أولوية الصحة في غير الركن منها في الركن كما ان قوله: إذا استيقن أظهر في الدلالة على البطلان في زيادة الركن من دلالته على البطلان في غير الركن فلا بد من حمل الظاهر في كل منهما على ما يكون الأخر أظهر فيه فيحمل قوله:

إذا استيقن على خصوص زيادة الركن و قوله: تسجد سجدتي السهو على زيادة غير الركن

______________________________

(1) الوسائل باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1.

(2)- الوسائل باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1

(3)- الوسائل كتاب الصلاة باب- 32- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 3

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 34

انتهى ملخصا.

و فيه مواقع للنظر منها ان النسبة بينهما هي العموم المطلق فإن الصحيحة تعم السهو و النسيان للحكم و الموضوع و الجهل كذلك و الرواية لا تشمل الا السهو و هو ان أريد به ما يقابل النسيان كما هو مقتضى الجمود على التعبير، فينحصر مفاد الرواية بذلك و يخرج سائر العناوين و ان أريد به ما يعم النسيان، انحصر مفادها بالسهو و النسيان و خرج الجهل بقسميه عنه.

و اما الصحيحة فتعم ما عدا الترك العمدي من سائر العوارض و احتمال اختصاصها بخصوص السهو مدفوع بان الظاهر المتفاهم عرفا منها ان الزيادة بما هي

زيادة موجبة للإعادة من غير دخالة السهو و غيره فمناسبة الحكم و الموضوع تؤكد التعميم، و عليه كان تقديم الرواية عليها للجمع العرفي بينهما من باب تقديم الخاص على العام، و مقتضاه خروج السهو أو هو مع النسيان عن الصحيحة و اختصاصها بالجهل بقسميه أو به و بالنسيان كذلك.

و منها ان لزوم اللغوية على فرضه لا يكون من المرجحات و ليس الجمع بلحاظه عرفيا كما تقدم.

و منها انه مع ورود التخصيص في الأركان قبل لحاظ المعارضة كما هو ظاهر كلامه تنقلب النسبة من التباين الى العموم المطلق فلا وجه للتشبث باللغوية كما انه لو فرض التخصيص بعد التعارض لا موضوع لدعواه.

و منها ان دعوى الأظهرية في بعض المفاد في كل منهما ممنوعة لأن الظهورات مربوطة بدلالات الألفاظ مفرداتها مادة و هيئة و هيئات الجمل المشتملة على المفردات، و أما الأمور الخارجية كالأولوية المذكورة فغير دخيلة فيها نعم قد يكون قيام القرينة موجبا لصرف الظاهر أو جعل الظاهر في الجملة التركيبية أظهر لكن المقام ليس من هذا القبيل.

بل الأولوية المذكورة لا مساس لها بالظهورات اللغوية و هذه الدعوى نظيرة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 35

دعوى أن قلة الإفراد توجب الأظهرية في العموم مقابل كثرة الأفراد مع ان كثرة الإفراد و قلتها خارجتان عن مفاد الأدلة و غير مربوطتين بالدلالات العرفية و اللغوية فقوله أكرم كل عالم ليس أظهر دلالة بالنسبة إلى العدول بدعوى انهم اولى بالإكرام من غيرهم كما لا فرق في دلالة المفردات و الهيئات بين كثرة الإفراد و قلتها و هو واضح فالأولى في الجمع ما ذكرناه هذا مع ضعف رواية سفيان و إرسالها فلا مجال لهذه التفصيلات و انما تعرضنا لذلك لترتب

الفائدة عليه في سائر الأبواب.

هذا كله مقتضى الجمع أو الترجيح في العمومات الواردة في المقام كحديث الرفع «1» و لا تعاد «2» و مقابلاتهما فتحصل من المجموع بطلان الصلاة بالخلل في الخمسة نقصا لا زيادة و صحتها بالخلل في غيرها مطلقا.

بقي الكلام في موارد الخروج عن المستثنى منه و المستثنى تخصيصا أو تخصصا من الشروط و الاجزاء.

«القول في الشروط»

اشارة

مسألة من الشروط النية و قد ادعى الإجماع على بطلان الصلاة بالإخلال بها و لا بد في تصويره من بيان ماهية النية فقد نقل الخلاف بين متقدمي الأصحاب و المتأخرين في ان النية هل هي الاخطار بالبال أو القصد و الإرادة و لا يخفى أن إبقاء ذلك على ظاهره يعطي أن المحققين من أصحابنا المتقدمين ذهبوا الى أمر واضح

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2 و- باب- 30- من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2 و باب- 56- من أبواب جهاد النفس حديث:

1 و 2 و 3

(2)- الوسائل كتاب الطهارة- باب- 3- من أبواب الوضوء حديث 8

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 36

الفساد و هو ان الاخطار بالبال قائم مقام القصد في وجود الفعل الاختياري في خصوص العبادات فهي مع كونها من الأفعال الاختيارية المحتاجة في الوجود الى المقدمات من التصور و التصديق و الاشتياق أحيانا و الإرادة تستثنى من القاعدة العقلية لمكان عبادتيها إذ من الواضح ان الخطور من سنخ التصور و لا يعقل كونه علة لتحريك الأعضاء و الأعصاب لإيجاد الفعل.

و لهذا التجأ بعضهم الى حمل كلامهم على ان الخطور بالبال من مقدمات حصول الإرادة و النية اى إنه هو التصور المتقدم على الإرادة.

و هو حمل في غاية البعد بل

فاسد جدا إذ يرجع الى ان مرادهم ان الشارع الأقدس اعتبر التصور الموقوف عليه الفعل من شرائط صحة العبادة و هو كما ترى.

و الذي يمكن ان يقال ان مرادهم اعتبار أمر زائد على التصور و التصديق و القصد و الإرادة التي تشترك فيها جميع الأفعال الاختيارية و هو إضمار النية بأن يضمر في نفسه أنه يصلى صلاة كذائية.

و قد ورد في باب نية الإحرام روايات دالة على التخيير بين القول و الإضمار في النية

كصحيحة حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه قال: قلت له انى أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول: قال تقول اللهم انى أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك و ان شئت أضمرت الذي تريد «1»

و

في بعض الروايات قال: أصحاب الإضمار أحب الى «2»

. و قد تعارف التنطق بالنية بين العوام في الصلاة و الإضمار بها بل حتى لدى بعض الخواص أيضا و هو أمر زائد على القصد الذي هو من مقدمات وجود الفعل و من الشئون الفعلية للنفس.

و لعل نظرهم في اعتبار الاخطار و الإضمار إلى مثل تلك الروايات مع القطع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الحج- باب- 17- من أبواب الإحرام حديث: 1.

(2)- الوسائل كتاب الحج- باب- 17- من أبواب الإحرام حديث: 5

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 37

بعدم الفرق بين عبادة و عبادة أو ان نظرهم الى مثل

ما ورد «1» من انه لا عمل إلا بالنية

حملا لها على الإضمار المذكور اما لتلك الروايات أو لأن الأخذ بظاهره من حاجة العمل الى القصد يرجع الى توضيح الواضحات الذي ينزه عنه كلامهم بداهة أن عدم تحقق الفعل الا بالقصد من الواضحات فلا بد من

حملها على إضمار النية على نحو ما ذكر في الروايات المتقدمة.

و كيف كان لو كان ذلك حقا لكان تصوير الخلل في النية واضحا لإمكان إيجاد الفعل جهلا أو نسيانا بلا إضمار النية أو التكلم بها، أو مع تكرار الإضمار لو كان ذلك خللا.

و اما على القول الأخر و هو ان النية عبارة عن الإرادة التفصيلية أو الإجمالية و الارتكازية فلا بد في تصوير الخلل في النية من بيان ما هو التحقيق في مبدئيتها للفعل الخارجي و الاولى تشريحها أولا في المركبات الخارجية كالبيت و السيارة و نحوها كي يتضح الأمر في المركبات الاعتبارية كالصلاة.

فنقول إذا كان بناء قصر على شكل و رسم خاص متعلقا لإرادة البناء فلا يعقل ان تكون تلك الإرادة المتعلقة ببناء القصر الكذائي مبدءا لوجود مقدماته الخارجية أو الداخلية لأن كل مقدمة منها بما انها فعل خاص اختياري لا بد في وجودها من حصول المقدمات المختصة بها فمع حصول تلك المقدمات لا محالة يتعلق بهذا الفعل الخاص ارادة و لا يعقل تعلق إرادة أخرى به في عرض واحد كما هو واضح.

فالارادة المتعلقة بالكل تصير داعية الى تعلق إرادة مستقلة بالجزء أو الشرط الذي توقف وجود الكل عليه لا بمعنى تولد ارادة من ارادة أو عليتها لها فان ذلك غير معقول بل بمعنى ان الفاعل لما أراد ان يوجد بناء و رأى ان هذا البناء يتوقف وجوده على تسطيح الأرض مثلا و تهيئة الأسباب المحتاج إليها في البناء يصير تصور ذلك و التصديق بالصلاح و الاشتياق أحيانا موجبة لتعلق ارادة مستقلة بالجزء، و كل جزء أو شرط يتوقف

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث 1 و 2 و

3 و 9

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 38

عليه الكل يتعلق القصد به على نعت الكثرة لا محالة، و الفرق بين الاجزاء و الشروط و المقدمات الخارجية و بين الكل ان الاشتياق اليه و قصده نفسيان فهو مشتاق اليه و مقصود بذاته، و اما المقدمات مطلقا داخلية و خارجية فهي مقصودة بالتبع لا بذاتها بل لأجل حصول الغير، فهنا ارادة ذاتية متعلقة بالكل و الطبيعة، و إرادات متكثرة حسب تكثر الأفعال و المقدمات متعلقة بها لأجل الغير اى الكل.

و ما قد يقال من ان ارادة المقدمة ناشئة من ارادة ذي المقدمة و هي علة لها فاسد أو فيه مسامحة ان صدر عن محقق بارع.

كما ان ما يقال من ان الإرادة في أول الشروع في العمل تفصيلية و هي باقية بنحو الإجمال و الارتكاز الى أخر العمل فيه خلط فإن الإرادة بسيطة أمرها دائر بين الوجود و العدم لا التفصيل و الإجمال، نعم قد تكون معلومة موردة للالتفات و التوجه، و قد تكون مغفولا عنها غير موردة لهما، و الا فهي موجودة في كل فعل اختياري، كيف و هي علة لتحريك العضلات إلى الأفعال من غير فرق بين مورد الالتفات و عدمه و من غير إمكان عروض التفصيل و الإجمال عليها لا في أول العمل و لا في أثنائه، نعم في أول العمل تكون الإرادة و العمل ملتفتا إليهما غالبا بخلاف أثنائه فإنه قد يغفل عنهما في أثناء العمل غفلة ما.

فتحصل مما مر ان الإرادة المتعلقة بالطبيعة في مثل الصلاة غير الإرادات المتعلقة بالاجزاء المحركة إلى إيجادها فحينئذ إن انبعث المكلف عن إرادة الطبيعة المأمور بها الى إيجاد الأجزاء بالمعنى المعقول في الانبعاث لا بمعنى كون

إرادة الطبيعة بنفسها محركه الى الاجزاء بل بمعنى أن المكلف بعد علمه بالتكليف المتعلق بالطبيعة و تصديقه بوجود المصلحة في الفعل و لزوم إيجاده المستتبع لتعلق إرادته به و بعد علمه بتوقف وجوده الى ذلك الجزء كالتكبير مثلا و التصديق بالفائدة تتعلق إرادته بإيجاده فاذا أوجده بتلك المبادي صار جزء للمأمور به سواء التفت حال الإيجاد إلى الإرادة المتعلقة بالطبيعة أو الإرادة المتعلقة بالاجزاء أم لا.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 39

و اما إذا ذهل عن الطبيعة و الأمر المتعلق بها ذهولا تاما بحيث لم تكن ارادة الجزء منبعثة عن ارادتها و صارت ارادة الجزؤ اما مستقلة غير تابعة أو تابعة لمبادى أخر لم يصر جزء للطبيعة المأمور بها، بل يقع باطلا فما هو المعتبر في العبادة كون إرادة الاجزاء منبعثة بنحو ما مر عن إرادة المأمور به.

و على هذا فيتصور الخلل في النية بمعنى القصد من غير ان يكون الفعل الاختياري فاقدا للمبدأ أي الإرادة فيدفع الإشكال الذي يمكن ان يرد على ذلك الشرط على فرض كون النية هي الإرادة بأن إرادة الفعل لا يعقل لإخلال بها في الفعل الاختياري إذ لا يعقل وجوده الا بها وجه الدفع ان الإرادة و ان كانت موجودة في جميع الأجزاء الموجودة اختيارا لكن ما هو المعتبر كونها ناشئة من ارادة المأمور به بالنحو الذي قلنا آنفا.

فعلى ما ذكرناه لو أوجد اجزاء الصلاة من التكبيرة إلى التسليم للّه تعالى لكن لا بباعثية الإرادة المتعلقة بالطبيعة اللازم منه عدم إيجاد تلك الأجزاء أجزاء للصلاة وقعت باطلة غير مسقطة للتكليف و لو أخل بهذا القصد في الاجزاء الركنية فكذلك لان فقد الركن موجب للبطلان و ان أخل بذاك القصد في

غير الأجزاء الركنية لم يوجب الا بطلان ذلك الجزء، فإن أمكن تداركه و جبرانه وجب و الا صحت صلاته لقاعدة لا تعاد.

و من ذلك يظهر ان بطلان الصلاة بفقد النية بالمعنى المذكور في جميع الأجزاء أو في الجزء الركني و عدم البطلان بفقده في غير ما ذكر ليس تخصيصا في دليل لا تعاد لا في عقد المستثنى منه و لا في عقد المستثنى.

و لو قلنا بأن النية عبارة عن الخطور بالبال على ما تقدم من احتمال استفادة ذلك من الروايات «1» الواردة في النية في إحرام العمرة، أو من

قوله «2» لا عمل إلا بنية

و «3»

انما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الحج- باب- 17- من أبواب الإحرام حديث: 1

(2)- الوسائل كتاب الطهارة- باب- 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث 1 و 2 و 3 و 9

(3) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 40

الأعمال بالنيات

بالتقريب المتقدم، فلا يوجب الإخلال غير العمدي بها في أصل الصلاة أو في أركانها فضلا عن غيرها بطلانها، و ذلك لحديث الرفع و قاعدة لا تعاد، لان ما هو الركن الموجب للإعادة هو الخمسة، و اما النية بهذا المعنى فلا، و لا يوجب بطلان الركن حتى تبطل به الصلاة.

الا ان يقال ان اعتبار النية مستفاد من الكتاب مثل قوله تعالى «1» وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فخرجت عن السنة التي لا تنقض الفريضة و دخلت في الفريضة الناقضة.

لكنه فاسد أما أولا فلان الآية الكريمة و ما شابهتها بصدد بيان الإخلاص في النية بعد ما كانت معتبرة في الصلاة و اجزائها عقلا لتقوم نفس الصلاة و اجزائها بها، و هو أمر عقلي

لا اعتبار شرعي.

و اما ثانيا فلانة لا دليل على ان كل فريضة فرضها اللّه في كتابه ناقضة للفريضة فإن ما دل عليه حديث لا تعاد هو حصر الناقض بالخمس و ذيله لا تدل الا على قاعدة أخرى هي عدم نقض السنة الفريضة، و اما نقض كل فريضة و لو غير الخمسة فلا دلالة فيها، و توهم دلالة مقابلة السنة للفريضة أو إشعارها على ان جميع ما يعتبر في الصلاة أما سنة غير ناقضة أو فريضة ناقضة، يدفع بأن الدلالة ممنوعة و الاشعار لا يفيد، مع ان التوسعة بالتعليل في مثل الحديث خارجة عن الطريقة العقلائية في المحاورات، فان حصر الناقض في الخمسة ثم تعقيبه في كلام واحد بأن كل فريضة من الخمسة و غيرها ناقضة للصلاة يعد تناقضا و خارجا عن المحاورات العرفية فكأنه قال لا ينقض الصلاة إلا الخمسة و ينقضها كل شي ء يستفاد من الكتاب، و هو كما ترى، و لهذا نقول ما عدا الخمسة سواء استفيد حكمه من الكتاب أو من السنة داخل في المستثنى منه الا ان يدل دليل على الخروج.

هذا مضافا الى بطلان المبنى و هو لزوم إخطار النية بالبال أو إظهارها في اللفظ بنحو الواجب التخييري لمنع استفادته من تلك الروايات كما يظهر بالتأمل

______________________________

(1) سورة البينة- آية- 5-

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 41

فيها، مع ان الحمل على الاستحباب متعين، لعدم القول ظاهرا بالوجوب التخييري.

و اما مثل

قوله (ع) «1» لا عمل إلا بالنية،

فالظاهر منها هو القصد بالنحو الذي تقدم منا لا الخطور، لأنه ليس بنية، مضافا الى دلالة بعض الروايات الواردة في هذا السياق على ان المراد الغايات المحركة إلى العمل،

كقوله (ص) «2» إنما الأعمال بالنيات، و

انما لكل امرء ما نوى، فمن كانت هجرته الى اللّه و رسوله فهجرته الى اللّه و رسوله، و من كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه

و قريب منها «3» ما عن أمالي الشيخ، هذا كله في أصل النية.

و اما الكلام في الضمائم فنقول إنها إما مباحة أو محرمة و الثانية اما رياء أو غيرها و على اى حال فالضميمة ان كانت جزء المؤثر سواء كان تأئير الضميمة مع داعي الصلاة إلى الانبعاث بحيث لو تفرد أحدهما عن الأخر لم يؤثر في انبعاث المكلف أم كان كل منهما مستقلا في ذلك لو تفرد عن الأخر، فالظاهر بطلان المأتي به كذلك، فإن صيرورة الاجزاء أجزاء للصلاة تتوقف على الانبعاث إليها بإرادتها المنبعثة من الإرادة المتعلقة بالصلاة، و الإرادة الناشئة من مجموع الداعيين أو من جامعهما لو قلنا بالجامع ليست ارادة لاجزاء الصلاة المنبعثة من الإرادة المتعلقة بالصلاة المأمور بها، بل إرادة ناشئة من مجموع الداعيين أؤمن الجامع بينهما فتبطل الصلاة فيما إذا اتى بجميع الأجزاء كذلك، و يبطل الجزء فيما لو أتى بجزء كذلك، و به تبطل الصلاة فيما إذا كان ركنا، و أما الجزء غير الركن فبطلانه بغير الرياء لا يوجب بطلان الصلاة إذا لم يكن عن عمد، و ذلك بدليل لا تعاد.

و اما في الرياء فالظاهر البطلان مطلقا لان التحقيق ان دخول الرياء في العمل بأي نحو كان موجب لبطلان الكل كما هو الظاهر من جملة من الروايات

كرواية على

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 5- من أبواب مقدمة العبادات حديث 1 و 2 و 3 و 4 و 9

(2)- مستدرك الوسائل كتاب الطهارة باب- 5- من أبواب مقدمة العبادات

حديث: 5

(3)- الوسائل كتاب الطهارة- باب- 5- من أبواب مقدمة العبادات حديث 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 42

ابن سالم قال سمعت أبا عبد اللّه يقول: قال اللّه عز و جل: انا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان لي خالصا «1»

و نحوها غيرها

و في حديث إني اغنى الشركاء فمن عمل عملا ثم أشرك فيه غيري فأنا منه بري ء و هو للذي أشرك بي دوني «2»

و

عن عدة الداعي عن النبي (ص) قال: ان اللّه تعالى لا يقبل عملا فيه مثقال ذرة من رياء «3»

مما يظهر منها ان إدخال الرياء في عمل يوجب بطلانه فمن صلى و ادخل الرياء في ركوعه مثلا أو في قراءته أو في شي ء من المستحبات التي فيها فقد أشرك في صلاته غير اللّه و ادخل فيه مثقال ذرة من الرياء فبطل عمله و لم يقبل اللّه منه و جعله لشريكه.

و من الواضح ان أدلة حرمة الرياء آبية عن التقييد و التخصيص سواء كان المقيد و المخصص بلسان لا تعاد أم كان بلسان الرفع، بل الظاهر انصراف الدليلين عن الرياء بعد مثل

قوله (ع) في جملة من الروايات كل رياء شرك «4»

و نظير ذلك ما ذكر في روايات أخر، فالخروج عن الدليلين في مورد الرياء بالانصراف و التخصص لا بالتقييد و التخصيص.

مسألة و من الشروط القبلة

و مقتضى ذكرها في مستثنى حديث لا تعاد بطلان الصلاة بالإخلال بها و لا بأس ببيان ماهيتها و قد اختلفت كلمات الأصحاب فيها فعن جملة من القدماء و المتأخرين أن القبلة عين الكعبة لمن تمكن من العلم بها وجهتها لغيره و عن جماعة انها الكعبة لمن كان في المسجد و المسجد لمن

كان في الحرم و الحرم

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 8- من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9

(2)- جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة- باب- 12- من أبواب المقدمات حديث: 24

(3)- جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة- باب- 12- من أبواب المقدمات حديث: 50

(4)- الوسائل كتاب الطهارة (باب- 11. حديث 11 و باب- 12- حديث: 2 و 4) من أبواب مقدمة العبادات.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 43

لمن خرج عنه و قد اختلفت ظواهر الاخبار أيضا.

و قبل الورود في دلالة الكتاب و الاخبار لا بد من التنبيه على أمر و هو انه لا اشكال و لا خلاف بين عامة المسلمين بل من المعروف لدى جميع أهل الملل و الأديان ان قبلة المسلمين واحدة و هي الكعبة المعظمة و بيت اللّه الحرام بحيث لو قيل ان للمسلمين أكثر من قبلة واحدة يعد مستنكرا و كون الكعبة وحدها قبلتهم من الضروريات التي لا يشوبها شبهة و كانت الشهادة بان الكعبة قبلتي معروفة معلومة كالشهادة بسائر العقائد الحقة و على ذلك لو دل ظاهر دليل على خلاف ذلك لا بد من تأويله أو طرحه إذا عرفت ذلك.

فنقول مما ورد في القبلة قوله تعالى قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمٰاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰاهٰا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «1» و قوله تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «2» و قد نزلت الآية الشريفة في المدينة المنورة بعد ما كانت القبلة الى ذلك الحين بيت المقدس و يظهر منها أمران أحدهما ان القبلة لجميع المسلمين واحدة لأكثره فيها. و ثانيهما أن الخارج عن

الحرم مكلف بالتوجه الى المسجد الحرام لا غير.

فالأخبار الدالة على ان الكعبة قبلة لأهل المسجد و المسجد قبلة لأهل الحرم و الحرم قبلة لجميع الناس مخالفة للاية من وجهين أحدهما دلالتها على كثرة القبلة و ان لكل طائفة قبلة خاصة بها و ثانيهما صراحتها على ان قبلة جميع الناس الخارجين من الحرم هي الحرم و الآية صريحة على خلافها فان رسول اللّه (ص) كان في المدينة و قد أمره اللّه ان يولى وجهه الى المسجد الحرام، فتلك الاخبار اما مئولة أو مطروحة، و ان افتى بها كثير من الأصحاب بل ادعى الإجماع على مضمونها، فان ذلك القول اجتهاد منهم، و لا اعتبار بالإجماع إذا تخلله الاجتهاد، و قد خالفهم كثير من الأصحاب،

______________________________

(1) سورة البقرة- آية- 144

(2)- سورة البقرة- آية- 150

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 44

و اما ما تضمنت الآية الكريمة من التوجه الى المسجد الحرام فليس فيه دلالة صريحة على انه قبلة لاحتمال كون التوجه اليه عين التوجه إلى الكعبة بحيث لا يمكن التفكيك بينهما لمن كان خارجا عن مكة سيما إذا كان في المدينة.

و هذا الاحتمال هو المتعين بعد كون الكعبة بالضرورة قبلة للمسلمين و بعد ورود الروايات الكثيرة على تحويل وجهه إلى الكعبة بل تلك الروايات بمنزلة التفسير للاية الكريمة و بيان المراد منها.

ففي صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع) قال: سألته هل كان رسول اللّه (ص) يصلى الى بيت المقدس قال: نعم فقلت: ا كان يجعل الكعبة خلف ظهره فقال: اما إذا كان بمكة فلا و اما إذا هاجر الى المدينة فنعم حتى حول الى الكعبة «1»

و قريب منها روايات

و في بعضها فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل

فقال له قَدْ نَرىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ إلخ ثم أخذ بيد النبي (ص) فحول وجهه إلى الكعبة «2».

فمن راجع روايات الباب لا يبقى له ريب في أن التحول الى المسجد الحرام لم يكن الا للتحول إلى الكعبة التي هي القبلة و التوجه اليه عين التوجه إليها لمن خرج عن مكة كما يشهد به الوجدان.

و في رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق جعفر بن محمد (ع) انه قال: ان اللّه عز و جل حرمات ثلاثا ليس مثلهن شي ء كتابه و هو حكمته و نوره، و بيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحد توجها الى غيره، و عترة نبيكم «3»

، و عن الخصال «4» بالسند المتصل الى ابن عباس نحوها،

و عن البرقي في المحاسن بسنده الى بشير في حديث سليمان مولى طريال قال ذكرت هذه الأهواء عند ابى عبد اللّه (ع) قال لا و اللّه ما هم على شي ء مما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 2- من أبواب القبلة حديث: 4

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 2- من أبواب القبلة حديث: 12

(3)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 2- من أبواب القبلة حديث: 10

(4)- الخصال الجزء الأول- ص- 71

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 45

جاء به رسول اللّه الا استقبال الكعبة فقط «1».

ثم انه بناء على هذا الاحتمال لا بد ان يحمل الآية الكريمة أي قوله تعالى وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «2» بناء على عمومها حتى لمن كان في مكة على من كان في مكان كان التوجه فيه الى المسجد عين التوجه إلى الكعبة بقرينة شأن نزول الآية و الضرورة المتقدمة و الاخبار المشار إليها، مع إمكان ان يقال ان قوله تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ

«3» أي إذا كنت خارجا عن مكة و قوله تعالى وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ «4» اى بعد خروجكم عن مكة.

و هنا احتمالان آخران في الآية لا حاجة معهما الى الحمل المتقدم ذكره و هما كون المسجد الحرام كناية عن الكعبة بالقرائن المتقدمة أو مجازا ادعائيا أو في الكلمة على ما قالوا في المجاز فيكون المراد التوجه إلى الكعبة.

و كيف كان فلا بد لأجل تلك القرائن من حمل الروايات المخالفة

كمرسلة الفقيه و التهذيب عن ابى عبد اللّه (ع) ان اللّه تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد و المسجد قبلة لأهل الحرم و الحرم قبلة لأهل الدنيا «5»

، و نحوها رواية بشر «6» على ما حملنا الآية عليه من ان الأمر بالتوجه الى المسجد ليس لأجل كونه قبلة بل لأجل كونه توجها إليها.

بأن يقال إن جعل المسجد و الحرم قبلة بالمعنى اللغوي للاستقبال إليها ليس لأجل نفسيتهما بل لكونهما مشتملين على الكعبة و كون الاستقبال إليهما هو الاستقبال إلى الكعبة و ان المراد من أهل المسجد هو أهل مكة و الا فلا أهل للمسجد فأهل المسجد أي أهل مكة لا بد لهم من استقبال الكعبة و الخارج عنها أي أهل الحرم لا محيص لهم في استقبال الكعبة عن استقبال المسجد لعدم إمكان التفكيك بين استقباله و استقبالها

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة- باب 1- من أبواب القبلة حديث: 10

(2) سورة البقرة- آية 150

(3) سورة البقرة- آية 149

(4) سورة البقرة- آية 150

(5) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 3- من أبواب القبلة حديث: 1

(6) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 3- من أبواب القبلة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 46

و المراد من أهل الحرم اهله

و من والاه، و سائر الناس لا محيص لهم عن استقبال الحرم لعدم التفكيك.

و لو كان الحمل المذكور بعيدا في الروايات المخالفة فلا بد من رد علمها إلى أهلها، لأن ظاهر الآية أو صريحها ان الناس بأجمعهم في أي مكان كانوا يجب عليهم استقبال المسجد الحرام فهي نص على خلاف التفصيل المذكور، فهذا القول مزيف.

و اما القول الأخر و هو ان الكعبة قبلة يجب التوجه إليها لمن يقدر عليه، و الى سمتها لغيره، فليس بذلك البعد، لكنه أيضا مخالف للاية بعد ملاحظة ما ورد عنهم عليهم السلام في بيان المراد منها

كقوله (ع) في صحيحة الحلبي حتى حول الى الكعبة «1»

و

في رواية الفقيه فحول وجهه إلى الكعبة «2»

و غيرهما الذي بذلك المضمون مثل

قوله (ع) في رواية بشر لا و اللّه ما هم على شي ء مما جاء به رسول اللّه (ص) الا استقبال الكعبة فقط «3»

بل الظاهر من قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ «4» ان لا موضوعية للشطر كما هو المتعارف في مثل ذاك التعبير فلا يستفاد منها و من مثلها الا استقبال المسجد و قد عرفت ان استقبال المسجد انما هو لاستقبال البيت الشريف فجميع الناس مأمورون باستقبال الكعبة حيثما كانوا.

و من هنا ربما يستشكل بان مقتضى كروية الأرض اختلاف الأقطار في الأفق، و المصلى حيث يتوجه الى الفقه لا الى الافاق الأخر فلا يعقل ان يكون مستقبلا للكعبة المعظمة بل و لا لسمتها و جهتها الا بنحو التوسع لأن الجهة في كل أفق هو الطرف الذي يخرج الخط المستقيم اليه من مقام الشخص و من في جانب أخر أو قطعة اخرى من

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب 2- من أبواب القبلة

حديث: 4

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب 2- من أبواب القبلة حديث: 12

(3)- جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة- باب 1- من أبواب القبلة حديث: 10

(4)- سورة البقرة- آية- 150

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 47

الأرض لا يكون موافقا في الجهة معه بل لا يصدق حتى توسعا فيما إذا كان البلد نائيا جدا كما لو كان بينه و بين مكة المشرفة تسعون درجة فيكون البلدان في طرفي قطر الأرض فلا يعقل في مثله مواجهة مكة و لا جهتها.

و يمكن ان يجاب بوجه بعد مقدمة و هي ان موضوعات الأحكام انما تؤخذ من العرف إذا لم تكن قرينة على خلافه و في المقام و أمثاله مما أمر فيه باستقبال الكعبة و التوجه إلى القبلة التي هي الكعبة بالضرورة قامت القرينة على عدم ارادة المعنى العرفي فإن استقبال الشي ء بنظر العرف هو جعل الشي ء في قباله و هذا لا يصدق مع حائل في البين مثل جدار و نحوه فمن كان في بيت من البلد لا يكون عرفا في قبال شخص أخر في بيت أخر فلا محالة لا يراد هذا المعنى في مثل قوله تعالى وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «1» بل المراد هو التسامت الحقيقي بين المصلى و الكعبة بأن يكون الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه و أصله إليها أو شاملة لها و لو من وراء الأرض و ان لم يطلع المصلى عليه و على سره.

ثم ان سر كون الشي ء البعيد و لو كان كبيرا عظيما كالجبل مثلا بجميعه في قبال الناظر مع كونه صغيرا بالنسبة إليه جدا هو ان العينين واقعتان في سطح محدب و العدسي الواسط للرؤية أيضا واقع على سطح محدب قريب بالكروى

و نفس العدسي أيضا له تحديب و لهذا يخرج الشعاع الواسط للرؤية على شكل مخروطى رأسه عند الناظر و قاعدته منطبعة على الشي ء المنظور اليه و كلما امتد النظر صارت القاعدة أكثر سعة.

و لو كان الرؤية بانعكاس صورة المرئي في عين الناظر لكان الأمر كذلك أيضا تقريبا فان النور الاتى من قبل المرئي يكون كمخروط قاعدته عنده و رأسه عند الناظر و هذا سر اتساع ميدان الرؤية و كلما كان المرئي بعيدا يكون الاتساع أكثر ثم ان الأجسام كلما بعدت عن عين الناظر ترى أصغر و ذلك لا تساع زاوية

______________________________

(1) سورة البقرة- آية- 144

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 48

الرؤية و ضيقها فكلما كانت الزاوية أضيق يكون الشي ء أصغر في الرؤية و كلما اتسع انفراجها صار أكبر فيها.

ثم ان هنا امرا أخر و هو ان مقاديم بدن الإنسان خلقت على نحو فيها تحديب من الجبهة إلى القدم و لهذا كانت الخطوط الخارجة عن اجزاء المقاديم غير متوازية كأشعة خارجة عن عين الشمس فلو كان البدن نورانيا كالشمس كان النور الخارج منه قريبا مما خرج منها و يزداد بسط نوره و اتساعه كلما ازداد الامتداد و لهذا يختلف التقابل بينه و بين الأجسام حقيقة و دقة باختلاف البعد و القرب لا لخطاء الباصرة كما قيل لان الخطوط الخارجة من مقدم صدر الإنسان لا تكون متوازية بل تكون كخطى المثلث كلما ازدادت امتدادا ازدادت اتساعا فاذا امتدت الى فرسخين تنطبق على جبل عظيم و كان ذلك مقابلا للصدر حقيقة الا ترى ان الجسم الكروي الصغير يحاذي حقيقة سطحه المحيط به على صغره مع الدوائر العظيمة جدا كدائرة معدل النهار بل الدائرة المفروضة فوقها الى ما شاء

اللّه تعالى.

إذا عرفت ذلك نقول إذا كان الكعبة المعظمة بعيدة عن المصلى بمقدار ربع كرة الأرض أو أقل فلا محالة تصل الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه الى الكعبة أو تحيط بمكة بل بشبه الجزايرة العربية فإن الخطوط التي يخرج من الجبهة و الصدر و سائر المقاديم لا تكون متوازية كما مر فلما كان التحديب في كل من عرض مقاديم البدن و طولها كما هو المشاهد تكون الخطوط الطولية الخارجة منها غير متوازية أيضا و كلما ازدادت بعدا من الأجسام ازدادت اتساعا و إحاطة فتكون جملة منها نافذة فرضا في الأرض الحاجبة بينه و بين الجسم الأخر و هو الكعبة في المقام و تصل الى نفس الكعبة و تحتها و فوقها الى ما شاء اللّه و قد عرفت ان هذا هو التقابل الحقيقي العقلي الذي عرفه الشارع الأعظم و ان غفل عنه المصلى.

و اما بالنسبة الى من كان بعيدا أزيد مما ذكر فلنفرض كون المصلى بعيدا عن مكة بمأة و ثمانين درجة و كان واقفا على موقف لو فرض خط مستقيم من أم رأسه

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 49

و امتد الى الطرف الأخر من الأرض يصل الى البيت الحرام.

ففي مثله لا بد في تصوير مقابلته للبيت المعظم من ذكر أمرين (أحدهما) ان الكعبة بحسب النص و الفتوى و الاعتبار القطعي تمتد من موضعها الى السماء و الى تخوم الأرض و قد نقل عدم الخلاف في ذلك و

في رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه (ع) قال سأله رجل قال: صليت فوق جبل ابى قبيس العصر فهل يجزى ذلك و الكعبة تحتي قال: نعم انها قبلة من موضعها الى السماء «1»

و عن

الفقيه قال الصادق عليه السلام أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا «2»

بل الاعتبار الجزمى يوافق ذلك بعد عموم وجوب الاستقبال لكافة الناس أينما كانوا بل هو لازم قوله تعالى:

وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «3» المراد منه شطر الكعبة كما مر.

ثانيهما ان كل بناء بنى على سطح الأرض إذا كانت جدرانه مستقيمة، لا محالة يكون كل جدار منه محاذيا لمركز الأرض و الا خرج عن الاستقامة و لازم ذلك عدم الموازاة الحقيقية بين الجدارين المتقابلين و كلما امتدا ارتفاعا كانت الفرجة بينهما أكثر فإذا فرض امتدادهما الى السماء يكون الاتساع بينهما أكثر من اتساع شرق الأرض و غربها بما لا يقدر.

و لما كان المتفاهم من

قوله (ع) ان الكعبة قبلة من موضعها الى السماء «4»

ان كلا من جدرانها كأنه ممتد مستقيما الى عنان السماء لا معوجا يكون الشعاع الفرضي الخارج من تخوم الأرض إلى الكعبة و الى عنان السماء كمخروط رأسه مركز الأرض و قاعدته عنان السماء و يمتد الى ما شاء اللّه فلا محالة تكون الخطوط الخارجة عن مقاديم المصلى طولا مسامتة لنصف البناء و الجدران المحيطة به و المسامت لا محالة يصل الى مسامته

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 18- من أبواب القبلة حديث: 1

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 18- من أبواب القبلة حديث: 3

(3)- سورة البقرة- آية- 144

(4)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 18- من أبواب القبلة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 50

إذا امتد فالخطوط الخارجة عن مقاديم البدن طولا يصل كثير منها إلى الكعبة الممتدة إلى عنان السماء فيكون استقبال المصلى لها حقيقيا و ان غفل عنه العامة.

بل الظاهر وقوع الاستقبال و الاستدبار للكعبة المكرمة

في جميع بقاع الأرض أينما كان المصلى فمن صلى الى قبال البيت كان مستقبلا له و مستدبرا أيضا بعد التأمل فيما مر.

و لعل هذا سر قوله تعالى فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ «1» حيث طبق في الاخبار على القبلة

كقوله (ع) في مكاتبة محمد بن الحصين الى عبد صالح عليه السلام فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت أو لم يعلم ان اللّه تعالى يقول و قوله الحق فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ [1]

تأمل.

ثم اعلم ان الشارع الأقدس أسقط حكم الاستقبال و الاستدبار الحقيقتين فيما إذا خالفا لحكم العرف و اثبت حكمهما على طبق نظرهم، فما كان استقبالا بنظر العرف الملازم لكونه استقبالا حقيقة بلا شائبة تسامح رتب عليه حكمه و ما لا يكون كذلك أسقط عنه الحكم بالاستقبال و لو كان استقبالا حقيقة.

و ما ذكرناه عكس ما ذكره القوم من ان التوجه إلى الجهة يكون في اعتبار العرف نحو توجه الى البيت و ان لم يكن كذلك واقعا فان لازم ما ذكرناه ان التوجه إلى الجهة توجه حقيقي الى البيت و ان غفل عنه العامة الا ترى انه لو علم العرف بان بينهم و بين الكعبة ستين درجة و انها واقعة في أفق آخر و جهتها غير جهة افقهم ينكرون جدا كون صلاتهم إلى القبلة أو الى جهتها و لعل الخواص أشد إنكارا منهم مع ان الاستقبال الحقيقي محقق بلا ريب.

نعم لا ريب لأحد في ان الصلاة لا بد من إتيانها إلى جهة أقرب الى مكة من سائر

______________________________

[1]- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 11- من أبواب القبلة حديث: 4 الرجل يصلى في يوم غيم في فلاة من الأرض و لا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا

فرغ من صلاته بدت له الشمس فاذا هو قد صلى لغير القبلة أ يعتد بصلاته أم يعيدها؟. إلخ.

______________________________

(1) سورة البقرة- آية- 115

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 51

الجهات، و الشارع الأقدس تبع لذلك العرف عالما بان هذه الجهة استقبال حقيقي لا مسامحي كما ان التوجه إلى أبعد الجهات أيضا كذلك لكنه أسقط هذه الجهات المخالفة لحكم العرف فتحصل من جميع ما ذكرناه ان القبلة هي عين الكعبة للقريب و البعيد.

بقي الكلام في روايات ظاهرة في ان القبلة بين المشرق و المغرب أهمها

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) انه قال لا صلاة الا الى القبلة قال: قلت: أين حد القبلة قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله قال: قلت: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال: يعيد «1».

فإنها بظاهرها دالة على ان ما بين المشرق و المغرب حد القبلة مطلقا لجميع الناس في جميع الأحوال فمن صلى الى غير ما بينهما بطلت صلاته.

و لازم ذلك أمور منها لزوم الصلاة فيما بينهما مع العلم بأن الكعبة في جهة أخرى بل على الخلف و عليه فتكون مخالفة لإجماع المسلمين بل للضرورة و لجميع النصوص كتابا و سنة.

و منها لزوم اختلاف القبلة باختلاف البلدان فان ما بينهما في خط الاستواء لا يختلف الا يسيرا و اما في آفاقنا فيختلف فاحشا و في بعض الافاق يكون قوس النهار قصيرا جدا فان النهار فيها ثلاث ساعات أو أقل و في بعضها طويلا جدا فان النهار فيها أكثر من عشرين ساعة بل لعل فيما يكون النهار شهرا أو شهرين أو ستة أشهر تطلع الشمس من محل غربت منه فلا يكون بين المغرب و المشرق فصل.

و

منها لزوم اختلاف القبلة باختلاف الفصول في كثير من الافاق بل في جميعها و ان كان في خط الاستواء قليلا فان الفصل بين المشرق و المغرب في أول السرطان أكثر جدا مما بينهما في أول الجدي في مثل آفاقنا بل اللازم تغيير القبلة في كل يوم بتغيير الغروب و الطلوع.

______________________________

(1) الوسائل- كتاب الصلاة- باب 9- من أبواب القبلة حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 52

و منها لزوم كون ما بينهما قبلة لمن كان بلده في شرق مكة المعظمة أو غربها و منها استلزام كون ما بينهما قبلة لاستدبار الكعبة و لو كانت في ما بينهما أيضا كما لو كان قوس النهار طويلا جدا و كان النهار أكثر من عشرين ساعة فان الصلاة إلى الجهة المقابلة منها تقع باستدبار الى غير ذلك.

و الذي يمكن ان يقال ان المراد من هذه العبارة ان مقدار ما بينهما قبلة لا نفس ما بينها نظير

ما ورد في حد البريد ان رسول اللّه (ص) قال لجبرئيل و أي شي ء البريد فقال ما بين ظل عير الى في ء و عير «1»

اى ان هذا المقدار بريد لا لنفس ذلك بل هو الظاهر من الصحيحة «2» لأن زرارة سئل عن مقدار حد القبلة لا عن نفسها ضرورة ان كون الكعبة قبلة من الضروريات لا يسئل عنه فقوله أين حد الكعبة سؤال عن المقدار مكانا أي الى اى حد يكون مقدار التوجه إلى القبلة فقوله (ع) بين المشرق إلخ جواب عنه و لا بد ان يحمل على بيان مقدار الحد الذي يكون التخلف عنه موجبا للبطلان و الحمل على بيان الماهية باطل فيدفع بعض الإشكالات.

ثم إن المراد من المشرق و المغرب هو النقطة

التي وقعت بين نقطتي الشمال و الجنوب كما هو المراد عند الإطلاق عرفا أي نقطتي المشرق و المغرب الا عند اليمين و لهذا قيل في العرف إذا كان الوجه الى المشرق يكون طرف اليسار شمالا و اليمين جنوبا و لا يلاحظ العرض العريض فيهما كما لا يكون ذلك في الشمال و الجنوب فيكون المراد ان مقدار ما بين المشرق و المغرب الا عند اليمين قبلة.

فيندفع بعض الإشكالات الأخر حتى الإشكال الأول لأن لازم كون مقدار ما بينهما حدا بطلان الصلاة إذا وقعت في قوس غير القوس المواجه للمصلي للزوم كون المقدار أكثر مما بينهما.

و يمكن ان يقال ان المراد مما بينهما في أفق محل السؤال اى المدينة المنورة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 2- من أبواب صلاة المسافر حديث: 13

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 53

بناء على كونه فيها فيكون بينهما فيها نصف قوس تقريبا في جميع الفصول و الاختلاف يسير فيها و على ذلك يكون الانحراف بمقدار ربع الدائرة لأن مكة المعظمة في جنوب المدينة حقيقة تقريبا و لو ألغيت الخصوصية بالنسبة إلى سائر الجهات و البلاد لا يمكن إلغائها بالنسبة إلى لزوم كون الانحراف غير زائد عن الربع فالبلاد التي تكون مشابهة للمدينة المنورة قبلتها بين المشرق و المغرب أو بين الجنوب و الشمال و في غيرهما يعتبر عدم الانحراف زائدا عن الربع.

و يمكن ان يقال ان الجواب في نفس المقدار محمول على أفق المدينة فلا فرق بين الوجه المتقدم و هذا الوجه مع ان الحمل على خصوص افقها خلاف الظاهر فالأوجه هو الوجه الأول فبين اليمين و اليسار هو الميزان الكلى.

ثم انه

لو أخل بالقبلة بأن صلى مع الاجتهاد فيها أو قيام بينة أو لضيق الوقت و نحوه ثم انكشف انه صلى الى غيرها فاما أن يكون التبين في الوقت أو في خارجه، و على اى حال اما ان يكون الانحراف فيما بين اليمين و اليسار أو أزيد و على الثاني اما يكون مستدبرا أولا.

مقتضى القواعد الأولية و العمومات بطلان الصلاة بالإخلال بالقبلة من غير فرق بين الصور المذكورة كقوله تعالى وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ «1» حيث انه دل على شرطية القبلة على ما هو التحقيق من ظهور الأوامر في مثل المركبات المبحوث عنها في الحكم الوضعي

و قوله (ع) لا تعاد الصلاة الا من خمس «2»

و

قوله (ع) لا صلاة الا الى القبلة «3»

و لازمه وجوب الإتيان في الوقت بحسب الأدلة الأولية و حكم العقل.

و اما حكم الصلاة بعد الوقت و القضاء فلا يستفاد من شي ء من تلك الأدلة لأن لسانها هو بيان الصحة و الفساد فقوله (ع) لا تعاد كناية عن الصحة في المستثنى منه و عن

______________________________

(1) سورة البقرة- آية- 144

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

(3)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 2- من أبواب القبلة حديث: 9

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 54

البطلان في المستثنى ضرورة عدم كون الإعادة محكومة بحكم تكليفي وجوبي أو تحريمي لأنه مع بطلان الصلاة لا ينقلب التكليف الإلهي المتعلق بإقامة الصلاة إلى تكليف جديد متعلق بالإعادة و لم يسقط الحكم الأول و لم يتجدد حكم أخر فما دام المكلف لم يأت بالصلاة صحيحة كان مكلفا بالتكليف الاولى و كذا الحال في أشباه ما ذكر مما أمر بالإعادة

كقوله (ع) في صحيحة زرارة

المتقدمة حين سأله عمن صلى لغير القبلة فقال يعيد «1»

. فالآية الكريمة و الروايتان و نحوها لا تدل على حكم الصلاة بعد الوقت فتوهم إطلاقها بالنسبة الى ما بعد الوقت في غير محله فالروايات الاتية المفصلة بين الانكشاف في الوقت و خارجه غير مخالفة للاية و غيرها مما ذكر و توهم الإطلاق ناش عن توهم كونها متكفلة للحكم التكليفي و ان الوضعي منتزع عنه نعم لو دل إطلاق على وجوب القضاء يكون مخالفا لها بالإطلاق و التقييد و الجمع بينهما معلوم.

و اما

رواية معمر بن يحيى قال سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة و قد دخل وقت صلاة اخرى قال يصليها قبل ان يصلى هذه التي قد دخل وقتها الا ان يخاف فوت التي دخل وقتها «2»

و قريب منها رواية أخرى عنه «3» بل الظاهر أنهما رواية واحدة مع زيادة إحداهما بقيد.

فمع ضعفها سند الا تعارض الروايات المفصلة الا بالإطلاق و التقييد بيان ذلك انه من الواضح انه في صدر الإسلام حتى في عصر الصادقين عليهما السلام كان بناء المسلمين عموما على تفريق الصلوات و كان لكل صلاة وقت خاص بها بحسب هذا التفريق و

قد وردت روايات كثيرة على ان وقت صلاة الظهر بعد الزوال قدمان و وقت العصر بعد ذلك

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(2)- جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة- باب- 8- من أبواب القبلة حديث: 3

(3)- جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة- باب- 8- من أبواب القبلة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 55

قدمان «1»

أو

ان وقت الظهر ذراع من زوال الشمس و وقت العصر ذراع من وقت

الظهر «2»

و قد سئل في بعض منها بنحو الإطلاق عن وقت الظهرين فكان الجواب نحو ذلك فلا إشكال في ان المعروف في تلك الأزمنة ان الصلوات الخمس لها أوقات و لكل وقت خاص به.

فلا ينبغي الإشكال في ان قوله

في رواية معمر و قد دخل وقت صلاة أخرى «3»

أعم من دخول وقت الشريكة أو دخول وقت غيرها فيكون الجمع بينها و بين الروايات المفصلة بالإطلاق و التقييد.

بل يجرى ذلك

في مرسلة النهاية قال و قد رويت رواية انه إذا كان صلى الى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة «4»

بل لا استبعد ان تكون تلك المرسلة إشارة إلى مثل رواية معمر.

و لو أغمض عن ذلك فلا إشكال في عدم صلاحية مثل تلك المرسلة لمعارضة الروايات الكثيرة المعتمدة و فيها الصحاح المفتي بها قديما و حديثا المفصلة بين الوقت و خارجه

كالمروية عن ابى عبد اللّه (ع) إذا صليت و أنت على غير القبلة و استبان انك على غير القبلة و أنت في وقت فأعد فإن فاتك الوقت فلا تعد «5»

و عنه في الأعمى إذا صلى لغير القبلة فقال ان كان في وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعيد «6»

الى غير ذلك.

فان قلت ان مثل تلك الروايات معارضة

لصحيحة زرارة «7» عن أبي جعفر (ع) قال

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 8- من أبواب المواقيت حديث: 1 و 2

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 8- من أبواب المواقيت حديث: 3 و 4

(3)- جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة- باب- 8- من أبواب القبلة حديث: 3

(4)- جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة- باب- 8- من أبواب القبلة حديث: 16

(5)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 11-

من أبواب القبلة حديث: 1 و 5

(6)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 9

(7)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 56

لا صلاة الا الى القبلة قال: قلت: أين حد القبلة قال: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله قال:

قلت: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال يعيد:

لأن النسبة بينها و بين تلك الروايات العموم من وجه فان المراد بغير القبلة في الصحيحة هو غير ما بين المشرق و المغرب بقرينة قوله (ع) بينهما قبلة كله و الأمر بالإعادة أعم من الانكشاف في الوقت و خارجه و اما الروايات المفصلة فيؤخذ فيها بظاهر قوله على غير القبلة أعم من الانحراف الى ما بين المشرقين أو أزيد إلى الخلف فيقع التعارض بينهما في خارج الوقت و الترجيح للصحيحة لموافقة الكتاب.

قلت أولا انه قد أشرنا الى ان قوله (ع) يعيد و نحوه كناية عن البطلان و لا حكم لعنوان الإعادة في الشرع و في الكنايات لا يكون المتكلم إلا في مقام بيان الأمر الكنائي و اما ما وقع كناية فلا ينظر اليه و لهذا يقال ان المناط في الصدق و الكذب فيها هو مطابقة المكنى عنه للواقع فقوله فلان كثير الرماد المراد بها الجود في مقام بيان جوده لا كثرة رماده فلو لم يكن له رماد و كان جوادا كان المتكلم صادقا.

ففي المقام لما كانت الإعادة بعنوانها غير محكومة بحكم لا عقلا و لا شرعا لم يكن مراده الا المعنى الكنائي أي بطلان الصلاة لعدم إتيانها على ما هي عليه. فكأنه قال صلاته باطلة و لا معنى لإطلاق البطلان فلا تنافي

الروايات فتدبر جيدا.

و ثانيا ان قوله في الصحيحة و غيرها ان ما بين المشرق و المغرب قبلة حاكم على الأدلة المأخوذة فيها الصلاة لغير القبلة و مع وجود الدليل الحاكم تنقلب النسبة بين المتعارضين فيكون المراد بغير القبلة فيها غير ما بين المشرق و المغرب الذي هو قبلة كله فتكون الروايات المتقدمة أخص من الصحيحة مطلقا فتقيد بها فتكون النتيجة عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت و وجوبها في الوقت.

و هل يلحق الصلاة إلى نفس المشرق و المغرب اى نفس اليمين و الشمال بالصلاة الى ما بينهما فتصح و لا تجب إعادتها في الوقت و لا في خارجه أو تلحق بالصلاة استدبارا فيفصل بينهما؟

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 57

مقتضى الجمع بين الروايات هو الثاني فإن ما دل على ان ما بين المشرق و المغرب قبلة كله الخارج منه نفسهما حاكم على

قوله (ع) لا صلاة الا الى القبلة «1»

و نحوه فيخرج منه الصلاة الى ما بينهما فقط و يبقى الباقي و منه الصلاة إليهما داخلا في العمومات و مقتضى الأدلة الدالة على التفصيل بين الوقت و خارجه هو لحوق المشرق و المغرب بالاستدبار كما هو المشهور بينهم.

اللهم الا ان يقال ان قوله (ع) بين المشرق و المغرب قبلة تعبير عادى عن قوله من الشرق الى الغرب قبلة كما يقال بين هذا البلد و ذاك عشرون فرسخا اى منه اليه كذا الا ترى ان ما ورد في السعي بين الصفا و المروة لا يراد به الا السعي بينهما كما قد يعبر عنه بقوله ان يطوف بهما الظاهر منه السعي منه اليه و

قد ورد في روايات انه يبدء بالصفا «2»

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب

الخلل في الصلاة، در يك جلد، چاپخانه مهر، قم - ايران، اول، ه ق

كتاب الخلل في الصلاة؛ ص: 57

و قد ورد في باب الأذان و الصفين من الملائكة كم مقدار كل صف فقال أقله ما بين المشرق الى المغرب «3»

في بعض الروايات و ما بينهما في بعض «4» فيعلم انه لا فرق بين التعبيرين.

و تشهد بذلك

صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (ع) قال: قلت: الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا و شمالا فقال له قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة «5»

فان الانحراف عنها أعم من ان يكون يسيرا أو الى حد اليمين و الشمال و المشرق و المغرب فيستفاد من ذلك ان المراد بقوله ما بين المشرق و المغرب قبلة انها من المشرق الى المغرب كما هو المعهود من التعبير.

و تشهد به أيضا

موثقة عمار بن موسى «6» عن ابى عبد اللّه (ع) في رجل صلى على

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(2)- الوسائل كتاب الحج- باب- 6- من أبواب السعي حديث: 1

(3)- جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة- باب- 2- من أبواب الأذان حديث: 3

(4)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 4- من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 7

(5)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 10- من أبواب القبلة حديث: 1

(6)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 10- من أبواب القبلة حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 58

غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قيل ان يفرغ من صلاته قال ان كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم و ان كان متوجها

الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة

فإن الظاهر منها ان دبر القبلة مقابل لما بين المشرق و المغرب و من الضروري أن التوجه الى نفسهما ليس توجها الى دبر القبلة فيكون التوجه إليهما داخلا في قوله (ع) فيما بين المشرق و المغرب.

و بالجملة الظاهر من الجواب ان المسألة ذات فرضين أحدهما التوجه الى ما بينهما و الثاني التوجه الى دبر القبلة و لا ثالث لهما و عليه فلا بد من إدراج المورد في أولهما و القول بعموم ما بينهما له.

و القول بان دبر القبلة مصداق من مصاديق مفهوم الصدر و الميزان عموم المفهوم و هو شامل للقسمين هما دبر القبلة و المشرق و المغرب نظير ما يقال ان غسلت الثوب بالماء القليل فاغسله مرتين و ان غسلت بالجاري فمرة واحدة حيث ان الكر داخل في مفهوم الصدر و انما ذكر الجاري لكونه مصداقا واضحا مثلا.

انما يصح فيما لو فرض تثليث الأقسام و الظاهر في المقام أن المسألة ذات قسمين و لم يدل دليل من الخارج على تثليث الأقسام فالصلاة الى المشرق و المغرب ملحق بالصلاة الى ما بينهما هذا غاية ما يمكن ان يقال.

لكن التحقيق في المقام هو ما عليه الأصحاب من إلحاق الصلاة إلى المشرق و المغرب بالصلاة استدبارا فان العرف يرى التوجه الى المشرقين غير التوجه الى ما بينهما و معه ينفسخ جميع ما تقدم و اما الاستشهاد بموارد استعمال ما بينهما فمع إمكان المنع عن كونه مستعملا في تلك الموارد في ما ادعى فيه ان الاستعمال أعم من الحقيقة و من المعلوم ان الحقيقة العرفية تخالف الشمول لما ذكر فالأقسام ثلاثة ما بين المشرق و المغرب

و إليهما و الى الخلف و عليه فلا شهادة لصحيحة معاوية «1» لما ذكر فإن إطلاقها الشامل لنفس اليمين و الشمال على فرضه يقيد بقوله ما بين المشرق الى آخره فإنه بمنزلة التعليل الذي

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 10- من أبواب القبلة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 59

يوسع و يضيق كما لا شهادة لموثقة عمار «1» بعد تثليث الأقسام إذ يكون حالها حينئذ مثل ما تقدم في أقسام الماء من كون الشرطية الثانية متكفلة لبيان مصداق من مصاديق المفهوم.

فان قلت ان الشرطية في الموثقة لا مفهوم لها فإنها نظير ما سيقت لبيان تحقق الموضوع فان مفهوم ان كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب هو ان لم يكن متوجها لا ان كان متوجها الى غير ذلك كي يكون قوله متوجها الى دبر القبلة من مصاديق المفهوم و لا مفهوم للقيد أيضا كي يقال إن مفهوم ان كان متوجها فيما بينهما هو ان كان متوجها لا فيما بينهما بل الى غير ذلك و عليه فيلزم إهمال التوجه الى المشرقين مع كونه في مقام البيان فلا بد من التزام دخوله في أحدهما و حيث لا يدخل في الثانية فلا محالة يكون داخلا في الأولى.

قلت ان كونها نظير الشرط المحقق للموضوع ممنوع فان المفروض هو المصلى المتوجه إلى جهة و هو في الصلاة فتكون الشرطية في الفرض المذكور فكأنه قال المصلى المتوجه في صلاته إلى جهة ان كان متوجها الى ما بين المشرق و المغرب فكذا، و ان لم يكن متوجها الى ما بينهما فكذا، و من المعلوم ان بعد فرض التوجه يكون المفهوم كون توجهه الى غير ذلك فالعرف يفهم في المورد أن المفهوم

ان كان توجهه الى غير ذلك فيشمل القسمين و الإيكال في فهم المفهوم الى العرف و من المعلوم انه في قوله ان كان متوجها إليهما بعد فرض تحقق التوجه ان لم يكن كذلك المراد منه كون التوجه الى غير ذلك فلا اشكال من هذه الجهة فالأقوى ما عليه المشهور من التفصيل.

و هل التوجه الى دبر القبلة داخل في التفصيل المذكور أو موجب لبطلان الصلاة فيجب إعادتها في الوقت و خارجه؟.

و ليعلم ان استدبار القبلة مقابل استقباله فكما ان الانحراف يمينا و يسارا قبل الوصول الى حد المشرق و المغرب يوجب عدم الاستقبال كذلك في طرف الاستدبار

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 10- من أبواب القبلة حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 60

فالأقسام أربعة بين المشرق و المغرب و إليهما و بعدهما الى حد الاستدبار عرفا و الاستدبار.

و عليه فقد يقال: إن الأدلة المفصلة منصرفة عن الاستدبار و لو عرفية لأن وقوع الصلاة مستدبرا نادر لمن يجتهد تفصيل الاستقبال.

و فيه- مضافا الى منع كونه نادر الوقوع فان القوافل الكثيرة في تلك الأعصار كانوا كثيرا ما يشتبه عليهم المشرق و المغرب في الليل أو في يوم غيم فكانوا يصلون بتخيل كون النقطة الكذائية هي المشرق فكانت صلاتهم تقع مستدبر إبل ربما يتحقق للحاضر الذي يعلم القبلة بواسطة الاشتباه فدعوى ندرة الوجود غير مسموعة- ان ندرته لا يوجب الانصراف إلا إذا كانت كالتقييد و القرينة الحافة بالكلام و الا فمثل المطلقات لا يحكى عن الإفراد حتى تكون الندرة دخيلة في الانصراف و هو في المقام ممنوع جدا.

فان قلت ان موثقة عمار الساباطي «1» المتقدمة مقيدة للروايات «2» الدالة على ان من صلى على غير القبلة فلا اعادة

عليه بعد مضى الوقت فإنها تدل على بطلان الصلاة لو صلى على دبر القبلة و لازمها العرفي القضاء خارج الوقت فمن صلى على دبر القبلة بطلت صلاته و يجب عليه الإعادة في الوقت و القضاء في الخارج و الموثقة و ان تعرضت للاثناء و في الوقت لكن تدل على بطلانها مع الاستدبار في بعض الصلاة و لازمه البطلان مع الاستدبار في الجميع و لازم البطلان القضاء في خارج الوقت فيتقيد بها سائر الروايات فيحكم بالبطلان و لزوم القضاء في المستدبر دون غيره كالمتوجه الى المشرق و المغرب و ما فوقهما الى حد الاستدبار.

قلت قد مر سابقا أن تلك الروايات متعرضة للبطلان فقط

كقوله (ع) لا صلاة الا الى القبلة «3»

و

حديث لا تعاد «4»

و نحوهما الموثقة فلا تعرض لها للإعادة خارج الوقت بل

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 10- من أبواب القبلة حديث: 4

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب 11 من أبواب القبلة حديث: 1- 2- 5- 6

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 61

و ليس لازمها العرفي أو العقلي القضاء نعم مع الحكم بالبطلان يندرج تحت أدلة القضاء فهي الدليل على القضاء لا تلك الروايات و مع فرض إطلاقها يتقيد بالروايات المفصلة بين الوقت و خارجه.

فالتحقيق هو ما عليه جل من المحققين من كون المسألة ذات فرضين الانحراف الى بين المشرق و المغرب و حكمه الصحة و عدم القضاء و الإعادة و الى أزيد حتى يبلغ الى الاستدبار فيفصل بين الوقت و خارجه.

و هل الحكم المذكور يعم كل من صلى على غير القبلة فتبين الانحراف سوى

العالم العامد و المسامح أو يختص بفرض خاص؟ فالكلام يقع في الصورتين.

الاولى من صلى و تبين الخلاف و الانحراف فيما بين اليمين و الشمال و من المعلوم ان مقتضى

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال قلت أين حد القبلة قال ما بين المشرق و المغرب قبلة كله «1»

الصحة مطلقا خرج العامد العالم و المسامح غير المبالي انصرافا أو صرفا و بقي الباقي.

و ليس ما يعارض الصحيحة المذكورة إلا

صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع) في الأعمى يؤم القوم و هو على غير القبلة قال يعيد و لا يعيدون فإنهم قد تحروا «2»

فان مقتضى التعليل ان الحكم وجود أو عدما دائر مدار التحري و الاجتهاد فخرج سائر الفروض و الموارد.

و في صلاحيتها للتقييد اشكال و هو انه لا إشكال في ان قوله (ع) في الصحيحة و غيرها ما بين المشرق و المغرب قبلة ليس على نحو الحقيقة ضرورة ان قبلة المسلمين هي الكعبة خاصة كما مر الكلام فيه مستقصى فلا بد من حملها على الحقيقة الادعائية كما في الأشباه و النظائر و لا يصح ادعاء أن ما بينهما قبلة الا مع كونه مشتركا مع الكعبة في

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب 11- من أبواب القبلة حديث: 7

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 62

جميع الصور المتصورة في الصلاة بناء على كون الدعوى مختصة ببابها كما لا يبعد أو كون ما يترتب عليه من الفروض البارزة عرفا و عقلا بحيث كان مما تصح فيه دعوى أنه تمام الآثار كالشجاعة في الأسد و الرجولية في الرجل أو كانت الآثار المرتبة عليه كثيرة بحيث كان الأثر المقابل نادرا

ملحقا بالمعدوم فمصحح الدعوى أحد الأمور الثلاثة و مع فقدانها لا تصح.

و في المقام لو اختص اثر الكعبة أي صحة الصلاة نحوها بفرض واحد و هو فرض التحري الذي يختص بمن يبصر و يكون الأعمى محروما عنه أي الأخذ بالأحرى بعد الاجتهاد و التفحص عن الجهات و كان سائر الفروض كالقطع و الظن و البينة و الغفلة و الاشتباه و السهو و النسيان و الجهل غير محكومة بهذا الحكم كانت دعوى كونه قبلة غير صحيحة ضرورة أن التحري ليس من الفروض الواضحة البارزة عرفا أو عقلا و لا تكون سائر الفروض قليلة ملحقة بالعدم بل هي أمور كثيرة شايعة كما لا يخفى.

و ليست القضية في المورد قضية الإطلاق و التقييد حتى يقال: ان التخصيص المذكور لا يوجب الاستهجان، بل قضية صدق الدعوى و مصححها و هو أمر غير باب الإطلاق و التقييد، مع ان التقييد المذكور أيضا محل اشكال مع تلك الكثرة و عليه فلو لم يمكن توجيه صحيحة الحلبي بنحو عقلائي لا بد من معاملة المعارضة بينها و بين صحيحة زرارة و نحوها.

و الذي يمكن ان يقال أمور (الأول) ان قوله و هو على غير القبلة أعم مما بينهما و غيره الى حد الاستدبار و قوله بين المشرق و المغرب قبلة حاكم عليه فيختص غير القبلة بما عدا ما بينهما فيقع التعارض بين صحيحة الحلبي و الروايات المفصلة و ينتفي التعارض بينها و بين صحيحة زرارة و دعوى كون الحكم في صحيحة الحلبي بعدم الإعادة على من تحرى قرينة على الموضوع فكان المفروض أنهم صلوا فيما بين المشرق و المغرب غير مسموعة فإن الظهور اللفظي لا ينقلب بمجرد كون الحكم بدليل آخر منفصل مخصوصا

بمورد خاص.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 63

(الثاني) ان صحيحة الحلبي معارضة

لصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه انه سأل الصادق (ع) عن رجل أعمى صلى على غير القبلة قال ان كان في وقت فليعد و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد «1»

و الظاهر من قول الفقيه روى عن عبد الرحمن هو الرواية عنه بالطريق الذي ذكره و هو الصحيح و نحوها مرسلة الفقيه التي هي ملحقة بالصحاح و توهم كون الإمامة دخيلة في الحكم فاسد جدا و مقتضى الجمع بينهما حمل صحيحة الحلبي على الاستحباب.

و لا ينافي ذلك ما مر منا مرارا من أن المتفاهم من الإعادة و عدمها هو كونهما كناية عن الصحة و الفساد و ذلك لان ما هو كناية عن الفساد هو الأمر الإلزامي فلو كان الأمر استحبابيا فلا معنى للكناية فيه و مع اقتضاء الجمع الحمل على الاستحباب ينتفي موضوع الكناية.

و عليه فيمكن الجمع بين الصحيحة و الروايات المفصلة بأن يقال ان قوله (ع) يعيد إذا حمل على التكليفي فيحمل قوله (ع) لا يعيدون بالقرينة على نفى الإعادة تكليفا أيضا و هذا بإطلاقه شامل للوقت و خارجه و الجمع بينها و بين الروايات المفصلة ينتج نفيها في خارج الوقت لا في داخله و انما لم نقل به سابقا لان نفى الإعادة إذا كان كناية عن الصحة لا معنى للإطلاق فيه و اما مع الحمل على ظاهره بقرينة فلا مانع من الجمع المذكور.

(الثالث) ان صحيحة زرارة بعد ما تقدم ما في عمل الإطلاق و التقييد فيها من المحذور تكون أظهر في مفادها بل كالصريح فتقدم على ظهور الأمر في صحيحة الحلبي في اللزوم و يحمل على الاستحباب مع ان

التحقيق في هيئات الأوامر عدم دلالتها وضعا على الوجوب أو الاستحباب بل لا تدل الا على البعث نحو المأمور به كالإشارة المفهمة نعم مع عدم ورود قرينة على الترخيص يحكم العقل بلزوم الخروج عن العهدة فهيئة الأمر كالإشارة الصادرة عن المولى فحينئذ مثل الإطلاق المذكور يقدم

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب 11- من أبواب القبلة حديث: 8

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 64

عليها و يكون بمنزلة الترخيص و تحمل على الاستحباب.

(الرابع) ان

صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (ع) قال قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة: يمينا و شمالا قال قد مضت صلاته و ما بين المشرق و المغرب قبلة «1»

ظاهرة في ان وروده فيها كان لا باجتهاد و نظر بل لغفلة و نحوها و ان أبيت فلا أقل من احتمال كونه عن اجتهاد أو غفلة أو خطأ و نحوها و مع عدم الاستفصال تدل على الصحة في جميع الفروض و المحتملات فعلى الأول الذي هو الأظهر تكون معارضة لصحيحة الحلبي تعارض النص و الظاهر فتقدم عليها بالحمل على الاستحباب و كذا على الثاني لبعد حملها على خصوص فرض الاجتهاد فتدبر.

و مع الغض عما سبق من الوجوه فغاية ما تدل عليه صحيحة الحلبي هو ان المصلى في مورد كان مكلفا بالتحري و الاجتهاد لو تركه و لو قصورا بطلت صلاته و يجب عليه الإعادة و اما استفادة الحكم للساهي و الغافل و نحوهما فمحل اشكال بل منع فلا محيص عن الأخذ بإطلاق صحيحة معاوية و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في عدم صلاحية صحيحة الحلبي لتقييد صحيحة زرارة فلا إشكال في هذه الصورة.

و

منه يعلم الجواب في الصورة الثانية أي صورة الانحراف الى أكثر مما بينهما فإن الصحيحة على أكثر الوجوه لا تعارض الأخبار المفصلة بين الوقت و خارجه.

و اما

صحيحة سليمان بن خالد قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يصحى فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع قال ان كان في وقت فليعد صلاته و ان كان قد مضى الوقت فحسبه اجتهاده «2»

فلا تدل على ان الأمر مطلقا دائر مدار الاجتهاد حتى في مورد لم يكن المكلف مأمورا به كما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 10- من أبواب القبلة حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 11- من أبواب القبلة حديث: 6

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 65

لو صلى لغير القبلة خطأ أو غفلة و نحوهما بل غاية ما تدل عليه انه في مثل الفرض الذي يكون مكلفا بالاجتهاد حسبه اجتهاده و لو لم يجتهد و صلى بطلت صلاته.

و هذا مما لا اشكال فيه بل الظاهر ان المكلف لو صلى في يوم غيم غفلة أو خطأ أو قاطعاً لوجه القبلة يكون التفصيل محكما فيختص البطلان على نحو الإطلاق بالمتسامح للاجتهاد مع تكليفه به.

و يمكن الاستيناس بل الاستدلال

بصحيحة يعقوب بن يقطين «1» قال سألت عبدا صالحا عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس و هو في وقت أ يعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة و ان كان قد تحرى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته فقال يعيد ما كان في وقت فاذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه.

فان الظاهر منها ان مورد السؤال أمر ان أحدهما وروده في الصلاة

بلا اجتهاد و ثانيهما الورود فيها مع الاجتهاد فان قوله و ان كان قد تحرى الى آخره جملة شرط مع الجزاء و الحمل على الوصلية خلاف الظاهر فتدل على صحة صلاته مع عدم الاجتهاد و إطلاقه يشمل الدخول غفلة و خطأ أو قاطعاً أو مسامحة خرج الدخول مسامحة انصرافا أو صرفا و بقي الباقي.

فتحصل من جميع ما مر وجوب الأخذ بإطلاق الأدلة في الصورتين و الخارج منها الدخول علما و عمدا أو مسامحة و إهمالا.

و هل الجاهل بالحكم أو الناسي له ملحق بالعامد فتبطل صلاته فيعيد في الوقت و خارجه أو بالساهي و الخاطي فتصح فيما إذا كان الانحراف فيما بين المشرقين و يفصل في الزائد بين الوقت و خارجه أو ملحق بالخاطى في الصورة الاولى و تبطل في الثانية فيعيد في الوقت و خارجه أو تصح في الثانية أيضا فلا يعيد في الوقت و لا في خارجه وجوه.

وجه الأول مضافا الى الإشكال الثبوتي في اختصاص الحكم بالعالم به أو

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 11- من أبواب القبلة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 66

الملتفت ان الأدلة الخاصة مختصة بالخطاء و نحوه في الموضوع فلا تعم الجهل بالحكم و نسيانه و دليل لا تعاد حاكم على حديث الرفع مضافا الى الإشكال في عمومه للشبهات الحكمية.

و وجه الثاني إطلاق صحيحة زرارة «1» النسبة إلى الصورة الأولى فإن قوله بعد السؤال عن حد القبلة: ما بين المشرق و المغرب قبلة كله مطلق قوى الإطلاق لما عرفت من انه من الحقائق الادعائية و ليس فيها دلالة أو إشعار باختصاصها بالموضوعات بل لعل المستفاد من ذيلها تأكيد إطلاق الصدر حيث قال: قلت: فمن صلى لغير القبلة أو

في يوم غيم في غير الوقت قال فليعد فان فرض الشبهة الموضوعية في الوقت يؤكد تعميم مقابلها للحكمية و كيف كان لا ينبغي الإشكال في الإطلاق كما لا ينبغي الإشكال في حكومتها على أدلة اعتبار القبلة

كقوله (ع) لا تعاد الصلاة «2»

هذا حال حكم ما بين المشرقين.

و اما التفصيل في الانحراف الزائد فلا طلاق بعض روايات الباب

كصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه (ع) قال: قال أبو عبد اللّه: إذا صليت و أنت على غير القبلة فاستبان لك انك صليت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد فإن فاتك الوقت فلا تعد «3».

و وجه الثالث هو تسليم وجه الصورة الاولى و إنكار الإطلاق لصحيحة عبد الرحمن فان المنساق منها الخطاء و نحوه في الموضوع سيما مع ندرة الجهل بالحكم و نسيانه في عصر ابى عبد اللّه (ع) مما كان حكم القبلة ضروريا بين المسلمين مضافا الى ان اختصاص سائر الروايات على كثرتها بالموضوع يشهد باختصاص الصحيحة به مع ان قوله استبان كأنه مخصوص بالموضوع لا الحكم الكلى و كيف كان لا يمكن إثبات الإطلاق لهما و على هذا يكون البطلان بحسب القواعد محكما.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

(3) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 11- من أبواب القبلة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 67

و وجه الرابع اما في الصورة الأولى فما مر و اما في الثانية فهو انه بعد عدم ثبوت الإطلاق في الروايات الخاصة لا مجال للتفصيل، و مقتضى حديث الرفع الصحة مطلقا، و هو حاكم على الأدلة المثبتة للقبلة، كحديث لا تعاد،

و

صحيحة زرارة لا صلاة الا الى القبلة «1»

و نحوهما، لان مقتضى لا تعاد بطلان الصلاة بترك القبلة فإن إيجاب الإعادة و نفيه كناية عن البطلان و الصحة كما تقدم و لسان حديث الرفع «2» رفع ما لا يعلم و في المقام رفع شرطية القبلة و هو لسان الحكومة فكما ان قوله (ع) بين المشرق و المغرب قبلة حاكم على أدلة شرطية القبلة توسعة كذلك حديث الرفع رافع لموضوع ما ثبت البطلان لأجله بالتوسعة بنحو آخر.

فما في كلمات بعض الأعيان من حكومة حديث لا تعاد على حديث الرفع غير وجيه، كدعواه باختصاص لا تعاد بالسهو في الموضوع.

نعم هنا اشكال آخر في تحكيم حديث الرفع عليه و هو ان إخراج ما ثبت بفقرات حديث الرفع عن لا تعاد لازمه بقائه بلا مورد أو في مورد نادر الوجود ضرورة أن إخراج السهو حكما و موضوعا و النسيان و الخطاء و الجهل كذلك عنه لازمه ذلك، فيقع التعارض بين الحاكم و المحكوم، و المرجح أو المرجع هو الكتاب الموافق لحديث لا تعاد، و لازمه البطلان مطلقا.

و الجواب عنه ان الأدلة الخاصة المفصلة بين الوقت و خارجه مخصصة لحديث الرفع لأنها وردت في مورده فعليه يكون الجهل بالموضوع و الخطاء و السهو فيه داخلة في لا تعاد و خارجة عن حاكمه و اما الجهل بالحكم و نسيانه الخارجان عن الأدلة الخاصة فهما باقيان تحت حديث الرفع، و إخراجهما من لا تعاد لا يوجب الاشكال المذكور.

و مما ذكرناه يظهر حال

قوله (ع) في صحيحة زرارة لا صلاة الا إلى القبلة «3»

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة

حديث: 2

(3) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 68

فان حديث الرفع حاكم عليه حتى على الحمل على الحقيقة الادعائية على ما هو الأظهر بين محتملات أمثاله فإنهما متكفلة لحكم الصلاة مع فرض اعتبار القبلة فيها و الحديث يرفعها منها فهو بمنزلة رافع الموضوع و نظير الاشكال المتقدم مع جوابه جار فيه فتدبر.

ثم ان الاشكال الثبوتي المعروف اى توقف كل من الحكم و العلم به على الأخر فيدور قد فرغنا عن جوابه سالفا مع ان نظيره واقع شرعا و مفتى به عند الأصحاب كالجهر و الإخفات و القصر و الإتمام فما يجاب به عن الاشكال فيهما يجاب به عن الإشكال في المقام.

فتحصل مما ذكر صحة صلاة الجاهل بحكم القبلة و الناسي عنه مطلقا و توهم ان الرفع انما هو ما دام جاهلا فمع حدوث العلم يثبت التكليف فاسد و قد ذكرنا في محله بيان الاجزاء في أمثاله فراجع الأصول.

و استبعاد كون الجهل بالموضوع أسوأ حالا من الجهل بالحكم في غير محله بعد اقتضاء الدليل ذلك بل ورد في صحيحة عبد الرحمن بن حجاج «1» في باب التزويج في العدة ان جهالته بالحكم أهون من جهالته بالموضوع و كيف كان لا اشكال من هذه الناحية و الاحتياط حسن على كل حال.

فروع

(الأول) لا إشكال في صحة الصلاة إذا تبين في أثنائها الانحراف الى ما بين المشرق و المغرب،

فيجب عليه أن يحول وجهه إلى القبلة و يتمها، من غير فرق بين سعة الوقت و ضيقه حتى فيما إذا لم يبق منه الا مقدار نصف الركعة أو أقل، كما لا إشكال في بطلانها مع الاستدبار و نحوه إذا تبين في سعة الوقت فليقطع صلاته و يستأنف إذا كان يدرك ركعة من الوقت بعد قطعها.

و تدل على

ما ذكر

موثقة عمار الساباطي عن ابى عبد اللّه (ع) في رجل صلى

______________________________

(1) الوسائل كتاب النكاح باب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 69

على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل ان يفرغ من صلاته قال ان كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم و ان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة «1»

فإن مقتضى إطلاقها عموم الحكم بالصحة و الفساد لجميع الفروض.

و الظاهر ان الحكم بالبطلان ثابت للانحراف الزائد عما بين المشرق و المغرب اما في غير نقطة المشرقين فلصدق دبرها عرفا و حقيقة و ان أبيت عن ذلك فالظاهر من مثل التركيب ان الحكم المقابل للشرطية الأولى ثابت لمفهومها و انما ذكر في المنطوق مصداق منه بل من البعيد جدا إهمال الحكم في غالب المصاديق المفروضة و منه يعلم حال التوجه الى المشرقين إذ هو أيضا داخل في مفهوم الصدر.

و لو ضاق الوقت عن إدراك ركعة فهل الحكم هو البطلان أو تصح صلاته و يحول وجهه إلى القبلة و يتمها؟، لا يبعد ثبوت حكم البطلان في هذه الصورة أيضا فإن في الموثقة احتمالات أرجحها ما يوجب ذلك و هو ان قوله فليقطع الصلاة كناية عن بطلانها من غير قيد و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين سعة الوقت و ضيقه، و قوله بعد ذلك ثم يحول وجهه إلخ ليس حكما شرعيا بل إرشاد إلى شرطية القبلة أو تعبير على مجرى العادة و لا دلالة فيه على فرض سعته بل مقتضى الإطلاق لو فرض كونه حكما عدم الفرق بين السعة و

الضيق و هذا الاحتمال هو الأرجح الموافق لإطلاق السؤال و الجواب و الصدر و الذيل و عليه تبطل صلاته و يجب القضاء لفوتها.

و هنا احتمالان آخران أحدهما ان قوله ذلك كناية عن البطلان كالسابق من غير قيد و قوله بعد ذلك ثم يحول وجهه الى آخره في فرض سعة الوقت و النتيجة مع السابق واحدة.

ثانيهما ان قوله فليقطع الى آخره في فرض سعة الوقت و على ذلك لا تتعرض الرواية لصورة ضيقه فلا بد من العمل بالقواعد و مقتضى القاعدة الأولية بطلانها

لقوله (ع) لا صلاة الا الى القبلة «2»

و نحوه مما يدل على اشتراط القبلة في جميع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب القبلة حديث: 4

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 70

الصلاة حتى في الأكوان الخالية عن الذكر و لو ببركة أدلة القواطع أو بضميمتها على ما يأتي الكلام فيه.

و يمكن القول بالصحة فيما إذا صلى لغير القبلة حال الجهل بالحكم أو نسيانه و ذلك لدليل الرفع «1» بالنسبة لما مضى من الصلاة لغير القبلة و لدليل رفع الاضطرار «2» بالنسبة لحال الالتفات الى الاشتراط الى أن يحول وجهه إلى القبلة، و حصول الشرط بالنسبة لما بعد ذلك فيقال بصحتها و لزوم التحول إلى القبلة فيما بقي منها.

فان قلت ان شمول دليل رفع الاضطرار فرع تحققه، و تحققه فرع تكليف الشارع بإتمامها و الا فلا يضطر المكلف به تكوينا، فمع احتمال بطلانها يشك في الاضطرار، فلا يصح التمسك بدليله للشبهة المصداقية أو لشبهة الدور بل مقتضى دليل بطلان الصلاة بالالتفات الفاحش و الاستدبار بطلانها و هو رافع لموضوع دليل الرفع لأنه مع

بطلانها ينتفي الاضطرار.

قلت نعم لكن يمكن استكشاف لزوم الإتمام من الأدلة الكثيرة الظاهرة في مراعاة الشارع الأعظم للوقت عند الدوران بين فوته أو فوت سائر الشروط، و قد وردت روايات يظهر منها ان الصلاة لا تترك مع فقد القبلة،

كما وردت في المريض ان يصلى مضطجعا «3»

و ما وردت في الصلاة على الدابة في يوم مطير «4»،

و صرح في بعضها بأنه يستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثم يدور حيثما دارت الدابة «5»،

و في أدلة صلاة الخوف و غيرها ما يدل على ذلك «6» و بالجملة انها لا تترك بحال، فلو اضطر الى ان يصلى مستدبرا يجب عليه و صحت صلاته.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الجهاد باب- 56- من أبواب جهاد النفس حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الجهاد باب- 56- من أبواب جهاد النفس حديث: 1

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 7- من أبواب القيام حديث: 1- 2- 3

(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(5) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 10

(6) الوسائل كتاب الصلاة باب- 3- من أبواب صلاة الخوف و المطاردة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 71

فحينئذ يمكن ان يقال ان صلاته الصحيحة الى حال الالتفات مع إمكان إتمامها مستقبلا مع ادراك الوقت وجب إتمامها و صحت بدليل الرفع بل يمكن القول بالصحة و عدم قاطعية الالتفات و الاستدبار في حال الالتفات الى الاستقبال بالاستكشاف من هذه الأدلة و من ان الصلاة لا تترك بحال هذا حال الجهل بالحكم و نسيانه.

و يمكن اجراء حكمهما الى السهو و الخطاء في الموضوع و الاشكال بلزوم صيرورة لا تعاد بلا مورد مع حكومة فقرأت حديث الرفع عليه مرتفع بان غير مورد

ضيق الوقت الذي كلامنا فيه داخل في دليل لا تعاد كما تقدم فخروج هذا المصداق النادر عنه كخروج الجهل بالحكم و النسيان عنه لا يوجب اشكالا فعلى هذا يمكن تصحيحها بدليل رفع الخطاء منضما الى رفع الاضطرار كمامر.

الا ان يستشكل في صحة الاستدلال بدليل الرفع في غير الجهل بالحكم و نسيانه، بان يقال ان المصلى صلى الى غير القبلة سهوا أو خطأ، و رفع غير القبلة لا اثر له، الا ان يقال ان رفع الاستدبار الخطئي أثره عدم بطلان الصلاة، و كذا رفع الاستدبار الاضطراري، الا ان يقال ان ما هو الشرط استقبال القبلة، و ما ورد من ان الالتفات الفاحش قاطع للصلاة إرشاد إلى اشتراط القبلة في جميع حالاتها، و ليست القاطعية حكما شرعيا حتى يتعلق به الرفع، و ما هو حكم شرعي قابل للرفع هو اشتراط التوجه إلى القبلة و لم يتعلق به السهو و الخطاء و لا الاضطرار، بل المانعية و القاطعية لو لم ترجعا الى اشتراط ما يقابلهما غير معقولة.

و التحقيق ان أساس الإشكال في التمسك بحديث الرفع لنظائر المقام أمور (منها) ان حديث الرفع لا يرفع الا ما هو ثابت بالأدلة الأولية و لو قانونا، إذ لا معنى لرفع غير ما ثبت بالشرع، و المفروض في المقام ان ما هو ثابت شرطية القبلة لا مانعية الاستدبار إذ لا دليل لها.

و فيه منع عدم الدليل على مانعيته لان ظاهر كثير من الروايات ان الالتفات الفاحش أو لا التفات عن القبلة تقطع أو تفسد الصلاة، و أدلة الاشتراط لا يفهم منها

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 72

الا لزوم الاستقبال حال الإتيان بها فإن الصلاة هي الأذكار و القرآن و الأفعال المعتبرة

فيها، و لو لا أدلة البطلان بالالتفات لما دلت أدلة الشرائط على البطلان به في غير حال الاشتغال بها.

و بالجملة هاهنا دليلان دليل اشتراط القبلة و دليل قاطعية الالتفات، و إرجاع الثانية إلى الاولى لا وجه له الا مع القول بالامتناع، و قد مر الكلام في دفعه في بعض المقامات و تأتي الإشارة إليه.

مضافا الى ان دليل الرفع بما ان فقرأته حقائق ادعائية و مصححها رفع جميع الآثار فيما إذا لم يكن بعضها واضحة أو شايعة كما تقدم الكلام فيه يرفع لازم المجعولات الشرعية كالاستدبار، فان قاطعيته لازم شرطية القبلة، بناء على شرطيتها في الأكوان أيضا، مع ان رفع الاستدبار الراجع الى قاطعيته لازمه رفع شرطية الاستقبال فلا ينبغي الإشكال من هذه الجهة.

(و منها) ان الالتفات و الاستدبار برجوعهما الى عدم الاستقبال موجبان للبطلان، فالمفسد حقيقة عدم الاستقبال لا الاستدبار و الالتفات، و لا يعقل تعلق الرفع بالأمور العدمية فإنها مرفوعة بذاتها.

و فيه- لو سلم ذلك، مع انه غير مسلم بل ممنوع بحسب ظواهر الأدلة-، ان ما لا يعقل تعلقه بالأعدام هو الرفع الحقيقي دون الادعائي الراجع الى نفى الأثر كما في المقام، فان ترك الاستقبال مفسد و لو لأجل فقدان الاستقبال و دليل الرفع بما انه حقيقة ادعائية يرفع تركه ادعاء الراجع الى عدم بطلان الصلاة به فلا اشكال من هذه الجهة أيضا.

(و منها) شبهة امتناع المانعية و القاطعية لو لم ترجعا إلى شرطية ما يقابلهما.

و فيه ما تقدم من الجواب عنها، و حاصله ان مناط الشرطية يباين مناط القاطعية و المانعية، و لا يعقل إرجاع إحداهما إلى الأخرى، فالشرط دخيل في وجود المصلحة و الاقتضاء، و القاطع مزاحم لتحقق المأمور به في الخارج

اعتبارا، و لا يعقل ان

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 73

يكون عدمهما شرطا و دخيلا في المصالح فراجع و قد تقدم في بعض المباحث ان ما قيل من ان مانعية الشي ء ترجع الى ان عدمه شرط كلام خال عن التحقيق و لعله مأخوذ من ظاهر كلام بعض أهل النظر من ان عدم المانع من اجزاء العلة التامة و هو كلام صوري لو صدر من أهل الفن لا يراد منه ظاهره.

فتحصل مما ذكر ان تصحيح الصلاة بدليل الرفع مما لا مانع منه، هذا كله لو لم نقل باستفادة البطلان من موثقة عمار كما تقدم.

(الثاني) لو تبين انه كان مستدبرا في صلاة الظهر و لم يبق من الوقت الا مقدار اربع ركعات

فهاهنا صورتان إحداهما تبين ذلك مع عدم الإتيان بالعصر ثانيتهما تبينه بعد الإتيان به و بالظهر مع فرض أن الوقت في الصورتين لا يسع إلا لأربع ركعات ففي الصورة الأولى هل يجب عليه قضاء الظهر أولا؟ و في الصورة الثانية هل يجب عليه الإتيان بالظهر أولا؟ فالكلام تارة في مقتضى أدلة الاختصاص و الاشتراك و اخرى في مفاد الأدلة الواردة في المقام.

فنقول قد يقال بامتناع اشتراك الوقت من أوله إلى آخره لامتناع تعلق التكليف بالضدين حين الزوال و امتناع تعلقه بهما عند ضيق الوقت و اما في غير أول الوقت و آخره فلا مانع من الاشتراك لعدم أداء التكليف الى الجمع بين الضدين كما هو ظاهر.

و فيه انه قد ذكرنا في باب الترتب بعد البناء على بطلانه انه لا مانع من تعلق تكليفين فعليين بالضدين، و تحقيق ذلك مبتن على مقدمات ذكرناها هناك، و لا مجال هاهنا لإطالة الكلام.

لكن نقول إجمالا ان الامتناع اما لأجل امتناع تعلق التكليف بالضدين في زمان واحد لكونه تكليفا محالا، أو لأجل امتناع الجمع بينهما في

وقت واحد، فيكون تكليفا بالمحال، و كل منهما ممنوع اما من ناحية التكليف بالضدين، فلان الأمر بكل من الضدين أمر مستقل متعلق بموضوعه الذي هو الطبيعة من غير لحاظ حالاتها

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 74

فضلا عن مزاحماتها، فالأمر بالصلاة مثلا متعلق بطبيعتها، و مقتضى الإطلاق بعد تمامية مقدماته هو كون المتعلق تمام الموضوع، و لا يعقل ان يكون الأمر بالطبيعة متعلقا بمصاديقها، كما لا يعقل ان تكون مرآة و كاشفا لها، فالأمر بها أمر واحد متعلق بواحد، و لا يتكثر حتى بعد مقدمات الإطلاق، فالأمر بكل من الضدين أمر به بلا لحاظ ضده و مزاحمة.

و بعبارة أخرى هنا أمر بهذا الضد و أمر آخر بذاك الضد، و لا يكون أمر ثالث بالجمع بينهما حتى يقال انه تكليف محال، و من هذا يظهر ان دعوى انه تكليف بالمحال غير وجيهة، فإن الأمر إذا لم يتعلق بالجمع لم يكن تكليفا بالمحال، و لا تكليفا محالا، نعم لا يمكن للمكلف اطاعة الأمرين بعد إمكان اطاعة كل واحد منهما، فحينئذ يحكم العقل بالتخيير مع فقد الأهمية و بالتعيين إذا كان أحدهما أهم، هذا باب المتزاحمين.

و اما في المقام فلانة بعد معلومية عدم امتناع أصل الاشتراك بوجه لا محالة يكون اشتراك الوقت بينهما في جميع القطعات على السواء، و ان الوقت في جميعها وقت فعلى من غير فرق بين الأول و الأخر و الوسط.

و ما قيل من الوقت الإنشائي أو الاقتضائي بالنسبة إلى القطعة الاولى و الأخيرة، و الفعلي بالنسبة إلى سائر القطعات مع عدم الإتيان بالظهر، و بعد الإتيان يتنجز التكليف.

مما لا أصل له و نشأ من الخلط بين الشروط، بيان ذلك ان للصلاة شروطا كالقبلة و

الستر و الطهارة و الوقت، و لصلاة العصر شرطا آخر و هو ترتبها على صلاة الظهر، ففي القطعات المتوسطة للوقت يكون مقتضى الاشتراك تحقق هذا الشرط اى الوقت فعلا، و ليس معناه ان المكلف يجوز له الشروع في الصلاة بمجرده، بل بعد حصول هذا الشرط لا بد من حصول الشروط الأخر كالطهارة و نحوها، و انتظار هذه الشروط لا يوجب ان يكون الوقت شأنيا أو اقتضائيا، فإن عدم صحتها لأجل فقدان سائر الشروط لا لنقصان الوقت.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 75

و كذا الحال في القطعة الأولى أي عند زوال الشمس، فان المكلف لو كان محدثا لا يجوز له الشروع في الظهر لا لنقصان في الوقت بل لعدم حصول الطهارة و حال صلاة العصر بالنسبة إلى شرطها اى ترتبها على صلاة الظهر كحال صلاة الظهر بالنسبة إلى الطهارة فصلاة العصر عند زوال الشمس واجبة، لكن لا يصح الشروع فيها، لا لأجل فقدان الوقت أو شأنيته، بل مع تحقق وقته فعلا يكون عدم الصحة لأجل فقدان شرطه و هو ترتبها على الظهر، فلو كان هذا الشرط محققا أو غير معتبر كانت صحيحة واقعة في وقتها الفعلي، فلو نسي صلاة الظهر و شرع في العصر تصح لسقوط الترتيب و تحقق سائر الشروط، فالخلط بين اشتراط الترتيب و اشتراط الوقت يوجب عدم تصور الوقت الفعلي الحقيقي فالالتزام بان للوقت حالات ثلاثا مما لا يرجع الى تحقيق.

بل لو قلنا: إن التكاليف لا تصير فعلية عند عدم القدرة عليها أو على شروطها المطلقة و لو حال الالتفات، فلا بد و ان يقال في المقام ان التكليف بالعصر غير فعلى، لأجل عدم القدرة على تحصيل شرطها المطلق، لا ان الوقت غير

فعلى.

نعم لو كان الترتيب بينهما معتبرا مطلقا و كان الشروع في صلاة الظهر قبل الزوال موجبا لبطلانها و لو مع ادراك الوقت في الأثناء، كان للسؤال عن جواز جعل أول الزوال وقتا للعصر وجها لو كان الوقت جعليا، لكن بعد عدم اعتبار الترتيب الا حال الذكر، و صحة الصلاة في بعض الحالات مع الشروع فيها قبل الوقت و الإدراك في الأثناء لا وقع لهذا السؤال هذا حال القطعة الاولى.

و اما القطعة الأخيرة فعدم صحة الظهر فيها ليس لأجل عدم تحقق الوقت و خروجه بل لمزاحمة صلاة العصر معها و ليست المزاحمة في الوجود حتى يقال بصحة الظهر لو ترك العصر كما في سائر المزاحمات بل لمزاحمتها في صورة الالتفات مع المصلحة فوجوب العصر مزاحم في هذا الوقت الضيق لإدراك مصلحة الظهر تأمل و لو لا المزاحم كانت صحيحة كما لو صلى العصر غفلة في الوقت الواسع و تمت عند الضيق أو نسيها و صلى الظهر فلم يكن في مثل الحال مزاحما في البين و صح الظهر و وقع في وقته.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 76

و يحتمل ان يكون الظهر في آخر الوقت مشروطا بالإتيان بالعصر كما لو اتى به غفلة و ضاق الوقت أو بالعذر عن إتيانه كما لو نسي العصر و اتى بالظهر في الضيق أو قطع بإتيانه فاتى بالظهر في الضيق هذا كله احتمالات موجبة لعدم دليل عقلي أو اعتباري على عدم إمكان الوقت المشترك، فلو كان مقتضى الجمع بين الأدلة اشتراكه لم يصح رده بعذر الامتناع.

ثم ان الروايات مختلفة المضمون في الباب و لهذا صارت المسألة محل خلاف فعن المشهور اختصاص صلاة الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها حسب حالات المكلف

و اختصاص آخره بالعصر كذلك و ما بينهما من الوقت مشترك و عن الصدوقين انه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر و سيأتي الكلام في حال القولين و الشهرة المدعاة.

و العمدة صرف الكلام في مفاد الأدلة و مما تدل على الاشتراك جملة من الروايات

كرواية عبيد بن زرارة المنقولة في الفقيه بسند نقى قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن وقت الظهر و العصر فقال: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر جميعا الا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس «1».

و

صحيحة إسماعيل بن مهران على الأصح قال: كتبت الى الرضا (ع) ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و وقت العصر و إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة الا ان هذه قبل هذه في السفر و الحضر و ان وقت المغرب الى ربع الليل فكتب كذلك الوقت «2»

و قريب منهما روايات «3» عبيد بن زرارة مما هي ظاهر الدلالة على الاشتراك.

و

صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 5

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 20

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 19

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 77

الظهر و العصر و إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة «1»

و بمضمونها غيرها.

و بإزائها

مرسلة داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه (ع) قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضى مقدار ما يصلى المصلي أربع ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت

الظهر و العصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلى اربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتى تغيب الشمس «2» الى آخره

و عن الفقيه قال الصادق (ع) إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار و وجبت الصلاة و إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل «3»

و عن فقه الرضا وقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب «4».

و هذه الطائفة أيضا ظاهرة الدلالة على الاختصاص و انه قبل مضى مقدار اربع ركعات أو مقدار صلاة المصلى يكون الوقت بالنسبة إلى العصر و العشاء كما قبل زوال الشمس و سقوطها.

و قد تصدى المحققون لتوجيه روايات الاشتراك بوجوه غير مرضية (منها) ما افاده شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه بقوله من المحتمل ان يكون المراد كون الوقت صالحا للفرضين لولا حيث تقدم الظهر على العصر، و بملاحظة هذه الحيثية جعل الوقت بمقدار أداء الفريضة وقتا للظهر، و الحاصل ان مفاد الرواية و اللّه اعلم على هذا انه إذا زالت الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي الا ان قبلية الظهر على العصر أوجبت جعل مقدار من الوقت خاصا به، ثم جعل ذلك نظير ما ورد في بعض أخبار النافلة الا ان بين يديها سبحة «5».

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 7

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 19

(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 15- من أبواب المواقيت حديث: 4

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 5- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 78

و أنت خبير بأن الأخبار الملقاة على العرف

لا يصح تأويلها بالوجه العقلي المغفول عنه عند المخاطبين مع انه مخالف الظاهر جدا فإنه يرجع الى أن أول الوقت ليس وقتا للعصر مثلا و لكن لو لم تكن مرتبة على الظهر كان وقتا لها و هو مخالف لقوله إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر أو دخل وقت الظهر و العصر جميعا و لعمري ان طرح الرواية ورد علمها الى قائله خير من هذا التأويل.

و العجب من شيخنا الأجل مع ذلك الذهن العرفي كيف رضي بهذا التأويل قائلًا انه ليس ببعيد.

و يتلوه في الاشكال القول بشأنية الوقت و كونه من حيث هو صالحا لفعل العصر لكن الترتيب مانع عن الفعلية فإنه أيضا يرجع الى عدم كون أول الزوال وقتا للعصر و انما له شأنية ذلك و هو أيضا مخالف للروايات الدالة على دخول وقت صلاة الظهر و العصر جميعا حين زوال الشمس نعم لا بأس بالإطلاق المجازي لكنه خلاف الأصل كما انه خلاف التأكيد الواقع في الكلام.

و نظيرهما في الضعف القول بان المراد دخول وقتهما توزيعا، و ربما تشهد بذلك

رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه (ع) في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ قال ان اللّه تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس الى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب الشمس الا ان هذه قبل هذه «1» الى آخره.

فان كون أول وقتها من زوال الشمس الى انتصاف الليل ليس الا على نحو التوزيع فيحمل سائر فقرأتها على ذلك و كذا يحمل سائر الروايات المشتملة على هذا التعبير عليه.

و فيه- مضافا الى ان قيام قرينة في رواية على خلاف ظاهرها

لا يوجب ارتكاب خلاف الظاهر فيما لم تقم فيه القرينة عليه- ان تعبير هذه الرواية يخالف تعبيرات سائر

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب المواقيت حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 79

الروايات، فأين

قوله (ع) إذا زالت الشمس دخل وقت صلاة الظهر و صلاة العصر جميعا ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس «1»

مع التعبير في هذه الرواية فهل يصح من شخص عادى ان يقول بهذا القول المفصل المؤكد ثم يقول: إنى أقول ان أول الوقت ليس وقتا للعصر، و هل هذا الا غفلة و ذهول.

و دعوى ان قوله (ع) ان هذه قبل هذه دليل على التوزيع، بعيدة عن الصواب بعد التأكيد المذكور، و بعد قوله (ع) ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس، بل لو كان الاستثناء لبيان التوزيع لرجع الكلام الى ان أول وقت صلاة الظهر و صلاة العصر جميعا هو الزوال الا ان وقت العصر متأخر عن الزوال و هذا كلام لا يصدر عن الشخص العادي فضلا عمن كان الكلام له.

فلا إشكال في ان المراد بالاستثناء بيان الترتيب بين الصلاتين، و لا مانع من عدم القدرة على تحصيله في بعض القطعات حتى القطعة المذكورة، فالمراد ان الوقت الذي هو الشرط حاصل لكن لا يصح العصر لأن الإتيان بالظهر قبله شرطه فهذه الطائفة مع اشتمالها على الاستثناء شاهدة أيضا على الاشتراك.

و القول بتقييد تلك الروايات برواية داود بن فرقد على ما حكى عن المحقق في المعتبر غير وجيه فان من المعلوم ان تلك الروايات ليست من قبيل المطلق حتى تقيد فقوله (ع) إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر و العصر جميعا و أنت في وقت منهما

جميعا كيف يعد مطلقا حتى يقيد و كيف كان فالتأويلات المذكورة ليست وجيهة و ان صدرت عن الأجلة.

و الذي يمكن ان يقال ان رواية داود محمولة على بيان الوقت الذي تصح الصلاة فيه بحسب الحالات العادية و لما كانت صلاة العصر مشروطة بالترتب على صلاة الظهر و لا يمكن للمكلف تحصيل هذا الشرط في أول الزوال بحسب اختياره و كذا الحال بالنسبة إلى آخر الوقت فإنه لا تصح صلاة الظهر لابتلائها بالمزاحم الخارج عن

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 5

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 80

قدرة المكلف أو اشتراطها بأمر خارج منها بخلاف القطعات المتوسطة فإن تحصيل شرط صلاة العصر اى ترتبها على الظهر تحت قدرة المكلف.

فيصح بحسب الذهن العرفي ان يقال إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر اى الوقت الذي يصح فيه الظهر بحسب الحالات العادية و حيث لا يصح العصر يصح ان يقال ان هذه القطعة وقت الظهر لا العصر، و مع لحاظ القطعة الأخيرة بحسب اختيار المكلف يصح ان يقال هذه القطعة وقت العصر اى الوقت الذي لا يصح فيه الا العصر و اما القطعات المتوسطة فيصح الظهر فيها و كذا العصر لان تحصيل شرطه تحت قدرة المكلف.

فالمراد بحسب الواقع بيان الأوقات بحسب وقوع الصلاة فيها صحيحة فهل ترى انه لو سئل سائل عن الفقيه الذي يرى اشتراك الوقت من أوله الى آخره عن أنه هل يجوز صلاة العصر في أول الزوال فأجاب بأنه وقت الظهر لا العصر و كذا الحال في آخره لقال شيئا مناقضا لمبناه الذي هو الاشتراك أم يكون المراد ان أول الوقت وقت يصح الظهر فقط و لا يقع العصر فيه فالتعبير بأنه

وقت الظهر اى الوقت الذي صح فيه الظهر فقط صحيح موافق لنظر العرف العام و لا يناقض مع القول بالاشتراك.

و يمكن الاستيناس بل الاستشهاد لذلك بان المراد لو كان تعيين الوقت مع قطع النظر عن الشرط الأخر اى الترتيب لعينه بأمر مضبوط لا بأمر موكول الى المكلف مع الاختلاف الكثير و عدم الانضباط بوجه ضرورة أن المكلفين مختلفون في الإتيان بالصلاة فمقدار ما يصلى فيه المصلى مختلف غاية الاختلاف حتى في الطبقة المتوسطة من المكلفين، و مع الحمل على ظاهر قوله مقدار ما يصلى المصلى لزم اختلاف أوقات الصلاة بحسب اختلاف المكلفين و يكون الوقت لكل مكلف غيره للآخر أو لكل صنف منهم وقت غير وقت صنف آخر و هو كما ترى.

و هذا شاهد على ان المراد بيان تحصيل شرط الترتيب. فالمراد ان أول الزوال وقت صح فيه الظهر فقط، ثم بعد ما صلى المصلى صحت صلاة عصره كما صحت صلاة ظهره لو وقع فيه، و الاختلاف بين المكلفين بهذا المعنى أي في تحصيل الشرط لا اشكال فيه

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 81

و ان شئت قلت ان أول الوقت لمكان عدم قدرة المكلف على الإتيان بالظهرين فيه و كذا على الإتيان بالعصر فيه لاشتراطه بالظهر يختص بالظهر لا بمعنى عدم اشتراك العصر معه في الوقت بل بمعنى عدم قدرته لإتيانه لا جمعا و لا منفردا فلذا قال انه وقت الظهر و بعد مقدار من الزوال يمكن الإتيان بهما اما الظهر فواضح و اما العصر فللقدرة عليه بالإتيان بشرطه قبله فيقال ان الوقت مشترك بينهما و آخر الوقت لا يمكن فيه الجمع بين الظهرين و لا الإتيان بالظهر للمزاحم أو فقد شرط غير المقدور

و لهذا يقال بالاختصاص بالعصر.

و أنت إذا راجعت الاخبار لوجدت ان إطلاق الوقت بنحو مطلق على وقت الفضيلة شائع فيها

كصحيحة الفضلاء عن ابى جعفر و ابى عبد اللّه عليهما السلام وقت الظهر بعد الزوال قدمان و وقت العصر بعد ذلك قدمان «1»

الى غير ذلك و إذا صح إطلاق الوقت المطلق على وقت الفضيلة فليس من البعيد إطلاقه على الوقت باعتبار الصحة أو قدرة المكلف أيضا.

و ليس مرادنا ان الظاهر من رواية داود ارادة وقت الصحة أو وقت قدرة المكلف بل المراد ان الجمع بين الروايات يقتضي ذلك بحمل الظاهر على الأظهر هذا مضافا الى ان رواية داود غير صالحة لمعارضة الروايات المتقدمة التي فيها الصحيحة و المعتبرة.

و ما يقال من ان السند إلى بني فضال صحيح و نحن مأمورون بأخذ رواياتهم، غير ظاهر، فإن الأمر بالأخذ بما رووا في مقابل رفض ما رأوا ليس معناه الا توثيقهم و الأخذ برواياتهم إذا كانت عن الامام عليه السلام أو عن ثقة عن الامام (ع) لا الأخذ بمرسلاتهم أو بما رووا عن الضعاف فان رفض ذلك ليس ردا لرواياتهم بل رفض لرواية الضعفاء.

و اما دعوى ان استناد المشهور إليها جابر لسندها، ففي غير محلها، فإنه لم يثبت استناد أصحابنا القدماء إليها بل مقتضى ما حكى السيد في الناصريات عنهم

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 8- من أبواب المواقيت حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 82

خلاف ذلك، قال: يختص أصحابنا بأنهم يقولون: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر معا الا ان الظهر قبل العصر و هو عين مضمون الروايات المقابلة لرواية داود فبناء قدماء أصحابنا على العمل بتلك الروايات.

و ما قال السيد في الناصريات

بقوله: و تحقيق ذلك انه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات فاذا خرج هذا المقدار اشترك الوقتان و معنى ذلك انه يصح ان يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر و العصر بطوله و الظهر مقدمة ثم إذا بقي للغروب مقدار اربع ركعات خرج وقت الطهر و خلص للعصر انتهى تحقيق له في مقابل الأصحاب لا بيان مرادهم.

فما عن المختلف و على هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف، غير ظاهر، بل لنا ان نقول: ان تفسيره راجع الى ما ذكرناه في تفسير رواية داود، فان قوله: و معنى ذلك انه يصح ان يؤدى إلخ في مقابل أول الوقت و آخره مما لا يصح ان يؤدى الظهر أو العصر فالاختصاص المستفاد من عبارته ليس في مقابل الاشتراك القائل به الاشتراكيون بل المراد ان أول الزوال وقت يصح فيه صلاة الظهر فقط كآخر الوقت بالنسبة إلى العصر و اما الوقت فمشترك بين الصلاتين من الزوال الى الغروب كما هو ظاهر العبارة المنقولة عن الأصحاب.

فمقتضى حكاية السيد توافق الأصحاب على الاشتراك كما ان مقتضى كلام المحقق المنقول عن المعتبر في مقابل الحلي بقوله: ان فضلاء الأصحاب رووا و أفتوا به أي برواية الاشتراك ان جميع فضلائهم أفتوا و عملوا بتلك الروايات و تركوا العمل برواية داود.

فيظهر من المحققين السيد و المحقق ان المشهور بين الأصحاب قديما الى عصر المحقق هو القول بالاشتراك فيثبت منه اعراضهم عن ظاهر رواية داود.

بل الظاهر ان المشهور بين المتأخرين أيضا رفض العمل بروايته فان مقتضى روايته ان أول الزوال الى ان يصلى المصلي أربع ركعات وقت مختص بالظهر و كذا الحال

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 83

بالنسبة

إلى وقت العصر و لازم ذلك ان ذلك المقدار بالنسبة إلى العصر كما قبل الزوال لصلاة الظهر فلو صلى المسافر ركعتين في أوله يجب عليه الصبر الى مضى هذا الوقت و لو كان الفراغ عن صلاة الظهر بحسب بعض أحوال المكلف قبل مضى المقدار المذكور لنوع المصلين يجب الانتظار، و هذا مخالف لجميع الروايات المستدل بها للاشتراك و الاختصاص و لفتوى المشهور من الفقهاء فان عباراتهم مشحونة بأن الظهر تختص من أول الزوال بقدر أدائها و كذا بالنسبة إلى العصر و قد ادعى الإجماع عليه تارة و الشهرة أخرى و لم يفرقوا بين القصر و التمام نعم حكى عن معدود منهم انه تختص بمقدار أداء أربع ركعات و عن السرائر الإجماع عليه مع ان المحكى عنه التعبير بمقدار أدائها.

و كيف كان الظاهر عدم عمل الأصحاب برواية داود فضلا عن استنادهم إليها بل من المحتمل ان القائلين بالاختصاص انما ذهبوا إليه لشبهة عقلية و هي امتناع كون أول الوقت مشتركا لأدائه إلى الأمر بالضدين و كذا أخر الوقت أو فهموا من الروايات المشتملة على ان هذه قبل هذه الاختصاص كما تقدم الكلام فيه.

فتحصل مما ذكر ان رواية داود مرسلة غير مجبورة بعمل الأصحاب بل معرض عنها بحسب المشهور قديما و حديثا و لو فرض ان في ما رواه بنو فضال لا ينظر الى ما بعدهم من الإرسال أو ضعف السند و كانت بمنزلة رواية صحيحة لما أفاد أيضا بعد فرض اعراضهم عنها و لو قيل بمعارضة الطائفتين و قلنا بأن الشهرة من المرجحات فالترجيح لروايات الاشتراك.

فالتحقيق اشتراك الوقت من الزوال الى الغروب بينهما و عدم صحة العصر أول الزوال لأجل فقد شرط الترتيب و لهذا لو

سقط ذلك و وقع العصر من أول الزوال كان صحيحا كما لو نسي الظهر و اتى بالعصر من اوله.

و عليه فيظهر الكلام في الفرعين المتقدمين أولهما إذا صلى الظهرين ثم علم باستدبار الظهر عن القبلة و لم يبق من الوقت إلا أربع ركعات أو أقل، فعلى الاختصاص

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 84

بمعنى كون آخر الوقت بالنسبة إلى الظهر كما بعد الغروب، يسقط القضاء لشمول الروايات المفصلة للظهر، و اما على القول بالاشتراك فيجب عليه الإتيان بها لبقاء وقتها و سقوط الترتيب و كذا على القول بالوقت الاقتضائي و الشأني لأنه على القولين يصير الوقت بعد سقوط الترتيب فعليا فيجب عليه الظهر.

ثانيهما إذا صلى الظهر فقط و بقي من الوقت مقدار أربع أو أقل يجب عليه العصر و سقط قضاء الظهر على الاختصاص و كذا على القولين الآخرين لخروج وقته و شمول الأخبار المفصلة له.

و اما على الاشتراك ففيه وجهان سقوط القضاء بدعوى ان المتفاهم من العناوين المأخوذة في الروايات المفصلة التي تقدم بعضها هو فوت الوقت الذي يمكن الإتيان بالصلاة فيه و لو لأجل مراعاة الشريكة و بدعوى ان الظاهر من الروايات ان حكم الإتيان في الوقت ثابت لمن يمكن له الإتيان فيه و يكون مأمورا بالإتيان

كقوله (ع) ان كان في وقت فليعد و ان كان الوقت قد مضى فلا يعيد «1»

و

قوله يعيدها ما لم يفته الوقت «2»

و نحوهما غيرهما فان الظاهر منها ان المفروض من الوقت هو الذي أمر فيه بالإعادة و الوقت الذي يجب الإتيان بالعصر فيه لا يعقل الأمر بإعادة الظهر فيه.

و في الدعويين إشكال اما في الأولى فواضح، لان الظاهر من ذهاب الوقت و مضيه و فوته

هو خروج الوقت المقرر للصلاة لا خروج وقت صحت الصلاة فيه و انما حملنا رواية داود على ذلك بقرينة روايات أخر و حمل الظاهر على الأظهر و اما دلالة مثل الروايات المفصلة على ذهاب الوقت المقرر فمما لا ينبغي الإشكال فيه و الحمل المذكور في رواية داود لا شاهد عليه.

و اما في الثانية فلأنها مبنية على ان الأمر بالإعادة يراد منه ظاهره، و قد مر منا ان قوله: فليعد و لا اعادة عليه و نحوه كناية عن البطلان و الصحة، و الجمل التي يؤتى بها كناية لا يراد منها معانيها الحقيقية كقوله فلان كثير الرماد، و قد ذكرنا سابقا ان

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 11- من أبواب القبلة حديث: 8

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 11- من أبواب القبلة حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 85

القرينة موجودة بأنه لا يراد من تلك الجمل معانيها الحقيقية بل هي كنايات عن الصحة و الفساد و عليه فليس الأمر بالإعادة قرينة على ما ذكر.

مضافا الى ان الأمر بالإعادة لا يدل على كونها في الوقت، إذ الإعادة هي الإتيان بالشي ء ثانيا سواء كان في الوقت أوفى خارجه و لهذا استعمل لفظها بالنسبة إلى خارج الوقت

فقال (ع) و ان كان قد مضى الوقت فلا يعد أو لا اعادة عليه «1»

فيصير المعنى على فرض الاستعمال الحقيقي، انه إذا علم بالاستدبار في الوقت يجب عليه الإعادة، و إطلاقه يعم الإعادة خارج الوقت، فالظاهر على القول بالاشتراك هو وجوب قضاء الظهر لو استبان في الوقت الضيق الذي يجب عليه العصر.

الثالث لو صلى العصر ثم استبان قبل غروب الشمس بمقدار ما يسع لثلاث ركعات أو أقل أنه كان مستدبرا فيها،

بحيث لو أعادها كانت مشمولة لقاعدة من أدرك، و كذا لو صلى الظهرين ثم تبين استدباره للظهر في الوقت المذكور فهل

صحت صلاة عصره مطلقا و كذا ظهره في الفرض الثاني على الاشتراك أولا، و المسألة مبنية على كيفية استفادة الحكم من قاعدة من أدرك.

و الاولى ذكر بعض رواياتها منها المرسلة المنقولة عن النبي (ص) في الخلاف و غيره

قال في الخلاف روى ان من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها «2»

و

عن الخلاف و جماعة من الأصحاب على ما في مفتاح الكرامة قوله (ع) من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة تامة «3»

، قال: و في لفظ آخر من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت «4»

و

في الذكرى روى عن النبي (ص) انه قال: من أدرك ركعة من الصلاة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 11- من أبواب القبلة حديث: 8

(2) لم نعثر عليها في كتب الحديث و الظاهر انها متصيدة من روايات الباب

(3) لم نعثر عليها في كتب الحديث و الظاهر انها متصيدة من روايات الباب

(4) لم نعثر عليها في كتب الحديث و الظاهر انها متصيدة من روايات الباب

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 86

فقد أدرك الصلاة، «1»

و

في رواية أصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (ع): من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة، «2»

و

عن الذكرى من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك الشمس «3»

و

عن على بن أحمد الكوفي في كتاب الاستغاثة عن رسول اللّه (ص) انه قال: من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل ان تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها، «4»

و

في موثقة عمار عن ابى عبد اللّه (ع) في حديث، فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته «5»

. و هذه الروايات و

ان كانت مرسلات و ضعاف إلا واحدة منها الا ان مضمونها مفتى به عند الأصحاب و كان الحكم مشهورا معروفا يدعى عليه الإجماعات و الشهرات فلا إشكال في الحكم بل و لا في جبر سند النبوي المعروف.

ثم ان المحتملات في مضمون الروايات كثيرة (منها) انها بصدد توسعة الوقت واقعا فيكون وقتا اختياريا، و هذا الاحتمال مقطوع الخلاف و ان كان يظهر من الخلاف احتماله عند الأصحاب، قال فيمن صلى الفجر ركعة أو العصر كذلك ثم طلعت أو غربت الشمس: انه يكون مؤديا و انه أدرك الصلاة جميعا في وقتها، دليلنا إجماع الفرقة المحقة، فإنهم لا يختلفون في ان من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في الوقت، و انما اختلفوا في ان هذا هل هو وقت اختيار أو وقت اضطرار، و اما انه وقت الأداء فلا خلاف بينهم فيه انتهى تأمل.

(و منها) انها بصدد توسعة الوقت للمضطر فيكون وقتا حقيقة لكن لمن اضطر

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 4

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 2

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 5

(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 28- من أبواب المواقيت حديث: 6

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 87

حتى و لو أوقع نفسه في الاضطرار اختيارا و ان كان معاقبا لذلك، فيكون معنى

قوله (ص) من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة «1»

، انه أدركها في وقتها،

كما قال (ع) في مرسلة أخرى: من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت «2»

، و

كما في رواية الكوفي المتقدمة أدرك

العصر في وقتها «3»

. (و منها) انها بصدد تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت اما في جميع الآثار مطلقا أو للمضطر و لو باختياره و إما في الأثر البارز و هو كون الصلاة أداء.

(و منها) كونها بصدد التنزيل لكن لا تنزيل الوقت بل تنزيل إدراكه بمقدار ركعة منزلة ادراك الجميع، أو تنزيل الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت منزلة ما وقعت فيه جميعا، أو تنزيل الشخص الذي أدرك ركعة منزلة المدرك للجميع.

(و منها) ان يكون المراد منها بيان انه لا يعتبر عند الشارع في كون الصلاة أداء إلا وقوع ركعة منها في الوقت، و هذه الاحتمالات تأتى بالنسبة إلى إدراك أول الوقت بمقدار ركعة لكن كلامنا في آخر الوقت.

فنقول انه على القول بالوقت الاختياري الراجع الى نسخ قاعدة من أدرك الأدلة الدالة على ان الغروب آخر الوقت فلا إشكال في عدم خروج الوقت بغروبها بل يكون باقيا الى مضى مقدار ثلاث ركعات بعد غروبها، و كذا الحال في سائر الفروض لكنه مقطوع الخلاف، و كذا الحال في التنزيل المطلق اللازم منه التأخير اختيارا، و الظاهر ان فتوى الأصحاب بكون المدرك للركعة مؤديا ليس لهذين الوجهين بل أحد سائر الوجوه.

و كذا على القول بالتوسعة للمضطر لا يبعد استلزامه لبقاء الوقت فان خروج الوقت المقرر بقول مطلق لا يتحقق الا بخروج الاضطراري أيضا إلا ان يدعى الانصراف

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 4

(2) لم نعثر عليها في كتب الحديث و الظاهر انها متصيدة من روايات الباب

(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 28- من أبواب المواقيت حديث: 6

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 88

و هو غير ظاهر، و اولى بذلك اى بعدم

خروجه على القول بالوقت التنزيلي إذا قيل إنه بلحاظ جميع الآثار، فان مقتضى الأدلة الأولية و ان كان انتهاء الوقت بغروب الشمس مثلا، لكن مقتضى حكومة دليل من أدرك عليها هو التوسعة الحكمية مطلقا أو في بعض حالات المكلفين أما على التوسعة المطلقة فواضح و أما على المقيدة فلما أشرنا إليه من عدم صدق الذهاب الا بذهاب جميع المصاديق.

فعلى هذه الاحتمالات إذا استبان الاستدبار بعد الغروب مما هو مشمول للقاعدة يجب قضاء الصلاة.

و اما على سائر الاحتمالات سواء قلنا بتنزيل الوقت في خصوص الأداء أو تنزيل الإدراك أو غيرهما من المحتملات فلا قضاء لذهاب الوقت و عدم دليل على التوسعة أو التنزيل فيؤخذ بالأدلة المفصلة هذا حال التصورات.

و اما في مقام التصديق فالاحتمالات المتقدمة التي لازمها وجوب القضاء كلها خلاف الظاهر حتى في مثل

قوله (ع): من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك «1»

الوقت، أو

قوله (ع) في رواية الكوفي: من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل ان تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها «2»

فضلا عن غيرهما.

فان الظاهر منهما اما تنزيل ادراك الصلاة بركعة منزلة ادراك جميعها في الوقت، لا تنزيل الوقت حتى يقال بعدم خروجه تنزيلا، بل لسان الرواية يخالف لسان التنزيل في الوقت فان التنزيل في مثله يرجع الى الحقيقة الادعائية و في مثلها لا يرى المتكلم الا تلك الحقيقة و يكون الطرف منسيا فمن قال رأيت أسدا يدعى كون المرئي أسدا لا غير فان ذكر معها بعض خصوصيات الإنسان خرج الكلام من الادعاء و البلاغة و في تلك الروايات يكون الوقت المقرر منظورا فيه و ان المصلى أدرك منه ركعة و ان الوقت خرج بإتمام الركعة و معه كيف يدعى ان

تلك القطعة وقت و اما دعوى ادراك

______________________________

(1) لم نعثر عليها في كتب الحديث و الظاهر انها متصيدة من روايات الباب

(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 28- من أبواب المواقيت حديث: 6

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 89

الصلاة بإدراك ركعة فلا مانع منه و بالجملة الظاهر منه ذلك.

أو الاحتمال الأخير الراجع الى ان المعتبر في الأداء عند الشرع ليس إلا إدراك ركعة منها كما

قال (ع) في موثقة عمار: فليتم و قد جازت صلاته «1»

فلا إشكال في ان الاستبانة في الوقت المذكور خارج الوقت فصحت صلاته و حسبه اجتهاده.

الرابع لو صلى العشائين فتبين بعد انتصاف الليل كونهما أو إحداهما في دبر القبلة

فهل عليه الإتيان أو لا شي ء عليه؟ مبني الثاني هو خروج الوقت و ليس ما بعده وقتا لا اختيارا و لا اضطرارا و المسألة محل إشكال في الفرض بل و فيما تبين بعد سقوط الشفق أو بعد ثلث الليل أو ربعه و ان كان بعض الاحتمالات غير معتنى به.

و قد اختلفت الاخبار و الأقوال في المسألة و هي و ان لم تكن محط البحث لكن لا بأس بالتعرض الإجمالي فنقول: ان في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ «2» احتمالات و أقوالا بحسب رأى اللغويين، فمن قائل ان الدلوك زوال الشمس و ميلها و الظاهر ان الأغلب على ذلك، و قيل: الدلوك من الزوال الى الغروب، و قيل: هو الغروب، و قيل في وجه كل أمر اعتباري لا يرجع الى محصل، و قيل: غسق الليل هو أول بدية و قبل: سواد الليل و ظلمته، و قيل:

انتصافه و قيل: وقت غيبوبة الشفق و الظاهر ان الآية الكريمة متعرضة لبيان أوقات الصلوات الخمس فالقول بان الدلوك هو الغروب كالقول بان الغسق

بدء الليل غير وجيه.

و الظاهر ان المراد من الدلوك زوال الشمس كما عليه الأكثر، و الغسق انتصاف الليل إذا كان المراد شدة ظلمته بناء على انها في الانتصاف، أو غيبوبة الشفق إذ بها يصير الليل مظلما لذهاب شعاع الشمس عن الأفق و سيأتي الكلام في ترجيح أحد الاحتمالين و اما احتمال كونه سواد آخر الليل فبعيد عن الصواب.

و الظاهر من الآية الكريمة أن الغسق منتهى الوقت، و هو اما سواد الليل و ظلمته

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) سورة الإسراء- آية- 78

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 90

و هو يحصل بذهاب الشفق بل قبيلة، أو شدة الظلام و هي اما بعد الشفق أو انتصافه و الحمل على آخر الليل خلاف الظاهر.

مضافا الى انه يمكن الاستيناس لذلك من اختلاف تعبير الآية الكريمة في بيان الصلوات الأربع مع بيان صلاة الفجر فقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1» راجع الى الأربع و قوله وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ راجع الى صلاته.

و من المحتمل قريبا ان النكتة في اختلاف التعبير اتصال وقت تلك الصلوات الأربع فالقطعة المتصلة من الزوال الى انتصاف الليل أو ذهاب الشفق وقت لها، فقال: أقم الصلاة من الدلوك الى الغسق، ثم لما كانت القطعة المذكور منفصلة عن القطعة التي تجب فيها صلاة الفجر أفردها بالذكر بقوله: و قرآن الفجر، و هذا وجه عدم التعبير بقول: أقم الصلاة من دلوك الشمس الى الفجر أو الى قرآن الفجر، و هذا شاهد على ان بين الأربع و الفجر فصلا دون تلك الأربع.

و بما ذكرنا يمكن الاستظهار من الآية أن المراد من الغسق نصف الليل بان يقال انه لو كان المراد

منه سقوط الشفق يلزم عدم تعرضها لوقت العشاء تاما، إذ لم يقل أحد بأن وقتها الى سقوط الشفق، مضافا الى ما دل من الاخبار المستفيضة على ان الوقت الى نصف الليل، فلا ينبغي الإشكال في ان الغسق نصف الليل.

ثم انه بناء على ظهور الآية في ان منتهى الوقت انتصاف الليل لا تكون الروايات الدالة على بقاء الوقت للمعذور كالحائض التي طهرت آخر الليل و الناسي و النائم المستيقظ أخره مخالفة له الا بالإطلاق و التقييد فيجب الأخذ بالمقيدات لو لم يكن محذور آخر بل لا تكون

رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه (ع) و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر «2»

مخالفة للاية بالتباين إذ لا دلالة لها على انه وقت اختيارا و عدم الفوت لا ينافي كون آخر الوقت للمضطر فان التارك عمدا و لو عوقب بتأخيره لكن

______________________________

(1) سورة الإسراء- آية- 78

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب المواقيت حديث: 9

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 91

صار مضطرا و لم تفت صلاته.

ثم انه يمكن الاستدلال بالاية الشريفة على ان الوقت من زوال الشمس الى غسق الليل وقت اختياري للصلوات الأربع.

بيان ذلك ان في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ الى آخرها احتمالات (أحدها) انه أمر لخصوص النبي (ص) بإقامتها من الزوال الى انتصاف الليل، و يكون امرا مولويا وجوبيا.

(ثانيها) أنه أمر مولوي متوجه إليه بإيقاعها في القطعة المذكورة بان لا يكون الأمر متوجها الى نفس الصلاة التي ظرفها تلك القطعة بل الى لزوم جعلها فيها بعد مفروضية كونها واجبة و بعبارة أخرى لم يكن بيان أصل وجوبها بالاية الشريفة، بل كان ثابتا من قبل، و انما تعلق الوجوب بجعل الصلوات الواجبة في تلك

القطعة.

(ثالثها) أنه أمر إرشادي متوجه اليه لبيان شرطية الوقت للصلاة كالأوامر المتعلقة بسائر الشروط كالطهارة و القبلة.

فعلى هذه الاحتمالات لما كان الخطاب شخصيا متوجها الى رسول اللّه (ص) لا محالة يكون الأمر للتوسعة اختيارا فان الاضطرار كالسهو و النسيان و الخطاء و الجهل و الإغماء و المرض الموجب لعدم الالتفات إلى أوقات الصلاة بل النوم الموجب لترك الصلاة في الوقت الاختياري غير جائز على النبي (ص)، و ما ورد من نومه منها لا بد فيه من التأويل أو الرد إلى أهله، فلا محالة يكون الخطاب لشخص ملتفت غير معذور فتكون التوسعة لصلاة المختار، ثم بعد ثبوت ذلك له عليه و على آله السلام تثبت للأمة للإجماع بل الضرورة على الاشتراك و عدم كونها من مختصاته، و لا يفرق في استفادة ذلك بين الوجوه المتقدمة، حتى على الاحتمال الثالث لأن الأمر الإرشادي أيضا متوجه اليه فيكون إرشادا له الى ذلك.

نعم لو كان المراد من أمره بالإقامة إقامتها في الأمة بأن يكون مأمورا بأن يأمر الأمة بإقامتها لكان امره بها قانونيا يصح فيه الإطلاق للحالات العارضة، لكنه خلاف

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 92

الظاهر.

و لعل الظاهر هو الاحتمال الأول، للفرق بين المقام و غيره مما أمر بالاجزاء و الشرائط لقيام القرينة في سائر الموارد على الإرشاد لتعلق الأمر بالجزء أو الشرط و نحوهما مما لا يصح فيه الحمل على المولوية و اما في المقام فيحمل على ظاهره لتعلقه بالصلاة في الأوقات المذكورة و الحاصل ان الحمل على الإرشاد حمل على خلاف الظاهر المحتاج إلى القرينة المفقودة في المقام.

فتحصل مما ذكر ان الوقت المستفاد من الآية وقت اختياري، هذا مضافا الى دلالة جملة من الروايات عليه و

عدم صلاحية الروايات الموهمة للخلاف لمعارضتها بل في نفس تلك الروايات شواهد على ان الأوقات المذكورة فيها أوقات فضل على مراتبه، و لا يقتضي المقام تفصيل الأوقات و أحكامها.

فلا إشكال في ان وقت العشاء ممتد الى نصف الليل اختيارا، كما لا إشكال في عدم امتداده الى الفجر اختيارا بمقتضى الآية الكريمة و الروايات.

و اما الامتداد للمضطر مطلقا، أو في الموارد التي ورد فيها النص به، ففيه كلام (حاصله) انه ورد في جملة من الروايات في الحائض إذا طهرت آخر الوقت قبل طلوع الفجر أنه يجب عليها المغرب و العشاء

كرواية ابن سنان عن ابى عبد اللّه (ع) قال: إذا طهرت المرية قبل غروب الشمس فلتصل الظهر و العصر و ان طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب و العشاء «1»،

و نحوها غيرها، و ورد مثلها في الناسي و النائم

ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال ان نام رجل أو نسي ان يصلى المغرب و العشاء الآخرة فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فان خاف ان ان تفوته إحداهما فليبدء بالعشاء و ان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس «2»

و قريب منها غيرها.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 49- من أبواب الحيض حديث: 10

(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب قضاء الصلوات حديث: 15

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 93

و لا يبعد ثبوت الحكم لمطلق المعذور و لو حصل ذلك باختياره و ان عوقب على ذلك، و تشهد له

رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال لا يفوت الصلاة من أراد الصلاة لا يفوت صلاة النهار حتى

تغيب الشمس و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس «1»

بل لولا ضعفها كانت حجة قاطعة و يظهر من الخلاف عدم الخلاف بين أهل العلم في عدم الانحصار بالموارد المتقدمة كما يأتي كلامه مع ان الرواية في الفقيه من المرسلات المعتمد عليها و ان كان في المقام لا يخلو من اشكال.

ثم لا إشكال في وجود الجمع العرفي بين ما دل على الامتداد الى الفجر و بين الروايات الدالة على ان آخر الوقت نصف الليل و كذا بينها و بين الآية الكريمة فان المخالفة بينهما بالإطلاق و التقييد، هذا لو كان للاية إطلاق، و اما على ما مر من اختصاصها بصلاة المختار فلا إشكال رأسا و هذا لا اشكال فيه.

انما الإشكال فيما قيل من عدم جواز الاعتماد على تلك الأخبار الدالة على الامتداد لغير المختار لإعراض المشهور عنها و لموافقتها لفتوى جميع الفقهاء الأربعة مع ان أكثر الأخبار الواردة في الوقت مشوبة بالتقية.

و فيه ان أعراض قدماء أصحابنا غير ثابت كما يظهر من الشيخ في الخلاف، قال فيه: الوقت الأخر وقت من له عذر و ضرورة، و به قال الشافعي و ذكر الشافعي في الضرورة في الوقت أربعة أشياء، الصبي إذا بلغ، و المجنون إذا أفاق، و الحائض و النفساء إذا طهرتا، و الكافر إذا أسلم، و لا خلاف بين أهل العلم في ان واحدا من هؤلاء الذين ذكرناهم إذا أدرك قبل غروب الشمس مقدار ما يصلى ركعة انه يلزمه العصر، و كذلك إذا أدرك قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة يلزمه العشاء الآخرة، ثم تمسك بالروايات، ثم قال: دليلنا إجماع الأمة على ان من لحق ركعة تلزمه تلك الصلاة

إلخ.

و قال في مسألة أخرى: إذا أدرك بمقدار ما يصلى فيه خمس ركعات قبل المغرب لزمته الصلاتان بلا خلاف، و ان لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، و كذا القول

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب المواقيت حديث: 9

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 94

في المغرب و العشاء الآخرة قبل طلوع الفجر الى آخره.

و اما دعوى موافقتها لفتوى جميع الفقهاء الأربعة، ففيها- مضافا الى ان مجرد موافقتها لهم لا يوجب و هنا فيها و انما المخالفة لهم عند التعارض من المرجحات كما لا يخفى- أنها ممنوعة، فإن المذكور في الخلاف انهم اختلفوا في آخر وقت العشاء و انه إلى الثلث أو الربع أو النصف أو طلوع الفجر اختيارا أو اضطرارا.

و منه يظهر انه لو سلم كون أكثر الأخبار الواردة في الوقت مشوبة بالتقية فلا يوجب ذلك الوهن في تلك الاخبار غير المشوبة بها، فتحصل مما مر ان الوقت الاختياري للعشائين الى نصف الليل و يمتد للمضطر الى الفجر و طريق الاحتياط واضح.

مسألة في الخلل في الوقت، و لا بد من تقديم مقدمة، و هي ان دخول الوقت يحتمل ان يكون شرطا لوجوب الصلاة، فيكون وجوبها مشروطا بمجي ء الوقت كسائر الوجوبات المشروطة، و يحتمل ان يكون الصلاة الواجبة معلقة على دخول الوقت فتكون من قبيل الواجبات المعلقة، فيكون الوجوب فعليا متعلقا بأمر استقبالي هي الصلاة في الوقت، و يحتمل ان يكون الوجوب مطلقا و الوقت شرطا للمأمور به كالطهارة و الستر للصلاة.

فعلى الأولين لو وقعت الصلاة خارج الوقت بطلت بحسب القواعد عمدا كان أو سهوا و نسيانا و نحوهما، و لا يمكن تصحيحها بحديث الرفع كالتصحيح به بالنسبة إلى شروطها كالطهارة و

القبلة على ما مر الكلام فيه، فان الصلاة قبل الوقت ليست مأمورا بها فلا مجرى لحديث الرفع فيها قبل الوقت و لا لقاعدة الاجزاء.

و على الثالث يكون حاله كحال سائر الشروط و الاجزاء التي قلنا بجريان الحديث فيها و صيرورة الواجب الصلاة ما عدا الجزء أو الشرط المنسيين هذا بحسب الاحتمال.

و لا اشكال بحسب الإثبات في عدم كون الوقت من قبيل شروط الواجب،

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 95

و ظاهر الآية الكريمة أقم الصلاة لدلوك الشمس «1» إلخ أحد الاحتمالين الأولين، و الأرجح بينهما هو الأول منهما، فإن الأظهر ان يكون قوله لدلوك الشمس متعلقا بالطلب فيكون الحاصل تجب الصلاة عند دلوكها فيكون الوجوب مشروطا، لا بالصلاة حتى يكون الوجوب معلقا، و اما كونها بصدد بيان الشرطية لا الحكم التكليفي، فخلاف الظاهر بعد كون الأمر متعلقا بالصلاة أو متعلقاتها، هذا بالنسبة إلى أول الزوال، و اما منه الى آخر الوقت فسيأتي الكلام فيه.

و اما الروايات فيظهر من كثير منها أن الصلاة بالإضافة إلى وقتها من قبيل الواجب المشروط، مع ان عدم وجوبها قبل الوقت واضح لدى المتشرعة و كيف كان لا إشكال في عدم جريان حديث الرفع بالنسبة إلى الوقت من غير فرق بين ما قبل الوقت و ما بعده و لا بين وقوع بعضها خارج الوقت و وقوع كلها هذا بحسب القواعد الأولية.

و اما بحسب الأدلة الخاصة فالكلام يقع فيها في مقامين.

الأول لو دخل في الصلاة قبل الوقت خطأ مثلا و انكشف الخطاء قبل تمام الصلاة أو بعده.

فيمكن الاستدلال للصحة و ادراك الوقت بقاعدة من أدرك إذا أدرك من اوله مقدار ركعة بدعوى شمول مرسلة الذكرى «2» المجبور ضعفها بعمل المشهور له فان قوله

(ع) فيها: من أدرك ركعة أعم من ان أدركها من أول الوقت أو آخره و على ذلك يمكن تحكيمها على رواية إسماعيل بن رياح الاتية فان المفهوم منها ان من لم يدرك الركعة لم يدرك الصلاة أو لم يدرك الصلاة في الوقت و هو حاكم على قوله في الرواية فدخل الوقت و أنت في الصلاة فيحكم بان المحكوم بالصحة الصلاة المدركة ركعتها من غير الفرق بين أول الوقت و آخره.

و القول بان كلا من القاعدة و الرواية بصدد حكم غير حكم صاحبها، فإن القاعدة بصدد بيان إدراك الصلاة، و الرواية بصدد بيان الاجزاء و الصحة، فيعمل

______________________________

(1) سورة الإسراء- آية- 78

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 96

بكل في موضوعها.

لا يفيد فإن القاعدة بمفهومها ترفع موضوع الاجزاء و الصحة أيضا، الا ان يقال: عدم إدراك الصلاة في وقتها لا ينافي الاجزاء و الصحة، لكنه غير وجيه، لان العرف يستفيد من ذلك بطلان الصلاة و عدم الاجزاء، مضافا الى ان المستفاد من موثقة عمار «1» المتقدمة المستدل بها للصحة ان المراد بإدراك الوقت صحة الصلاة و اجزائها، و فيها فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم و قد جازت صلاته تأمل هذا.

و لكن يمكن الخدشة في شمول القاعدة لأول الوقت، بان يقال: ان إدراك الوقت بمقدار الركعة إنما يقال إذا لم يبق منه الا ذلك و خرج من يده بعده، و هذا مختص بآخر الوقت، مضافا الى ان روايات الباب كلها متعرضة لإدراك آخر الوقت، و الظاهر ان مفاد المرسلة موافق لها، و كيف كان هذا الاحتمال مع هذا التأييد لو لم يكن موجبا للاستظهار، فلا أقل من

انه موجب للشك في الصدق و عدم جواز التمسك بها لأول الوقت.

فالمستند إذن للقول المشهور

رواية إسماعيل بن رياح عن ابى عبد اللّه (ع) قال إذا صليت و أنت ترى أنك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك «2»

قالوا: ان الرواية صحيحة إلى إسماعيل، و رواية ابن ابى عمير عنه كافية للحكم بالصحة، لأنه لا يروى إلا عن ثقة كما صرح به الشيخ في العدة، مع ان جماعة من المتأخرين يقولون: إذا صح الخبر الى ابن ابى عمير فقد صح الى المعصوم، مضافا الى ان الشهرة جابرة لضعفها على فرضه.

أقول: اما ما عن الشيخ من عدم رواية ابن ابى عمير الا عن الثقة، فهو خلاف الوجدان كما يظهر بالمراجعة إلى رجاله و رواياته، نعم أكثر رجاله ثقات، و هذا لا يكفي لإثبات المدعى.

و اما ما عن الجماعة فهو مستند إلى إجماع الكشي بالنسبة لابن ابى عمير و أضرابه

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 25- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 97

ممن ذكره، و قد تعرضنا لذلك في بعض كتبنا، و أثبتنا أنه على فرض صحة قيام هذا الإجماع لا يستفاد منه الا الإجماع على وثاقة هؤلاء.

و اما قضية الشهرة الجابرة و هي العمدة ففي ثبوتها اشكال بعد ما يحكى عن السيد في رسياته من أن عدم الاجزاء هو الذي أفتى به المحققون و المحصلون من أصحابنا، و قد فهم بعضهم من ذلك دعوى الإجماع عليه، و بعد مخالفة كثير من القدماء و المتأخرين للشهرة، ففي جبرها للسند على فرض ثبوتها اشكال بعد احتمال

كون المستند عندهم أو عند كثير منهم قاعدة الاجزاء أو أصل البراءة، كما استدل بهما أو بأحدهما قديما و حديثا، و احتمال كون استناد بعضهم أو أغلبهم إلى رواية إسماعيل بزعم ان ابن ابى عمير لا يروى إلا عن ثقة أو انه من أصحاب الإجماع و لا ينظر الى السند بعد الاتصال بهم بسند وثيق.

و اما التشبث بقاعدة الإجزاء ففي غير محله كما أشرنا اليه، و أوهن منه التشبث بأصل البراءة بعد قيام الدليل كتابا و سنة على وجوبها من الزوال و عدم صحتها قبله.

بقي الكلام فيما قال الحلي في السرائر من ورود الأخبار المتواترة على الاجزاء قال: فان شك (أي في دخول الوقت) لغيم أو غيره استظهر حتى يزول عنه الريب في دخوله، و من صلى صلاة في حال فقدان الأمارات و الدلالات و مع الاستظهار و ظهر بعد الفراغ منها ان الوقت لم يدخل وجب عليه الإعادة، الى ان قال: و ان كان قد دخل عليه وقت الصلاة و هو فيها و لم يفرغ منها لم يلزمه الإعادة، و ذهب قوم من أصحابنا إلى وجوب الإعادة، الى ان قال: و الأول هو المعمول (المعتمد خ) عليه و الأظهر في المذهب، و به تنطق الأخبار المتواترة المتظاهرة عن الأئمة الطاهرة عليهم السلام انتهى.

و لم يتضح لنا مراده من الاخبار المتواترة، و من المعلوم أنه ليس مراده الأخبار الواردة في قاعدة من أدرك بإلغاء الخصوصية، ضرورة أنها مع عدم كونها متواترة يكون موضوعها إدراك الركعة، و في المقام يكون الموضوع ادراك الوقت و هو في

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 98

الصلاة و لم يقيده أحد بإدراك الركعة، و كلام الحلي كالصريح في الأعم.

كما ان

مراده ليس خبر إسماعيل بن رياح باعتبار الطرق العديدة الى ابن ابى- عمير الناقل عنه، ضرورة ان قوله: الأخبار المتواترة المتظاهرة عن الأئمة صريح في كثرة الأخبار عنهم بحيث يتظاهر بعضها ببعض، و لو لا الجزم بوقوع اشتباه في البين اما من قلمه الشريف أو من النساخ لصح الاعتماد على قوله، و لكن المعلوم عدم عثوره على اخبار متواترة ليست لها في جوامعنا و كتبنا الاستدلالية رسم و لا أثر، فالمسألة مورد تردد، و ان كان مقتضى القواعد الحكم بالبطلان هذا كله في سند رواية إسماعيل ابن رياح.

و اما بيان مفادها فالبحث فيه من جهات (الاولى) تارة ينكشف الخطاء بعد تمام الصلاة، و اخرى في أثنائها، و على الثاني تارة ينكشف بعد دخول الوقت، و اخرى قبله لكن مع بقاء مقدار من الصلاة لو أتمها أدرك الوقت.

فهل يمكن الجمع بين الفروع الثلاثة في لفظ واحد أولا، بأن يقال: ليس بين الفراغ من الصلاة و عدمه و إتمامها و الشروع فيها و انكشاف الخطاء في الأثناء و عدمه جامع، فلا يمكن الجمع بلفظ واحد الا على القول بجواز استعماله في الأكثر، و على فرض صحة الاستعمال لا يحمل اللفظ عليه الا مع قيام القرينة.

و يمكن دفع الإشكال بأن يقال: يصح الجمع في العناوين التي توجد متدرجة مع صدقها على الخارج من أول الأمر الى آخره كالصلاة، فإن المصلي المشتغل بها يصح ان يقال: انه صلى باعتبار الأجزاء السابقة و يصلى باعتبار الاشتغال و الاجزاء اللاحقة، الا ترى صحة قوله صليت و شككت في الركعة الثانية، أو صليت مع الامام و انفردت في الركعة الأخيرة بلا شائبة تجوز.

فقوله (ع) في الرواية: إذا صليت و أنت ترى أنك

في وقت «1»

بعد افادة المعنى الاستقبالي لمكان لفظة إذا يصدق في حال الاشتغال كما يصدق بعد الإتمام، و ليس الفراغ و

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 25- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 99

عدمه، و الاشتغال و عدمه بعنوانهما قيدا في الكلام حتى يقال: لا يصح الجمع بينهما، و انكشاف الخطاء ليس في الرواية، و على فرضه يصدق على الداخل و الخارج بعنوان واحد.

فالعبارة المذكورة في الرواية شاملة للفروع الثلاثة لو لا بعض القرائن، فمن اشتغل بالصلاة و يرى انه في الوقت و لم يدخل الوقت فدخل و هو في الصلاة يصدق عليه لفظ الحديث سواء انكشف الخطاء في الأثناء أم بعد الفراغ و سواء انكشف بعد دخول الوقت أم قبله، فالموضوع تحقق الصلاة مع إحراز الوقت و وقوع بعضها في الوقت، فلو انكشف قبل دخوله و ادام صلاته حتى دخل صح ان يقال بالعبارة المتقدمة و أمكن الجمع بين الفروع، هذا بحسب الثبوت و الإمكان.

و اما بحسب الإثبات و الدلالة فالظاهر بطلان الاحتمال الأخير لظهور الكلام في ان دخول الوقت مرتب على الصلاة المحرز وقتها، فكأنه قال: ان الصلاة المحرز وقتها لو ترتب عليها دخول الوقت واقعا أجزأت عنه، فاستدامة الإحراز إلى زمان الدخول مفروضة في الكلام، هذا مع ان الاجزاء في هذا الفرض بعيد في نظر العرف جدا لا ينقدح في الأذهان قطعا.

و اما الفرضان الآخران فمع الصدق عليهما عرفا بلا شائبة تجوز فمقتضى الإطلاق كونهما مشمولين للرواية.

و بعبارة اخرى ان

قوله: عليه السلام إذا صليت و أنت ترى أنك في وقت «1»

شامل لمن أتم صلاته أو كان مشتغلا بها، ففي الفرضين إذا امتد الإحراز إلى زمان دخول الوقت

أجزأت صلاته عنه، من غير فرق بين كشف الخطاء في الأثناء أو بعد الصلاة، و لأجل عدم الفرق بينهما لم يتعرض في الرواية لكشف الخطاء لعدم دخالته في الاجزاء و الصحة.

(الثانية) المحتمل بحسب التصور ان يكون لفظ ترى الواقع في الرواية موضوعا للعلم أو للظن أو لكل منهما على سبيل الاشتراك اللفظي، أو للجامع بينهما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 25- من أبواب المواقيت حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 100

و هو الكشف عن الواقع.

فعلى الأول بطلت الصلاة لو أحرز الوقت بأمارة ظنية كخبر الثقة و أذانه، فانكشف وقوع بعضها خارج الوقت، من غير فرق بين كون الانكشاف بعد الصلاة أو في أثنائها.

و قد يقال: ان دليل حجية الأمارات منزل لها منزلة العلم، فتندرج فيه تعبدا و حكومة، فإن مفاده تتميم الكشف و جعل الكشف الناقص منزلة التام، و قد يجاب عنه بان دليل الحجية ينزل المؤدى منزلة الواقع لا الأمارة منزلة العلم.

و فيهما اشكال و منع فإنهما ادعاء بلا برهان، اما في مثل خبر الثقة فواضح، لان دليل حجيته هو البناء العقلائي فقط، و لا دليل على تأسيس الحجية له كتابا و لا سنة مع كثرة الروايات الواردة فيه، فان الناظر فيها يرى أنه لا يفهم منها الا تنفيذ البناء العقلائي على ما فصلنا القول فيه في محله، و الآية الكريمة المتشبث بها كذلك على فرض الدلالة، و من الواضح ان عمل العقلاء على خبر الثقة ليس لتنزيله منزلة القطع و العلم و لا تنزيل مؤداه منزلة الواقع بل هو أحد الطرق العقلائية قبال العلم عند فقده.

و اما ما ورد في المقام من أذان الثقة «1» و صياح الديكة «2» فلان أذان المؤذن

الثقة العارف بالوقت امارة على الواقع كما ان تجاوب أصوات الديكة أمارة ظنية على دخول الوقت، فأجاز الشارع العمل بهما من غير دلالة في الروايات على تنزيلهما منزلة العلم و هو واضح و لا على تنزيل مؤداهما منزلة الواقع.

فقوله عليه السلام: إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس «3»

لا دلالة فيه على ان خارج الوقت بمنزلته، بل بيان لكشف ذلك عن تحقق الزوال ظنا

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 3- من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1- 2-

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب المواقيت.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 5.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 101

و هو كاف في العمل، ففي الحقيقة مفاد الأدلة جواز الاتكال على تلك الأمارات الظنية للعمل بالواقع.

و على الثاني يشكل القول بالصحة فيما لو كان الإحراز قطعيا، و احتمال أولوية القطع من الأمارة الظنية مدفوع بان من المحتمل ان يكون الحكم بالاجزاء لأجل عمله بالأمارة الشرعية، و نحن و ان قلنا: ان العمل بها لا يوجب الاجزاء، لكن من المحتمل ان يكون الحكم بالاجزاء بدليل خاص لأجل مراعاة المكلف العامل بقول الشارع الأقدس، و هذا كاف في عدم القطع بالأولوية، و الحكم بالبطلان لكون الصحة على خلاف القواعد.

و على الثالث لو انكشف الخطاء بعد الصلاة تجب إعادتها، لأن الشك في امتثال الأمر المعلوم، و توهم- ان توجه التكليف اليه مشكوك فيه، لان حال وجود الامارة لا يكون التكليف الواقعي متوجها إليه، لأنه غير ملتفت، و بعد الالتفات الحاصل بعد الصلاة يحتمل عدم توجه التكليف إليه إذا اتى بالصلاة مع قيام ما يحتمل اماريته، ففي الحقيقة كان المورد من موارد الشك في التكليف- فاسد

لما ذكرنا في محله من ان التكاليف القانونية الشرعية ثابتة و فعلية بالنسبة الى جميع المكلفين من غير فرق بين العالم و الجاهل و الناسي و الساهي و العاجز و غيرهم، و انما المكلف مع أحد تلك العناوين معذور عن العمل بالواقع و عن اطاعة المولى، فبعد الالتفات يكون شكه في الامتثال و سقوط التكليف الفعلي.

و لو انكشف الخطاء أثناء الصلاة فقد يقال بلزوم الإتمام و الإعادة للعلم الإجمالي بأنه إما يجب عليه الإتمام أو الإعادة، و هذا مبني على القول بحرمة قطع الصلاة مطلقا و هو غير ثابت، إذ لا دليل عليها إلا الإجماع المدعى، و المتيقن منه هو الصلاة المعلوم كونها صحيحة و مصداقا للمأمور به، فلا يكون العلم الإجمالي حجة كما هو واضح.

و على الرابع تصح الصلاة على الفرضين، هذا بحسب التصور، و اما ما يفهم

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 102

من كلمات الفقهاء قديما و حديثا فهو طرح المسألة في مورد الورود في الصلاة مع الاجتهاد و تشخيص الوقت ظنا كما يظهر من الرجوع الى المتون، و دعاوي الشهرة و الإجماع وقعت على هذا الفرض.

و ادعى بعضهم ان

قوله (ع): ترى أنك في وقت «1»

بمعنى تظن، و حكى الجواهر عن غير واحد ان المراد منه الظن، و يدل على ان مرادهم خصوص الظن تمسكهم قديما و حديثا بان الأمر الظاهري يفيد الاجزاء، إذ لا يكون هذا الا في موارد الاجتهاد أو الدلالات الظنية كأذان الثقة و صياح الديك هذا.

و لكن المصرح به في اللغة انه بمعنى العلم، ففي الصحاح الرؤية بالعين تتعدى الى مفعول واحد و بمعنى العلم تتعدى الى مفعولين، و في المنجد لم يسمع مضارع راى بمعنى الظن

الا مجهولا.

و الظاهر من موارد استعمال العلم و ما بمعناه في الروايات في الأبواب المتفرقة شيوع استعماله في مطلق الكشف عن الواقع علما يقينا كان أو ظنا معتمدا على الأمارات الشرعية أو العقلائية غير المردوعة،

كقوله (ع): كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر «2»

، و كل شي ء حلال حتى تعرف الحرام بعينه «3»،

حتى مثل

قوله (ع): لا تنقض اليقين ابدا بالشك «4»

على ما هو المقرر في محله، و الرجوع الى الروايات الكثيرة المتواترة الواردة في فضل العلم و العلماء و في الفتوى بغير العلم و المستأكل بعلمه الى غير ذلك، يشرف الناظر على القطع بان الاستعمال في العلم مقابل سائر الحجج الإلهية نادر.

و في خصوص لفظ راى شاع الاستعمال في الآراء الفقهية و نحوها مما هي متكلة على الظنون الاجتهادية، بل ما فرض في الرواية من انه يرى انه في الوقت و ليس

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 25- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 4

(3) الوسائل كتاب التجارة- باب- 4- من أبواب ما يكتسب به حديث: 4

(4) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 103

في الوقت هو انه يرى في أول الأوقات كالزوال و الغروب، و هو بحسب الغالب في مورد قيام الأمارات الظنية و ان كان يحصل العلم القطعي أحيانا، و الإنصاف ان من علم بدخول الوقت وجدانا، أو قامت عنده الأمارات الشرعية، أو اجتهد و حصل له الظن المعتبر بحسب الشرع يصدق عليه انه يرى انه في وقت، و الظاهر استعماله في الرواية في مطلق الكشف المعتبر فيعم العلم و سائر الحجج، و ما ذكرناه

غير مخالف لقول المصباح و المنجد كما يظهر بالتأمل و لعل نظر الفقهاء في طرح المسألة في الظنون انما هو لأجل عدم تخلف الأمارات و الدلالات اليقينية عن الواقع غالبا بخلاف الظنون عند فقدها.

(الثالثة) يحتمل ان تكون الصلاة التي وقعت بعضها قبل الوقت و بعضها فيه أداء، أو غير أداء، أو أداء ببعضها و لا أداء ببعض، بعد معلومية عدم كونها قضاء، لان القضاء بحسب العرف هو إيقاعها بعد فوت الوقت، فالصلاة قبل وقتها لا أداء و لا قضاء.

و لا ثمرة للبحث هنا الا عند من يرى أن الأداء و القضاء من العناوين التي لا بد من قصدها، و كيف كان لا تدل رواية إسماعيل «1» إلا على أن الصلاة الكذائية مجزية، فالقول بأنها أداء لتوسعة الوقت تعبدا واقعا أو تنزيلا مما لا دليل عليه، كما لا دليل على تنزيل ادراك بعض الوقت منزلة ادراك الكل، فاحتمال كونها أداء ضعيف.

و الاستيناس له بروايات من أدرك، بأن يقال: لا فرق في ذلك بين أول الوقت و آخره، بل في تلك الروايات قد يعبر بلفظ جازت صلاته كما يعبر بلفظ أدرك الوقت أو أدرك في الوقت لا يعبأ به كما هو ظاهر، بل الفرق بين قبل الوقت الذي لم تكن الصلاة مأمورا بها و بعد الوقت واضح، فاذا يحتمل ان تكون غير أداء بأجمعها أو أداء فيما وقع في الوقت و الأمر سهل بعد كونها مجزية بحسب الرواية، و بعد عدم اعتبار قصد تلك العناوين، و ان كان الاحتمال الأول أقرب.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 25- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 104

(فرع)

لو شك أثناء الصلاة في دخول الوقت بعد إحراز الدخول

في أولها، فتارة ينقلب إحرازه إلى الشك فيشك في دخوله من أول الصلاة إلى الحال الفعلي، و تارة ينقلب الى العلم بالخلاف و ان دخوله فيها كان قبل الوقت لكن يشك في دخول الوقت في الأثناء، و على الثاني قد يحرز دخول الوقت إذا استدام في الصلاة و قد يحرز العدم و قد يشك.

فعلى الأول يحتمل الحكم بصحة صلاته لقاعدة التجاوز، بان يقال: ان المحل الشرعي لإحراز الوقت قبيل الدخول في الصلاة و ان كان الوقت مضروبا لجميعها فمع مضى المحل يندرج في

قوله عليه السلام كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو «1»

و نظير ذلك ما لو شك أثنائها في انه كان على وضوء، فإن الطهارة و ان اعتبرت في جميع أجزاء الصلاة لكن محل تحصيلها قبيل الصلاة، فمع التجاوز لا يعتنى بشكه.

لكنه احتمال ضعيف فان ما يحكم بصحته هو ما مضى من الأفعال التي يعتبر فيها الطهارة أو الوقت دون ما لم يمض كما هو ظاهر من روايات الباب.

و في المقام اشكال آخر و هو ان محط روايات قاعدة التجاوز هو الشك في الاجزاء أو الشرائط الثابتة للمأمور به، الا ترى انه لو صلى قبل الوقت عالما و شك في بعض اجزائها بعد التجاوز لا تجري القاعدة، فحينئذ لو تردد في كون الصلاة وقعت قبل الوقت و لو ببعضها أو في الوقت، يرجع شكه إلى أنها هل كانت مأمورا بها أولا، فيكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز.

و اما استصحاب عدم دخول الوقت فيأتي الكلام فيه في الصورة الأخرى، و هي ما لو شك أثناء الصلاة في دخول الوقت مع تبين عدم دخوله حال افتتاح الصلاة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب-

23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 105

و العلم بدخوله آخر الصلاة، فيشك في كون إحرازه للوقت عند افتتاح الصلاة هل هو متصل بدخوله في الأثناء أولا، فعلى القول بعدم لزوم اتصال الإحراز بدخوله لا اشكال فيه لان الموضوع المأخوذ في الرواية محرز و هو الدخول محرزا للوقت و دخول الوقت في الأثناء، و لا ينظر الى الوسط و على القول بلزوم اتصال إحراز الوقت بإحراز دخوله في الأثناء لا إشكال في البطلان و خروجه عن الموضوع.

و على القول بلزوم اتصال الإحراز بدخول الوقت واقعا لا بإحرازه، فيمكن اجراء استصحاب عدم دخول الوقت الى حال الصلاة و استصحاب عدم كون صلاته المحرزة الوقت في الوقت، و استصحاب عدم اتصال زمان الإحراز بزمان دخول الوقت، و الاستصحاب الأول جار في الفرع السابق على اشكال فيه.

و الظاهر عدم شبهة المثبتية في هذا الفرع و لو كان الموضوع في طرف الحكم بالصحة مركبا أو مقيدا، فضلا عما إذا كان الموضوع مركبا من أمرين، لأن رفع الموضوع المقيد أو المركب برفع بعض اجزائه أو قيوده، ففي الحكم بالبطلان لا يحتاج إلى إثبات التقييد حتى يلزم المثبتية، و على ذلك ينحل العلم الإجمالي بأنه إما يجب الإتمام أو الإعادة على القول بتنجيزه، و ان كان غير منجز على ما تقدم الكلام فيه.

و مما ذكرنا يظهر الكلام في الشك بعد الفراغ، بان دخل في الصلاة محرزا للوقت و أتمها ثم شك في ان الوقت كان داخلا أولا، فحينئذ قد يشك في الدخول من أولها إلى الأخر و قد ينكشف له الخطاء و يتبين له ان الوقت لم يدخل حين افتتاح الصلاة لكن يحتمل أنه

دخل في الأثناء.

ففي الصورتين لا تجري قاعدة التجاوز و لا الفراغ بناء على كونها قاعدة أخرى، لما مر من ان محط القاعدة هو الشك في اجزاء المأمور به و شرائطه، و بعبارة أخرى هي قاعدة أسست لمقام الامتثال، و ما لا يكون مشروعا أو مأمورا به خارج عن محط القاعدة.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 106

فإن قلت: ان الصلاة التي دخل فيها بزعم دخول الوقت ثم دخل الوقت في الأثناء و ان لم تكن مأمورا بها واقعا و لا ظاهرا و لكنها تقبلها الشارع بعنوان الصلاة فيترتب عليها كل ما يترتب على الصلاة، و من هنا يظهر انه لو قطع بدخول الوقت في الأثناء يجب عليه الإتمام و يحرم الابطال.

قلت: هذا ما افاده شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه في صلاته، و هو حق لو علم بدخول الوقت في الأثناء كما أفاد في آخر كلامه، و لا إشكال في انه مع دخوله في الأثناء يجرى عليه ما يجرى على الصلاة المأمور بها من جريان قاعدة التجاوز و قواعد الشك و غيرهما، لكن المفروض عدم العلم بدخول الوقت في الأثناء و الشك فيه شك في تقبل الشرع لها، و معه يكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز و الفراغ و سائر القواعد. الا ترى انه لو لم يدخل الوقت في الأثناء لا يجري شي ء من القواعد فيها.

و بعبارة أخرى إجراء قاعدة الفراغ يتوقف على إحراز تقبل الشارع لها الموقوف على إحراز دخول الوقت في الأثناء و لا يعقل إحراز ذلك بالقاعدة هذا.

مضافا الى ان الاستصحابات التي تقدمت الإشارة إليها حاكمة على القاعدة و رافعة لموضوعها، فإن المصلى الذي علم بعدم دخول الوقت في أول صلاته و شك في

دخوله في الأثناء يجري في حقه استصحاب عدم دخول الوقت في الأثناء إلى آخر الصلاة بلا اشكال، و معه ينتفي موضوع التقبل و موضوع قاعدة الفراغ.

و لا يتوهم ان ذلك مخالف لما يقال من ان القاعدة حاكمة أو مقدمة على الاستصحاب، ضرورة ان مورد حكومتها عليه غير مورد حكومته عليها كما يظهر بأدنى تأمل، هذا مع إشكال أخر في جريان القاعدة في مثل المورد قد تعرضنا له في محله.

و هل الحكم بالاجزاء يعم ما لو دخل في الصلاة بزعم دخول الوقت لشبهة حكمية، كما لو كان يرى باجتهاده دخول وقت المغرب بسقوط القرص فدخل فيها عنده و دخل الوقت بذهاب الحمرة و هو في الصلاة، أو يختص بما إذا كان الخطاء في تحقق الوقت الواقعي.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 107

الظاهر عدم قصور الرواية لشمول الفرضين، و صدق قوله (ع): دخل في الصلاة و هو يرى انه في وقت، و دعوى الانصراف الى الفرض الثاني في غير محلها، بل المناسبات المغروسة في الذهن تؤكد التعميم، و الظاهر ان موضوع الحكم بالاجزاء هو الدخول في الصلاة مع حجة شرعية أو عقلية بأن كان يرى اجتهادا أو تقليد أو لقيام امارة على الوقت و نحو ذلك دخوله ثم دخل الوقت في الأثناء و اللّه العالم.

المقام الثاني فيما يتعلق بآخر الوقت و الكلام فيه من جهات (الاولى) لا إشكال في ان الوقت ليس من أوله الى آخره شرطا للوجوب فما هو الشرط له هو الزوال في الظهرين و الغروب في العشائين و الفجر في الصبح.

و عليه فهل دخول الوقت شرط لوجوبها حدوثا و باقي الوقت شرط للواجب، أو أن دخوله شرط لوجوبها الى آخر الوقت؟

فعلى الأول يجوز التمسك

بدليل الرفع لصحتها إذا وقعت بعد الوقت بتمامها أو ببعضها نسيانا أو خطأ أو جهلا، فإنه على ذلك يصير الوجوب بتحقق شرطه كواجب مطلق و الوقت بوجوده البقائى كسائر شرائط الواجب قابل للرفع التعبدي، لكنه احتمال ضعيف مخالف لظواهر الأدلة كالآية الكريمة المتقدمة و غيرها، مضافا الى انه لا مجال مع أدلة القضاء الشاملة للترك العمدي لجعل شرطية الوقت للصحة، لأنها تنافي الصحة على جميع الفروض.

و على الثاني لا يصح التمسك بحديث الرفع «1» و لا بسائر القواعد المقررة للصلاة المأمور بها كما تقدم الكلام فيه بالنسبة الى ما قبل الوقت، نعم مع ضم أدلة القضاء يكون الصلاة خارج الوقت مأمورا بها، فيصح التمسك بسائر القواعد و بحديث الرفع في غير الوقت من سائر ما هو دخيل في الصلاة جزء أو شرطا.

و الظاهر ان الصلاة بدخول الوقت تجب مستمرا وجوبها الى آخر الوقت

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 108

كما هو المتفاهم من الآية بعد تفسيرها بان الظهرين تجبان الى الغروب و العشائين الى نصف الليل.

(الثانية) هل قاعدة من أدرك مخصوصة بمن ترك الصلاة لعذر الى ضيق الوقت أو يعم العالم العامد، فعلى الأول لو تركها عامدا فأراد الإتيان بها عند ضيق الوقت تكون فائتة كمن أدرك أقل من الركعة، فإن الأداء وقوع الصلاة بجميعها في الوقت فإنه لازم التوقيت عرفا و عقلا، و عليه فلا يجب عليه الإتيان فورا حتى على المضايقة لأنها ليست بذلك التضييق.

و على الثاني هل يجوز التأخير عمدا، بدعوى ان دليل من أدرك و ان لم يكن ناظرا إلى توسعة الوقت لا واقعا و لا تنزيلا كما مر، لكن

مفاده ادراك الصلاة بإدراك الركعة، اما لأجل ان المعتبر في الإدراك ليس إلا إدراك الركعة و اما لأجل تنزيل إدراكها منزلة ادراك الجميع، بل المستفاد من

قوله (ع) في بعض الروايات: فقد أدرك الغداة تامة «1»

انه لا نقص في صلاته و لا فرق بينها و بين الصلاة في الوقت الحقيقي، بل المستفاد من

قوله (ع) في بعض الروايات: أدرك العصر في وقتها «2»

ان الخارج وقت حقيقة أو تنزيلا، فتكون تلك الأخبار حاكمة على ما دل على وجوب الصلاة في وقتها و حرمة التأخير عنه، و على قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «3» الى آخره، لان مقتضاها جعل المصداق التعبدي للوقت أو لإدراكه، و في مقام الامتثال تخير العبد بين امتثال الأمر بالمصداق الحقيقي و التعبدي، ألا ترى انه إذا قال: أكرم عالما ثم قال: ان الاتى بصلاة الليل عالم أو بمنزلة العالم يجوز إكرامه و الاكتفاء به عن الإكرام المأمور به.

أو لا يجوز التأخير؟ التحقيق ذلك، لان وجوب الإتيان بالصلاة في وقتها

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 2

(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 28- من أبواب المواقيت حديث: 6

(3) سورة الإسراء- آية 78

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 109

و حرمة تأخيرها عنه ثابت بالأدلة بل بالضرورة، و دليل القاعدة لا يدل على توسعة الوقت تحقيقا و هو واضح، و لا تنزيلا لما عرفت سابقا و التنزيل في إدراك الصلاة ليس من آثاره الا كون المدرك أداء و لا يجوز تأخيره و يجب المبادرة اليه، و ليس من آثار هذا التنزيل توسعة الوقت و لا التنزيل منزلة الوقت، بل الظاهر انه نزل إدراك الركعة منزلة ادراك الصلاة في الجملة

ان لم نقل بتنزيله منزلة ادراك اربع ركعات.

و كيف كان لا يدل دليل القاعدة لا المرسلة و لا غيرها على جواز التأخير عمدا نعم لو أخرها عمدا الى مقدار إدراك الركعة يجب عليه المبادرة و يكون أداء و ان عوقب على التأخير.

و ربما يقال: ان القاعدة لا تشمل من ادراك مقدار ركعة من الوقت حتى لذوي الأعذار فضلا عن العامد فان مفادها إدراك الركعة لا ادراك مقدار من الوقت يسعها، و إدراكها فعلا بالإتيان بها في الوقت، فمن لم يأت بها لم يكن مدركا فعلا لها، فلم يشمله الدليل الظاهر في فعلية الإدراك التي لا تنطبق الا على الاتى بها، فلو التفت الى ضيق الوقت حتى في أثناء الركعة لم يكن مشمولا للدليل.

و فيه ان قوله (ع): من أدرك ركعة في معنى إذا الشرطية المفيدة للإدراك الاستقبالي و لو بنظر العرف، بل المناسبات المغروسة في الأذهان العرفية موجبة لاستفادة ان الصلاة الواقعة في الوقت بركعة منها كافية في إدراك جميعها، فقوله: من أدرك معناه عرفا ان إدراك الصلاة بإدراك ركعة منها من غير نظر الى حال مضى الصدور أو استقباله، فقوله ذلك كقوله: من أدرك زيارة بيت اللّه فثوابه كذا، فان الظاهر ان لزيارته الثواب الكذائية سواء كان آتيا أم ممن يأتي فيما بعد.

(الثالثة) هل القاعدة تعم جميع الصلوات الخمس أو تختص بالعصر و العشاء و الصبح دون الظهر و المغرب مما يلزم شمولها لها التزاحم في الوقت الخاص بالعصر و العشاء، و ربما يؤيد الثاني بأن روايات الباب غير المرسلة متعرضة للعصر و الصبح و تلغى الخصوصية بالنسبة إلى العشاء دون الظهر و المغرب لوضوح الخصوصية فيهما،

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 110

و لعل

عدم التعرض للعشاء لأجل خفاء تشخيص وقتها بمثل إدراك ركعة بخلاف طلوع الشمس و غروبها.

و التحقيق إطلاق النبوي الذي هو الأصل في القاعدة لجميع الصلوات فلو بقي من وقت العصرين خمس ركعات تشمل القاعدة لصلاة الظهر فتجب عليه، و يكشف ذلك عن عدم مزاحمة العصر لها، مع ان المزاحمة انما تتحقق إذا لزم من صلاة الظهر تفويت العصر و مع الإتيان بالظهر لا يلزم تفويت العصر بمقتضى القاعدة.

و الحاصل ان شمول القاعدة لها رافع لموضوع المزاحمة فإن موضوعها فوت العصر كما هو ظاهر

صحيحة الحلبي و فيها و ان خاف ان يفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخرها فيفوته فيكون قد فاتتاه جميعا «1» الى آخرها،

فان الظاهر كالصريح ان لزوم تقديم العصر و رفع اليد عن الترتيب المعتبر فيهما انما هو أنه لولاه لزم فوته، و صريح القاعدة أنه بإدراك الركعة يدرك الصلاة و هي حاكمة على الصحيحة.

و الحاصل ان الظهر مع بقاء خمس ركعات مشمول القاعدة فعلا و شمولها له لا يلزم منه محذور فوت العصر فيجب الإتيان به، و لو لم يأت به و اتى بالعصر مع بقاء الخمس بطل للإخلال بالترتيب، ضرورة ان سقوط الترتيب للزوم فوت العصر، و مع عدم فوته بدليل القاعدة لا وجه لسقوطه.

و توهم ان شمول القاعدة للظهر يتوقف على عدم مزاحمته للعصر و هو يتوقف على شمولها له، فاسد لان شمولها له لا يتوقف الا على تحقق موضوعه و هو إدراك ركعة من الوقت الذي لا مزاحم له فيه و بانطباق القاعدة قهرا يستكشف عدم مزاحمة باقي الركعات للعصر فيجب عليه الإتيان به فيتحقق به موضوع العصر و هو إدراك ركعة منه و بإدراكها تدرك تامة.

و اما ما

أفاد شيخنا العلامة من ان مجموع الظهر و العصر مطلوب واحد الى آخر ما أفاد، فلا يخفى ما فيه، ضرورة أن مجموع الصلوتين ليس موجودا، و لا يوجد

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 18

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 111

ابدا، بل الموجود هذا و هذا لا هما، و المطلوب كذلك، مع انه لا ينحل به العقدة فراجع، هذا على الاختصاص، و اما على الاشتراك فيقع صلاة الظهر في وقتها و لا يزاحمها العصر لعدم فوتها مع إدراك الركعة فيرفع موضوع المزاحمة هذا حال الظهرين.

و اما العشائان فالمشهور فيهما أيضا انه لو بقي من نصف الليل مقدار خمس ركعات يأتي بهما و هو مبني على اختصاص آخر الوقت بمقدار اربع ركعات بالعشاء و قد عرفت فيما سبق الاشكال فيه كما عرفت حال الشهرة و الإجماع في المسألة.

فعلى الاشتراك الفعلي بل الاقتضائي و الشأني أيضا لو بقي أربع ركعات وجب المغرب و العشاء، اما على الاشتراك الفعلي فلان المغرب يقع في وقته و لا يزاحمه العشاء ببركة من أدرك، و اما على الشأني و الاقتضائي، فلأنه مع ادراك وقت العشاء في محله و عدم مزاحمته للمغرب يصير الوقت فعليا إذا لمانع من فعليته ليس الا فوت العشاء و هي لا تفوت مع إدراك ركعة منها لكن الجزم به مع عدم القائل به الا من بعض العامة مشكل.

ثم ان المستفاد مما مر ان دليل من أدرك ينطبق على جميع الصلوات الخمس و يحتاج اليه لتصحيح الظهر بالانطباق على الظهر و العصر على القول بالاختصاص اما الظهر فلتصحيح وقوعه بعد الوقت و اما العصر فلرفع مزاحمته للظهر و كذا الحال في المغرب و اما

في صلاة العصر و الصبح و العشاء فلا يحتاج اليه للتصحيح لأن الأوليين صحيحتان لوقوعهما قضاء لو لم يكن دليل من أدرك و اما العشاء فكذلك بناء على انتهاء وقتها مطلقا بانتصاف الليل، و على بقاء الوقت الاضطراري صحت لوقوعها في وقتها، فدليل من أدرك بالنسبة إلى الصلوات الثلاث يفيد لزوم الإتيان و عدم جواز التأخير كما يفيد كونها أداء لا قضاء.

(الرابعة) الموضوع في القاعدة هو المدرك للركعة الاختيارية بحسب حاله،

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 112

فمن كان تكليفه تحصيل الطهارة المائية يعتبر في حقه سعة الوقت بمقدار إدراك ركعة معها، و من كان تكليفه الطهارة الترابية كالمريض أو الفاقد للماء يعتبر في حقه سعته بمقدار تحصيلها و هكذا في جميع ذوي الاعذار.

و انما الإشكال فيما إذا كان تكليفه بحسب حاله الطهارة المائية و لا يدرك ركعة مع تحصيلها لكن يدركها مع الترابية، فهل يجب عليه المبادرة و تصح صلاته أولا، و منشأ الاشكال ان صدق إدراك الركعة يتوقف على مشروعية التيمم في حقه و الا لم يدركها، و إثبات المشروعية يتوقف على من أدرك.

و الجواب ان توقف صدقه على مشروعية التيمم ممنوع بل ما يتوقف عليها هو صحة الصلاة و دليل تنزيل التراب منزلة الماء كفيلها، توضيحه ان للوقت بحسب الأدلة المتفرقة أهمية بحيث لا يعارضها سائر الاجزاء و الشرائط و الموانع، فالصلاة لا تترك و ان فقدت جل اجزائها و شرائطها، و لو أدرك الوقت لا يقال: فاتت صلاته و ان كانت سائر الاجزاء و الشرائط مفقودة على اشكال في فاقد الطهورين، و مع استجماعها لجميع الشرائط و الاجزاء إذا فات وقتها يقال: فاتت صلاته، فالوقت له أهمية لا تقاس بسائر الشرائط، و

دليل من أدرك أيضا يدل على أهميته و ان وقوع مقدار منها يصدق عليه عنوان الصلاة في الوقت موجب للزوم المبادرة إليها، فالوقت إذا يسع لإدراك ركعة منها لم تفت الصلاة عن وقتها، و معه ان أمكن الإتيان بها جامعة للشرائط يجب و الا فبمقدار الإمكان يراعى تحصيلها فواجد الماء ان تمكن من الإتيان بها مع الوضوء يجب، و الا فيجب الإتيان بها مع التيمم لئلا تفوت الصلاة بفوت وقتها هذا.

مضافا الى ان

قوله (ع): من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة «1»

نزل إدراك ركعة منزلة ادراك الجميع، و من آثار ادراك جميع الصلاة في الوقت هو الإتيان بها مع الطهارة المائية إن وسع الوقت لذلك و الا فمع الترابية و مقتضى التنزيل في

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 113

الآثار لزوم ذلك أيضا.

أضف الى ذلك ان دليل تنزيل التراب منزلة الماء حاكم على قاعدة من أدرك و محقق لموضوعه فالتراب بمنزلة الماء و رب التراب و الماء واحد و هو أحد الطهورين، فلو ضاق الوقت عن الطهور الأصلي يقوم الطهور التنزيلي مقامه و موجب لإدراك الصلاة تامة.

تنبيه

لو شك في بقاء الوقت بمقدار إدراك ركعة، فاستصحاب بقاء الوقت لإثبات إدراكها مثبت، اما على فرض اعتبار عنوان الإدراك فواضح، و اما على اعتبار سعة الوقت بمقدار أداء ركعة فكذلك أيضا، بل الظاهر مثبتيته لو قلنا بان الموضوع وقوع الصلاة في الوقت بمقدار ركعة منها، لان ما هو ثابت بالأصل بقاء الوقت بمقدار ركعة، و ما هو وجداني وقوع ركعة في الخارج، و اما وقوعها في الوقت فليس بالوجدان بل لازم المستصحب عقلا.

و اما الاستصحاب

التعليقي بأن يقال: لو صليت قبلا كنت أدركت الركعة فيستصحب هذا العنوان، فمن التعليق في الموضوع و قد قرر في محله عدم جريانه و كونه مثبتا.

و اما استصحاب كون الوقت بمقدار ركعة فإن السابق كان كذلك، فعدم مثبتيته مبني على ان يكون المستفاد من قوله (ع): من أدرك ركعة ن إدراك ركعة من الوقت بمنزلة إدراك الصلاة، و اما إثبات العنوان المأخوذ في القاعدة فغير ممكن إلا بالأصل المثبت.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الخلل في الصلاة، در يك جلد، چاپخانه مهر، قم - ايران، اول، ه ق

كتاب الخلل في الصلاة؛ ص: 113

نعم الظاهر جريان استصحاب ان المصلى كان ممن أدرك ركعة في السابق و كذا الحال فيترتب على ذلك انه أدرك الصلاة و يجب عليه الإتيان بها، و قد مر ان الظاهر من قوله: من أدرك أنه ليس المراد منه الإدراك في الماضي و لا الإدراك بالفعل الذي لا ينطبق الا مع إيجاد الصلاة، و لهذا قلنا: إنه مع علمه بأنه يدرك الركعة تجب عليه المبادرة إليها، فالموضوع من كان يدركها و هو الظاهر من القاعدة، فعلى ذلك لا إشكال في الاستصحاب فيجب عليه الإتيان بها و كان آتيا بها في وقتها تعبدا.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 114

(الخامسة) لو تبدل اجتهاده كما إذا كان يرى في السابق ان أول وقت المغرب سقوط قرص الشمس فالصلوات التي صلاها قبل زوال الحمرة لا يحكم بصحتها، سواء قلنا بالاجزاء مع تخلف الاجتهاد في سائر المقامات أم لا، و سواء قلنا بان دليل الاجزاء حتى في تخلف الأمارات حديث الرفع «1» كما ذهبنا إليه أم لا، لما تقدم من ان محط قاعدة الإجزاء أصلا أو امارة

هو الإتيان بالمأمور به بكيفية تقتضيها الأمارات أو الأصول، و الصلوات قبل أوقاتها المقررة لم تكن مأمورا بها، لان دخول الوقت شرط التكليف لا المكلف به.

و اما لو اتى بها قبل الوقت تقية كما لو اتى بها عند سقوط الشمس قبل ذهاب الحمرة أو قبل الفجر الصادق تقية، فالظاهر صحتها و اجزائها، لما يظهر من الاخبار الكثيرة الواردة في التقية في الأبواب المتفرقة من اجزاء العمل الواقع على طبق فتاوى القوم، و في المقام دلت الأدلة على الحث على دخول جماعاتهم و الصلاة معهم، و ان الصلاة معهم كالصلاة مع رسول اللّه (ص) و لم يأمرهم بالإعادة، بل الظاهر من الأدلة ان الصلاة تقية صحيحة، و من الواضح ان الحضور في جماعاتهم في المغرب و الصبح يلزم منه كثيرا ما أو أحيانا الصلاة قبل وقتها، و بالجملة الظاهر من الأدلة هو لزوم أو جواز ترتيب اثر الواقع على فتاواهم و أحكامهم فالآتى بصلاة المغرب قبل وقتها صحت صلاته.

(السادسة) لو بقي من نصف الليل مقدار ثلاث ركعات و كان المصلى مسافرا فعلى اختصاص آخر الوقت بالعشاء تجب صلاتها و فاتت المغرب و عليه القضاء.

و أما على الاشتراك فهل يأتي بالمغرب؟، بدعوى ان ما دل على الاشتراك بضميمة ما دل على ترتب العشاء على المغرب دليل على لزوم الإتيان بالمغرب و ما دل على مزاحمة المتأخر و انه لو اتى بالمتقدم يفوته كلتا الصلوتين مثل صحيحة الحلبي «2»

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 18

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 115

مخصوص بالظهرين و لا يمكن إلغاء الخصوصية لأن الوقت الاضطراري للعشاء باق و

لا يفوت العشاء بمضي نصف الليل.

أو يأتي بالعشاء ثم المغرب؟ بدعوى ان قوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ «1» الى آخره يدل على ان أول الزوال لاولى الصلوات الأربع و غسق الليل و هو نصفها لأخيرتها و هي العشاء الآخرة بالضرورة و ان لم تدل على ان آخر الوقت مختص بالعشاء و لا على أن لزوم الإتيان بالأخيرة في آخر الوقت لأجل المزاحمة، لكن لا إشكال في استفادة لزوم الإتيان بها لا بشريكتها فالإتيان بالمغرب مخالف للاية و لو بضميمة ما هو الضروري من ان العشاء الآخرة اخيرة الصلوات الأربع، فيجب عليه الإتيان بالعشاء ثم المغرب فورا بدليل من أدرك الدال على ادراك الوقت الاختياري بإدراك ركعة، و هذا هو الأقوى مع ان المتسالم بين الأصحاب لزوم الإتيان بالعشاء و عدم مزاحمة المغرب لها و ان اختلفوا في أن ذلك للاختصاص أو المزاحمة.

و هنا احتمال آخر يظهر وجهه في الفرع الأخر و هو انه لو أدرك ركعتين من الوقت، فعلى الاشتراك و جواز اقحام صلاة في صلاة يمكن ان يقال بلزوم الإتيان بركعة من المغرب ثم الافتتاح بالعشاء أثناء صلاة المغرب و الإتيان بركعة منها ثم تتميم المغرب ثم تتميم العشاء، هذا بناء على لزوم الترتيب بين الصلوتين حتى بالنسبة إلى اجزائهما، و اما بناء على ان الترتيب بين الصلوتين لا بين اجزائهما سقط الترتيب فله ان يبتدأ بأيهما شاء و يأتي بركعة ثم يأتي بالصلاة الأخرى ثم يتم ما بدء بها.

لكن جواز الإقحام محل اشكال بل منع و ان ورد في الاخبار جوازه في صلاة الكسوف، فإنه مع ضيق الفريضتين يبتدء بالآيات ثم يأتي باليومية بينها ثم يرجع الى ما بدء من الآيات و يأتي بها

و يصح صلاته.

و يمكن الذب عن الإشكالات التي يمكن ورودها على الإقحام، من ان ذلك مخالف لنظم الصلوات، و ان الإتيان بمثل الركوع و السجدتين و نحوهما مبطل

______________________________

(1) سورة الإسراء- آية- 78

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 116

و ان لم يأت بها بعنوان الصلاة التي ابتدأ بها لما دل على النهى عن قراءة السورة العزيمة معللا بان

السجود زيادة في المكتوبة «1»

و ان الإتيان بصلاة في صلاة يوجب محو الصورة، و انه من الفعل الكثير، و انه مشتمل على الكلام الآدمي و هو السلام، و عدم معهودية الإقحام إلا في مورد واحد الى غير ذلك.

لمنع مخالفة الإقحام للنظم و انما اللازم منه هو الفصل بين الاجزاء و الفصل بمثل عبادة مماثلة لا دليل على إضراره بالصحة.

و لمنع صدق الزيادة على الإتيان بالركوع و السجدتين و نحوهما بعد ما كان يأتي بها لصلاة اخرى، و ما دل على ان السجدة زيادة في المكتوبة إما تعبد خاص بمورده و اما لصدق الزيادة إذا أتى بالسورة العزيمة في الصلاة فان السجدة من متعلقاتها، و أين ذلك من سجدة أو ركوع لصلاة اخرى. و لمنع محو الصورة في مثل ذلك كما لو اتى بادعية و قرآن و نحوهما مما هي عبادة سيما إذا كان الإقحام بركعة، و ان الفعل الكثير انما يضر لو كان من غير جنس الصلاة مع عدم الدليل على إبطاله، و اما الكلام الآدمي فيمكن ان يقال بالإتيان بالصلوتين الى ما قبل السلام ثم الإتيان بسلام واحد لهما بناء على كون التداخل على القاعدة، مع ان الإتيان بالسلام لصلاة واجبة مأمور بها لا دليل على إبطاله سيما إذا وقع بعد التشهد، و عدم المعهودية لا

بأس به بعد الموافقة للقواعد و الضوابط هذا، و مع ذلك كله ان الالتزام به في غاية الإشكال.

بل الظاهر هو المنع لمخالفته لارتكاز المتشرعة، مع انه لو كان ذلك جائزا لكان اللازم التنبيه عليه في الاخبار الواردة في آخر الوقت، بل الأمر بصلاة العصر و ترك الظهر و انه لو اتى بها فاتتاه «2» دليل على عدم صحة الإقحام، إذ على فرض صحة الإقحام تجب الصلاتان لإدراكهما في وقتهما و لم يفت شي ء منهما، و من البعيد جدا التزام أحد بالاقحام كذلك و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 18

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 117

مسألة في الخلل الواقع في الصلاة من قبل الطهور

و هو قد يكون في أصله كما لو تركه عمدا أو سهوا أو نحوهما، و قد يكون في الخصوصيات المعتبرة فيه كمن ترك ما يعتبر فيه عمدا أو نسيانا و نحوهما، فصلى مع الوضوء بلا غسل بعض أعضائه أو بلا مسح أو صلى مع ترك بعض أعضاء الغسل، و على اى حال قد يكون الترك عمدا و لا كلام فيه، و قد يكون سهوا أو نسيانا أو خطأ أو جهلا بالحكم أو بالموضوع.

و مقتضى القواعد الأولية البطلان مع الإخلال بالشرط أو بما يعتبر فيه، و يدل عليه كل ما دل على اشتراط الطهارة كالآية الكريمة إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «1» الى آخرها الظاهرة في اشتراط الطهارة كما هو المستفاد من أمثالها، و

قوله (ع) لا تعاد الصلاة الا من خمس «2»

و عد الطهور منها، و

قوله (ع) لا صلاة الا بطهور «3»

و غير ذلك.

لكن مقتضى حكومة حديث الرفع «4» على

تلك الأدلة هو الصحة و الاجزاء أما حكومته على غير لا تعاد و قوله لا صلاة الا بطهور فواضح، و اما على حديث لا تعاد، فلما أشرنا إليه سابقا من أن مفاد لا تعاد في عقد المستثنى البطلان و في عقد المستثنى منه عدمه فيكون لا تعاد و تعاد كناية عن الصحة مع الإخلال بما سوى الخمس و عن بطلان الصلاة بالخلل من قبل الطهور، و دليل الرفع يرفع الموضوع الذي يأتي من قبله البطلان، كما ان قوله (ع): لا صلاة الا بطهور إما كناية عن البطلان كحديث لا تعاد أو حقيقة ادعائية و مصححها البطلان و الكلام فيه كالكلام في لا تعاد.

فلو ترك الوضوء أو الغسل و صلى من غير عمد كالجهل باشتراطها بالطهور، يرفع الحديث الطهور، و يكون ما عدا الشرط المجهول تمام المأمور به و مجزيا عن

______________________________

(1) سورة المائدة- آية- 6

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 118

المأمور به.

فان قلت: ان تحكيم حديث الرفع بكل فقرأته على حديث لا تعاد يوجب أن لا يبقى له مورد، و ذلك لان الترك العمدي غير مشمول له و يوجب البطلان و يشترك فيه المستثنى و المستثنى منه فإن أخرج الترك عن غير عمد ككونه جهلا أو نسيانا أو خطأ أو اضطرارا أو سهوا لم يبق له مورد، و لازم ذلك وقوع التعارض بينهما على ما مر سابقا، و يكون الترجيح لحديث لا تعاد بوجوه.

قلت: نعم لكن وردت الاخبار الخاصة على بطلان الصلاة بترك الطهارة

نسيانا «1» و هي و ان كان جلها في نسيان المسح أو بعض اجزاء الوضوء، لكن يستفاد منها حكم نسيان أصل الوضوء بلا ريب، فمع خروج النسيان عن حديث الرفع و عدم خروجه عن لا تعاد يبقى له المورد سيما مثل النسيان الذي كثيرا ما يبتلى به المصلون، و لهذا صار موردا للسؤال و الجواب و سيأتي الكلام في ذلك.

و لو صلى بلا طهور معتمدا على استصحابه لصحت صلاته حسب قاعدة الاجزاء، و كذا لو شك بعد الصلاة في الطهور و حكم عليه بالمضي لقاعدة التجاوز على اشكال فيه و ان كان الأقرب الاجزاء.

و مما ذكر يعلم حال الصلاة مع الوضوء أو الغسل الناقصين، كما لو توضأ و ترك المسح أو غسل بعض الأعضاء في الوضوء أو الغسل، فان كل ذلك في غير مورد النسيان لا يضر بالصحة على القواعد، و أوضح من ذلك ما لو ترك ما يعتبر فيهما تقية، و ذلك للنصوص الواردة فيها و في خصوص الوضوء كقضية ابن يقطين «2» و داود بن زربي، «3» فلا إشكال في صحة ما يؤتى به على طريقتهم تقية و في اجزائه عن الواقع.

و لو علم بالخلل في أثناء الصلاة، فيمكن تصحيحها على القواعد، بجريان

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 3- من أبواب الوضوء

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 32- من أبواب الوضوء حديث: 3

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 32- من أبواب الوضوء حديث: 1- 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 119

حديث الرفع بالنسبة الى ما مضى و إيجاد الوضوء لما يأتي من الاجزاء، و اما الفترة بين العلم و تحصيل الطهور، فان كان الوقت ضيقا بحيث لو استأنف الصلاة فاتت يجب عليه الإتمام لأن الصلاة

لا تترك بحال، فلا محالة يكون مضطرا في الفترة المذكورة فدليل رفع الاضطرار يرفع الشرطية فيها، و ان كان واسعا فكذلك لو قلنا بوجوب إتمام العمل و حرمة إبطاله مطلقا و الا فيجب الاستيناف.

و لو أحدث في أثناء الصلاة فإن كان عن جهل بالحكم أو نسيان أو خطأ فيرفع الشرطية أو الشرط بدليله و يتوضأ للباقي، و الكلام في الفترة كالكلام فيها في الفرع السابق.

و لو أحدث بلا اختيار فكذلك لان ما غلب اللّه عليه فاللّه اولى بالعذر، و قد ورد ذلك «1» في باب عدم القضاء صوما و صلاة على المغمى عليه هذا كله على ما تقتضيه القواعد.

لكن مقتضى الروايات الخاصة في الأبواب المتفرقة إعادة الصلاة أو قضائها مع الخلل من قبل الطهور.

(منها) ما ورد في باب قضاء الفريضة الفائتة

كصحيحة زرارة عن ابى جعفر (ع) سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها قال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها «2»

و قريب منها غيرها.

(و منها) ما وردت في الجماعة

كصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أم قوما و هو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا فقال يعيد هو و لا يعيدون «3»

و قريب منها غيرها.

(و منها) ما وردت في أبواب الوضوء

كصحيحة على بن مهزيار قال: كتب إليه

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 3- من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 36- من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 120

سليمان بن رشيد الى ان قال: فأجاب بجواب قرأته بخطه الى ان قال:

و إذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته «1» الى آخرها

و في متنها نحو اضطراب لكن لا يضر ذلك بما في ذيلها.

(و منها) الروايات الواردة فيمن نسي المسح أو شيئا من الوضوء

كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع)، قال: إذا ذكرت و أنت في صلاتك انك قد تركت شيئا من وضوئك المفروض عليك فانصرف فأتم الذي نسيته من وضوئك و أعد صلاتك «2»

و قريب منها غيرها مما يظهر منها عدم جريان حديث الرفع في الخلل في الطهور نسيانا سواء تمت صلاته أم لا و من المعلوم عدم الفرق بين النسيان و غيره كما هو المستفاد من مجموع الروايات، هذا حال الفرعين الأولين.

و اما الفرع الأخير و هو ما لو أحدث في أثناء الصلاة، و هو تارة فيما قبل الفراغ عن السجدة الأخيرة، و اخرى بعد الفراغ منها قبل التشهد، و ثالثة بعده، و على اى حال تارة تكون وظيفته الوضوء و اخرى التيمم.

و قبل الورود في بيان الفروع المذكورة لا بد من ذكر أمر و هو انه من المحتمل ان تكون ماهية الصلاة هي التكبيرة و القراءة و الأذكار و الركوع و السجود و نحوها و تكون الفترات الحاصلة بينها خارجة عنها و عليه فالفصل بين التكبيرة و التسمية و بين آيات القراءة إذا لم يأت بها متصلة الى غير ذلك من الفترات و الفواصل ليست من الصلاة في شي ء، و لو قيل: ان المصلى يشتغل بهما في جميع صلاته كان مسامحة في الإطلاق، كما يقال: ان فلانا تكلم ساعة مع ان تكلمه باستثناء الفواصل و الوقوفات الحاصلة في البين أقل منها، فان ذلك الإطلاق مبني على

التسامح بلا اشكال عرفا و عقلا، فان العرف لا يطلقون على السكوت النطق فلا يقال: ان فلانا حال سكوته مشغول بالنطق.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 3- من أبواب الوضوء حديث: 6

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 121

و يحتمل أن تكون ماهية الصلاة هي المركبة من المذكورات و الفواصل الحاصلة بينها بحيث تكون الفواصل اجزاء للصلاة في عرض سائر الاجزاء.

و في كلا الاحتمالين إشكال أما في الأول فلكونه على خلاف ارتكاز المتشرعة، فإنه لا يشك أحد في ان من كبر تكبيرة الإحرام دخل في الصلاة قبل الشروع في القراءة و لا يخرج منها الا بالسلام، و انه في حال الصلاة، من أولها إلى آخرها، و لو قيل لأحد:

ان المصلى لم يكن بالتكبير داخلا فيها بل إذا كبر فهو خارج عنها حال سكوته ثم يدخل فيها باشتغاله بالبسملة ثم يخرج عند الوقوف فيدخل بالاشتغال بالاية و هكذا يعد ذلك من العجائب و مخالفا للشرع و ارتكاز المتشرعة، و العذر بأنه مصل في جميع الصلاة لكن بنحو من المسامحة و التجوز في غير محله و لا يدفع الاشكال، و هذا الارتكاز الذي جعل الأمر كالضروري من أقوى الأدلة على ان المصلى ليس في الفترات خارجا عن الصلاة.

و يدل عليه اخبار منها الأخبار الواردة في القواطع

كقوله (ع) القهقهة تقطع الصلاة «1»

و الكلام يقطع الصلاة «2»

و دلالتها من وجهين.

(أحدهما) التسمية بالقاطع إذ هو لا يطلق حقيقة إلا إذا كان للشي ء ماهية اتصالية ممتدة، لها نحو استحكام و مقاومة كالحبل، فتكون القهقهة و نحوها قاطعة لتلك الاتصال و الارتباط، و لو كانت الصلاة مجموع الاجزاء بلا اعتبار ماهية اتصالية لكان

إطلاق القطع و القاطع فيها مجازا بل لعله يعد من الغلط، و لو قيل: ان الإطلاق باعتبار قطع الربط بين جزء و جزء، يقال: ما هذا الربط المعتبر بينهما، فان مجرد كون القراءة بعد التكبير و الركوع بعد القراءة لا يصحح الإطلاق، و في المقام و ان كان الاتصال اعتباريا لا خارج له الا انه بعد الاعتبار يكون الإطلاق صحيحا، و لو عد مجازا فهو من المجاز المشهور الصحيح بخلاف ما إذا لم يعتبر ذلك.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 7- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 25- من أبواب قواطع الصلاة الصلاة حديث: 6

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 122

(و ثانيهما) من قبل ان الكلام بل القهقهة لا يجتمعان مع الاشتغال بالذكر فهما على القول المتقدم واقعان خارج الصلاة فكونهما قاطعين مع وقوعهما خارجين منها يحتاج إلى تأويل و تعسف و من الواضح ان القواطع إذا وقعت فيها كانت قواطع.

و منها

ما ورد في تكبيرة الإحرام من أنها مفتاح الصلاة «1»

و تحريمها «2»

و سميت بتكبيرة الافتتاح «3»،

و لا يصح ذلك إلا إذا كانت ماهية الصلاة بحيث يدخل فيها المصلى بمجرد التكبير، مع ان الفصل بينه و بين القراءة بالسكوت يخالف ذلك، بل لا معنى لإطلاق المفتاح و الافتتاح و التحريم إلا إذا كان الاعتبار انه مع التكبير يدخل في الصلاة و حريمها و لا يخرج الا بالتسليم الذي هو التحليل، مضافا الى ان لازم هذا القول عدم إضرار الاستدبار و الحدث و سائر الموانع بالصلاة إذا وقعت في الفواصل و حال السكوت فإن الشرائط و الموانع و القواطع انما هي للصلاة و ما هو خارج عنها لا يشترط بشي ء و لا

يقطع الصلاة بها فإطلاق أدلة الشرائط و القواطع دال على ان تلك الفواصل لا تكون خارجة عنها الى غير ذلك من الشواهد التي يأتي الإشارة إليها عن قريب.

و اما في الثاني فلأنه لو كانت الفترات جزء منها لعدت من أجزائها في النصوص، مع ان ما فيها ليس الا التكبير و القراءة و الركوع و السجود و نحوها من غير ذكر للفواصل، و كذا لم يعدها الفقهاء من اجزائها.

و التحقيق ان نفس الفواصل ليست جزء منها، فإنها عبارة عن قطعات الزمان تقطيعا توهميا، و كون الصلاة عبارة عن القراءة و الركوع و قطعات الزمان مما لا ينبغي التفوه به، بل الصلاة عبارة عن ماهية اعتبارية ممتدة من أول الافتتاح الى السلام، و الأفعال اجزائها، و هي باقية موجودة مع الفواصل كأنها رابطة بين الاجزاء باتصالها

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 10

(3) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 6- 11- 12

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 123

و امتدادها.

فالصلاة إذن مركبة من اجزاء و متحدة معها اتحاد الماهية المركبة مع الإجزاء بالأسر. و تمتد تلك الماهية الاعتبارية بين الفواصل من غير ان تكون الفواصل من اجزائها كامتداد الزمان مع الزمانيات، فالمصلي في الصلاة حقيقة و بلا تجوز من أول الشروع الى آخر الصلاة من غير فرق بين حال إيجاد الاجزاء و حال الفواصل و من غير ان تكون نفس الفواصل من الصلاة بشي ء فإنها أمر حقيقي و ما تصورناه أمر اعتباري باعتبار الشارع الأقدس، فالصلاة مع الاجزاء صلاة، و مع الفترات صلاة فالفترات كرابطة بين الاجزاء، فالفترات

ليست من الصلاة، و هي موجودة معها وجودا اعتباريا ممتدا من الافتتاح الى الختم.

و الشواهد على ان للصلاة ماهية اعتبارية غير الاجزاء كثيرة، منها ما مر من الأدلة اللفظية، و منها انه لو لم تكن ماهيتها الا الاجزاء أو مجموعها ينتفي الامتياز بين الصلوات المساويات في الركعات كالظهرين و العشاء و الصبح و نافلتها، و لا يعقل ان يكون الامتياز بالقصد لان مجرده يتعلق بنفس اربع الركعات و الفرض ان العناوين غير مأخوذة فيها و بعد الوجود يكون الامتياز الفردي كالامتياز بين الفردين لماهية واحدة فلا بد من الالتزام بان الصلوات الثلاث ماهية واحدة و نسبة الصلاة إليها كنسبتها الى المصاديق الخارجية و مثل نسية صلاة الظهر الى مصداقين لها، و هو كما ترى، و لا معنى مع سلب الامتياز لان تكون احدى الصلوتين مقدمة و الأخرى مؤخرة، و لا للزوم العدول من المتأخرة إلى المتقدمة.

و منها أن لازم كون ماهية الصلاة هي نفس الأجزاء أو مجموعها ان لا يكون معنى لقصد العناوين بل مع قصد الخلاف و الإتيان بنفس الاجزاء بقصد لا بد من الالتزام بوقوعها صحيحة لأن قصد عدم الظهر مثلا لا يعقل ان يضر مع الفرض المذكور.

و منها لزوم أن لا يكون ملاك لكون صلاة الصبح فريضة و نافلتها نافلة، و منها لزوم كون جميع النوافل المشابهة في الركعة مصاديق لأمر واحد، و عدم الملاك لاختلاف أحكامها و أوقاتها الى غير ذلك.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 124

و اما إذا كان كل صلاة معنونة بعنوان اعتباري ناش من ملاك واقعي كشف عنه الشرع فينحل الإشكالات، و يصح الاختلاف بالأفضلية و غيرها كالصلاة الوسطى و غيرها و كنافلة الصبح بالنسبة إلى سائر النوافل،

و بالجملة فالظاهر ان المسألة أوضح من ان تحتاج الى التشبث.

و بناء على ما ذكر من تحقق ماهية الصلاة بالتكبير و بقائها مستمرة الى السلام تكون جميع الشرائط المعتبرة فيها معتبرة في تلك الماهية المستمرة من غير فرق بين حال الاشتغال بالافعال و غيره، فيصح الاستدلال للبطلان بمثل

قوله (ع): لا صلاة الا بطهور «1»

و لا تعاد الصلاة «2»

و نحوهما.

و لا يحتاج المسألة إلى الأدلة الخاصة، و ان وردت فيها الأخبار الشريفة

كموثقة عمار بن موسى الساباطي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: سأل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع قال: ان كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوؤه، و ان خرج متلطخا بالعذرة فعليه ان يعيد الوضوء، و ان كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة «3».

و رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) و فيها قال: و سألته عن رجل يكون في الصلاة فيعلم ان ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها قال: يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتد بشي ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا «4»

و في الوسائل رواه على بن جعفر في كتابه و عليه هي صحيحة الى غير ذلك من الروايات.

و في قبالها بعض الروايات

كصحيحة الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (ع):

كون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال انصرف ثم توضأ و ابن

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

(3) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 5- من أبواب نواقض الوضوء حديث:

5

(4) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 125

على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا و ان تكلمت ناسيا فلا شي ء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا قلت: و ان قلب وجهه عن القبلة قال: نعم و ان قلب وجهه عن القبلة «1».

و فيها احتمالات (منها) ما احتمله شيخ الطائفة قدس سره من ان مجرد الغمز و الأذى لا يوجب الحدث لكن موجب لاستحباب الوضوء و تقليب الوجه عن القبلة مطلق من جهتين أولاهما من جهة العمد و السهو و ثانيتهما من جهة الاستدبار و عدمه فيقيد بسائر الأدلة و التوضيح منا مع احتمال ان يكون لفظ قلب مبنيا على المفعول فيكون ظاهرا في عدم العمد (و منها) ان المراد حصول الحدث من غير عمد و يكون الأمر بالانصراف و الوضوء لأجله و الكلام في ذيلها هو الكلام المتقدم (و منها) ان المراد الانصراف لقضاء الحاجة كما هو مفاد الرواية الاتية و الكلام في الإطلاق كما تقدم.

و لا ترجيح للثاني الذي هو مبني الاستدلال فتخرج عن قابلية الاحتجاج بالإجمال مع ان فيها نحو اضطراب فان المتفاهم من قوله: هو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا، انه في هذا الحال خارج عن الصلاة و تكلمه بمنزلة التكلم في الصلاة و قوله: ما لم تنقض الصلاة بالكلام ظاهر في انه في الصلاة و لم يخرج منها.

و

كرواية أبي سعيد القماط قال: سمعت رجلا يسئل أبا عبد اللّه (ع) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول و هو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة

أو الرابعة فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف الى مصلاه الذي كان يصلى فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بالكلام قال: قلت: و ان التفت يمينا أو شمالا أو ولى عن القبلة قال: نعم كل ذلك واسع انما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة فإنما عليه ان يبنى على صلاته ثم ذكر سهو النبي (ص) «2».

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 9

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 11

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 126

و هي مع ضعف سندها غير معول عليها في نفسها مع أنها مشتملة على ما لا يقول به أحد منا و هو جواز إيجاد الحدث عمدا و استدبار القبلة كذلك و صحة الصلاة مع الاستدبار سهوا في ثلاث ركعات مع اشتمالها على سهو النبي (ص) الذي يجب تنزيهه عنه فهي مردودة سندا و متنا و مناسبة لفتاوى غيرنا و عقائدهم.

و مع الغض عن ذلك كله فهي معارضة بطوايف من الروايات التي هي أرجح منها بل لو كانت صحيحة السند كان الترجيح لتلك الروايات المعارضة أيضا لموافقتها للكتاب و موافقة تلك الرواية لأشهر فتاوى العامة على ما حكى فلا إشكال في المسألة.

و لو أحدث في الصلاة مع ضيق الوقت، فإن أمكن إدراك ركعة منها مع الوضوء قطعها لبطلانها بالحدث و توضأ و استأنف الصلاة، لقاعدة من أدرك، و كذا لو أمكن إدراكها مع التيمم سواء كان تكليفه ذلك مع الغض عن الضيق كما لو كان فاقد الماء لما ذكر، أو كان

لضيق الوقت لأدلة تنزيل التراب منزلة الماء و قاعدة من أدرك و هو واضح.

و لو لم يدرك و لا ركعة حتى مع التيمم فهل صلاته و الحال هذه باطلة و يجب عليه القضاء أو تصح و يتوضأ أو يتيمم فيما بقي و يبنى على ما اتى بها وجهان، من ظهور الروايات المتقدمة في البطلان و عدم الاعتداد بشي ء مما صلى، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الضيق و السعة، و من تحكيم قاعدة الميسور و ان الصلاة لا تترك بحال على تلك الروايات فيتقيد إطلاقها بغير حال الضيق، بل لعل المنساق منها أو من بعضها ان المفروض فيها حال السعة و ان أهمية الوقت عند الشارع بحد لا يزاحمه شي ء من الشرائط و الموانع و يأتي الكلام لتقوية ذلك في فرع آخر.

و هو انه لو أحدث المتوضى في الصلاة حال فقد الطهورين فهل تبطل صلاته بذلك و عليه القضاء بعد وجدان الطهور أو تصح و يجب عليه إتمامها و لا قضاء عليه و كذا الكلام في فاقد الطهورين من رأس فإن المسألة محل كلام، فمن المشهور انه يؤخرها إلى زوال العذر و سقط الأداء مع استيعاب الفقدان للوقت، و اما القضاء

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 127

فيجب على الأشهر على ما قيل.

و قيل في وجه سقوط الأداء:-، مضافا الى اشتراط الصلاة بالطهارة و عدم شرعيتها بدونها، و لا يعارض ذلك إطلاق ما دل على وجوب الصلاة، لاشتراط التكليف عقلا بالقدرة على الامتثال و هي منتفية- ان

قوله (ع) في صحيحة زرارة: لا صلاة الا بطهور «1»

حاكم على قاعدة الميسور و ان الصلاة لا تترك بحال فإنه رافع للموضوع المأخوذ فيهما، بل قوله (ع): لا

صلاة الا بطهور يدل على ان الفاقدة للطهور ماهية أجنبية عن ماهية الصلاة.

و الجواب عن الأول ان الاشتراط بالطهارة مثل سائر الشرائط كالقبلة و الستر و لا إشكال في ان قوله الميسور لا يسقط بالمعسور حاكم عليها ضرورة أن الصلاة الجامعة للشرائط عدا الطهور ميسور الصلاة مع الطهور و لا شبهة في صدق الصلاة على الفاقدة و كذا قوله الصلاة لا تترك بحال حاكم على دليل الاجزاء و الشرائط.

و عن الثاني ان هذا التركيب يحتمل ان يراد به نفى الحقيقة واقعا، و ان يراد نفيها ادعاء، و مصحح الادعاء يمكن ان يكون بطلان الصلاة، و يمكن ان يكون جميع الآثار، و ان يراد به التكنية عن البطلان، أو يكون إرشادا إلى الشرطية، اما نفى الحقيقة واقعا فلا شبهة في عدم صحته لأن ماهية الصلاة أمر معلوم بين المسلمين معروف بتعريف الشرع و هي صادقة على الماهية الفاقدة للشرائط فضلا عن الفاقدة لشرط واحد.

و اما الحقيقة الادعائية فلا مانع من ارادتها لكن المصحح بحسب المتفاهم هو البطلان كما يمكن ان يكون المراد سائر الاحتمالات، و على ذلك نقول: ان تلك الهيئة قد وردت في موارد لا يراد منها بيان أن الصلاة الفاقدة أجنبية عن ماهية الصلاة،

كقوله (ع): لا صلاة الا الى القبلة «2»،

و لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب «3»

و من لم

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب القراءة حديث: 2- 3

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 128

يقم صلبه فلا صلاة له «1»

و لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده «2».

مضافا الى أن

صحيحة

زرارة المتقدمة واردة في الطهور بمعنى طهارة البدن، فإنه قال: لا صلاة الا بطهور و يجزيك في الاستنجاء ثلاثة أحجار «3» إلى آخرها،

أو أعم منها و من الطهور عن الحدث، و مع كون صحيحة زرارة واردة في خصوص الخبث أو كونها أعم لا يبقى مجال لتوهم ارادة الطهور من الحدث فيما لا يكون لها هذا الذيل، كما أنه مع احتمال التكنية أو الإرشاد لا مجال للجزم بحكومتها على ما ذكر.

بل التتبع في سائر الموارد من الشروط و الاجزاء، و تقديم جانب الوقت على غيره، و ان الصلاة مع فقد الشرائط في الوقت تقدم على الجامعة لها بعد الوقت كصلاة المريض و الغرقى و المبطون و السلس، يوجب الحكم بان الطهور كسائر الشرائط و لا تترك الصلاة مع فقده، كما لا تترك مع الاستدبار إذا لم يقدر الا على الصلاة مستدبرا

مع ورود لا صلاة الا الى القبلة «4»،

و كذا لا تترك مع نجاسة البدن

مع ورود لا صلاة الا بطهور «5»،

و الإنصاف انه لو لا خوف مخالفة الأصحاب لكان القول بوجوب صلاة فاقد الطهورين و صحتها قويا.

ثم انه على فرض عدم الخلاف في فاقد الطهورين أو الإجماع فيه على سقوط الأداء يقتصر على مورده و لا يتعدى الى ما نحن بصدده، و هو ما إذا صلى بوضوء و عرض في الأثناء فقد الطهورين، فان مقتضى القاعدة وجوب إتمامها و صحتها و عدم القضاء، فإن الصحة هنا اولى من صحتها مع فقدهما من الأول كما هو واضح.

و لو كانت وظيفته التيمم فدخل في الصلاة متيمما و أحدث في الأثناء ثم وجد

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب القيام حديث: 1- 2

(2) الوسائل كتاب الصلاة

باب- 2- من أبواب أحكام المساجد حديث: 1

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 2

(5) الوسائل كتاب الطهارة باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 129

الماء، فهل يوجب ذلك بطلان صلاته و يجب عليه الاستيناف، أو عليه ان يبنى عليها بعد ما توضأ و يأتي بباقي الصلاة؟.

مقتضى القاعدة يختلف بحسب الاحتمالات المتصورة في التيمم، و كذا في قاطعية الحدث للصلاة، فان قلنا: ان التيمم رافع للحدث حقيقة كالوضوء و الغسل و الفرق بينه و بينهما ان رافعيته في موضوع خاص هو فاقد الماء بخلافهما، يكون حاله حال احداث الحدث في الصلاة مع الدخول فيها بوضوء، من ان مقتضى القاعدة بطلانها و عدم الاعتداد بشي ء منها.

و ان قلنا: ان التيمم مبيح غير رافع للحدث بوجه، و قد أجاز الشارع للمحدث أن يأتي بالصلاة متيمما مع بقائه على حال الحدث، فان قلنا: ان قاطعية الحدث للصلاة مستقلة في عرض قاطعيته للوضوء، بمعنى ان الحدث قاطع للصلاة و لو لم يكن ناقضا للوضوء، فمقتضى القاعدة أيضا بطلانها و عدم الاعتداد بشي ء منها فإنه مع ورود القاطع عليها لا يصح البناء عليها الا بدليل.

و ان قلنا: ان الحدث ليس قاطعاً للصلاة، بل لما كان ناقضا للطهارة يعرض معه البطلان على الصلاة من أجل الطهور، يكون مقتضى القاعدة صحة ما اتى به، فيتوضأ و يأتي بالبقية، فإن المفروض ان المصلى محدث بعد التيمم فليس حدثه ناقضا لشرط الصلاة اى الطهور، بل غاية ما يترتب على حدثه هو رفع المبيح فإذا توضأ و اتى بها صحت، بل لو كان تكليفه التيمم صحت

مع تجديده بل القاعدة تقتضي الصحة حتى مع احداث الحدث عمدا لان حدثه لا ينقض الصلاة و لا الطهور و لا يضر بالصحة فالإتيان بالطهور أو المبيح للباقي لا مانع منه.

و ان قلنا: ان التيمم بمنزلة الوضوء و الغسل و إن الشارع نزل التراب للفاقد منزلة الماء، فان قلنا: ان التنزيل مختص بآثار الطهور، و يترتب على التيمم كل ما يترتب على الطهور، و كل ما يشترط فيه الطهور يصح الإتيان به و يجوز مع التيمم فالمتيمم محدث حقيقة و نازل منزلة المتطهر، فمقتضى القاعدة جواز البناء على ما

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 130

مضى و تصح صلاته مع الإتيان بالبقية متوضئا أو متيمما، لان المفروض انه محدث حقيقة و التنزيل ليس إلا في آثار الطهور.

و ان قلنا بان التنزيل أعم من الآثار المترتبة على الطهور و من حيث ناقضية الحدث له، فكأنه قال رتب آثار ناقض الطهور على الحدث في التيمم، فالقاعدة تقتضي بطلانها سواء قلنا بناقضية الحدث للصلاة مستقلا أم قلنا ببطلانها من جهة فقد الطهور، لتحقق ناقض الطهور تعبدا و تنزيلا، هذا بحسب التصور.

و اما في مقام الإثبات فقد ذكرنا في محله ان التيمم كالوضوء في رفع الحدث حقيقة عن موضوعه المحدود، و ليس المقام محل تحقيقه، فمقتضى القاعدة على ذلك بطلان الصلاة و عدم صحة البناء عليها، لما مر من اعتبار الطهور من أولها إلى آخرها حتى في الفترات، فتصحيحها فيها يحتاج الى دليل، و دليل الرفع و ان أمكن التمسك به في بعض الفروض، لكن الظاهر المستفاد من الأدلة انه لا يجري في باب الطهور.

نعم قد دلت صحيحة زرارة على وجوب الوضوء و البناء على ما مضى،

روى الفقيه عن

زرارة أنه سأل أبا جعفر (ع) عن رجل دخل في الصلاة و هو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب ماء قال: يخرج و يتوضأ ثم يبنى على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم» «1»

و رواه الشيخ بإسناده عن زرارة مثله، و بإسناده عن زرارة و محمد بن مسلم عن أحدهما مثله.

و عن المعتبر انه بعد نقل الرواية قال: و هذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة، و أصلها محمد بن مسلم الى آخره، مع انها مروية تارة عن زرارة و اخرى عنه و عن محمد بن مسلم، فقوله: ان أصلها محمد بن مسلم غير ظاهر.

ثم ان الظاهر ان المفروض فيها ان الحدث غير عمدي و لا إطلاق لها بالنسبة إلى العمد، و على فرضه لا بد من تخصيصه بغير العمد بان يكون بلا اختيار و فجأة،

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 10

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 131

و عليه فيمكن تصحيحها على القواعد بان يقال: ان غير الاختياري مشمول

لقوله (ع): كل ما غلب اللّه عليه فاللّه اولى بالعذر «1»،

و على ذلك فلا مانع من العمل بالرواية سيما مع عمل المفيد و الشيخ بها، و قد حكى عن المعتبر أنه لا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان، فإنها رواية مشهورة، و الوجه الذي ذكراه هو الحمل عن المحدث سهوا، و لعل المراد بالسهو هو عدم الاختيار مقابل العمد كما احتمله بعضهم.

و لو أحدث بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة من الصلاة قبل ان يتشهد، فلا يبعد القول بصحة صلاته على القواعد، لان الطهور و ان كان شرطا للصلاة من أولها إلى آخرها، و يمكن استفادة اعتباره كذلك

من مثل

قوله (ع) لا صلاة الا بطهور «2»

و حديث لا تعاد «3»

و نحوهما، و ان أمكن المناقشة في الجميع أو في بعض، لكن لا تصح المناقشة في اعتباره، الا ان مقتضى حديث لا تعاد المذيل

بقوله (ع): التشهد سنة و السنة لا تنقض الفريضة

صحة تلك الصلاة الجامعة للشرائط الى ما بعد السجدة الأخيرة.

فإن الحدث و ان قطع صلاته لكن لا إشكال في ان قطعها من حين حدوث الحدث، و قطعها موجب لخروج المصلى عن الصلاة بلا اشكال، لكن النقيصة في تلك الصلاة من قبل التشهد و السلام، و التشهد بحسب نفس الرواية سنة و لا تنقض الفريضة بالخلل فيها بتركها من غير عمد، و لا إشكال في ان هذا الترك ليس عن عمد، فان الحدث يوجب خروجه عن الصلاة و ترك التشهد بعد الخروج عنها لا موضوع له حتى يقال انه عمدي.

فإن قلت ان الطهور معتبر في الصلاة و اجزائها، و انتقاضه بالحدث في الأثناء يوجب بطلان أصل الصلاة من قبل فقد الطهور الذي هو خلل في الفريضة، فالصلاة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 3- من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 132

باطلة من قبل الخلل فيها لا من قبل التشهد.

قلت: أولا ان ما هو مقتضى إطلاق ذيل لا تعاد ان السنة مطلقا لا تنقض الفريضة التي هي الصلاة و اما ان مثل فقد الطهارة ينقض الفريضة مطلقا فغير ثابت، لان قوله (ع):

السنة لا تنقض لا مفهوم له، و لو قيل بالمفهوم فلا ريب في أنه لا إطلاق له، فلا

يدل الا على نقضها في الجملة.

و ثانيا سلمنا ان فقد الطهور مطلقا ينقض الفريضة لكن لا دليل على ان نقضها موجب للإبطال من الأول بل الفرق بين الطهور و مثل التشهد انه لو ترك التشهد من غير عمد لم يوجب ذلك نقض الصلاة بل تبقى على ما هي عليه و اما فقد الطهور في أثناء الصلاة فيوجب نقضها من حين الفقد، غاية الأمر انه لو نقضت في الركعة الثانية أو قبل السجود في الرابعة صار ذلك موجبا لعدم إمكان الإتمام فتبطل و اما بعد السجدة الأخيرة فلا يوجب النقض الا الخروج عن الصلاة من حينه و عدم إمكان لحقوق التشهد و السلام بسائر الاجزاء، و هو لا يوجب البطلان لان التشهد لا يصلح لنقض الفريضة بمعنى ابطالها.

و بعبارة اخرى ان الصلاة الى ما بعد السجدة الأخيرة وقعت صحيحة جامعة للشرائط و بعروض الحدث نقضت من حينه. و لا دليل على الابطال من الأصل، فالبطلان ان كان من أجل التشهد فلا وجه له بعد كونه سنة، و ان كان من أجل فقد الطهور في خصوص التشهد فلا وجه له أيضا بعد كون فقد أصله غير مضر كما لو نسيه و لم يأت به أو نسيه و استدبر، فكما ان الاستدبار بعد نسيان التشهد لا يوجب الا نقض الصلاة من حين الاستدبار لا من الأصل كذلك لو وقع قهرا بعد السجدة الأخيرة، إذ لا نقص للصلاة الا من قبل التشهد.

و ان شئت قلت: انا سلمنا ان الحدث ناقض للصلاة و موجب لخروج المصلى عنها، لكن لا نسلم نقضها من الأول بعد وقوعها على ما هي عليها من الشرائط.

بل لنا ان نقول: ما وقع صحيحا جامعا للشرائط في

محلها لا يعقل ان ينقلب

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 133

مما هو عليه، و انما قلنا بالبطلان فيما قبل السجدة، لأجل عدم إمكان لحوق السجود بالاجزاء السابقة، و هو موجب للبطلان، و اما عدم لحوق التشهد و السلام فلا يوجبه كما هو كذلك في سائر المنافيات كالقبلة و التكلم، نعم في الوقت كلام آخر مر في محله.

الا ان يقال: ان صحة المركب مراعاة على ان يأتي باجزائها صحيحة في محالها و مع بطلان بعضها يبطل المركب، لكن ذلك صحيح بحسب الأصل الاولى في المركب و به يجاب عن ما ذكر من عدم معقولية الانقلاب، و اما بحسب ملاحظة ذيل لا تعاد و عدم الدليل على نقض الفريضة للصلاة على نحو الإطلاق كما أشرنا إليه فلا.

فتحصل مما ذكر ان مقتضى القاعدة صحة الصلاة مع احداث الحدث بعد السجدة الأخيرة من غير عمد.

و تدل عليها جملة من الروايات

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل ان يتشهد قال ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع الى المسجد و ان شاء ففي بيته و ان شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم و ان كان الحدث بعد التشهد فقد مضت صلاته «1».

و صحيحة عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: اما صلاته فقد مضت و بقي التشهد و التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ و ليعد الى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد «2»

و نحوهما غيرهما.

و الظاهر منها ما هو الموافق للقواعد على ما تقدم من ان صلاته

صحيحة و التشهد سنة لا تنقض الفريضة، و الظاهر ان المراد بالسنة هي ما وقع في ذيل لا تعاد، و لعل

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب التشهد حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب التشهد حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 134

ما في هذه الروايات إشارة الى ما في حديث لا تعاد و انه خرج بالحدث من الصلاة، لكن يأتي بالتشهد اما لزوما أو استحبابا، و لما مضت صلاته و خرج منها لم يلزم في الإتيان بالتشهد اعتبار عدم الاستدبار أو عدم الفعل الكثير، فلا طعن في الروايات بمثل ذلك.

و لا ينافيها سائر الروايات كمفهوم

رواية الخصال عن على عليه السلام إذا قال العبد في التشهد الأخير و هو جالس: اشهد ان لا إله إلا اللّه الى ان قال: ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته «1»

و مرسلة المقنع و فيها و ان لم تكن قلت ذلك فقد نقصت صلاتك «2»

فلان نقصانها و عدم تماميتها من قبل التشهد لا اشكال فيه، لكن لا ينافي ذلك صحتها و مضيها.

و اما رواية الحسن بن الجهم «3» الدالة على وجوب الإعادة إذا أحدث قبل التشهد، فهي ضعيفة السند، و يمكن حملها على الاستحباب، فإنه جمع عرفي فإن قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: مضت صلاته صريح في الصحة و هذه الرواية ظاهرة في وجوب الإعادة اللازم منه البطلان فيحمل على الاستحباب، و هذا مما لا اشكال فيه لكن إعراض الأصحاب عن الروايات الدالة على الصحة و موافقتها الفتاوى العامة القائلين باستحباب التشهد و جواز الخروج عن الصلاة بالحدث عمدا، و ارتكازية بطلان الصلاة بالحدث أثناءها، و وضوح ذلك عند الطائفة يوجب الوثوق بصدور

تلك الروايات تقية، و بذلك يعلم الحال في الحدث قبل السلام و ان كان الأمر فيه أهون.

مسألة في الخلل الحاصل من ناحية الطهور المعتبر في البدن و الثوب و هو قد يكون عن علم و عمد اى مع كونه عالما بنجاسة الثوب أو البدن و عالما بشرطية طهارتهما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب التشهد حديث: 5

(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب التشهد حديث: 3

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 135

للصلاة أخل بها عن التفات فلا إشكال في البطلان في هذه الصورة.

و هنا صور اخرى تحتاج الى البحث (الاولى) ما إذا أخل بها مع الجهل بالحكم سواء كان الجهل بنجاسة الشي ء الكذائي أم كان بشرطية الطهارة للصلاة فمقتضى الشرطية و انتفاء المشروط بانتفاء الشرط عقلا و ان كان هو البطلان لكن يمكن القول بالصحة على القواعد.

اما بناء على كون الطهور في حديث لا تعاد عبارة عن الطهر من الحدث، فيدخل المورد في المستثنى منه و مقتضى إطلاقه عدم الإعادة حتى مع الجهل بالحكم، و دعوى اختصاصه بالنسيان غير وجيهة كما مر سالفا.

و اما بناء على إطلاق الطهور في المستثنى للطهارة الحدثية و الخبثية بدعوى ان صدق الطهور عرفا على الطهارة من القذر أوضح من صدقه على الطهارة من الحدث فإنه يحتاج الى بيان من الشارع و كشفه عن قذارة معنوية عند حدوث الحدث و رفعه بالوضوء أو الغسل.

و يؤيد هذا الإطلاق ما ورد

في صحيحة زرارة لا صلاة الا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار «1»

إلى آخرها فان الظاهر منه اما خصوص الخبثية أو ما هو أعم

منها.

و ما ورد في ذيل لا تعاد من ان القراءة و التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة، المستفاد منه ان ما يصلح لنقضها هو الفريضة أي ما يستفاد شرطيتها من الكتاب لا الواجب الذي يستفاد من السنة، بدعوى أن شرطية الطهور من الخبثية أيضا مستفادة من الكتاب لقوله تعالى وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «2»، بدعوى ان المراد هو التكبير في الصلاة و تطهير الثوب فيها و الهجر عن القدارة فيها، فيكون عاما للبدن أيضا، و استفادة ذلك من الكتاب لا تقصر عن استفادة جزئية الركوع و السجود لها فيكون

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 9- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1

(2) سورة المدثر آية 3 و 4 و 5

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 136

مقتضاه البطلان مطلقا.

لكن يمكن القول بالصحة مع الجهل بالنجاسة لقاعدة الطهارة، فإن

قوله (ع): كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر «1»

محقق لموضوع أدلة الشرطية،

كقوله عليه السلام لا صلاة الا بطهور،

و

قوله عليه السلام: لا تعاد «2» الى آخره،

و إطلاق التنزيل أو الادعاء في القاعدة يشمل كل من لم يعلم سواء كان شاكا في نجاسة شي ء أو قاطعاً بطهارته أو ظانا بذلك لدليل اجتهادي مع نجاسته واقعا، فان كل ذلك داخل فيمن لم يعلم بالنجاسة، و ان كان جهله مركبا و مقتضى عموم الآثار تحقق الشرط للصلاة و صحتها واقعا و عدم قصورها عن الصلاة في الطاهر الواقعي.

و وقوع

قوله (ع): كل شي ء نظيف الى آخره في موثقة عمار «3»

ذيل الشبهات الموضوعية لا يوجب الاختصاص بها بل المراجع يرى ان قوله في الذيل: و قال: كل شي ء نظيف كبرى مستأنفة أو منقولة عنه في مقام

أخر و على اى حال لا وجه لرفع اليد عن إطلاقه و يدل على المطلوب حديث الرفع «4» أيضا و الحجب «5» و غيرهما.

و مع الجهل بشرطية الطهارة عن الخبث يمكن الاستناد للصحة بحديث الرفع و نحوه و قد مر سابقا بعض الاشكال فيه مع جوابه، بل يمكن الاستناد إلى قاعدة الحل بدعوى أعميته من التكليف و الوضع و بقاعدة معذورية الجاهل بدعوى شمولها للوضع ببركة استفادته من بعض النصوص.

ثم ان الاشكال العقلي الذي أوردوه في المقام و أمثاله من ان لازم ذلك اختصاص الشرطية بالعالم بها و هو دور صريح قد فرغنا من حله سابقا فراجع.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 4

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

(3) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 4

(4) الوسائل كتاب الجهاد- باب- 56- من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه حديث: 1 و 2

(5) الوسائل كتاب القضاء- باب- 12- من أبواب صفات القاضي حديث: 28

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 137

نعم هنا بعض روايات ربما يستفاد منها بطلان الصلاة مع الجهل بالحكم

كصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: ان كان علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلى ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى و ان كان لم يعلم به فليس عليه اعادة و ان كان يرى أنه اصابه شي ء فنظر فلم ير شيئا اجزأه ان ينضحه بالماء «1».

بدعوى ورودها في خصوص الجاهل أو إطلاقها و لكنه مشكل لان المتبادر من الرواية صدرا و ذيلا

ان المفروض فيها العالم بالحكم سيما قوله: فنظر و لم ير شيئا فإن النظر انما هو لأجل الصلاة لا في نفسه فهي اما مختصة بالعالم الملتفت أو أعم منه و من الناسي.

و دعوى- ان العالم بالحكم و الموضوع كيف يدخل في الصلاة مع كونه في مقام الإطاعة و إبراء الذمة- في غير محلها مع ما يشاهد من عمل العوام الذين لا يبالون بما يبالي به أهل العلم و الخواص فترى ان بعضهم يصلى و لا يبالي بشرائطها و ان أمرته بمراعاتها و من ذلك ترى ورود ذلك في صحيحة زرارة «2» المشتملة على حكم الاستصحاب من فرض الصلاة مع العلم بنجاسة الثوب و الظاهر ان موردها العلم بالشرطية أيضا فراجعها مضافا الى ان من راجع الروايات الواردة في هذا المضمار يرى ان جلها لو لم يكن كلها واردة في النسيان فيلحق بها هذه أيضا.

و مما ذكرنا يعلم الحال

في رواية قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه «3»

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 3

(2) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 42- حديث: 2 و باب- 37- حديث: 1 و باب- 7- حديث: 2 و باب- 44- حديث: 1 من أبواب النجاسات و تمام الخبر- من دون التقطيع- موجود في الاستبصار كتاب الطهارة- باب- الرجل يصلى في ثوب فيه نجاسة قبل أن يعلم من أبواب تطهير الثياب و البدن من النجاسات حديث: 13

(3) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 10

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 138

فان المراجع إليها يظهر له انها واردة مورد العالم بالحكم لا الجاهل.

و اما

رواية عمار بن موسى الساباطي و إسحاق بن عمار في رجل يجد

في إنائه فأرة «1»

فالحكم بالإعادة لأجل الوضوء بالماء النجس و احتمال ان يكون فيها فرض مسئلتين إحداهما الوضوء بالماء بالماء النجس و ثانيتهما الصلاة مع الثوب المغسول به مع كون وضوئه صحيحا في غاية البعد بل فاسد.

بل يظهر من بعض الروايات صحة الصلاة مع الجهل بالحكم

كرواية الصيقل و ولده قال: كتبوا الى الرجل جعلنا اللّه فداك انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها و شرائها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا؟

فكتب عليه السلام اجعل ثوبا للصلاة «2» الى آخرها.

ضرورة ان السكوت عن اعادة ما صلوا في الثوب النجس مع الجهل بالحكم الذي هو مورد الرواية كاشف عن صحة ما صلوا حال الجهل بالحكم و توهم انه في مقام بيان الصلوات المستقبلة كما ترى.

الصورة الثانية نسيان الحكم فان كان ناسيا لنجاسة شي ء و صلى فيه فمقتضى أدلة الاشتراط البطلان، لكن مقتضى حكومة دليل الرفع «3» عليها حتى على

قوله عليه السلام: لا صلاة الا بطهور «4»

و

قوله عليه السلام: لا تعاد «5»

بناء على عموم المستثنى هو الصحة، و على فرض اختصاص لا تعاد في المستثنى بالطهارة عن الحدث فعمومه

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 4- من أبواب الماء المطلق حديث: 1

(2) الوسائل كتاب التجارة باب- 38- من أبواب ما يكتسب به حديث: 4

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 1- من أبواب الوضوء

حديث: 1

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 139

أيضا يقتضي الصحة، و مما ذكرنا يظهر الكلام في نسيان الشرطية.

ثم اعلم ان ما يمنعنا عن القول بعموم مستثنى لا تعاد للطهارة عن الخبث هو عدم وجدان من يوافقنا من الأعلام، و أهمية الطهارة عن الحدث في الشرع و ارتكاز المتشرعة دون الطهارة عن الخبث التي يسامح فيها حتى انه يجوز إيجاد ما يوجب الشك فيها.

و اما في صورة الجهل بالحكم اى حكم الصلاة مع نجاسة البدن أو الثوب و نسيانه، فيوافقنا بعض المحققين و ان اختلفنا معه في كيفية الاستدلال، و دعوى- ان تساوى العالم و الجاهل في الأحكام إجماعي- في غير محلها، لعدم ثبوته، بل عدم ثبوت دعواه من أصحابنا المتقدمين.

نعم ان ببالي أنه نقل عدم الخلاف من بعض المتأخرين في مفتاح الكرامة، ثم استدل عليه بما لا يخفى على الناظر، و اما صاحب الجواهر الذي هو لسان المشهور فقال: انه قد صرح بعضهم بالبطلان في مورد الجهل بالحكم و تمسك بإطلاق النص و الفتوى، فالحكم كما ترى لم يثبت فيه إجماع أو شهرة معتمدة، و ما- في مفتاح الكرامة من قوله: ظاهر إطلاق الإجماعات و الاخبار عدم الفرق بين العالم و الجاهل، بل الظاهر انعقاد إجماعهم على مساواة الجاهل بالحكم مع العالم به- ففيه اشكال، بل القدر المتيقن منها غير ما ذكر، بل لو انعقد الإجماع في خصوص المسألة التي لها عندهم مبان عقلية و اجتهادية، لا يمكن إثبات الإجماع المفيد فيها.

و اما الاخبار فقد عرفت الكلام في بعضها، و هنا بعض أخبار في أبواب مختلفة ربما يدعى إطلاقها لكن الناظر إليها لا يطمئن بالإطلاق

بعد كونها في مقام بيان أحكام أخر، فراجع بعض ما ورد في الدم، و تأمل فيها حتى يتضح لك عدم الإطلاق.

الثالثة إذا أخل بها مع الجهل بالموضوع فصلى في النجس و بعد الفراغ علم بالنجاسة فهل تصح مطلقا أو لا مطلقا أو تفصيل بين النظر و الفحص قبل الصلاة و

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 140

عدمه أو تفصيل بين العلم بالنجاسة في الوقت و العلم بها في خارجه وجوه.

اما الصحة مطلقا فمضافا إلى أنها مقتضى قاعدة الطهارة و سائر القواعد المشار إليها، تدل عليها جملة كثيرة من الروايات.

و في قبالها روايات منها ما تدل على البطلان مطلقا

كموثقة أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: علم به أو لم يعلم فعليه (الإعادة) إعادة الصلاة إذا علم «1»

و

صحيحة وهب بن عبد ربه عن ابى عبد اللّه عليه السلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك، قال: يعيد إذا لم يكن علم «2».

لكنهما- مع عدم العامل بهما و لهذا اضطر شيخ الطائفة إلى حملها على النسيان و هو كما ترى و مع احتمال ان يكون قوله في الموثقة: علم به أو لم يعلم استفهاما و استفسارا عن الواقعة، و قوله: فعليه الإعادة جواب الشرط المتأخر، فتكون موافقة لسائر الروايات، و هذا الاحتمال و ان كان بعيدا عن الأذهان لكن ليس بذلك البعد عند التأمل، و من المؤسف أن الروايات الواردة عنهم عليهم السلام لم تقرء علينا، و كثيرا ما يتفق الاشتباه من أجل اختلاف القراءة، و في المورد كان يمكن ان يستفاد من كيفية

تكلمه انه هل كان في مقام الاستفهام أولا، و لا يخفى ان الظن الحاصل من غير ظهور الكلام ليس بحجة، و عن بعض نسخ التهذيب لا يعيد إذا لم يكن علم بدل يعيد في الصحيحة، و عليه فتسقط عن الحجية في نفسها، و ان كان ذلك بعيدا بعد حمل شيخ الطائفة الرواية على النسيان، و لعل ما في التهذيب من زيادة بعض الفقهاء و المحدثين باجتهاده و لم يكن اختلاف في النسخ- لا تعارضان سائر الروايات المشهورة المستفيضة المعمول بها بل مقتضى الجمع العرفي حملهما على استحباب الإعادة فإن تلك الروايات المعارضة لهما نصوص في عدم وجوب الإعادة و عدم البطلان، و هما ظاهرتان في

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 9

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 8

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 141

وجوبها الملازم للبطلان، و مقتضى حمل الظاهر على النص استحباب الإعادة مع صحة الصلاة و ان لا يخلو من اشكال أيضا.

بل لقائل أن يقول: ان رواية أبي بصير تدل على الاستحباب في نفسها، و حملها على وجوب الإعادة غير صحيح من وجهين.

أحدهما ان قوله: عليه الإعادة الظاهر في ان الاعتبار فيها كونها على عهدة المكلف، كما في أمثال ذلك كقوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1»،

و قد ورد فيه ان دين اللّه أحق بالقضاء [1]،

و اعتبار الدين باعتبار ذلك التركيب الوارد في الكتاب، فمع اعتبار العهدة و الدينية لا يصح تعليقه على الشرط، فان حصول الدين من أول وقوع الخلل لا بعد العلم بالواقعة.

و ثانيهما ان الظاهر- من قوله: عليه الإعادة- أن ما في ذمته و على عهدته

عنوان الإعادة بنفسها، مع انه على فرض الخلل الموجب للبطلان لا يكون على عهدته إعادتها، بل نفس الصلاة المجعولة لكافة الناس، فاذا كان في الحمل على الوجوب محذور فلا بد من حمله على الاستحباب، و لا مانع من كون الاستحباب عند العلم بالواقعة و على عنوان الإعادة كالمعادة في بعض الموارد، كما لا مانع من اعتبار العهدة في المسنون كما ورد في غسل الجمعة «3»، و كيف كان و الروايتان لا تعارضان الروايات الكثيرة

______________________________

[1] دلت الروايات الكثيرة على ان الصلاة و الحج من الدين، و أن الإتيان بها- عن النفس أو الغير، حيا كان الغير أم ميتا- من قبيل قضاء الدين. و هذا ورد في قصة الخثعمية لما سألت رسول اللّه (ص) قالت له: ان أبى أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج، ان حججت عنه ينفعه ذلك؟ فقال (ص) لها: أ رأيت لو كان على أبيك دين فقضيتنيه ينفعه ذلك؟

قالت: نعم. قال (ص): فدين اللّه أحق بالقضاء. و تجد بعض ذلك في مستدرك الوسائل- باب- 18- من أبواب وجوب الحج و شرائطه. و كنز العمال- ج- 3- صفحة: 24 و 56

______________________________

(1) سورة آل عمران- آية- 97-

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 3- من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 142

الدالة على عدم لزوم الإعادة بل الظاهر من بعضها عدم لزوم الإعادة في الوقت أو المتيقن منه ذلك.

و قد يقال بالجمع بينهما و بين سائر الروايات بحملهما على وجوب الإعادة في الوقت، و حمل غيرهما على عدم وجوب الإعادة في خارجه، و هذا بظاهره في غاية السقوط، لان هذا النحو من الجمع ليس بعقلائى و لا شاهد عليه.

و يمكن

تقريب هذا القول بان ما في موثقة ابى بصير من قوله: علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة إلى آخرها بعد كون المتيقن من إخلال العالم بالنجاسة الصلاة في النجس نسيانا لبعد الإتيان بالخلل عمد أو علما فيه شهادة على ان الجاهل شريك مع الناسي في الحكم، و الناسي تجب عليه الإعادة في الوقت دون خارجه فكذا الجاهل، و بعبارة اخرى ان ذكر الناسي و الجاهل معا في الحكم قرينة على التفصيل بين الوقت و خارجه، فيتقيد به سائر الروايات فتصير النتيجة من مجموعها التفصيل المذكور.

و فيه ان تقييل بعض فقرأت الحديث بالدليل المنفصل لا يصلح للقرينية حتى يكون شاهدا على أن المراد بالفقرة الأخرى أيضا ذلك، فقوله (ع): علم به أو لم يعلم مطلق و انما ورد التقييد بالنسبة إلى العالم الناسي، و ليس ذلك قرينة بوجه على ان يراد من غير العالم ما يراد من الناسي فلا وجاهة لهذا الجمع رأسا، بل المتفاهم من بعض الروايات المقابلة لها عدم وجوب الإعادة في الوقت، بل على ما ذكرناه سابقا من ان قوله: لا يعيد و يعيد مع الغض عن القرائن كناية عن البطلان و عدمه لا وجه لهذا التفصيل بوجه.

و اما التفصيل بين النظر و الفحص و عدمه و انه مع عدم النظر تجب الإعادة، فعلى مقتضى القواعد مع الغض عن الاخبار الخاصة لا وجه له، لإطلاق دليل قاعدة الطهارة و هو

قوله (ع): كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر «1»

على ما تقدم تقريبه،

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 143

و إطلاق دليل لا تعاد «1»، و حديث الرفع «2»، و قد ذكرنا في

ما سلف ان كل واحدة من تلك الأدلة حاكمة على أدلة الاشتراط و مقتضية للاجزاء و الصحة واقعا.

فالقول- بان القواعد الظاهرية انما تقتضي جواز الدخول في الصلاة و لا ينافي ذلك لزوم الإعادة في صورة كشف الخلاف مع عدم الفحص و ان عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية لا دليل عليه الا الإجماع و هو لا يقتضي عدم الإعادة مع عدم الفحص كما ان أدلة الباب محمولة على عدم إمكان الفحص بلا مشقة- غير وجيه.

اما قوله: ان دليل عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية لا دليل عليه الا الإجماع، ففيه ان الدليل إطلاق تلك الأدلة المتقدمة آنفا، و اما قوله إن الإجماع على عدم لزوم الفحص لا يقتضي عدم الإعادة مع عدم الفحص، ففيه ما أشرنا إليه من اقتضاء تلك الأدلة عدم الإعادة مطلقا، و أما دعوى ان اخبار الباب محمولة على عدم إمكان الفحص بلا مشقة، ففيها ما لا يخفى، فإن صحيحة عبد اللّه بن سنان «3» الاتية و غيرها واردة في مورد إمكان الفحص بلا مشقة، بل صحيحة زرارة «4» صريحة في ذلك، و سيأتي الكلام فيها.

و كيف كان لا إشكال في ان مقتضى القاعدة صحة الصلاة سواء تفحص أم لا.

و اما الروايات الواردة في الباب، فمنها رواية ميمون الصيقل، و الظاهر ان مرسلة الفقيه «5» ناظرة إليها.

رواها في الكافي و التهذيبين عن ميمون الصيقل عن ابى عبد اللّه (ع) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة، فقال: الحمد للّه الذي لم يدع شيئا الأولة حد، ان كان حين قام نظر

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب-

37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 5

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 1

(5) الوسائل كتاب الطهارة باب- 41- من أبواب النجاسات حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 144

و لم ير شيئا فلا اعادة عليه، و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة «1».

استدل بها على لزوم الإعادة مع عدم النظر، و قيل: ان الجمع بينها و بين سائر الروايات بالإطلاق و التقييد، بل المورد من أهون موارد التصرف في المطلق.

و فيه مع الغض عن ضعف سندها، و كونها مخالفة للمشهور، ان الاستناد إليها للزوم النظر مطلقا كما هو المدعى محل إشكال، فإن من المحتمل قريبا ان يكون موردها ما إذا قامت قرينة أو امارة عقلائية على تنجس الثوب، فان الثوب الذي لبسه المحتلم في النوم تسرى إليه الجنابة عادة و نوعا. سيما مع ملاحظة محيط صدور الرواية من كون عادتهم النوم في لباس واحد كالقميص الطويل أو مع سربال، و لا شبهة في ان الاحتلام فيه يوجب تنجسه مع دفقه الملازم له، فالمورد مما قامت الامارة على التلوث، فاذا نظر و لم ير شيئا علم بتخلف الامارة، و لا إشكال في لزوم الفحص في هذا المورد، و هو غير ما راموا الاستفادة منها، فكان المورد ما إذا قام و لم ينظر مع قيام الامارة على التنجس و صلى غفلة أو نسيانا أو مسامحة، و في الفرض لا بد من الإعادة.

و اما ما قيل من الجمع بينها و بين الروايات بالتقييد، ففيه ان هذه الرواية مع الغض عما ذكرنا معارضة لصحيحة ابن سنان و نحوها بالتباين.

ضرورة ان موضوع تلك الروايات

عدم العلم،

ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يصلى و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته، قال: ان كان لم يعلم فلا يعيد، «2»

و قريب منها غيرها، مما هو ظاهر في ان تمام المناط و الموضوع لعدم الإعادة هو عدم العلم.

و الموضوع في هذه الرواية هو العلم أو الاطمئنان بالعدم، ضرورة أن الناظر و المتفحص عن ثوبه الذي أجنب فيه حين قام أو حين قام إلى الصلاة كما في نسخة يقطع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 41- من أبواب النجاسات حديث: 3

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 5 و في التهذيب رواها عن عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 145

أو يطمئن بعد فحصة بعدم وجود الجنابة في ثوبه، فإن للجنابة أثرا ظاهرا حتى بعد اليبوسة و مضى زمان عليها، فالطلب و الفحص ملازم للعلم أو الاطمئنان بعدمه.

و من المعلوم انه عند العرف يكون بين الاعتبارين تعارض و تناقض، و ان فرض عدم التناقض عقلا و بدقة عقلية، بأن يقال: عدم العلم أعم من العلم بالعدم، و الميزان في التنافي هو العرف، و بما ذكر يظهر الكلام في مرسلة الفقيه «1» لو كانت غير تلك الرواية.

و العمدة في الباب

صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه (ع) قال: ذكر المنى فشدده و جعله أشد من البول، ثم قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثم صليت فيه، ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك، و كذلك البول «2».

وجه الاستدلال

مفهوم الشرطية الثانية و هو لزوم الإعادة مع ترك النظر و الفحص (أقول): لو فرضنا ان الشرطية الثانية جملة مستقلة لها مفهوم كما هو مبني الاستدلال بها، فان بنينا على الجمود على لفظ الرواية الواردة فيها، نقول: ان مفهوم الجملة الاولى انه ان لم تر المنى قبل ذلك فلا اعادة عليك، سواء كان عدم الرؤية بعد الفحص و النظر أم لا، و مفهوم الجملة الثانية لزوم الإعادة على فرض ترك النظر و الفحص، فيتقيد به مفهوم الجملة الأولى، لكن يرد عليها ما يرد على رواية ميمون «3» من معارضتها لصحيحة ابن سنان «4» و ابى بصير «5» حيث، علق عدم الإعادة فيها على عدم العلم بالنجاسة، و في هذه الصحيحة علق على النظر و الفحص الملازم للعلم بعدمها، فيتعارضان، و الترجيح لتلك الروايات الموافقة للشهرة و القواعد، هذا

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 41- من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 41- من أبواب النجاسات حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 41- من أبواب النجاسات حديث: 3.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث 3.

(5) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 146

مع الجمود على لفظ الرواية.

لكن لا ينبغي الإشكال في أن قوله عليه السلام: ان رأيت المني، لا يراد به تعليق الحكم على خصوص الرؤية في قبال العلم الحاصل بغيرها، بل ذكر الرؤية لأجل حصول العلم نوعا بواسطتها في مثل الموضوع، فالحكم معلق على العلم و الرؤية وسيلة لذلك، ففي الصدر علق الحكم على العلم، و مفهومه انه لو لم يعلم بوجود المنى فلا اعادة، و هو يناقض الجملة الثانية التي علق

فيها الحكم بعدم الإعادة على العلم بالعدم الحاصل بالنظر و الفحص، فيقع التعارض بين الصدر و الذيل، و الترجيح للصدر بالشهرة و موافقة القواعد الحاكمة على أدلة اعتبار الشروط هذا.

لكن فرض الجملة الثانية مستقلة مخالف لفهم العقلاء، فان الظاهر من مثل المقام ان الجملة الثانية اتى بها لبيان أحد مصاديق المفهوم المستفاد من الصدر، فقوله:

إن رأيت المني في ثوبك، مفهومه ان لم تر، و هو أعم من عدم الرؤية مع الفحص و عدمه، و الجملة الثانية اتى بها لذكر أحد المصداقين المستفاد من الجملة الاولى و على ذلك فلا مفهوم للشرطية الثانية و بقي مفهوم الشرطية الأولى على إطلاقه.

هذا كله مع ان

صحيحة زرارة الطويلة تدل على عدم وجوب النظر و الفحص فان فيها قلت: فهل على ان شككت في انه أصابه شي ء ان انظر فيه قال لا و لكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك «1» الحديث،

و بما ان النظر و الفحص لا يجب نفسيا بلا شبهة، يكون نظر السائل و المجيب الى لزومه و عدمه في تحصيل شرط الصلاة، فكان السائل لما علم باشتراط الصلاة بطهارة الثوب سئل عن لزوم الفحص لتحصيل العلم بالطهارة الواقعية المشروطة بها الصلاة، فأجاب بعدم لزومه فإن الطهارة الظاهرية كافية في صحة الصلاة واقعا.

فمن تأمل في فقرأت الصحيحة يرى أن الأسئلة كلها تكون حول الحكم الوضعي، أي اشتراط الصلاة بطهارة الثوب، و لم يبق له شك في ان المراد بتلك الفقرة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 147

أيضا ليس الا السؤال عن صحة الصلاة مع الشك، فدلالتها على صحتها مما لا ينبغي الإشكال فيه و

لا تحتاج الى التشبث بما في كلمات المحققين فتحصل مما مر عدم صحة التفصيل بين الفحص و عدمه.

الرابعة لو علم بالنجاسة في الأثناء، فتارة يعلم حدوثها في الحال كما لو رعف أو عرض له نجاسة أخرى، و اخرى يعلم بوجودها من أول الصلاة أو في بعض الركعات السابقة، و ثالثة يعلم بأصل النجاسة، لكن يشك في زمان العروض و أنها هل كانت من أول الأمر أو أنها عرضت في الأثناء قبل الحالة الفعلية أو في هذه الحالة، و على اى حال قد يكون العروض في سعة الوقت، و قد يكون في ضيقه، و على الثاني قد يمكن مع التبديل أو التطهير إدراك ركعة منها في الوقت و قد لا يمكن.

مقتضى اشتراط الصلاة بالطهور هو البطلان في جميع الصور، فإنها مشروطة به في جميع الحالات سواء اشتغل بعمل أم لا كما تقدم الكلام فيه، و مع فقده في حال بطلت لأنه لا صلاة الا بطهور، لكن مقتضى أهمية الوقت و ان الصلاة لا تترك بحال صحتها في الفرض الأخير.

و اما سائر الفروض، فان كان المستند للصحة قاعدة الطهارة أو حديث الرفع «1»، فلا يمكن تصحيحها بهما لأنهما لا تصححانها الا حالة الجهل بالنجاسة فتبقى الفترة بين العلم و تحصيل الطهارة تحت قاعدة الاشتراط الا أن يدل دليل على عدم جواز ابطالها حتى في هذه الحالة فإنها على هذا الفرض إذا اشتغل فورا بالتبديل أو التطهير تصح بدليل الاقتضاء أو بحديث رفع الاضطرار «2».

و يمكن القول بصحتها مطلقا و في جميع الصور بدليل لا تعاد «3» بناء على شمولها لمطلق الإخلال إلا صورة الإخلال عن علم و عمد، أي صورة الإخلال بالطهور بلا

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة

باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الجهاد باب- 56- من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 3

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب الصلاة حديث 14 و باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 148

محذور، كمن صلى عالما عامدا في النجس، إذ في الفترة التي اشتغل المصلى بتحصيل الطهور لا يكون التلبس بالنجس عمدا و بلا وجه فليس مثلها خارجا عن إطلاق القاعدة.

و اما الروايات، فجملة وافية منها وردت في عروض الدم في الأثناء،

كصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة، فقال: ان قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته و ان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته «1»

و نحوها أو قريب منها غيرها من الصحاح و غيرها.

لكن في كفاية تلك الروايات الواردة في الرعاف لإثبات الحكم لمطلق النجاسات إشكال، فإن إلغاء الخصوصية عن الدم غير ممكن بعد ما نرى من الخصوصية شرعا لدم الرعاف و نحوه من العفو عن القليل منه و العفو عن دم القروح و الجروح.

و عليه فيحتمل ان يكون الحكم مخصوصا بمثل هذا النحو من الدماء و ان لا يسرى الى سائر النجاسات حتى الى بعض أقسام الدم كالدماء الثلاثة و نحوها مما لا يعفى عنه.

و تشهد لذلك بل تدل عليه

رواية محمد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب على و أنا في الصلاة، قال: ان رأيته و عليك ثوب آخر فاطرحه و صل في غيره الى

ان قال: و ليس ذلك بمنزلة المنى و البول، ثم ذكر المنى فشدده و جعله أشد من البول، ثم قال عليه السلام: ان رأيت المني قبل أو بعد (ما تدخل في الصلاة) فعليك إعادة الصلاة «2» إلى آخرها،

و

صحيحة أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 3- من أبواب ما يقطع الصلاة و ما لا يقطع حديث: 7

(2) الوسائل كتاب الطهارة ذكر صدرها في باب- 20- من أبواب النجاسات حديث: 6 و ذيلها في باب- 41- من أبواب النجاسات حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 149

في رجل صلى في ثوب فيه (نكتة) جنابة ركعتين ثم علم به قال: عليه ان يبتدئ الصلاة «1».

و مقتضى الجمع بينهما و بين تلك الروايات هو التفصيل بين الدم المعفو عنه و سائر النجاسات، بل لرواية محمد بن مسلم نحو حكومة عليها.

لكن مقتضى

صحيحة زرارة الطويلة عدم الفرق بين الدم و سائر النجاسات في البناء على الصحة قال زرارة في الصحيح: قلت (اى لأبي جعفر عليه السلام): أصاب ثوبي دم رعاف (أو غيره) أو شي ء من المنى فعلمت أثره الى ان قال: قلت: ان رأيته في ثوبي و انا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك «2»،

و المقصود ها هنا هو الحكم الأخير، و يأتي الكلام في الجملة السابقة، و دلالتها على البناء في الدماء مطلقا واضحة بناء على نسخة التهذيب بل في مطلق النجاسات بناء

على رجوع ضمير غيره الى الدم لا الى رعاف و لا إلى المنى.

و لا إشكال في إلغاء الخصوصية عن المنى و الدماء و جريان الحكم في مطلق النجاسات، بل بملاحظة التعليل بقوله: فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك يكون العموم أوضح من غير احتياج إلى إلغاء الخصوصية، فإن الظاهر بل الصريح منه ان الحكم بصحة الصلاة من أجل الحكم الظاهري الحاكم على أدلة الاشتراط، و من الواضح عدم الفرق في ذلك بين أنواع النجاسات، كما تدل على عدم إضرار التلبس بها في حال الغسل و التطهير.

بل يستكشف من صحيحة زرارة ان التفصيل- الوارد في الاخبار الواردة في دم

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث 2.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- و- 41- و- 44- من أبواب النجاسات حديث: 1 و باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 2

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 150

الرعاف من غسل الثوب أو تبديله مع إمكانهما بلا حصول المنافيات للصلاة كالالتفات و التكلم و الفعل الماحي للصورة و بطلانها مع عدمه- انما هو لمطلق النجاسات من غير خصوصية للدم، فالتفصيل المذكور مستفاد من مجموع الروايات، بل هو مقتضى ضم أدلة اعتبار الشروط في الصلاة إلى روايات هذا الباب.

كما ان مقتضى تلك الروايات مع الضم إلى قاعدة الطهارة و حديثي لا تعاد «1» و الرفع «2» صحة الصلاة مع الغسل و التبديل في جميع الصور المتقدمة، كصورة حدوث العلم في الأثناء بان النجاسة عارضة من أول الصلاة، و غيرها، ضرورة انه مع تحكيم تلك الأدلة على دليل اشتراط الطهارة تكون صلاته الى زمان العلم صحيحة واقعا، من غير فرق بين الطهارة الواقعية و الظاهرية في ذلك كما

هو ظاهر، بل تدل على شمول الحكم للنجاسة المصاحبة من أول الأمر صحيحة محمد بن مسلم الاتية.

ثم ان هاهنا روايات منافية لهذا التفصيل (منها)

صحيحة محمد بن مسلم، قال: قلت له: الدم يكون في الثوب على و انا في الصلاة، قال: ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره، و ان لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي ء رأيته أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه. «3»

(و منها)

موثقة داود بن سرحان عن ابى عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلى فأبصر في ثوبه دما قال: يتم «4».

(و منها) ما

عن السرائر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: ان رأيت في ثوبك دما و أنت تصلى و لم تكن رأيته

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 20- من أبواب النجاسات حديث: 6.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 20- من أبواب النجاسات حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 151

قبل ذلك فأتم صلاتك فاذا انصرفت فاغسله، قال: و ان كنت رأيته قبل ان تصلى فلم تغسله ثم رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف و اغسله و أعد صلاتك «1»

دلت هذه الطائفة على صحة الصلاة مع الثوب النجس، اما مع عدم ثوب غيره كما في الصحيحة، أو مطلقا كما في الأخيرتين.

و الجواب اما عن

الاولى فبان الرواية منقولة في الكافي و الاستبصار و الفقيه بما هو الموافق للتفصيل المتقدم، و ذلك بإسقاط الواو و زيادة قوله: و ما كان أقل، و الترجيح للكافي، فتكون الرواية من أدلة القول بالتفصيل، و لو أغمض عنه فلا حجية لها مع اختلاف النقل.

و أما عن الثانية فبان الأمر بالإتمام إطلاق يقيد بما إذا لم يكن بمقدار العفو، و لعل هذا مراد شيخ الطائفة من الحمل على ما دون الدرهم.

و أما عن الثالثة فبأنها مخالفة لجميع الروايات و القواعد، مع انه لا عامل بهما، و لا أظن باحد ان يلتزم بجواز الصلاة في النجس مع إمكان التطهير أو التعويض.

و بإزاء هذه الطائفة طائفة أخرى تدل على بطلان الصلاة من غير تفصيل (منها)

صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: ذكر المنى فشدده و جعله أشد من البول، ثم قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة «2» إلى آخرها

(و منها)

صحيحة أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به، قال عليه السلام: عليه ان يبتدئ الصلاة «3» إلى آخرها

(و منها) صحيحة زرارة «4» و سيأتي الكلام فيها.

و هذه الطائفة ظاهرة في ان الصلاة إذا وقعت مع المنى من أول الأمر و علم به

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 44- من أبواب النجاسات حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 16- من أبواب النجاسات حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 2.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37 و 41 و 44- من أبواب النجاسات حديث: 1 و باب- 42- من أبواب النجاسات حديث:

2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 152

المصلى في الأثناء بطلت و عليه الإعادة، من غير تفصيل بين إمكان التطهير و التبديل و عدمه، اما الثانية فظاهرة كصحيحة زرارة الاتية، و اما الأولى فالظاهر من صدرها و ذيلها ان المنى كان من أول الصلاة مع بعد عروضه في الأثناء جدا.

و الجواب عنهما انهما مطلقتان من حيث إمكان التطهير بلا عروض مانع أو فقد شرط و عدمه، و يمكن تقييدهما بما إذا لم يمكن التطهير فتوافقان للتفصيل المشهور.

و هذا التقييد و ان كان مشكلا من حيث كون قاطبة الروايات المشتملة على التفصيل موضوعها خصوص دم الرعاف أو الدم و من حيث كون التفصيل في مورد عروضه في الأثناء و في مثل ذلك لا يصح التقييد و لا يكون موردا للجمع بالإطلاق و التقييد.

لكن يمكن ان يقال: ان المستفاد من صحيحة زرارة «1» الطويلة ان الحكم بالبناء فيما إذا عرض النجاسة في الأثناء ليس مخصوصا بالدم أو بدم الرعاف و يستكشف منها ان الروايات الواردة في الدم أو دم الرعاف يراد منها مطلق النجاسات و ان ذكر الدم اما من جهة كون السؤال عنه أو لكونه أكثر ابتلاء من غيره فيكون ذكر الدم لمجرد المثال واحد مصاديق النجاسات و كذا الحال فيما ذكر فيه الجنابة و المنى فإنه لا يراد منه خصوصه بل مثال لمطلق النجاسة.

فعلى ذلك يمكن ان يقال: ان

صحيحة محمد بن مسلم- قال: قلت له: الدم يكون في الثوب على و انا في الصلاة، قال: ان رأيت و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره «2»

الظاهرة في أن الدم كان مصاحبا له من أول الصلاة لمكان قوله: يكون على الى آخرها- صالحة لتقييد إطلاق

الروايتين المتقدمتين فان الموضوع في كل منهما مطلق النجاسات بإلغاء الخصوصية عرفا و مورد الحكم فيهما ثبوت النجاسة من أول الصلاة فيحمل إطلاق الروايتين على التقييد في الصحيحة و لزوم الطرح مع الإمكان.

ان قلت: ان صحيحة ابن مسلم المشتملة على التفصيل مخصوصة بالدم المعفو عنه بدليل

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37 و 41 و 44- من أبواب النجاسات حديث: 1.

و باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 20- من أبواب النجاسات حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 153

ذيلها المذكور فيه كونه بمقدار الدرهم أو أقل فلا يصح ان يقال: ان المراد مطلق الدم حتى غير المعفو عنه كي يصح إلغاء الخصوصية و الشمول لسائر النجاسات.

قلت: ان الاختصاص ممنوع و مجرد ورود دليل منفصل على التفصيل بين الدماء لا يوجب القرينية فيما ينفصل، بل مقتضى إطلاق الرواية صدرا و ذيلا ان في مطلق الدماء يجب الطرح و التبديل إلا إذا كان أقل من الدرهم و الدليل المنفصل يخصص خصوص الذيل و بقي الصدر على إطلاقه و به يقيد إطلاق الروايتين كما أشرنا اليه و هذا أسلم من الحمل على كون العلم قبل الدخول و انما دخل فيه نسيانا و غفلة.

ثم ان ما ذكرنا من التقييد في صحيحة ابن مسلم انما يجرى بحسب

رواية التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: ذكر المنى فشدده «1» الى آخرها

و اما بحسب رواية الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام فلا يصح فان روايته عن ابى عبد اللّه عليه السلام مستقلة و اما في الفقيه فعين تلك الرواية مروية في ذيل روايته لحكم الدم و معه

يكون التفصيل بين الدم و المنى ظاهرا و الحمل على عدم إمكان طرح الثوب غير صحيح لكن سند الفقيه اليه غير نقى.

و العمدة في المقام هي

صحيحة زرارة و فيها، قلت: ان رأيته في ثوبي و انا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت و غسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شي ء أوقع عليك فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك «2».

و بإزائها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة التي قالوا فيها: انها مع اغتشاش متنها لا تصلح لمعارضة صحيحة زرارة.

و لا بأس بذكر بعض الإشكالات الواردة فيها، اما صحيحة زرارة الطويلة،

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 16- من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- و- 41- و- 44- من أبواب النجاسات حديث: 1 و باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 154

فان في متنها إشكالات نذكر بعضها (منها) ان فيها قوله: فان ظننت انه قد اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه، قال: تغسله و لا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك، قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا إلى آخرها، و فيه احتمالات لا داعي لذكرها.

لكن يرد عليه ان تمام الموضوع لعدم الإعادة مع فرض أنه صلى في النجس واقعا حال الشك في الطهارة، هو الشك و عدم العلم بالنجاسة، من غير دخالة للعلم بالحالة السابقة، و على هذا كان ينبغي الاستدلال بقاعدة الطهارة لا استصحابها حيث يوهم بل يدل على دخالة العلم بالحالة

السابقة في عدم الإعادة.

و يمكن ان يجاب عنه بان لسان الاستصحاب إبقاء الموضوع الواقعي تعبدا، و مع الحكم بوجود الطهارة الواقعية لا وقع للتشبث بقاعدة الطهارة، و بعبارة اخرى انه تمسك بالأصل الحاكم و لا يجرى معه الأصل المحكوم.

(و منها) ان الإعادة من نقض اليقين باليقين لا بالشك. فكيف استدل بالاستصحاب، و قد أجبنا عنه في محله، و حاصله ان الاشكال يرجع الى ان التعليل لا يناسب لعدم الإعادة، و الجواب ان التعليل راجع الى منشأ عدم الإعادة، اى تحقق شرط المأمور به ظاهرا و صيرورة المأتي به موافقا للمأمور به فراجع.

(و منها) ان التمسك بالاستصحاب في ذيل الرواية ليس كافيا لصحة الصلاة، فإنه إنما يفيد بالنسبة الى حال الجهل، و اما حال الالتفات و العلم و الاشتغال بالتطهير فلا، بل يحتاج الى التماس دليل آخر، و الظاهر من الاستدلال انه كاف لعدم الإعادة و انه تمام المناط له.

مضافا الى انه لم يظهر فرق بين الفرع الذي حكم فيه بالإعادة و هو ما كان النجس مصحوبا من السابق مع جهله به، و الفرع الأخر الذي حكم فيه بعدمها، فان الاستصحاب يجرى فيها و يصححها بالنسبة الى حال الجهل، و قاعدة لا تعاد على ما قررنا جارية فيهما، و الباقي يصح بالطهارة الواقعية.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 155

نعم لو قلنا بعدم جريان لا تعاد يفترق الفرعان، فان في حال الفترة تجري البراءة العقلية و الشرعية في الفرع الثاني، لأن احتمال ان يكون عروض النجاسة في الحال يوجب الشك في تحقق المانع فيجري الأصل بناء على مانعية النجاسة عن الصلاة لا شرطية الطهارة، و اما في الفرع الأول، فلا يمكن التصحيح لان ما ورد من الأدلة

في دم الرعاف مخصوصة بالعروض في الحال، و العروض من الأول فاقد للدليل، و الاستصحاب لا يفيد بالنسبة الى حال الالتفات و التطهير، فأدلة الاشتراط قاضية بالبطلان لفقد الطهور حال الفترة.

ثم ان ورود مثل تلك الإشكالات لا يوجب سقوط الاستدلال بتلك الصحيحة في مورد البحث، و هو التفصيل بين العلم بوجود النجاسة من حال الدخول في الصلاة فتبطل، و بين عروض النجاسة في الأثناء حال الالتفات فتصح، فيغسل النجس و يبنى على الصلاة.

ثم انه يستفاد من هذه الصحيحة حكم فروع ثلاثة، أحدها الدخول مع مصاحبة النجس، ثانيها الشك في العروض من الأول أو في الحال و هما مفروضان فيهما، و ثالثها المستفاد حكمها من الفرع الثاني العروض في الأثناء و هو واضح.

نعم هنا فرع رابع، و هو العروض في الأثناء قبل حال الالتفات، كما لو كان في الركعة الثالثة فعلم بعروضها في الركعة الثانية، و فرع خامس و هو الشك في عروضها في الركعة الثانية مثلا أو في الحال بعد العلم بعدمه من الأول، فهل يلحق الفرعان بالفرع الأول فتبطل، أو بالفرعين الآخرين؟.

إشكال ينشأ من ان

قوله عليه السلام: إذا شككت في موضع منه ثم رأيته «1»

يراد به الشك قبل التلبس بالصلاة؟ فيختص البطلان بما إذا كانت النجاسة من أول الصلاة مع العلم بها في الأثناء، فإن مفاد قوله حينئذ في الشرطية الثانية انه إذا لم يشك

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- و 41- و- 44- من أبواب النجاسات حديث:

1 و باب- 42- حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 156

في الأول و رآها في الأثناء رطبا صحت الصلاة، سواء علم بعروضها في الأثناء بعد دخوله في الصلاة متطهرا، أو شك في عروضها من

الأول أو في الأثناء في الحال أو قبل تلك الحالة، فعلى ذلك يكون قوله (ع): لعله شي ء أوقع عليك لإيجاد الاحتمال بوقوعها في الأثناء من غير فرق بين حال الالتفات و غيره فتصح في جميع الصور إلا صورة العلم في الأثناء بوجود النجاسة من الأول.

أو ان المراد بالشرطية الأولى أعم من الشك في الأول، فكأنه قال: ان شككت في موضوع منه سواء كان الشك قبل التلبس بالصلاة أم كان بعده في الأثناء، و يراد بقوله: ان لم تشك عدم حصوله لا في الأثناء و لا في الأول قبل التلبس، فيكون المراد بقوله: لعله شي ء أوقع عليك إيجاد الاحتمال لخصوص الوقوع في الحال، فحينئذ تبطل الصلاة سواء علم بعروضها من حال التلبس أو في الأثناء قبل حال الالتفات.

ثم ان قوله: إذا شككت في موضع منه يشمل الصورتين، الا ان يقال بانصرافه الى الشك قبل التلبس، فيكون الموضوع للبطلان هو الدخول في الصلاة مع النجاسة و الكشف في الأثناء، و موضوع الصحة هو الدخول متطهرا و ان عرض النجاسة في الأثناء.

نعم قد يختلج بالبال ان قوله عليه السلام: لعله شي ء أوقع عليك، يراد به احتمال العروض في الحال لإيجاد الاحتمال في اندراجه في الروايات الدالة على الصحة مع العروض في الحال، و يأتي الكلام في ذلك، و مع الشك يعمل على طبق القواعد، و قد مر ان مقتضى

لا تعاد الصلاة «1»

الى آخره الصحة كما قد مر بيان حكومته على أدلة الشروط و الموانع حتى على مثل

قوله عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور «2»

هذه حال صحيحة زرارة، و لا إشكال في دلالتها على التفصيل بين ما إذا

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب أفعال

الصلاة حديث: 14

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 157

كانت النجاسة من الأول و بين ما إذا عرضت حال الالتفات، و ان كان بعض الفروع محل اشكال كما مر.

و اما

صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قال: قلت له: الدم يكون في الثوب على «1» الى آخرها،

فلا بد من البحث فيها على رواية التهذيب و على رواية الكافي و غيره، اما على الاولى فلا اغتشاش في متنها، لان قوله: و ما لم تزد، جملة مستقلة غير متعلقة بالجملتين السابقتين عليها، و اشتمالها على ما لا يقول به أحد لا يضر بالاستدلال بالجملة الأولى المستقلة الدالة على ان حكم الدم مع وجود ثوب آخر طرح الثوب و إتمام الصلاة، و الجمل الأخرى أيضا أحكام مستقلة لا تضر على فرض وجود اشكال فيها بالاستدلال بالجملة الاولى، و ما في ذيلها من التفصيل بين مقدار الدرهم و الزائد منه لا يضر به أيضا، فلا اغتشاش في متنها على هذا.

نعم نفس الاختلاف بين التهذيب و غيره في الرواية نحو اغتشاش لا يضر بالاستدلال بما هو متفق فيه على جميع الروايات، لكن قد تقدم ان الرواية في الكافي و الفقيه و الاستبصار على خلاف التهذيب، مع ان الكافي أضبط فتقدم روايته على رواية التهذيب.

و استشكل على روايته أولا بأن الظاهر منها بيان موضوعات ثلاثة لأحكام ثلاثة «الدم القليل» و انه ليس بشي ء «و الدم الكثير» أي أكثر من الدرهم الموجب للبطلان «الدم المساوي للدرهم» ففيه تفصيل و هو أنه يطرح الثوب إذا كان له ثوب آخر، و يصلى فيه و لا يعيد الصلاة إذا كان ثوبه واحدا، و هذا التفصيل مما لا

قائل له كما لا يخفى.

و ثانيا ان الظاهر ان المأخوذ في الشرطية الاولى و الثانية شي ء واحد اى نفس طبيعة الدم و ان القيد اى قوله: ما لم يزد على مقدار الدرهم راجع الى الجملتين، و لازمه الأمر بالطرح في صورة عدم زيادة الدم عن الدرهم، و هو محمول على الاستحباب

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 20- من أبواب النجاسات حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 158

و مبني الاستدلال بالرواية للمطلوب فرض كون الدم كثيرا في الشرطية الاولى و أخذ طبيعة الدم في الشرطية الثانية و رجوع القيد إلى الأخيرة، و هو خلاف الظاهر جدا، و بالجملة الأمر بالطرح محمول على الاستحباب ان كان المراد بما لم يزد على مقدار الدرهم الدم القليل المعفو عنه، و ان أريد به غير المعفو عنه حتى يكون الأمر للوجوب كانت الشرطية الثانية مخالفة للإجماع و الاخبار.

أقول: يمكن ان يقال: ان المأخوذ في الموضوع طبيعة الدم في الشرطيتين و الأمر بالطرح في الأولى للاحتياط و السهولة و عدم الداعي للفحص عن حاله بأنه أقل أو أكثر، فإن الطرح لا مانع منه، فان كان الدم من القسم غير المعفو عنه يكون رافعا للمانع، و ان كان أقل فلا إشكال في طرحه، و القيد راجع الى الجملة الثانية، و لا اشكال فيه، و انما أمره بالفحص عن مقداره مع انحصار الثوب لأن أمره دائر بين المحذورين، فإنه ان كان كثيرا يجب عليه غسله و لا يجوز ادامة الصلاة و ان كان قليلا لا يجوز رفع اليد عنها، و حيث كان غسل الثوب في أثناء الصلاة يوجب ارتكاب المنافيات غالبا، لم يأمر بالغسل مطلقا، بل أمر في الأولى بالطرح لعدم محذور

فيه، و في الثانية بالفحص عن مقداره فان كان قليلا يجب عليه الإتمام بدون الغسل و لا اعادة عليه، و ان كان كثيرا لا يجوز ادامة الصلاة إلا بعد الغسل.

ثم انه على فرض رجوع القيد إلى الجملة الثانية لا يوجب الاضطراب في الذيل سقوط الجملة الأولى عن الاستدلال بها، و مما ذكرنا يندفع الإشكالان، و تكون الجملة الأولى مستقلة قابلة للاستدلال بها على المطلوب.

ثم انه في صحيحة زرارة خص حكم الإعادة بما إذا كان النجس مصاحبا له من الأول، و يحتمل تعميم ذلك لما إذا كان عارضا في الأثناء قبل زمان الرؤية لاحتمال إطلاق قوله: إذا شككت في موضع منه للفرضين و يحتمل عدم هذا التعميم، لكن المتيقن منه الفرض الأول و اما الإطلاق بالنسبة للعروض في حال الرؤية فلا يحتمل، و أما صحيحة محمد بن مسلم فيحتمل اختصاص الحكم فيها بوجود الدم من الأول في

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 159

الثوب، و يحتمل إطلاقه بالنسبة لحدوثه في الأثناء قبل حال الرؤية، كما يحتمل إطلاقه بالنسبة لحدوثه حال الرؤية بدعوى إطلاق قوله: الدم يكون في الثوب على و انا في الصلاة لجميع الفروض و يحتمل إنكار الإطلاق بالنسبة الى الثالث أو بالنسبة إلى الثاني أيضا.

فلو اختص كل من الصحيحتين بالفرض الأول أو عمت كل منهما للثاني وقع التعارض بينهما، بل لو كان صحيحة ابن مسلم عامة لجميع الصور و صحيحة زرارة شاملة للفرضين الأولين فقط لم يصح تقييد صحيحة ابن مسلم بهما، لان الحدوث حال الرؤية فقط فرد نادر جدا، مضافا الى أنه فرد خفي جدا بالنسبة إلى الفرضين فعلى فرض إطلاقهما يقع التعارض بينهما.

و لو عمت صحيحة محمد بن مسلم للفرضين أو الفروض،

و اختصت صحيحة زرارة بالأول، تقيد بها، و يختص البطلان بالمصاحبة من الأول، و تصح في الفرضين الآخرين، و لا اشكال فيه، و لو انعكس بان تعم صحيحة زرارة الفرضين الأولين و تختص صحيحة محمد بالأول، كي تصير نتيجة التقييد الصحة مع المصاحبة من الأول و البطلان مع المصاحبة في الأثناء و لو حال الرؤية، يقع التعارض بينهما لان هذا النحو من التقييد لا يوافقه العقلاء إذ لا يحتمل أن تضر النجاسة في ركعة مثلا و لا تضر بالصحة فيما لو كانت في هذه الركعة و سائر الركعات المتقدمة.

و توهم وقوع ذلك فيما إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الصلاة فإنهما صحيحة بخلاف ما لو علم في الأثناء فاسد، لان فرض عدم العلم مغاير لفرض العلم في الأثناء الذي يوجب فقدان الشرط حال الفترة، و في المقام يشترك الفرضان في العلم في الأثناء و معه لا يحتمل الافتراق، نعم لو فرض ورود نص صحيح صريح في ذلك لا مناص الا التعبد به و هو أمر آخر.

ثم ان الظاهر إطلاق صحيحة زرارة للفرضين، و بعد عدم الإطلاق لصحيحة محمد بن مسلم بالنسبة إلى الفرض الثالث فالتعارض بينهما مما لا اشكال فيه، بل قد عرفت

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 160

وقوع التعارض حتى مع إطلاقها بالنسبة إلى الفرض الثالث فتقدم صحيحة محمد للشهرة و موافقة القواعد لو لم نقل بأن الشهرة توجب سقوط صحيحة زرارة عن الحجية.

بقي شي ء و هو ما لو شك في إطلاق أحدهما و علم بإطلاق الأخر، فهل يعامل معهما معاملة الإطلاق و التقييد، فيقيد المطلق بما شك في إطلاقه، أو ان الجمع بالإطلاق و التقييد موقوف على إحراز كون الدليل مقيدا، فمع

الشك لا يعامل معهما ذلك.

الظاهر لزوم معاملة الإطلاق و التقييد، لان الشك في إطلاق إحديهما مع مع القطع بشمول حالة مساوق للقطع بعدم الحجية في مورد الشك و الحجية في مورد اليقين بالشمول، و مع حجية المطلق المنفصل لا يصح رفع اليد عنه الا بحجة أقوى منها، فيؤخذ بالإطلاق في غير مورد اليقين و يترك الإطلاق في مورده، لأنه أخص منه، و الجمع بينهما عقلائي و ليس في باب الإطلاق و التقييد لفظ يؤخذ بظهوره، بل المناط أن يكون الجمع عقلائيا و في المقام أيضا كذلك فلا تغفل.

الخامسة لو كان الخلل من نسيان في الموضوع بان علم بالنجاسة قبل الصلاة فنسي عنها فصلى صحت صلاته حسب القواعد

لحديث لا تعاد «1»

على ما تقدم من رجحان دخول ذلك في المستثنى منه و لحديث الرفع، «2» و حكومتهما سيما الثاني على أدلة الشروط و الموانع حتى على

قوله عليه السلام: لا صلاة الا بطهور «3»

فراجع.

لكن المشهور بين قدماء أصحابنا البطلان، فيجب عليه الإعادة في الوقت و خارجه، بل لم ينسب الخلاف الا الى الشيخ في الاستبصار الذي لم يقصد من تأليفه الأرفع التنافي بين الاخبار، نعم عن التذكرة نسبة عدم الإعادة مطلقا إليه في بعض أقواله.

و تدل على البطلان مطلقا الأخبار المستفيضة في الاستنجاء، و لما كان من

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2

(3) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 161

المحتمل الفرق بين الاستنجاء و بين غيره من النجاسات كما احتمله بعضهم، لاختصاصه ببعض الأحكام دون غيره، كالاجتزاء بالأحجار في تطهير محل

النجو، و كطهارة غسالة البول لا بأس بالبحث عن الاخبار الواردة فيه مستقلا و تدل على البطلان أيضا أخبار واردة في غير الاستنجاء

كصحيحة زرارة المتقدمة قال: قلت له:

أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منى فعلمت أثره الى ان أصيب له الماء و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم انى ذكرت بعد ذلك، قال:

تعيد الصلاة و تغسله الى آخرها، «1»

و

كصحيحة أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم، فلا اعادة عليه، و ان هو علم قبل ان يصلى فنسي و صلى فيه فعليه الإعادة، «2»

و

كموثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلى، قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشي ء إذا كان في ثوبه، عقوبة لنسيانه «3»

الى غير ذلك.

و في مقابل هذه الروايات

صحيحة العلاء عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلي فيه، ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة، قال: لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت له «4»

قد يقال بان مقتضى الجمع بينها و بين ما تقدمت حمل تلك الاخبار على الاستحباب، فإنها ظاهرة في وجوب الإعادة، و هذه صريحة في الصحة و فيه انه لو قلنا بجواز الجمع كذلك في غير المقام لا يصح هاهنا لمنافاة الاستحباب مع ما صرح به في موثقة سماعة، ضرورة أن الأمر بالإعادة عقوبة لا يجتمع مع الاستحباب

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- و- 41- و- 44- من أبواب النجاسات حديث: 1 و

باب باب- 42- حديث: 2

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 7

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 5

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 3

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 162

الذي مقتضاه جواز الترك و جواز الإتيان التماسا للثواب و هو واضح.

و يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الآمرة بالإعادة على ما إذا صلى و في ثوبه أعيان النجاسات كما هو مفاد تلك الاخبار، اما ما اشتمل على حكم الدم و المنى منها فظاهر، و اما ما اشتمل على اصابة البول بفخذه

كصحيحة ابن مسكان «1» و غيرها فلان البول ليس كالماء بحيث لا يبقى له عند ما ييبس اثر و لو ضعيفا، فان له غلظة ما و لونا و ريحا فيبقى أثره في البدن و الثوب،

و اما صحيحة العلاء فالظاهر ان السؤال عن الثوب المتنجس بالملاقاة مع النجس و الغالب في الملاقاة عدم انتقال العين و الأثر إلى الملاقي.

و تؤيد صحيحة العلاء

بصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر ذلك و هو في صلاته كيف يصنع، قال: ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه الا ان يكون فيه اثر فيغسله «2»

فان الظاهر منها انه مع دخوله في الصلاة يصح صلاته و لو كان أثر الملاقاة مع الرطوبة باقيا بحاله إلى حين الذكر، غاية الأمر يقيد إطلاقه بما دل على لزوم الغسل ثم البناء على الصلاة و في هذه الرواية كلام سيأتي ان شاء اللّه. هذا غاية ما يقال في هذا

التفصيل.

لكنه مشكل لأن إطلاق رواية العلاء «3» يشمل ما إذا كان المتنجس مصاحبا لعين النجاسة، فإن الثوب إذا لاقى دما رطبا يصدق أنه أصابه الشي ء ينجسه سواء كان معه العين أم لا، مضافا الى ان البول بعد يبسه ليس مما يبقى له اثر مطلقا، بل قد يكون و قد لا يكون، و مقتضى إطلاق الرواية عدم الفرق، فهذا التفصيل مع عدم قائل به ظاهرا غير وجيه.

و يمكن ان يقال في الجمع بين الروايات بأن رواية العلاء صريحة مع التأكيدات الواردة فيها في أن صلاته صحيحة، و الروايات المقابلة لصحيحة العلاء

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 13- من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 163

الوارد فيها لفظ يعيد و عليه الإعادة ظاهرة في بطلانها، لما أشرنا إليه من ان الأمر بالإعادة إرشاد إلى البطلان، لكن موثقة سماعة «1» قرينة على ان الإعادة واجبة للعقوبة على عدم اهتمامه بطهارة الثوب، فاذا ضمت هذه الرواية إلى رواية العلاء الصريحة في الصحة ينتج أنها صحيحة و مع ذلك يجب إعادتها لكي يهتم بشروط الصلاة، فتحمل الروايات المذكور فيها الأمر بالإعادة على لزوم الإعادة بعنوانها «2».

و بعبارة اخرى، ان الحمل على الإرشاد انما هو مع فقد القرينة، و أما مع قيامها فتحمل الأوامر المتعلقة بعنوان الإعادة على ظاهرها و على ان الإعادة واجبة نفسا للعقوبة، و تظهر الثمرة بينه و بين الحكم بالبطلان في لزوم القضاء على الولد الأكبر و عدمه، و على ذلك تجب عليه الإعادة وقتا و خارجه، و يوافق المشهور من جهة، لكن في

كون ذلك جمعا عرفيا يقبله العقلاء تأمل بل اشكال و ان كان أقرب مما سبق.

و أبعد من الكل التفصيل بين الوقت و خارجه بحمل ما اشتملت على لزوم الإعادة على لزومها في الوقت و ما قابلها على عدمه في خارجه، بان يقال: ان الاخبار المتعارضة مشتمل بعضها على لفظ الإعادة الظاهر في الإتيان في الوقت و بعضها على نفى الإعادة، و بعد تعارض الطائفتين تقدم أخبار الإعادة للشهرة و نحوها، و بقي حكم خارج الوقت بلا دليل، و مقتضى الأصل عدم القضاء، لأنه بأمر جديد.

و فيه- مضافا الى ان الأمر بالإعادة و كذا نفى وجوبها ظاهر ان في الإرشاد إلى البطلان و عدمه كما تقدم، و عليه فلا معنى للفرق بين الوقت و خارجه، لأنه بعد البطلان لا إشكال في لزوم قضائها، و مضافا الى ان الإعادة ليست ظاهرة فيما ذكر بل أعم، و مقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق بين الوقت و خارجه- ان مقتضى إطلاق بعض الاخبار و ظهور بعض آخر لزوم القضاء خارج الوقت، كذيل

صحيحة محمد بن

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الخلل في الصلاة، در يك جلد، چاپخانه مهر، قم - ايران، اول، ه ق

كتاب الخلل في الصلاة؛ ص: 163

______________________________

(1) الوسائل- كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 5.

(2) الوسائل- كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 7.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 164

مسلم و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه «1»،

فان اعادة الصلوات الكثيرة لا محالة يكون بعضها أو أغلبها خارج الوقت، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الناسي و غيره، لو

لم نقل: انها مختصة بالناسي لأن الخطاب متوجه الى محمد بن مسلم الذي لا يصلى في النجس عمدا و لا جهلا بالحكم و الجهل بالموضوع خارج عنه بالدليل فلا محالة يكون المورد مختصا بالنسيان و يعم الحكم عامة المكلفين إذا قلنا بان الخطاب المتوجه الى مثله يراد به مطلق المكلفين، و كيف كان لا إشكال في الإطلاق و معه لا معنى للأصل.

و أوضح من تلك الصحيحة

رواية على بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟، فقال:

ان كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلى و لا ينقص منها شي ء «2» إلى آخرها،

فإنها ظاهرة بل صريحة في لزوم الإعادة خارج الوقت من وجوه.

و اما ما عن الاستبصار من القول بالتفصيل مستشهدا

بصحيحة على بن مهزيار، قال: كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل، و انه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة، ثم نسي أن يغسله و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى، فأجابه بجواب قرأته بخطه، اما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي ء إلا ما تحقق، فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، فاذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي

فاتته، لان الثوب خلاف الجسد

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 20- من أبواب النجاسات حديث: 6.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 10.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 165

فاعمل على ذلك ان شاء اللّه «1».

ففيه مضافا الى عدم عامل بالتفصيل من قدماء أصحابنا حتى أنه لم يثبت ان الشيخ أيضا عمل به بعد كون الاستبصار معدا للجمع بين الاخبار بأي وجه كان، و بعد كون فتواه في سائر كتبه موافقا للمشهور كما نقل، فتكون الرواية معرضا عنها و غير حجة و مضافا الى كون الرواية مغشوشة متنا من جهات مذكورة و غير مذكورة، بل صدرها مناقضة لذيلها، و الظاهر وقوع السقط و الغلط فيها، بل لا يبعد ان تكون افتراء عليه سلام اللّه عليه، و قول ابن مهزيار قرأته بخطه غير حجة بعد إمكان الشباهة بين الخطوط كثيرا ما، بل الظاهر منها ان النجاسة في الثوب تخالف النجاسة في الجسد حكما، و التأويل بأن المراد من الجسد النجاسة الحالة فيه بالحدث غير مرضى، لان الخباثة و النجاسة المعنويتين لا يعقل حلولهما في الجسد، الا ان يكون المراد بالجسد غير المحسوس و هو كما ترى.

ان رواية تحتاج إلى التأويلات لرفع الإشكالات فيها لا تصلح للتعويل عليها و ارتكاب مخالفة الظواهر بها، هذا مضافا الى عدم إمكان حمل تلك الروايات على نفى القضاء، كصحيحة على بن جعفر في باب الاستنجاء «2». و موثقة الساباطي «3» فراجعها، و هما و ان وردتا في الاستنجاء، لكن سيظهر لك عدم الفرق بين النجاسة الحاصلة منه و بين غيرها من النجاسات.

بل لا يصح هذا الجمع في بعض روايات الباب أيضا مثل صحيحة ابن مسلم «4» و رواية على بن

جعفر «5» المتقدمتين لان حملهما على العامد غير وجيه بل حمل على النادر.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب النجاسات حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 20- من أبواب النجاسات حديث: 6.

(5) الوسائل كتاب الطهارة باب- 40- من أبواب النجاسات حديث: 10

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 166

فتحصل مما مر ان الروايات متعارضة، و الترجيح للروايات الإمرة بالإعادة للشهرة و مخالفة العامة، بل لعدم العامل بهذه الروايات الدالة على الصحة في الطبقة المتقدمة من أصحابنا، فلهذا لا تصل النوبة إلى الترجيح، بل لا حجية لها، لإعراض المشهور عنها.

و اما الروايات الواردة في باب الاستنجاء، فهي أيضا في نفسها متعارضة، بعضها مع بعض بل التعارض فيها من جهات.

فمنها ما تدل على بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من البول نسيانا من دون بطلان الوضوء بذلك،

كصحيحة عمرو بن ابى نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أبول و أتوضأ و انسى استنجائي ثم اذكر بعد ما صليت، قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك و لا تعد وضوئك «1»

و نحوها غيرها.

و منها ما تدل على بطلان الوضوء بتركه أيضا

كموثقة سماعة قال: قال أبو- عبد اللّه عليه السلام: إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت و نسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت فعليك الإعادة، فإن كنت أهرقت الماء فنسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و الصلاة و غسل ذكرك، لان البول (ليس) مثل البراز على نسخة الكافي، «2»

و نحوها في الحكم الثاني رواية أبي بصير و غيرها «3».

و منها

ما تدل على بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من الغائط، كموثقة سماعة المتقدمة «4» آنفا، بناء على ان المراد بقوله: فعليك الإعادة خصوص الصلاة، كما هو المناسب لما عن نسخة من الكافي لأن البول ليس مثل البراز، و اما على سائر النسخ فالمناسب ان يكون الحكم بالإعادة شاملا للوضوء أيضا.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 18- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5:

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 18- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 8.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5:

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 167

و منها ما تدل على عدم بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من البول،

كرواية عمرو بن ابى نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انى صليت فذكرت انى لم اغسل ذكري بعد ما صليت أ فأعيد قال: لا «1»

و نحوها رواية هشام بن سالم «2».

و منها ما تدل على عدم لزوم الإعادة بترك الاستنجاء من الغائط،

كموثقة عمار بن موسى، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لو ان رجلا نسي ان يستنجى من الغائط حتى يصلى لم يعد الصلاة «3»

و نحوها ذيل صحيحة على بن جعفر «4».

و هذه الروايات كما ترى متعارضة بعضها مع بعض و ليس لها جمع عرفي، سواء جعلنا الملاك فيها غير الملاك في الروايات الواردة في النجاسات، أم جعلناه مشتركا مع الملاك في تلك الروايات كما هو التحقيق، و على اى حال الترجيح لروايات الإعادة بالنسبة إلى الصلاة، و لروايات عدم الإعادة بالنسبة إلى الوضوء.

و من المحتمل ان اعادة الوضوء فيما إذا بال و لم يستنج الواردة في الاخبار تكون احتياطا لاحتمال خروج

البول لأجل عدم الاستبراء فان من نسي الاستنجاء من البول فلا محالة بحسب الغالب ينسى الاستبراء أيضا، و مع تركه كان في مظان خروج البول فأمر بالوضوء استحبابا و احتياطا لذلك.

ثم ان مقتضى القاعدة في المقام صحة الصلاة فيما لو تذكر ترك الاستنجاء في الأثناء على حسب ما قدمناه و رجحناه من شمول حديثي الرفع «5» و لا تعاد «6» لحال الجهل و النسيان الى حال الذكر، و في حال الاشتغال بالتطهير يكون مشمولا لحديث رفع الاضطرار «7» على ما مر، و بقية الصلاة واجدة للشرط

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 18- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(6) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1.

(7) الوسائل كتاب الجهاد باب- 56- من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 168

فتصح صلاته.

و تدل عليها

صحيحة على بن جعفر عن موسى بن جعفر عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر ذلك و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل فلينضح ما أصاب من ثوبه الا ان يكون فيه اثر فيغسله «1»

، فان مقتضى إطلاق قوله: فليمض عدم الفرق بين وجود الأثر و عدمه، بل الظاهر ان مفروض السائل الملاقاة مع الرطوبة و لهذا قال: لم يغسله، إذ من المعلوم ان

الملاقاة بلا رطوبة لا يحتاج الى الغسل، فيكون الجواب بالمضي في الصلاة على هذا الفرض، و على ذلك يكون قوله: فلينضح فرضا منه عليه السلام زائدا على سؤال السائل.

و بإزائها

صحيحة أخرى عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته انه لم يستنج من الخلاء، قال: ينصرف و يستنجى من الخلاء و يعيد الصلاة، و ان ذكر و قد فرغ من صلاته اجزأه ذلك و لا اعادة عليه «2»

. و لا يضر بالمطلوب اشتمالها على هذا الذيل الذي لا نقول به:

و يمكن الجمع بينهما بان يقال: ان هذه الصحيحة ظاهرة الدلالة على وجوب الإعادة و بطلان الصلاة، و اما الصحيحة الأولى فليس لها ظهور معتد به في كون الاستثناء من الجملة الثانية، فمن المحتمل ان يكون من الجملتين، فيكون مفادها ان لابس الثوب الملاقي للخنزير إذا دخل في الصلاة فليمض الا ان يكون فيه اثر فيغسله و سكت عن إعادة الصلاة، و دلت الصحيحة الثانية على إعادتها بعد عدم الفرق بين الاستنجاء و غيره، فيكون المحصل من مجموعهما ان من دخل في الصلاة يمضى مع عدم الأثر، و يغسل النجاسة مع الأثر و يعيد صلاته و اللّه العالم.

مسألة لو صلى في المكان الذي لا يجوز له التصرف فيه لغصب أو نحوه أو في لباس كذلك.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 13- من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 10- من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 169

فان كان المستند لاشتراط اباحة المكان و اللباس دليلا لفظيا، كرواية تحف العقول «1»، يكون حالهما كسائر الشرائط، و الكلام فيهما كالكلام في غيرهما

من الخلل من البطلان بالخلل عمدا و عدمه في غيره لدليل الرفع «2» و حديث لا تعاد «3» و لا يأتي في المقام بعض الإشكالات الخاصة ببعض الشروط.

و ان كان المستند الإجماع المدعى، فان كان للإجماع إطلاق يشمل الاعذار، فلا إشكال في البطلان و عدم جواز التمسك بالأدلة العامة، و الا فيؤخذ بالقدر المتيقن منه و هو الخلل عمدا و علما.

و ان كان المستند الدليل العقلي فإن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهى، كما هو الحق المحقق في محله، فمقتضى القاعدة الصحة مطلقا حتى مع العلم و العمد، و قد فرغنا عن دفع الإشكالات التي أوردوها على الجواز، كلزوم كون الموجود الشخصي مأمورا به و منهيا عنه، و محبوبا و مبغوضا، و مقربا و مبعدا، و ذا مصلحة و مفسدة، و قلنا بعدم اللزوم أو عدم المحذور.

و ملخصه بنحو نتيجة البرهان ان الا و أمر و النواهي متعلقة بالطبائع، و لا يعقل تعلقها بلوازم الطبيعة متحدة كانت معها في الخارج أم لا، و الموجود الشخصي الذي هو مجمع العنوانين لا يعقل تعلق الأمر و النهى به للزوم تحصيل الحاصل و الزجر عن الحاصل، فلا يعقل اجتماعهما في الموجود الشخصي، و لا محذور في كون الموجود الشخصي الذي هو مجمع العنوانين محبوبا و مقربا و ذا مصلحة بأحد عنوانيه المنطبق عليه و موجبا لمقابلاتها بعنوانه الأخر، فإن تلك العوارض ليست كالكيفيات العارضة للأجسام مثل البياض و السواد مما لا يمكن اجتماعهما في موضوع واجد بجهتين فراجع التفصيل في محله.

و ان قلنا بعدم جواز الاجتماع فيمكن القول بالصحة أيضا مطلقا على أنحاء

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب مكان المصلى حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة

باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 170

التقريرات المعقولة و غيرها، اما- على ما هو المعقول منها بأن يقال: ان الأمر و النهى و ان تعلقا بالطبائع كما قال به القائل بالجواز، لكن لما كان الأمر بعثا إلى إيجاد الطبيعة في الخارج و النهى زجرا عنها يمتنع اجتماعهما على طبيعتين متصادقتين على موجود شخصي في التحارج، فلا محالة يقع التزاحم بينهما في مقام التعلق فيسقط الأمر لوجود المندوحة و بقي النهى، فالموجود الخارجي أي التصرف في الدار المغصوبة المتحد مع الصلاة مصداق للمنهى عنه لا المأمور به- فيمكن الالتزام بالصحة، لأن هذا القول يشترك مع القول بجواز الاجتماع في جميع المراحل الا مرحلة تعلق الأمر، حيث ان القائل بالاجتماع يقول ببقاء الأمر و النهى على متعلقهما، و القائل بالامتناع ينكر ذلك، و اما ان الموجود الخارجي مصداق حقيقي لكل من العنوانين فمورد موافقتهما، فعلى ذلك يدفع جميع الإشكالات المتقدمة بعين ما قلنا على القول بالاجتماع، فان الجهة المحبوبة و المقربة و الحاملة للمصلحة غير الجهات المقابلة لها، فلا مانع من الصحة حتى عمدا و علما و اما محذور عدم الأمر الذي يمتاز به هذا القول عن القول بجواز الاجتماع، فلا يعتنى به الا على القول بأن الصحة عبارة عن موافقة المأتي به للمأمور به فعلا و هو ضعيف، لما تقرر في باب التزاحم من كفاية سائر الجهات كالرجحان الذاتي و نحوه في الصحة و لا تتوقف على وجود الأمر فعلا.

و أما على التقريب غير المعقول بان يقال: ان الأمر و النهى متعلقان بالإيجاد أو الوجود بالحمل الشائع، و مع

الامتناع يسقط الأمر و بقي النهى، فلان هذا القول مشترك مع القول بالجواز في كون الموجود الخارجي مصداقا للصلاة و الغصب، و العنوانان موجودان بوجود واحد، فيجاب عن الإشكالات بما يجاب به عنها على القول بالاجتماع، و انما يفترق هذا القول عنه في متعلقات الا و أمر و في سقوط الأمر لأجل التزاحم، و قد مر ان الصحة لا تتوقف على الأمر فعلا.

و اما على القول بالامتناع و الالتزام بسراية النهي عن الغصب الى عنوان الصلاة أو الى مصداقها بما هو مصداقها، بان يقال: ان الصلاة في الدار المغصوبة منهي

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 171

عنها بعنوانها، فيمكن القول بالصحة أيضا، بأن يقال: ان المصداق الموجود في الدار الغصبي جامع لجميع الاجزاء و الشرائط المعتبرة في ماهية الصلاة على الفرض، و النهى التحريمي ليس إرشادا إلى البطلان على الفرض، فمع تحقق مصداقها مع جميع ما هو المعتبر فيها لا يعقل عدم الصحة، و اعتبار عدم النهي أو عدم الحرمة على نحو الاشتراط أو جعل المانعية غير ثابت، بل الثابت عدمه.

فالقول بمنافاة الصحة للتحريم لا يرجع الى الاستناد بدليل، فإن المنافاة ان كانت لأجل عدم صدق العبادة و الصلاة على المصداق، ففيه ان كون الموجود مصداقا للصلاة ضروري و كونه عبادة للّه ذاتي له لا يعقل سلبها عنه، فعبادة اللّه تعالى كسائر الموضوعات يمكن ان يتعلق بها الأحكام الخمسة، فالعبادة المحرمة عبادة اللّه كالعبادة الواجبة و المستحبة، فالنهي عنها لو لم يدل على الصحة كما قيل في المعاملات لا يدل على البطلان، لان للبطلان ميزانا لا ينطبق عليه ذلك.

و مما ذكرنا يظهر الجواب عما يقال من انه على وحدة الجهة لا يعقل وجود المصلحة في

الموضوع، فتقديم جانب النهى يكشف عن عدم المصلحة في الموضوع لا تامة و لا غيرها فلا تقع صحيحة، و ذلك لان وجود المصلحة ان كان قيدا للمأمور به فلا كلام، لكن لا دليل عليه، و الا فلا وجه لعدم الصحة و لو كان فيها المفسدة، و اما البطلان من جهة عدم إمكان قصد القربة فلا دليل عليه بل الدليل على خلافه، لان قصد التقرب من قبيل قصد الغايات و لا يتقيد العبادة به كما لا تتقيد بنفس الغايات بل لا يعقل ذلك، بل قصد القربة في العبادات مخصوص بالمتوسطين من أهل العبادة، و اما الكمل و الأولياء فليس إتيانهم بالعبادات لأجل التقرب و قصده الذي يرجع الى نفع و تجارة، فمحرك الأولياء العظام الى عبادته تعالى ادراك عظمته و معرفتهم بمقامه المقدس، فلا يعتبر قصد التقرب في العبادة نحو الشرائط المعتبرة فيها.

و على ما ذكرنا لا يمنع كون المصداق مبغوضا و مبعدا من وقوعه صحيحا، فالعبادة الصحيحة قد توجب استحقاق العقوبة و البعد عن ساحة المولى، نعم لو

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 172

قلنا بان ارتكاز المتشرعة على عدم وقوع العبادة المحرمة و المبعدة و المبغوضة صحيحة كاشف عن اعتبار الشارع الشرطية أو المانعية، فلا بد من القول بالبطلان على هذا الفرض الباطل بل واضح البطلان، دون سائر الفروض.

ثم ان الإجماع الذي ادعى على بطلان الصلاة في الدار المغصوبة قابل للمناقشة فيه، لاحتمال كون المستند في القول بالبطلان الوجوه العقلية كما هي المستشهد بها في لسان الأصحاب، لكن الخروج عما تسالم عليه القوم سلفا و خلفا جرئة على المولى تعالى شأنه.

مسألة لو أخل بستر العورة من غير عمد سواء كان عن سهو أو عن

جهل بالحكم أو عن نسيان أو نحوها و صلى صحت صلاته، لما تقدم من عموم دليل لا تعاد «1» و حديث الرفع «2» بل في المقام كان الأمر أسهل لعدم إطلاق في أدلة اعتبار الستر يشمل تلك الحالات، و المرجع عند الشك في الاعتبار البراءة كما هو المقرر في محله، و لو التفت في الأثناء صحت فيما سبق، لما سبق من دليل لا تعاد على فرض الإطلاق لأدلة الستر و بناء على عدم إطلاقها كما هو الظاهر صحت من غير احتياج اليه، بل يكفي أصل البراءة، و بالنسبة لما بعد حال الالتفات ان تمكن من الستر بادر اليه و صحت لقاعدة البراءة مع الشك في الاعتبار في تلك الفترة التي اشتغل فيها بالتستر.

و لو التفت في الأثناء إلى أنه لا ساتر له، و لم يكن له ساتر طاهر، و لم يمكنه تطهير الساتر النجس لفقد الماء أو ضيق الوقت، فهل يتم صلاته عاريا أو يتستر بالنجس و يتمها فيه، و كذا الحال لو التفت الى ذلك قبل الدخول في الصلاة مع عدم تمكنه مع التطهير لضيق الوقت أو لفقد الماء فهل يصلى عاريا أو في الثوب النجس، مقتضى القاعدة مع الغض عن الأدلة اللفظية بناء على اعتبار الطهور في الصلاة و الستر فيها في عرض واحد بان كان الطهور شرطا للصلاة و الستر شرطا لها أيضا، هو التخيير

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1،

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 173

بين الصلاة في النجس أو عاريا الا مع إحراز أهمية أحدهما أو احتمال أهميته، اما مع إحرازها فظاهر، و أما

مع احتمالها، فلانة يدور الأمر بين التخيير و التعيين، و الأصل العقلي يقتضي العمل على التعيين مع فرض عدم التكليف بالتكرار كما ان الأمر كذلك بلا اشكال.

و أما بناء على اعتبار الطهارة شرطا في الستر و اعتبار الستر شرطا في الصلاة فتارة يكون بنحو التقييد بان اعتبر الستر المتقيد بالطهارة شرطا للصلاة بنحو وحدة المطلوب، و اخرى يكون المعتبر الستر بلا قيد و اعتبر الطهور فيه بنحو تعدد المطلوب.

فعلى الأول يتعين الصلاة عريانا، لان الساتر الكذائي غير مقدور و الصلاة مع الطهور ممكنة بان يصلى عاريا، و على الثاني يتعين الصلاة مع الستر النجس لان الستر ممكن و تحصيل طهارته غير ممكن، و لو شك في أحد الاعتبارات المتقدمة و دار الأمر بين التخيير و بين تعيين ذلك أو ذاك فالظاهر الحكم بالتخيير، لان احتمال التعيين معارض بمثله فيشك في التعيين و الأصل البراءة منه، هذا مع عدم التمكن من التكرار أو عدم التكليف به، و الا فيحتمل القول به، لأن الأمر دائر بين التخيير و تعيين ذلك أو التخيير و تعيين ذاك، و كذا لو شك بين تعيين ذاك أو ذالك وجب التكرار مع الإمكان و يتخير مع عدمه، هذا حال القاعدة مع الغض عن الأدلة مطلقا.

و اما مع النظر إلى أدلة اعتبارهما مع الغض عن الاخبار الواردة في خصوص المسألة، فإن كان لدليل اعتبارهما إطلاق يكون مقتضى القاعدة التخيير لو لم يحرز أو يحتمل أهمية أحدهما بعينه، و الا فيتعين، و ان كان لأحد الدليلين إطلاق يؤخذ به و يعمل على طبقه هذا بحسب التصور.

و اما بحسب الواقع، فلا إشكال في إطلاق أدلة الطهور مثل

قوله عليه السلام

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 174

: لا صلاة الا بطهور «1»

و غيره مما له إطلاق، و اما دليل الستر فلا إطلاق فيه، و ان احتمل الإطلاق في بعض ما ورد في ستر النساء لكنه أيضا محل تأمل، مع ان التعبير بمثل قوله: لا صلاة الا بطهور يكشف عن أهميته و لا أقل من احتمالها، فعلى ذلك يتعين الصلاة عاريا عند الدوران، كما ان مقتضى القاعدة وجوب صلاة المختار من القيام و السجدة و الركوع، لإطلاق أدلتها مع الغض عن الأدلة الواردة في كيفية صلاة العاري.

و اما الاخبار الواردة في المقام، فيقع الكلام فيها تارة من حيث اختلافها في لزوم الإتيان بالصلاة عريانا أو مع الثوب النجس، و اخرى من حيث اختلافها في كيفية صلاة العاري أما الكلام في الجهة الأولى فنقول: تدل على لزوم الصلاة في النجس أخبار صحيحة، كصحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السلام «2»، و صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه عليه السلام «3»، و صحيحة الحلبي عنه «4»، و غيرها، و بإزائها صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام «5» و موثقة سماعة «6»

ففي صحيحة على بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله أ يصلى فيه أو يصلى عاريا، فقال: ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا «7»

و فيها احتمالان أحدهما ان قوله: صلى فيه و لم يصل عريانا يراد به لزوم الصلاة فيه إرشادا إلى اعتبار الستر في هذا الحال و حرمة الصلاة عريانا إرشادا إلى بطلانها كذلك، و على هذا الاحتمال لا يصح

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب-

1- من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 5.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 4- 6.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 1.

(5) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 4.

(6) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 1.

(7) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 5.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 175

الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير بينهما كما ذهب اليه جمع من المتأخرين، لكن على هذا تكون الصحيحة معرضا عنها لأن المسألة بين القدماء و المتأخرين ذات قولين وجوبها عريانا و التخيير بينهما، و اما لزوم الصلاة في الثوب معينا فمخالف للقولين، بل حكى عن بعض انه لعل هذا لم يقل به أحد من الفقهاء.

ثانيهما ان يقال: ان كلا من الصلاة في الثوب و الصلاة عريانا في معرض الحظر و اللزوم أو توهمهما و سؤال على بن جعفر عن الأمرين انما هو لذلك، فلا يدل الأمر مع ذلك على الوجوب المستفاد منه الشرطية و لا النهى على الحرمة المستفاد منها المانعية، فكأنه قال: يجوز الصلاة في الثوب و لا يلزم الإتيان بها عريانا فتدل على التخيير بينهما و الرواية اذن شاهدة للجمع بين الاخبار.

بل على هذا الاحتمال لنا ان نقول: ان شيئا من الروايات لا يدل على الإلزام، أما الطائفة الأولى فلكونها عقيب مظنة الحظر أو توهمه فلا تدل الا على الجواز، و اما الثانية فلكونها عقيب مظنة اللزوم أو توهمه فلا تدل الا على نفيه فيستفاد منهما التخيير الذي ذهب اليه جمع من المحققين.

هذا مضافا الى ما بينا في الهيأة من عدم

دلالتها على الوجوب و الحرمة، و لا على الوجوب التعييني و العيني أو الحرمة كذلك، بل هيئة الأمر موضوعة للبعث و الإغراء إلى المأمور به و هيئة النهي موضوعة للزجر عنه، نظير الإشارة المفهمة للبعث و الزجر، نعم مع فقد القرينة يحكم العقل بلزوم الإتيان عينا و تعيينا في الأوامر و لزوم الترك في النواهي لتمامية الحجة فيهما كما ان الأمر كذلك في الإشارة المفهمة مع عدم الوضع فيها، و على ذلك يكون قيام ادنى قرينة كافيا في الصرف، بل على ذلك لا معارضة بين الطائفتين فإنها موقوفة على الدلالة على التعيين حتى ينفى كل طائفة صاحبها، و مع عدمها لا تتعارضان سيما مع عدم وجود صيغة الأمر فيهما بل هما مشتملتان على الجمل المستقبلة و الماضية مما لا مصير للقول فيها بالدلالة على ما ذكر.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 176

و بعبارة أخرى ما تدل على الصلاة في الثوب النجس لا تدل وضعا الا على البعث إليها، و تدل أيضا على ان الصلاة معه تمام الموضوع لإسقاط أمرها، و ما تدل على الصلاة عاريا في نفسها تدل على ان الصلاة عاريا كذلك، و بعد ضم الطائفتين و العلم بعدم لزوم الجمع كما هو المفروض بل يدل عليه بعض الروايات في الباب أيضا تكون النتيجة التخيير بينهما، و الحاصل ان للقول بالتخيير وجهين، أحدهما دلالة الروايات على الجواز في الطرفين لكون الأوامر و النواهي لا يدلان في المقام الأعلى الرخصة، و ثانيهما عدم دلالة لفظية على التعيين، فلا معارضة بينهما، و مع عدم لزوم الجمع يحكم العقل بالتخيير.

ثم ان الوجه الأول جار في جميع الروايات إلا في رواية الحلبي الآتية «1»، و الثاني لا يجرى

فيها و لا في صحيحة على بن جعفر «2» الناهية عن الصلاة عاريا و الإمرة بالصلاة في الثوب و لا في صحيحة الحلبي «3» الإمرة بالصلاة عاريا و الإمرة بطرح الثوب.

و اما

رواية الحلبي المخالفة للطائفتين قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره، قال: يصلى فيه إذا اضطر اليه «4»

ففيها احتمالان أحدهما ان الصلاة فيه مشروطة بالاضطرار اليه كشدة برد و مرض و نحوهما، فتدل على تعين الصلاة عاريا الا لعارض و تخالف التخيير بينهما، ثانيهما ان المراد ليس الاضطرار الخارجي بل ما هو ناش من قبل التكليف بالصلاة، فكأنه قال: بعد كون الثوب واحدا و كونه مضطرا لإيقاع الصلاة لأنها لا بد منها يصلى فيه فتدل على لزوم الصلاة في الثوب معينا، فإنه مع التخيير لا معنى للاضطرار، و لو كانت الرواية مجملة من هذه الحيثية لكن دلالتها على نفى التخيير مشتركة بينهما، فقامت الحجة الإجمالية على نفيه، لكنها ضعيفه لا تصلح لمعارضة الروايات الصحيحة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- حديث: 7.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 5.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 4.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- حديث: 7.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 177

ثم ان المانع عن القول بالتغيير أمران، أحدهما احتمال ان لا يكون الجمع بما ذكرنا عرفيا و يشبه ان يكون صناعيا، و يرى العرف التعارض بين الطائفتين سيما بين صحيحة على ابن جعفر «1» و صحيحة الحلبي «2» الإمرة بالطرح، و ثانيهما إعراض أصحابنا القدماء عن الطائفة الدالة على الصلاة في الثوب النجس مع اشتمالها على

الصحاح، فلا تصلح للحجية، و القول بالتخيير انما حدث بين المتأخرين من عصر المحقق الى ما بعده حتى ان الحلي الذي لا يعمل بالخبر الواحد الا ما كان قطعيا ترك العمل بتلك الطائفة و افتى بمضمون الطائفة الأخرى على ما حكى عنه، و كيف كان الشهرة بين القدماء ثابتة، بل في الخلاف دعوى الإجماع عليه، فالقول بتعين الصلاة عاريا هو الأقوى الموافق للقواعد كما مر.

و يمكن الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلت على وجوب الصلاة عاريا على ما إذا كان المصلي مأمونا من الناظر المحترم، و حمل ما دلت على الصلاة في الثوب على ما إذا لم يكن كذلك، بدعوى ان محط الروايات في الصلاة عاريا هو الفرض في الفلاة المأمون فيها من الناظر، بخلاف الروايات الأخر.

و فيها ان المتفاهم من الروايات ان فرض الفلاة لأجل فرض عدم إمكان الثوب غير ما عليه و عدم إمكان غسله لفقد الماء مع ان كونه فيها لا يلازم عدم غيره فيها لو لم نقل بان الغالب وجود الرفقة في الاسفار.

أو بدعوى انصراف الدليل المشتمل على الصلاة عاريا عما إذا كان بمحضر من النظار لان إباء النفوس عن ذلك بل قبحه لدى العرف يوجب الانصراف الذي هو بمنزلة التقييد فيقيد بها الإطلاقات الواردة في الصلاة مع الثوب.

و فيها منع الانصراف، و منع القبح في المحيط الذي صدرت فيه الروايات بل القبح و الاستيحاش تجدد بعد تلك العصور و في أقوام أخر، فمن راجع الى ما وردت في آداب الحمام يرى ان الدخول فيه بلا ستر و مئزر كان متعارفا رائجا، مضافا الى

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 5

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من

أبواب النجاسات حديث: 4

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 178

أن اشتمال الرواية الدالة على الصلاة عاريا على الأمر بالجلوس، كما في صحيحة الحلبي «1» و موثقة سماعة «2» على احدى الروايتين يمنع هذا الحمل، لما ورد في باب كيفية الصلاة عاريا ان الجلوس فيما إذا رآه ناظر محترم و القيام عريانا فيما إذا لم يره أحد.

و قد يقال بان التحقيق هو القول بالتخيير واقعا حملا لظاهر كل من الطائفتين على نص الأخرى، إذ كل منهما نص في الرخصة و ظاهر في التعيين، فيؤخذ بالنص من كل منهما و يطرح الظاهر، و اما النهي عن الصلاة عريانا فمحمول على الكراهة جمعا، ثم قال و ان أبيت عن كون هذا جمعا عرفيا، فلا محيص عن التخيير الظاهري بعد وجود النص الصحيح في كلا الطرفين.

أقول بعد الغض عن دعوى الظهور في التعيين كما مر، و بعد الغض عما ذكرنا في كلتا الطائفتين من عدم دلالتهما على اللزوم لمكان كون الأوامر عقيب الحظر: ان هذا النحو من الجمع لو سلم أنه عرفي في سائر الموارد، فلا يكون في المقام كذلك جزما، لمخالفته لصحيحة على بن جعفر «3» و صحيحة الحلبي «4»، فإن النهي عن الصلاة عاريا و الأمر بطرح الثوب و الصلاة عاريا متعارضان عرفا، و لا يصح حمل النهى عن الصلاة عاريا على الكراهة و الأمر بطرح الثوب على الاستحباب، أو النهي عن الصلاة مع الثوب المستفاد من الأمر بالطرح على الكراهة، إذ يلزم على الأول أن تكون الصلاة عاريا مكروهة و مستحبة، و يلزم على الثاني أن تكون الصلاة عاريا مكروهة و مع اللباس مكروهة، و اما التخيير الظاهري فقد عرفت انه مع الشهرة على التعيين الثابتة

في الطبقة المتقدمة لا وجه له، فتحصل مما مر ان الأقوى هو لزوم الصلاة عاريا، مع ان الصلاة عاريا صحت قولا واحدا و المخالف لو كان لا يعتنى به هذا حال أصل الصلاة.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 5

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 179

و اما كيفية الصلاة عريانا ففيها جهات من البحث (الاولى) هل يجب الإتيان بها قائماً مطلقا أو قاعدا كذلك، أو يفصل بين وجود الناظر المحترم فيؤتى بها قاعدا و عدمه فقائما، أو يفصل بين الأمن من الناظر و عدمه كما عن المشهور؟

و الاخبار مختلفة فمنها ما دلت على لزوم الصلاة قائماً

كصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلى، قال: ان أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع و السجود، و ان لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم «1»،

و في ذيل

صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام «و ان كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلد السيف و يصلى قائماً «2»

. و منها ما دلت على لزومها قاعدا

كصحيحة الحلبي المتقدمة و فيها «يتيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا و يصلى فيؤمى إيماء» «3»

و

صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

رجل خرج من سفينة عريانا أو سلبت ثيابه و لم يجد شيئا يصلى فيه، قال: يصلى إيماء،

و إن كانت امرأة جعلت يديها على فرجها، و ان كان رجلا وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيومئان إيماء و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما «4»

و اما

موثقة سماعة «5» ففيها على رواية يصلى قاعدا و على أخرى قائماً

و عليه فتسقط عن الحجية.

و منها ما دلت على التفصيل بين ما إذا كان هناك أحد يراه فيصلي قاعدا و بين ما إذا لم يكن أحد يراه فيصلي قائماً

كصحيحة عبد اللّه بن مسكان عن ابى جعفر عليه- السلام، في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائماً «6»

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 4

(3) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 4.

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 6.

(5) الوسائل كتاب الطهارة باب- 46- من أبواب النجاسات حديث: 1- 3.

(6) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 7.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 180

و

روايته الأخرى عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: يصلى عريانا قائماً ان لم يره أحد، و ان رآه أحد صلى جالسا «1»،

و نحوها روايات آخر.

و يمكن ان يقال: ان ما دلت على الصلاة قائماً فهي على القواعد من اعتبار القيام فيها، و اما ما دلت على الجلوس فلا تدل على اللزوم و لا على التعيين، لما مر من ان الأمر عقيب الحظر أو توهمه لا يدل الا على الجواز، و قد مر عدم الدلالة على التعيين، و

على ذلك لا معارضة بين الطائفتين الأوليتين، و حاصل مفادهما ان التكليف الاولى هو القيام و لكن يجوز عن جلوس، بل لا إشكال في ان الأمر بالجلوس لمراعاة نحو تستر زائدا على ما هو الواجب فان التستر بالمقدار الواجب يحصل بالقيام أيضا، فالأمر بالجلوس ليس تعبدا محضا من غير نظر الى التستر و ليس لأجل الستر اللازم، بل لمراعاة الاستتار زائدا عليه. و يمكن الاستيناس منه لعدم وجوب الجلوس حتى مع وجود الناظر و انما شرع لمراعاة زيادة تستر في الصلاة و ان لم يجب.

ثم على فرض لزوم الجلوس عند وجود الناظر المحترم أو عدم الأمن منه، فهل الصلاة قائماً مشروطة بعدم الناظر أو بالأمن منه، قد يقال: ان مقتضى ظاهر الروايات هو الأول، فان في صحيحة ابن مسكان «2» عن ابى جعفر عليه السلام، و مرسلته «3» عن ابى عبد اللّه عليه السلام المتقدمتين، و

المروي عن الجعفريات بإسناده عن على عليه السلام، انه سئل عن صلاة العريان، فقال: إذا رآه الناس صلى قاعدا و إذا كان لا يراه أحد صلى قائماً «4» الى آخره،

تعليق الحكم على رؤية الناظر و عدمها لا على الأمن منه.

أقول: في صحيحة ابن مسكان «5» التي هي الأصل في المسألة احتمالات،

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 7.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب المصلى حديث: 3.

(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب- 6- من أبواب الستر في الصلاة حديث: 5.

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 7.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 181

أسدها ان الصلاة قائماً مشروطة بعدم

رؤية أحد في جميع الصلاة، و مع عدم هذا الشرط يصلى جالسا.

و سائر الاحتمالات كاحتمال كون كل من الصلاة قائماً و جالسا مشروطة بشرط مقابل لشرط صاحبها، و كاحتمال ان يكون الشرط لقطعات الصلاة و تكون دائرة مداره، فيصلي في صلاة واحدة قائماً و جالسا كرارا حسب وجود الناظر و عدمه الى غير ذلك مرجوحة.

اما مرجوحية اشتراط الجلوس بشرط مقابل لشرط القيام، فلان الظاهر من الصحيحة ان الشرط للقيام لاتكاله في الجلوس بالمفهوم، و الظاهر من المرسلة التي ذكرت فيها الشرطيتان ان الثانية بيان مفهوم الاولى.

و اما مرجوحية اعتبار ان يكون الشرط لقطعات الصلاة، فلان الظاهر من قوله لم يره أحد انه لم يره في صلاته، و لحاظ القطعات خلاف الظاهر، مع ان مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي ذلك، فان الظاهر ان التشريع كذلك لأجل مرجوحية رؤيته كذلك و لو فجأة و بلا توجهه إلى الرائي، و على ذلك يكون شرط جواز الدخول فيها قائماً عدم رؤية أحد إياه في حال من حالات الصلاة، و لازم إحراز الشرط هو الاطمئنان بعدم الرائي، و هذا هو الأمن منه كما عليه المشهور، بل يمكن الاستيناس لذلك بقوله في الصحيحة: حيث لا يراه أحد، بأن يقال: ان المراد منه ان يكون المصلى بحيث لا يراه أحد في صلاته و هو المساوق للأمن من الناظر، و التمسك باستصحاب عدم الرائي في صلاته محل إشكال لأنه من قبيل الاستصحاب التعليقي على وجه و من عدم الإحراز الا بالأصل المثبت على آخر فتدبر.

ثم انه قد يستشكل في الصحيحة التي هي الأصل، بأنها مرسلة لم يذكر فيها الواسطة فان عبد اللّه بن مسكان لم يرو عن أبي جعفر عليه السلام، بل أنكر

بعضهم روايته عن ابى عبد اللّه عليه السلام، أو قيل: انه لم يرو عنه الا حديثا واحدا و انه من احداث أصحاب ابى عبد اللّه عليه السلام، فكيف يروى عن ابى جعفر عليه السلام.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 182

أقول: اما روايته عن ابى عبد اللّه عليه السلام فكثيرة على ما حكى، و كونه من احداث أصحابه لا ينافي رؤيته لأبي جعفر عليه السلام و روايته عنه، إذ على فرض ثبوت كونه من احداث أصحابه فإنما هو في قبال مثل زرارة و أشباهه من الشيوخ مع ان كونه من احداث أصحابه لم يثبت الا بنقل بعض من تأخر عن ذلك العصر و مجرد رؤيته لابيجعفر عليه السلام في مجلس و روايته حديثا عنه لا يستلزم صدق الصحبة حتى يعد من أصحابه، و مع احتمال ملاقاته له و روايته منه لا يجوز رد الصحيحة الظاهرة في الرواية عنه بلا وسط، فطرح أمثالها بمجرد الاحتمال غير صحيح، بل مرسلته أيضا حجة عند من قال بقيام الإجماع على تصحيح ما يصح عن مثله و ان المراد منه الحكم بالصحة من غير نظر الى الواسطة أو تكون المرسلات منه حجة، و ان كان في الدعاوي المذكورة إشكال بل منع.

ثم ان مقتضى صحيحة على بن جعفر «1» المتقدمة، ان تكليفه الإيماء مع الأمن من الناظر حيث أمر بالإيماء قائماً، و هو في مورد الا من كما هو مقتضى الجمع بين الروايات، و هي مقدمة على إطلاق أدلة الاجزاء و الشرائط، و ليس في قبالها إلا

مرسلة أيوب بن نوح عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها و يسجد فيها و يركع

«2»

، و هي غير صالحة لمعارضة تلك الرواية الصحيحة، مع ان الصحيحة موافقة للمشهور، و اما موثقة إسحاق بن عمار «3» الواردة في كيفية جماعة العراة، فهي مخصوصة بموردها، و لا دليل على إلغاء الخصوصية، نعم لو لا الشهرة لم يكن الحكم بالتخيير بين الصلاة قائماً موميا و بين إتمام الركوع و السجود بذلك البعد، لما تقدم من الوجه و ان كان فيه إشكال.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 1

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 51- من أبواب لباس المصلى حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 183

و مقتضى صحيحة زرارة «1» وجوب كون الإيماء بالرأس و عدم الاكتفاء بالإيماء بالحاجب و العين، و مقتضى إطلاق الأدلة كفاية الإيماء بالرأس بأول مرتبة منه، و لا يجب ان يكون الإيماء للسجود اخفض، و لا يثبت الحكم برواية أبي البختري «2» و الجعفريات «3» و ان كان الاعتبار يوافقهما لكن لا اعتبار به في مقابل الإطلاق كما أنه لا اعتبار في مقابل إطلاق الدليل بالوجوه التي تشبث بها بعضهم للزوم الانحناء للركوع بمقدار لا يبدو ما خلفه و لوجوب الجلوس للسجود.

ثم ان مقتضى إطلاق الصحيحتين و غيرهما صحة الصلاة و عدم وجوب الإعادة، فما في موثقة عمار الساباطي «4» من الأمر بالإعادة محمول على الاستحباب لو صح العمل بها و الا كما هو التحقيق لا يثبت الاستحباب بها أيضا.

مسألة ما تقدم من الكلام الى هنا كان كله حول الشروط التي وردت في مورد الإخلال بها النصوص التي كانت بحاجة إلى البحث عنها، و منه يظهر حال الشروط التي لم يرد في مورد

الإخلال بها نص كذلك كجلود الميتة و السباع و الأرنب و الثعلب و ما لا يؤكل لحمه، و كالحرير و الذهب، و كذا البكاء في الصلاة، و القهقهة و التكلم، و كذا التكفير و قول آمين على فرض كونهما من القواطع، و الروايات التي وردت فيها و ان اختلفت في التعبير، لكن كلها مشتركة في الدلالة على اشتراط الثوب أو الصلاة بالخلو عن تلك الأمور.

فالخلل الحاصل من ناحيتها اما ينكشف بعد الصلاة، أو في أثنائها في ضيق الوقت بحيث لو قطعها و أراد الاستيناف مع إحراز الشرط لم يدرك ركعة منها في الوقت، أو ينكشف في سعته.

ففي الصورة الاولى لا ينبغي الإشكال في صحتها، مطلقا من غير فرق بين

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 50- من أبواب لباس المصلى حديث: 6.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 52- من أبواب لباس المصلى حديث: 1.

(3) جامع أحاديث الشيعة باب- 7- من أبواب الستر في الصلاة حديث: 2.

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 45- من أبواب النجاسات حديث: 8.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 184

السهو و النسيان في الحكم و الموضوع و الجهل كذلك و الخطاء و غير ذلك، سوى العمد مع العلم، لحديث الرفع «1» و إطلاق حديث لا تعاد «2» نعم هو منصرف عن الأخير و ان لم يكن في الإطلاق محذور عقلا، و الاشكال بلزوم اللغوية في أدلة الشروط فان الإخلال عن علم و عمد نادر جدا و سائر الحالات داخلة في الدليلين، قد مر دفعه في خلال المباحث المتقدمة، مع ان أدلة اعتبار الشروط، كقوله لا تصل في كذا، و نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن الصلاة في كذا، و لا يحل الصلاة في

كذا، انما وردت لدفع المكلف عن الإتيان بها فيها، و لو لا تلك الأدلة لكان الارتكاب كثيرا جدا، فلا يكون ورود الدليل لغوا، و الندرة الحاصلة منه بعد وروده لا توجب اللغوية.

و في الصورة الثانية لا إشكال في الصحة، ضرورة انه لا يعارض أهمية الوقت شي ء من الشروط، بل الصحة في هذه الحالة لا تحتاج الى دليل الرفع و لا الى لا تعاد، بل لو ضاق الوقت و لم يكن عنده الا اللباس الممنوع فيه الصلاة و لم يمكنه نزعه وجب الإتيان بها فيه، و صحت بلا شبهة فإنها لا تترك بحال.

و اما في الصورة الثالثة، فالإشكال انما هو في الفترة التي تنبه بالواقعة و أراد النزع أو التبديل، فان مقتضى إطلاق دليل الشرط بطلانها، و لا يمكن التصحيح بدليل الرفع و هو واضح، لكن يمكن التشبث بدليل لا تعاد، لما ذكرنا من ان مقتضى إطلاقه الشمول لجميع الحالات حتى مع العمد و العلم، لكنه منصرف عن العمد و العلم بمعنى انه منصرف عما إذا ارتكب المكلف بلا عذر و قام للصلاة في فاقد الشرط، و أما انصرافه عن الفترة المذكورة التي اشتغل فيها المكلف بالنزع و التبديل، فممنوع و مقتضى إطلاقه الصحة.

فإن قلت: ان شموله للعمد يخالف أدلة الاشتراط عقلا، فان اشتراط الصلاة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 37- من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 185

بعدم كون اللباس من الميتة مثلا، ثم الحكم بالصحة في جميع الحالات حتى مع الإخلال عن علم و عمد ينافي الشرطية، فكيف تدعي انه لا مانع منه عقلا و انما المانع الانصراف.

قلت: يمكن ان

يقال: ان مقتضى الجمع بين إطلاق دليل لا تعاد و أدلة الشروط ان للصلاة مرتبتين من المطلوبية، إحداهما ما قامت بالخمسة الواردة في المستثنى، فالصلاة مع الإتيان بالخمسة صلاة صحيحة واجدة للمصلحة الملزمة، ففي هذه المرتبة غير مشروطة بشي ء و الأخرى ما قامت بالخمسة مع الشروط، و لها مع كل شرط مطلوبية، و المطلوب الأعلى ما هو الجامع للشرائط كافة، ففي الحقيقة المرتبة الثانية مشتملة على مطلوبات حسب تعدد الشروط، فمع الإتيان بالخمسة و استيفاء المصلحة الناقصة لا يبقى لاستيفاء المصالح العالية مجال، فإن استيفائها موقوف على الإتيان بها مع الخمسة، و على ذلك فلا مانع عقلا من القول بالصحة حتى مع العمد كما لا يخفى، و لو لا الانصراف لكان الالتزام بما ذكر جمعا بين الأدلة ممكنا، لكن المانع هو الانصراف.

و كيف كان فدليل لا تعاد «1» حاكم على جميع أدلة اعتبار الشروط بألسنتها المختلفة، مثل لا تجوز، و لا تحل، و يحرم، و نهى عن فلان، حتى على مثل

قوله:

عليه السلام الصلاة فاسدة لا يقبل اللّه تلك الصلاة «2»

، فإن العنوانين أيضا كناية أو كاشفة عن فقد الشرط، و الا فنفسهما لا يعقل ان يكونا حكما شرعيا تعبديا، فان الفساد منتزع من عدم الجامعية للشروط و من عدم موافقة المأتي به للمأمور به و لا يكون بنفسه مجعولا، و عدم القبول أيضا مترتب على الفاسد.

و لو توهم ان لا تعاد أيضا كناية عن الصحة بل عن عدم الاشتراط إذ نفي الإعادة ليس بنفسه حكما شرعيا، فمفاده صحة العمل المفهوم منها ان ما أخل به ليس شرطا

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من

أبواب لباس المصلى حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 186

في هذه الحالة، و أدلة الشروط باختلاف تعبيراتها تدل على الاشتراط، و الإثبات و النفي واردان على موضوع واحد، و في مثله لا يكون وجه لحكومة أحدهما على الأخر.

يقال: ان

قوله: لا تعاد الصلاة الا من خمسة «1»

ناظر إلى الأدلة المثبتة للصلاة شيئا شطرا أو شرطا أو قاطعاً و مانعا، كأنه قال: لا تعاد الصلاة من قبل خلل الا من الخلل في الخمسة، و لا إشكال في ان مناط الحكومة موجود فيه، و ليس مفاد لا تعاد لا يشترط في الصلاة كذا، بل مفاده أن الصلاة لا تعاد من قبل ترك شرط أو جزء أو إيجاد مانع أو قاطع فيها عدا الخمسة و لا يكون الإخلال بها مضرابها، و ان كان العقل يحكم بان عدم الإعادة لأجل الصحة و هي لأجل موافقة المأتي به للمأمور به، و لا يعقل ذلك الا مع سقوط الشرط، و كيف كان لا ينبغي التفوه بعدم الحكومة كما هو واضح، و لازمها صحتها مع كل خلل سواء كان من جهة فقد الجزء أو الشرط أو من قبل إيجاد القاطع و المانع في غير حال العمد و العلم الا ان يدل دليل على البطلان.

فرع: لو صلى فيما أخذ من يد المسلم أو سوقه فتبين انه غير المذكى، فالظاهر صحتها، فان المانع اما هي النجاسة الواقعية، فلا إشكال في ان قاعدة الطهارة الجارية في المقام حاكمة على أدلة الاشتراط، فان

قوله عليه السلام: كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر «2»

أعم شامل لمورد الشك و العلم بالخلاف، و هو حاكم على

قوله عليه السلام: لا صلاة الا بطهور «3»

كما قررنا في محله.

أو

اما كونه ميتة فهو أيضا غير مانع، لا لما قيل من ان الأمر الظاهري يفيد الاجزاء كلما ذهب اليه جمع، بل قيل: انه مشهور، فان الأوامر الطريقية لا تفيده سواء كانت الطرق عقلية أم شرعية، كما فيما نحن فيه على فرض أن لا يكون اعتبار يد المسلم و سوقه ببناء العقلاء، فان فرض الطريقية فرض عدم تصرف الشارع الأقدس في الواقعيات و هو ينافي الاجزاء، و دعوى التصرف تنافي الطريقية.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب القبلة حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 4

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 1- من أبواب الوضوء حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 187

و ملخص الكلام ان الروايات في الباب على طوائف، منها ما تدل على عدم جواز الصلاة في الميتة،

كقوله في مرسلة ابن ابى عمير: لا تصل في شي ء منه و لا شسع «1»

و

رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون محض الإسلام، و فيها، و لا يصلى في جلود الميتة، «2»

و منها ما تدل على عدم الجواز و لو دبغ سبعين مرة كما في جملة من الروايات «3» و منها ما تدل على جواز الصلاة فيما يؤخذ من سوق المسلمين، كما في روايات، «4» بل في بعضها التوبيخ على الاحتراز

كقوله عليه السلام: أ ترغب مما كان أبو الحسن عليه السلام يفعله، «5» في رد قول الراوي: إني أضيق من هذا أي الصلاة في النعل المشترى من السوق،

فالطائفتان الأولتان دالتان على اشتراط الصلاة بعدم كونها في الميتة أو على مانعية الميتة، و الطائفة الثالثة تدل على جواز الصلاة فيما يشترى من سوق المسلمين أو من يد المسلم،

و لا إشكال في ان السوق أو اليد طريق إلى إحراز التذكية و لا موضوعية لهما بوجه فمع التخلف تجب الإعادة على القاعدة.

و لا

لموثقة ابن بكير عن ابى عبد اللّه عليه السلام، و فيها فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله الى ان قال: و كل شي ء منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح «6»

، بدعوى ان الجواز الدال على الصحة معلق على العلم بالتذكية، و هو أعم من الموافق للواقع كما انه أعم من العلم الوجداني و الحجة القائمة على الواقع، فمع قيام الحجة عليه صحت الصلاة وافق الواقع أم لا، إذ فيها ان العلم و ما يشبهه مما هي طريق صرف الى الواقعيات لا يحمل على الموضوعية عرفا و عند العقلاء الا بدليل و قرينة، و مع فقدهما لا يفهم منه الا الطريقية، فكأنه

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب لباس المصلى حديث: 6

(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 1- من أبواب لباس المصلى حديث 18

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 61- من أبواب النجاسات حديث: 1

(4) الوسائل كتاب الطهارة باب- 50- من أبواب النجاسات حديث: 2 و 3 و 5

(5) الوسائل كتاب الطهارة باب- 50- من أبواب النجاسات حديث: 9.

(6) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب لباس المصلى حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 188

قال: إذا كان مذكى جاز الصلاة فيه، مع انه في كون العلم أعم من الموافق كلام بل اشكال و منع.

و لا لما دل على

ان بعض الأئمة عليهم السلام كان يلبسه في الصلاة «1»

، بدعوى استبعاد الصلاة فيما هو يبطلها على فرض التخلف، فان عملهم عليهم السلام

على الظواهر كسائر المكلفين، و لعل الوجه فيه البيان العملي على ان الإسلام بنى على التوسعة، كما يشهد به رواية الجبن «2»،

و رواية رشح الماء على فخذه عند ما كان أراد أن يبول «3»

. بل لقاعدة لا تعاد و حديث الرفع، فإنهما تدلان على الصحة بما قررناه كرارا، بل حديث الرفع تدل على الاجزاء في جميع الأبواب مع تخلف الاجتهاد و تبدل الرأي من غير فرق بين عمل المجتهد و المقلد، فان مقتضى القواعد الأولية في باب تبدل الرأي على ما ذكرنا في محله و ان كان هو عدم الإجزاء بالنسبة إلى عمل المقلد مطلقا، و التفصيل بالنسبة إلى إعمال المجتهد بين ما إذا أدى اجتهاده ببركة الأمارات إلى شي ء، و ما إذا أدى نظره لأجل الأصول إلى شي ء بعدم الاجزاء في الأول دون الثاني، لكن دليل الرفع دال على الصحة و الاجزاء مطلقا و في كل الأبواب.

و توهم ان ما لا يعلم عبارة عما لم يقم عليه الحجة، و مع قيامها لا موضوع للحديث، مدفوع أولا بأنه مع استكشاف مخالفتها للواقع لا معنى للحجية، و المفروض استكشافها، و ثانيا بان محط قيام الحجة غير مجرى دليل الرفع، فإن الحجة في المقام مثلا قامت على تحقق التذكية، و دليل الرفع يرفع مانعية الميتة أو شرطية التذكية.

و اما توهم اختصاص دليل الرفع بالشبهات الحكمية، و مع العلم بالحكم أي الشرطية أو المانعية لا وجه لجريان حديث الرفع، مدفوع بما ذكرناه في محله من ان الرفع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 50- من أبواب النجاسات حديث: 1 و 2 و 3.

(2) الوسائل كتاب الأطعمة و الأشربة باب- 61- من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 5.

عن أبى الجارود قال:

سألت أبا جعفر (ع) عن الجبن الى أن قال: و اللّه انى لاعترض السوق فأشترى بها اللحم و السمن و الجبن و اللّه ما أظن كلهم يسمون هذه البر بر و هذه السودان

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 37- من أبواب النجاسات حديث: 5.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 189

بحسب إطلاق دليله يعم الأحكام و الموضوعات المترتب عليها الحكم، و الرفع بالنسبة الى الثاني ادعائي لعدم إمكان رفع الموجود الخارجي تشريعا، فالرفع انما هو بلحاظ الأثر الشرعي أي المانعية أو الشرطية، فلو صلى في جلد الميتة جهلا أو نسيانا أو سهوا ثم علم بذلك كان مقتضى إطلاق دليل الرفع ان هذا الجلد مرفوع ادعاء بلحاظ أثره الشرعي و هو المانعية، فما قد يقال من ان الرفع لا يتعلق بالأعدام أو ان الرفع بلحاظ الصحة عقلي غير وجيه، و يطلب التفصيل من الأصول و لو صلى فيما اشتراه من غير مسلم مما هو محكوم بعدم التذكية جهلا بالحكم أو الموضوع أو نسيانا و نحوها صحت صلاته، لقاعدة لا تعاد و دليل الرفع كما قدمنا، فإن إطلاق دليل المنع محكوم لدليلهما، و اختصاص المانعية أو الشرطية بحال العمد و العلم لا اشكال فيه عقلا، و دعوى الإجماع في الجهل بالحكم لا يثبت بها الإجماع المعتبر فان حكمهم بذلك يمكن ان يكون مبنيا على القاعدة العقلية كما استدلوا بها.

و اما التشبث للبطلان بموثقة ابن بكير، فان مفهوم

قوله: ان علمت أنه ذكي ذكاه الذبح «1»

، انه إذا لم يعلم لا يجوز مطلقا و في جميع الأحوال، فغير وجيه فان فيه مع الإشكال في إطلاق المفهوم فان مقابل المنطوق نفى العموم لا عموم النفي كما حقق في محله، انه على

فرض الإطلاق يكون كسائر الإطلاقات المحكومة لدليل الرفع و قاعدة لا تعاد.

مسألة لو اتى بالسجود و الركوع العرفي و أخل ببعض ما يرتبط بها، كما لو سجد على غير ما يصح السجود عليه، أو ترك وضع بعض السبعة غير الجبهة على الأرض أو ترك الانحناء المعتبر شرعا و اتى بالمقدار العرفي، أو ترك الطمأنينة، فهل صلاته صحيحة لو أخل بما ذكر من غير عمد و علم، أو باطلة مطلقا، أو يفصل بين المذكورات.

و تفصيل الكلام في ذلك ان تلك الأمور يحتمل ان تكون معتبرة في الصلاة و يكون الركوع و السجود محلا لها بمعنى أنها من شروط الصلاة كالستر و القبلة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب لباس المصلى حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 190

و يكون الركوع و السجود مورد الاعتبار لتلك الأمور لا مشروطا بها، و يحتمل ان تكون شروطا لهما كشرطية الطهارة في الصلاة، و لازمه انه لو اتى بهما فاقدا لها لو كان آتيا بهما، و لكن فقدان الشرط أوجب البطلان على القاعدة و يحتمل ان تكون مقومات لهما بمعنى التقييد بها بنحو وحدة المطلوب بحيث لو اتى بهما فاقد إلها لم يأت بهما إلا صورة، فالتارك لها تارك لنفس الموضوع المتقيد لا آت به و تارك لشرطه كما على الاحتمال الثاني.

و لو شك في ان المعتبر اى الاحتمالات، فمع الغض عن الأدلة، ربما يقال: لو تذكر بعد الركوع و قبل الإتيان بركن آخر يجب الاحتياط بالإتيان بركوع آخر و إتمام الصلاة و إعادتها، للعلم الإجمالي بوجوب الركوع و الإتمام أو وجوب الإعادة، فإنه على الفرض الثالث لم يأت به، و على الفرضين الآخرين اتى به، و الشرط

المحتمل مجرى البراءة لاحتمال عدم الاعتبار حال السهو، و لو تذكر بعد ركن آخر يجب الاحتياط بإتمام الصلاة و الإعادة للعلم الإجمالي، و لو تذكر بعد الصلاة لا شي ء عليه، لعدم العلم الإجمالي، و جريان البراءة عن التقييد على الفرض الثالث فان المقام من قبيل الأقل و الأكثر، و البراءة عن الاعتبار على الفرضين الآخرين، لاحتمال الاختصاص بغير حال السهو.

و فيه انه مع جريان البراءة في الأقل و الأكثر لا وجه للتفصيل المذكور بل لا وجه للاحتياط في شي ء من الصور، و مع عدم الجريان و جريان أصل الاشتغال لا بد من الإعادة مطلقا و الاحتياط، و لما كان الأقوى جريان البراءة حتى على الفرض الأخير و كانت الشبهات التي في مثله غير وجيهة كما قلنا في محله يجوز الاكتفاء بالفرد العرفي من الركوع و السجود مطلقا، و العلم الإجمالي المذكور ليس الا العلم التفصيلي بالأقل و الشك في الأكثر، فدعوى العلم الإجمالي فاسدة في مثل المقام هذا مع الغض عن حديث لا تعاد و اما مع لحاظ قاعدة لا تعاد في المقام فعلى الأول تصح بلا ريب فان ترك ما يعتبر في الركوع و السجود جهلا أو سهوا كترك سائر

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 191

الشرائط المعتبرة في الصلاة لا يضربها و ذلك لدليل الرفع و حديث لا تعاد، و المفروض انه آت بهما بما هو المعتبر في الصلاة، و على الثالث حيث يرجع الإخلال بما يعتبر فيها إلى الإخلال بها فتبطل الصلاة لاندراج المورد في مستثنى لا تعاد و أما على الثاني فربما يقال بالبطلان أيضا، لأنه لم يأت بهما بما هو المعتبر في الصلاة، بل قد يقال: ان الظاهر من دليل

لا تعاد ان المستثنى هو الركوع و سجود المعتبران شرعا في الصلاة، و المفروض ان المعتبر هو الجامع للشرائط.

و لكن التحقيق صحتها على الفرض الثاني أيضا بدليل ذيل الحديث الذي هو بمنزلة التعليل، فان قوله عليه السلام: القراءة سنة و التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة، دال على ان السنة أي ما فرضه النبي صلى اللّه عليه و آله و ثبت وجوبه بالسنة لا بالكتاب لا تنقض الفريضة، و من الواضح ان غير أصل الركوع و السجود من الشروط و غيرها لم يثبت وجوبها و شرطيتها بالكتاب و انما ثبتت بالسنة، فلو انتقضت الصلاة بتركها كان من نقض السنة للفريضة و هو يخالف الحديث، بل الظاهر من المستثنى ان ما خرج هو ذات الركوع و السجود لا بما هما مشروطان بالشروط، و بعبارة أخرى لا يعقل ان يحكى عنوان الركوع و السجود عن غيرهما من اللواحق و القيود، فالدلالة على الزائد من ماهيتهما تحتاج إلى القرينة و الدال الأخر، و الحمل على الركوع المتقيد أو المعهود خلاف الظاهر، فالإتيان بذات الركوع و السجود اللذين فرضهما اللّه تعالى موجب للصحة و ان ترك السنة.

ان قلت: ان القرينة على ارادة الركوع و السجود المعتبرين في الصلاة موجودة. و هي وقوعهما في خلال قوله: لا تعاد الصلاة، فإن الظاهر منه انها لا تعاد بالإخلال بشي ء مما اعتبر فيها الا بالركوع و السجود و باقي الخمسة المعتبرة فيها.

قلت: هذا مسلم، لكن الركوع و السجود بنفسهما معتبران فيها، و الشرائط المعتبرة فيهما اعتبارات زائدة، فما قامت عليه القرينة هو ان كلا من الركوع و السجود المعتبرين في الصلاة مستثنى، و اما الشرائط التي لها اعتبارات مستقلة فلا.

كتاب الخلل في

الصلاة، ص: 192

و اما الاحتمال الثالث فمع كونه خلاف ظواهر الأدلة و محتاجا الى دليل خاص يثبته، ينفيه إطلاق دليل لا تعاد، و هو كاشف عن عدم التقييد الكذائي، بل الركوع الذي فرضه اللّه بقوله: ف اركعوا مع الراكعين «1» و السجود المفروض بقوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا «2» و غيرهما هما نفس طبيعتهما لا غير، فالشروط و التقييدات الواردة في السنة لا بد و ان تكون من قبيل الاحتمال الثاني، فإن الاحتمال الأول أيضا ضعيف، حيث ان الراجع الى الروايات الدالة على الشروط يرى ان كلها ظاهرة في اعتبارها في الركوع و السجود.

ان قلت: جملة من الروايات تدل على ان ما هو المعتبر في الصلاة هو الركوع و السجود الجامعان للشرائط،

كموثقة منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انى صليت المكتوبة فنسيت ان اقرء في صلاتى، فقال: أ ليس قد أتممت الركوع و السجود قلت: بلى، قال: قد تمت صلاتك إذا كان نسيانا «3»

و

كرواية الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السلام، انه قال في حديث: فإن نسي القراءة فيها كلها و أتم الركوع و السجود و التكبير لم يكن عليه الإعادة «4»

، و

كرواية فقه الرضا فان نسيت القراءة في صلاتك كلها ثم ذكرت فليس عليك شي ء إذا أتممت الركوع «5»،

فهي كما ترى ظاهرة في ان الركوع و السجود التأمين معتبران في الصلاة و ان من لم يأت بهما تامين بطلت صلاته، فلو كانت صحيحة مع الإتيان بنفسهما ينبغي ان يقول: لو أتيت بهما تمت صلاتك.

______________________________

(1) سورة البقرة- آية- 43.

(2) سورة الحج- آية. 77.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 29- من أبواب القراعة في الصلاة حديث: 2.

(4)

جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 11.

(5) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 193

قلت: مضافا الى ما في اسناد غير الموثقة، ان قوله: أتممت أو أتم يحتمل وجوها، منها الإتيان جامعة للاجزاء أو للاجزاء و الشرائط، و منها الإتيان بهما صحيحة، فإن الإتمام يطلق على الصحيح شائعا، ففي الموثقة أيضا أراد الصحة بقوله: تمت صلاتك، و منها الإتيان بجميع الركوعات و السجدات، فقوله: أتممت اى أتيت بتمام الركوعات المعتبرة في الصلاة.

و لعل المراد الاحتمال الأخير بشهادة جملة من الروايات،

كرواية الحسين ابن حماد عن ابى عبد اللّه عليه السلام و فيها، أسهو (أي عن القراءة) في صلاتى كلها، قال: إذا حفظت الركوع و السجود فقد تمت صلاتك «1»،

و

رواية فقه الرضا، إذا صليت فنسيت ان تقرء فيها شيئا من القرآن أجزئك ذلك إذا حفظت الركوع و السجود «2»،

و الظاهر منها انه إذا علمت بالإتيان بهما أي إذا أتيت بهما، و احتمال ارادة حفظهما عن ترك ما يعتبر فيهما فاسد جدا، بل الاختلاف في روايتي منصور ابن حازم و صاحب فقه الرضا حيث عبر في إحداهما بقوله: أتممت و في الأخرى إذا حفظت يكون شاهدا على وحدة المراد، فيرفع الإجمال عن الطائفة الاولى.

و مع الغض عنه فالاحتمال الثاني لعله أقرب أو المساوي، و على هذا الاحتمال يدل على صحتهما مع فقد الشرائط عن عذر حديثي لا تعاد و الرفع، و مع الغض عنه فالاحتمالات موجبة للإجمال الموجب لعدم الحجية.

ثم مع الغض عنه، فالرواية القابلة للاعتماد أي الموثقة لا مفهوم لها بل يكون فيها

اشعار ما بالمدعى، و مع الغض عنه فالمفهوم في أمثال ذلك لا إطلاق له، و القدر المعلوم هو ترك الشرائط عمدا، و على فرض تسليم الإطلاق فهو كسائر الإطلاقات قابلة للتقييد و لتحكيم الأدلة الحاكمة عليه، و كيف كان لا يمكن رفع اليد عن حديث

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 14.

(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 4- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 10.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 194

لا تعاد مع ظهور الدلالة و قوتها صدرا و ذيلا بتلك الروايات، فإنها لا تدل على ان الركوع عبارة عن الجامع للشرائط و لا على أن المراد منه ذلك، كي يتوهم حكومته على حديث لا تعاد.

فان قلت: ان ما دل على ان السجود على سبعة أعظم،

كصحيحة حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السلام و فيها، و سجد على ثمانية أعظم على الكفين و الركبتين و أنامل إبهامي الرجلين و الجبهة و الأنف، و قال: سبعة منها فرض يسجد عليها، و هي التي ذكرها اللّه عز و جل في كتابه، فقال وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً و هي الجبهة و الكفان و الركبتان و الإبهامان، و وضع الأنف على الأرض سنة الى آخرها «1»،

و

عن العياشي في تفسيره ان المعتصم سئل أبا جعفر الثاني عليه السلام و فيها في الحجة على وجوب قطع يد السارق من مفصل أصول الأصابع، قال: قول رسول اللّه (ص): السجود على سبعة أعضاء الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد

عليها، و قال اللّه تبارك و تعالى:

وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ يعنى به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً، و ما كان للّه لم يقطع الى آخره «2»،

دال على التفصيل بين الإخلال بها و بين الإخلال بغيرها، فان قوله: السجود على سبعة أعضاء أو أعظم كما في الأخرى تدل على ان السجدة عبارة عن السجود عليها فينقح موضوع حديث لا تعاد تحكيما عليه، و ان قوله: سبعة منها فرض يسجد عليها و هي التي ذكرها اللّه عز و جل في كتابه، فقال:

أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً دال على ان السجود عليها من فرض اللّه فتخرج عن ذيل لا تعاد فتنقض الفريضة الفريضة.

قلت: دعوى دلالتها على ان السجدة بحسب الماهية و لو عند الشارع عبارة عن ذلك، ممنوعة فإنها لا تدل الا على ان الواجب السجود عليها اى وضعها على

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1 و 2.

(2) مع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب السجود حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 195

الأرض، و لهذا قال: سبعة منها فرض يسجد عليها الى آخره، و من المعلوم أن إطلاق السجود توسع في غير الجبهة، فما في بعض الروايات من ان للكفين مثلا سجدة مجاز و غير دال على المدعى.

و كذا دعوى دلالة الآية الكريمة «1» على كون الفرض السجدة عليها ممنوعة أيضا إذ نفس الآية لا دلالة فيها على تلك الأعضاء فضلا عن كون السجود عليها فرضا في الصلاة، و اما الروايات فلا تدل على ان اللّه تعالى فرض السجود على تلك الأعضاء، بل ما يظهر منها هو

ان السجود على تلك الأعضاء فرض، و تلك الأعضاء هي التي أرادها اللّه تعالى بقوله وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ لا أنه تعالى فرض السجود عليها بقوله ذلك و هو واضح، فلا يصح التفصيل بعد عدم دخالة غير وضع الجبهة في ماهية السجدة.

ان قلت: التحديد و الانحناء الخاص المعتبر في الركوع و السجود، يحتمل ان يكون راجعا الى تعيين المفهوم، و تخطئة العرف في التطبيق على ما هو خارج عن الحد الشرعي، فلا بد من التفصيل بين الإخلال به و بين الإخلال بغيره مما يعتبر فيهما.

قلت: ان كان المراد ان الشارع عين المفهوم العرفي و أخطأ العرف، فهو كما ترى لا يخلو من تناقض، فإنه بعد التصديق بان المفهوم عند العرف ذلك لا معنى للتخطئة، و لو رجعت التخطئة الى التطبيق لا الى تعيين المفهوم، فهو أيضا غير سديد، لان المرجع في تعيين المفاهيم و التطبيق و تعيين المصاديق هو العرف، و ان كان المراد ان للشارع اصطلاحا خاصا فيهما يخالف العرف، و رجع التخطئة الى ان الركوع و السجود الشرعيين ليسا بالمعنى الذي فهمه العرف، فهو أمر معقول، لكن لا بد من قيام الدليل عليه، و الروايات الدالة على التحديد فيهما لا تدل على ذلك، كقوله

في صحيحة زرارة: بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة «2»

، و

في الأخرى فإن وصلت أطراف

______________________________

(1) سورة الجن- آية- 18.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب الركوع حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 196

أصابعك في ركوعك الى ركبتيك اجزأك «1»

و قوله في السجود

في رواية ابن سنان: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس «2»

، فإن أمثالها لا تدل على تعيين المفهوم و

تخطئة العرف، بل غاية ما تدل عليه هو كون الانحناء الى هذا الحد شرطا و انه كسائر الشرائط المعتبرة فيهما.

فان قلت: ان

خبر الحسين بن حماد يدل على ان الانحناء الخاص في السجود داخل في ماهيته و لو شرعا، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، قال: ارفع رأسك ثم ضعه، «3»

فإنه دال على ان وقوع الجبهة على المرتفع لا يكون سجدة شرعا أو مطلقا، و الا لما امره به فإنه من قبيل الزيادة عمدا الموجب للبطلان في السجدة الواحدة أيضا.

قلت: رواية الحسين ضعيفة لعدم توثيقه، و عن الاستبصار عن الحسن بدل الحسين و هو مجهول مهمل، و دعوى جبران سندها بالشهرة بل عدم الخلاف غير وجيهة فان استنادهم إليها غير ظاهر بعد احتمال الاستناد الى ظهور مستثنى لا تعاد في الركوع و السجود المعتبرين شرعا الجامعين للشرائط، كما يظهر من استدلال بعضهم، و يشهد له نقل الشهرة في سائر الشروط أيضا فإن سجد على ما لا يصح جاز رفع رأسه و السجود على ما يصح على المشهور كما هو المنقول، فيعلم منه انهم لم يستندوا في الحكم المذكور إلى الرواية بل إلى القاعدة على ما رأوا أو الى أن مثل هذه الزيادة لا توجب البطلان كما قال به بعض.

مع

ان الحسين روى عن ابى عبد اللّه (ع) في المسألة ما يخالف تلك الرواية، قال: قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو، قال: نعم جر وجهك على الأرض من غير ان ترفعه «4»

، فيوجب

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب

الصلاة باب- 11- من أبواب السجود حديث: 1.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 8- من أبواب السجود حديث: 4.

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 8- من أبواب السجود حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 197

ذلك أيضا و هنا فيها، إذ من المحتمل ان يكون سؤاله مرة واحدة و اختلاف الرواية لخطإ منه إذ كون السؤال مرتين و الجوابين مختلفين لا يخلو من بعد.

و على ذلك لا تعارض الرواية

صحيحة معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها و لكن جرها على الأرض «1»،

و يظهر منها تحقق السجدة و أن الرفع يوجب زيادتها المبطلة.

و توهم إعراض الأصحاب عنها في غير محله بعد احتمال ان يكون الحكم بالرفع ترخيصا عندهم جمعا بين الروايات، كما صنعه المحققون بدعوى ان الأمر بالرفع في مقام توهم الحظر، فلا يستفاد منه الا الترخيص، و الأمر بالجر محمول على الاستحباب و النهى عن الرفع محمول على المرجوحية و مع ذلك الاحتمال لا يثبت الاعراض بحيث يمكن رفع اليد عن الحجة القاطعة، و ان كان الجمع بما ذكر بعيدا عن الفهم العقلائي، فإن بين قوله ارفع رأسك و قوله لا ترفع جبهتك و جرها على الأرض تناقضا بحسب العرف تأمل، و كيف كان لا يصح رفع اليد عن لا تعاد الظاهر الدلالة بمثل تلك الرواية.

و أضعف مما مر التشبث

برواية الحسين بن حماد الأخرى للمطلوب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسجد على الحصى، قال: يرفع رأسه حتى يستمكن «2»

، بدعوى دلالتها على ان السجدة مع عدم التمكن ليست بالسجدة المجعولة في الصلاة، فالتمكن من مقوماتها و لذا امره بالرفع، و لو

كانت السجدة حاصلة و ان فقد شرطها، كان يأمره بالجر لئلا يلزم الزيادة العمدية، و يمكن إلغاء الخصوصية عن التمكن و إثبات الحكم بالنسبة إلى سائر الشروط كالسجدة على ما لا تصح و غيره و انما لم نقل ذلك في الرواية الواردة في مورد ارتفاع موضع الجبهة لخصوصية فيه دون المقام.

وجه الأضعفية أن الرواية ضعيفة بالمفضل الذي قالوا فيه: انه كذاب يضع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 8- من أبواب السجود حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 8- من أبواب السجود حديث: 5

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 198

الحديث، فلا تصلح لإثبات الحكم، مع انه وردت في موردها

صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام. قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى و لا يمكن جبهته من الأرض، قال: يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه «1»

فدلت على ان السجدة تحققت و ان فقد شرطها، و الا لم يمنعه عن الرفع، و بإلغاء الخصوصية يعرف الحال في سائر الشروط.

و أضعف منهما التشبث بما

عن الاحتجاج من مكاتبة الحميري الى صاحب الزمان عليه السلام، و فيها السؤال عن المصلى يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع فاذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها، فكتب إليه في الجواب ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة «2».

فإنها مع ضعفها و كونها مكاتبة سيما إلى الناحية المقدسة مضطربة المتن، فان الظاهر من السؤال انه سجد في الظلمة خطأ على غير السجادة التي كانت يصح السجود عليها، فلما رفع رأسه

وجد السجادة و علم بخطائه فسأل عن صحة سجدته و كان حق الجواب ان يقول: نعم أولا، و لا يناسبه الجواب الذي في المتن، و مع الإغماض عنه و التأويل في السؤال بأن المراد انه ان رفع رأسه وجدها و ان المراد انه هل يعتد بتلك السجدة أو يرجع إليها لتحصيل الشرط، فالتفصيل بين الجلوس مستويا و غيره غير ظاهر فإنه ان كان رفع رأسه لتحصيل ما هو الشرط فلا فرق بينهما، و الجلوس لا يجعل السجدة مستقلة كما قيل، فان الاستقلال و عدمه على فرض الصحة يتبع القصد و لا دخل للاستواء جالسا فيه، و مع الغض عن ذلك كله فهي واردة في صلاة الليل، و الزيادة فيها بما ذكر معفو، و لا يمكن استفادة حكم الفريضة منها.

فان قلت: يمكن ان يستفاد من بعض ما ورد في الركوع انه عند الشارع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 8- من أبواب السجود حديث: 3

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 8- من أبواب السجود حديث 6

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 199

عبارة عن المحدود بحد معين شرعي، و هي

رواية عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر، قال: ليس عليه شي ء، و قال: ان ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل ان يضع يده على الركبتين فليرجع قائماً و ليقنت ثم ليركع، و ان وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي ء «1»

فان قوله: قد أهوى إلى الركوع دال على ان ما قبل الوصول الى ذلك الحد هوى اليه لا ركوع و لو مع الصدق العرفي فليس ذلك الا عدم حصول الركوع الشرعي به، كما ان

التفصيل بين ما قبل الوصول الى الحد و غيره و امره بالرجوع قبل ذلك دال على عدم تحققه و الا لزم الزيادة، و السؤال و ان كان عن الوتر لكن غيره المذكور تلوه شامل بإطلاقه للفريضة.

قلت: مضافا الى ان الرواية ضعيفة لا يمكن إثبات الحكم بها، و الى ان المظنون أن المراد بغير الوتر سائر الصلوات الليلية المستحبة بقرينة انه لو أراد السؤال عن الفريضة و غيرها يسئل عنها و يذكر النافلة تلوها فالسؤال عن الوتر و غيره اى من صلاة الليل ان الماهيات التي لا توجه الا قصدا كأجزاء الصلاة من الركوع و غيره إذا وجدت من غير قصد إليها لم يصدق عليها العناوين، فالركوع عبارة عن الانحناء الخاص قاصدا به الركوع و الخضوع، أو إلا فمطلق الانحناء ليس ركوعا، فلو انحنى بقصد قتل الحية مثلا لا يقال: انه ركع و زاد في صلاته ركوعا.

فحينئذ نقول: ان من أهوى إلى إيجاد الركوع بالحد الذي عينه الشارع فقبل الوصول الى ذلك الحد ليس ما أتى به الا الهوي اليه و لم يصدق عليه الركوع، لا لان الحد الشرعي ماهيته، بل لان المقصود إيجاد الحد الشرعي و حصول الركوع العرفي قبل الوصول الى ذلك الحد انحناء غير مقصود به الركوع، لكن لو ركع قاصدا به الركوع و وصل الى الحد العرفي بتوهم ان ذلك موافق للشرع أوجد الركوع، لان ذلك الانحناء الخاص

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 15- من أبواب القنوت حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 200

مقصود به ذلك، فقوله: أهوى إلى الركوع قبل ان يضع يده الى آخره الذي هو كناية عن الحد الخاص و ان دل على ان الهوى قبل الوصول ليس

بركوع، لكن لا يدل على ان الركوع الشرعي ذلك و ان للشرع اصطلاحا فيه، بل ذلك لأجل ان الهوى غير مقصود الا للوصول الى الحد الخاص، و لما كان الركوع من الأمور القصدية لا يصدق على هذا الهوى.

و توهم ان هذه الرواية شارحة لسائر الروايات التي علق الحكم فيها بالركوع في غير محله، فان المفهوم منها ان الهوى إلى الركوع ليس ركوعا، فلو ركع قاصدا ما دون الحد الشرعي لجهل أو نسيان فقد اتى بالركوع و تشمله الروايات المذكورة و بالجملة ان الرواية لا تدل على ان ما دون ذلك ليس ركوعا و ان قصده. بل تدل على ان الهوى غير ركوع، و قد تقدم ان ذلك الهوى لم يقصد به الركوع فيسلب عنه اسمه، و كيف كان فإثبات الحكم بتلك الرواية غير ممكن و لو نوقش في بعض ما ذكرناه فتدبر.

مسألة لو أخل بالقيام في الجملة أو في جميع صلاته فهل مقتضى القاعدة الأولية مع الغض عن الإجماع و الاخبار الخاصة هي الصحة أو الفساد؟

ربما يتوهم ان القيام ثبت وجوبه في الصلاة بالكتاب فهو من فرائض اللّه، و مقتضى ذيل حديث لا تعاد ان الفريضة تنقض الفريضة، اما ثبوته به فلقوله تعالى:

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ «1» حيث فسر

في الرواية عن ابى جعفر عليه السلام بان الصحيح يصلى قائماً و المريض جالسا «2»

و

عن تفسير النعماني عن على عليه السلام قوله عز و جل فَإِذٰا قَضَيْتُمُ الصَّلٰاةَ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِكُمْ، و معنى الآية ان الصحيح يصلى قائماً و المريض قاعدا إلى آخره، «3»

و

______________________________

(1) سورة آل عمران- آية- 191

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1-

من أبواب القيام حديث: 1.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب القيام حديث: 22.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 201

في مرسلة حريز عن ابى جعفر عليه السلام قال: قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال:

النحر الاعتدال في القيام، ان يقيم صلبه و نحره «1»

و فيه ان ما في الرواية الاولى لا دلالة فيها على ان اللّه تعالى أوجب ذلك، بل الظاهر منها خلافه، فان الظاهر ان اللّه تعالى مدح المصلين الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً، و هو ظاهر في ان الحكم لم يثبت بالاية، و اما ما عن تفسير النعماني فلو لا ضعفه لأمكن الاستناد اليه على تأمل، فإن استفادة ما في الحديث عن ظاهر الآية لا يخلو من اشكال، فيمكن القول بأن الاستفادة انما هي من السنة لا من الكتاب تأمل، و اما المرسلة فمع ضعفها معارضة بروايات أخرى

كصحيحة ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، قال: هو رفع يديك حذاء وجهك «2»

و قريب منها غيرها.

ثم على فرض ثبوت اعتبار القيام بالكتاب و كونه من فرائض اللّه، ففي كون مطلق ذلك ناقضا للفريضة إشكال و منع، لان ما ثبت من ذيل لا تعاد هو ان السنة لا تنقض الفريضة، و اما ان كل فريضة ناقضة لها فلا دلالة فيه، نعم يثبت منه ان الفريضة في الجملة صالحة لنقضها أو ناقضة لها.

و ربما يتوهم ان قوله في صحيحة زرارة: قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث: و قم منتصبا فان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له حاكم على حديث لا تعاد

و مقتضى القاعدة بطلان الصلاة بترك القيام.

و فيه- بعد الغض عن ان دليل الرفع حاكم على مثل الرواية لأنه رافع لموضوعها- ان قوله: «لا صلاة له» بعد استعماله فيما يصح الصلاة مع فقده بدليل لا تعاد، سيما مع ورود مثله في الحمد مع صراحة ذيل لا تعاد بان القراءة سنة لا تنقض الفريضة فيشمله لا تعاد بالصراحة، لا يبقى مجال لتوهم الحكومة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب القيام حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 202

الموجبة لرفع اليد عن لا تعاد، هذا كله بالنسبة إلى القيام بنحو مطلق.

و اما القيام حال تكبيرة الافتتاح و ما هو متصل بالركوع فقد تسالم الأصحاب على كون كل منهما ركنا و ادعى الإجماع عليه، فلا بد مع الغض عنه من الكلام في كل منهما حسب القاعدة.

فنقول: اما القيام حال تكبيرة الإحرام فلا إشكال في بطلان الصلاة بتركه،

لموثقة عمار قال: سئلت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام و افتتح الصلاة و هو قائم، قال: يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد و لا يعتد بافتتاحه الصلاة و هو قائم و كذلك ان وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه ان يقطع صلاته و هو يقوم و يفتتح الصلاة و هو قائم و لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد، «1»

و هي كما ترى صريحة في بطلان الصلاة بترك القيام حال التكبير إذا كان عن نسيان.

لكن وقع الكلام في أمرين، أحدهما ان البطلان حسب هذه الموثقة مخصوص بالترك نسيانا، فلا يشمل الترك لسائر

الاعذار كنسيان الحكم و الجهل به و نحوهما، فبناء على مسلك من قال: ان حديث لا تعاد مخصوص بالنسيان و ان حديث الرفع مخصوص برفع العقاب، لا إشكال في البطلان مطلقا حسب القاعدة، و اما على ما قدمناه من إطلاقهما و شمول لا تعاد لغير العمد و العلم، فالقاعدة تقتضي الحكم بالصحة في غير العمد و العلم، و لا بد في القول بالبطلان في غير النسيان من التماس دليل آخر.

و ثانيهما ان اعتبار القيام حال التكبيرة بعد الفراغ عن البطلان بتركه يتصور على وجوه، منها انه معتبر في الصلاة و ركن فيها، و منها انه شرط لتكبيرة الإحرام، و هي ركن تبطل الصلاة ببطلانها و لو سهوا، و منها ان التكبيرة المتقيدة به ركن، و هو من القيود المقومة لها بحسب الشرع، و الفرق بين الأخيرين انه على الأول منهما لو أتى الكبيرة حال الجلوس اتى بما هو المقرر في الصلاة، و انما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب القيام حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 203

البطلان لأجل فقدان شرط الصحة، و أما على الثاني فلم يأت بها بما هي تكبيرة الصلاة، و منها ان القيام شرط لتحقق افتتاح الصلاة، توضيحه ان تكبيرة الافتتاح سبب للدخول في الصلاة و افتتاحها، فيتحقق الافتتاح بتماميتها، و بإتمامها يدخل المكلف في حريم الصلاة و يحرم عليه وضعا و تكليفا أمور، و لهذا يقال لها تكبيرة الإحرام نظير التلبية في إحرام الحج، فإنها سبب لتحقق الإحرام الذي هو أمر اعتباري شرعي و بها يحرم على المكلف أمور:

و بالجملة ان التكبيرة غير الافتتاح و غير الدخول في الصلاة، و هذا لا ينافي مع ما ورد من ان

أول الصلاة التكبيرة، فإن ذلك لأجل كونها من الصلاة بعد الدخول بها فيها، نظير التكبيرات السبع الافتتاحية، فإنها من الصلاة أي من مصداقها و ان كانت متحققة قبل الدخول في الماهية الصلوتية، و نظير قوله و رحمة اللّه و بركاته فإنه جزء الفرد و ان كان الفراغ بقوله: السلام عليكم، بل ذلك الاشكال وارد على اى حال فان الجزء الأول للتكبير اى قوله اللّه يوجد دائما قبل الدخول في الصلاة، فإن الدخول فيها بالتكبيرة لا يتحقق الا بعد تمام التكبير اى بعد التنطق بالراء فما قبل الراء يصير جزء للصلاة تبعا للتكبيرة بعد تحقق الصلاة.

و الفرق بين هذا الاحتمال و سوابقه، انه على فرض ترجيحه في معنى الموثقة يمكن القول بصحة الصلاة إذا أوجد بعض التكبيرة حال الجلوس سهوا ثم تنبه و قام و أتمها فإنه على ذلك عمل بالموثقة بخلاف سائر الاحتمالات.

ثم انه قد يتوهم أنه لا منافاة بين كون القيام حال التكبيرة في نفسه ركنا للصلاة و بين كونه مع ذلك شرطا للتكبيرة، و مع الإخلال به ينسب البطلان إليهما، فعلى هذا نأخذ بظاهر الرواية الدالة على الاشتراط و بالإجماع المدعى بأنه في نفسه ركن فيها و فيه انه بعد معلومية أن الصلاة ماهية اعتبارية بأجزائها و شرائطها كافة، لا يعقل جعل القيام ركنا و جعله شرطا للتكبيرة، للغوية أحد الجعلين، فلو جعل ركنا حال التكبير لا يمكن إيجاد التكبير الصحيح الا مع القيام، فجعله شرطا لغو لا اثر له لعدم التفاوت بين جعل الشرطية و عدمه، و كذا لو جعل شرطا لا يعقل جعله ركنا لما ذكر و ذلك للتلازم بينهما

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 204

و عدم إمكان الافتراق، و

هذا بخلاف الموارد التي يكون بين المجعولين بحسب المورد العموم من وجه كشرطية طهارة لباس المصلى و شرطية عدم كونه مما لا يؤكل، فان الشرط هو نفس الطبيعة في الموردين من غير لحاظ الإفراد فضلا عن الإفراد المقابلة لكل مجعول فضلا عن مورد الاجتماع، ففي مثله يصح الجعل و يثمر و لو اجتمعا ينسب البطلان إليهما، و لا يقاس المقام بمثل ذلك و هو واضح، فعلى ذلك لو تم الإجماع على ركنية نفس القيام يكشف ذلك عن المراد في الموثقة و يطرح ظاهرها على فرض الدلالة على الشرطية و لو لم يتم يكشف ظاهرها عن عدم كونه ركنا في نفسه.

ان قلت: يمكن رفع الإشكال بأن لغوية جعل الركنية انما هي على فرض جعلها مستقلة لكنها لم تستقل في الجعل بل انتزعت من الجزئية في المأمور به فالقيام لما كان جزء المأمور به يكون ركنا بحسب الأصل الاولى و هو أصالة الركنية، لكن بدليل لا تعاد يرفع اليد عن الأصل فيه مطلقا، الا ان الإجماع أو الموثقة على بعض الاحتمالات كاشف عن بقاء جزئية القيام حال التكبير بنحو الإطلاق الكاشف عن الركنية ففي الحقيقة لم يتعرض الدليل لخصوص القطعة الخاصة من القيام بجعل الركنية له كي يستشكل بلزوم اللغوية، بل دل على جزئية القيام مطلقا و بعد تحكيم دليل لا تعاد عليه دل الإجماع على تقييد المستثنى منه في لا تعاد.

قلت: هذا التشبث لا يدفع الإشكال، فإنه بعد التحكيم و التقييد تكون النتيجة ركنية القطعة الخاصة من القيام و بطلان الصلاة بترك القيام حال التكبيرة و عند ذلك جعله شرطا لتكبيرة الإحرام لغو لا ثمرة له، فإنه على ذلك بطلت الصلاة بتركه سواء كان في ضمن

ترك التكبيرة أو إيجادها بغير حال القيام، فلا بد من الإتيان به مع التكبيرة لتصحيح الصلاة سواء جعل شرطا لها أم لا فجعل الشرط و عدمه سواء.

ثم ان ما أفادوا من ان البطلان على فرض ركنية نفس القيام و شرطيته للتكبيرة ينسب إلى الأمرين غير واضح، فان ترتب المسبب على سببه عقلي و ان كانت

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 205

السببية جعلية شرعية، فلا بد في ذلك من ملاحظة حكم العقل، و من المعلوم ان ذات القيام مقدمة رتبة على وصفها و هو شرطيته للتكبيرة: كما ان عدمها مقدمة على عدم الوصف، فترك القيام سبب لأمرين في رتبة واحدة بطلان الصلاة و فقد الشرط، و فقد الشرط و البطلان في رتبة واحدة، و لا يعقل ان يصير أحدهما سببا للآخر، فالبطلان دائما يترتب على ترك القيام بنفسه و لا يترتب على ترك الشرط تأمل.

و ان نوقش فيما ذكر باعتبار ان الشرط نفس القيام لا وصفه، و تقدم ذات القيام على ذاته الموصوفة بالشرطية غير ممكن، للزوم تقدم الشي ء على نفسه، فنقول: انه مع الغض عن إمكان المناقشة في، ذلك يرد عليه اشكال آخر و هو ان انتساب بطلان الصلاة على فرض ركنية القيام الى بطلان تكبيرة الإحرام لفقد شرطها و هو القيام غير معقول، لان بطلان التكبيرة متأخر عن فقد شرطها و بطلان الصلاة متأخر عن بطلان التكبيرة، و بطلان الصلاة المترتب على فقد نفس القيام على فرض ركنيته في عرض بطلان التكبيرة فلا يعقل انتساب البطلان الى بطلان التكبيرة بفقد شرطها في حال من الأحوال، هذا حال مقام الثبوت.

و اما بحسب مقام الدلالة فمع الغض عن الاحتمال الأخير و حمل ما ورد في

الموثقة من لفظ افتتح و يفتتح على المعنى الكنائي بأن يراد منه أوجد تكبيرة الافتتاح، يكون الترجيح للقول بالشرطية، فإن الظاهر من الجملات المذكورة ان اللازم افتتاح الصلاة و هو قائم، سيما مع التأكيد بأنه لا يعتد بافتتاحه و هو قاعد.

هذا إذا دار الأمر بين الاحتمالات الثلاثة الأول، و لكن لا دليل على ذلك، بل الأمر دائر بين الاحتمالات الأربعة على ما تقدم، و عليه فالظاهر منها هو الاحتمال الرابع الذي ذكرناه أخيرا لأن الافتتاح مسبب عن التكبيرة، و الحمل على المعنى المجازي أو الكنائي خلاف الظاهر، و قد دلت الموثقة على لزوم كون افتتاح الصلاة حال القيام، فتكون ظاهرة في ان القيام شرط لافتتاحها، و لما لم يمكن التفكيك بين آخر التكبيرة و الافتتاح خارجا لا بد و ان يكون القيام مقارنا لآخرها حتى يوجد الافتتاح قائماً، فلو نسي و أوجد بعض التكبيرة جالسا و قام و أتمها صحت صلاته لو

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 206

كان المستند هي الموثقة بدليل لا تعاد و غيره، و اما الإجماع فغير ثابت مع اختلاف كلماتهم، و عدم تعرض جماعة للمسألة، و عدم ادعائه الا من بعض المتأخرين، و احتمال استنادهم في الحكم إلى الموثقة و غيرها كما ترى الاستناد إليها في كلماتهم، فالصحة على ذلك في الصورة المذكورة على القواعد، و الاحتياط بإتمامها و إعادتها طريق النجاة هذا حال القيام حال التكبيرة.

و اما القيام المتصل بالركوع فالكلام فيه يتوقف على بيان ماهية الركوع، فنقول: يحتمل فيها بحسب التصور وجوه.

(منها) ان يكون الركوع عبارة عن الهيئة الخاصة من الانحناء، من غير دخالة القيام و الانتصاب و الهوى منهما الى تحقق الانحناء الخاص في ماهيته، كما ان

الأمر كذلك في السجود، فلو هوى اليه قبل الوصول الى حده العرفي من غير نية ثم بدئ له الركوع فهوى بقصد الركوع الى حده العرفي صدق الاسم، و كذا لو قام مقوسا من السجود و الجلوس و وصل الى حده، و بعبارة اخرى ان الحركة من العلو أو السفل دخيلة في وجوده و مقدمة وجودية له لا في ماهيته، فلو تولد طفل منحنيا يصدق انه راكع ولادة.

(و منها) ان يكون عبارة عن الهوى عن القيام أو الانتصاب الى الوصول الى الحد الخاص، بحيث يكون الهوى عن القيام الى ذلك دخيلا في تحقق ماهيته و يكون من مقوماتها، بحيث لا يصدق على الانحناء الخاص لو وجد من غير الهوى عن القيام، فلا يكون الركوع عن الجلوس ركوعا الا تجوزا، و ان كان ملحقا به شرعا في بعض الحالات، كالإشارة التي تكون ملحقة به أحيانا و قائمة مقامه.

(و منها) ان يكون عبارة عن الهوى عن انتصاب الظهر و إقامته إلى الحد المذكور فيصدق على ركوع الجالس إذا أوجده عن الجلوس و اقامة الظهر، و على الفرضين لا يصدق على الناهض مقوسا الى حده، و لا على ما حصل بعد الهوى بقصد آخر ثم بدئ لدى الركوع فزاد في هويه الى وصول الحد.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 207

(و منها) ان يقال ان الانتصاب لإدخاله له في ماهيته، بل القيام العرفي الصادق مع انحناء ما كاف في صدقه الى غير ذلك من الاحتمالات.

ثم على فرض دخالة القيام في ماهية يشكل إمكان ركنية القيام المتصل بالركوع بمعنى الهوى عن قيام مقابل ركنية الركوع، ضرورة ان القيام إذا كان دخيلا في الماهية يصير جزء ركنيا للصلاة باعتبار جزئيته للركوع، فمن

ركع عن غير قيام أخل بالركوع و بطلت لأجله، فلا يعقل جزئية القيام المذكور مرتين في الصلاة و كذا ركنيته، فالقائل بركنيته مقابل الركوع لا بد له من التزام أحد الأمرين، اما الالتزام بان الركوع لا يتقوم بالقيام، و اما الالتزام بان المراد بالقيام المتصل بالركوع قيام ما قبل القيام المتصل فالركن مصداقان من القيام، أحدهما ما هو متصل بالهوى الى الركوع فهو جزء الركوع و ركن بركنيته ثانيهما قطعة اخرى من القيام قبل ما هو متصل بالهوى الى الركوع فهو ركن آخر، و الظاهر عدم التزام أحد بالثاني.

بل الظاهر من كلماتهم هو ركنية القيام المتصل بالمعنى الأول، فلا بد له من الالتزام بعدم دخالته في مفهوم الركوع و هو غير بعيد عرفا و لغة، فإن من هوى إلى السفل من غير قصد الركوع ثم بدا له الركوع و ادام هويه الى حده يصدق عليه انه ركع و يصدق على ما أوجده الركوع، بل الظاهر صدقه على الهيئة الخاصة، فلو شوهد شخص في هذه الهيئة و سئل عن العرف بان ذاك الشخص في أي حال يقال:

انه في حال الركوع و ان لم يعلم أنه هوى من القيام الى هذا الحد، و ليس ذلك الا للصدق العرفي.

و لو نوقش في ذلك، فلا إشكال في ان القيام فضلا عن الانتصاب لا دخل له في الصدق، فلو هوى من انحناء ما الذي هو خارج عن القيام لغرض فهوى الى الحد يصدق الركوع عليه، و ظاهر كلمات اللغويين ان الركوع هو الانحناء، ففي الصحاح الركوع الانحناء، و منه ركوع الصلاة و ركع الشيخ انحنى من الكبر، و قريب منه ما عن القاموس و غيره، و هو كما ترى ظاهر

في ان نفس الانحناء و التقوس ركوع،

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 208

بل الظاهر من بعض النصوص ان الهوى إلى الركوع غيره فضلا عن القيام،

كموثقة عمار المتقدمة عن ابى عبد اللّه عليه السلام، و فيها و قال: ان ذكره (اى القنوت) و قد أهوى إلى الركوع الى آخرها «1»

، و هو أيضا ظاهر كلماتهم حيث قالوا: لو نسي القراءة مثلا و ذكر قبل الوصول الى حد الركوع رجع و اتى بها الى غير ذلك من كلماتهم المشحونة بذكر الهوي إليه الظاهرة في الافتراق، و كذا قولهم في المقام ان الركن القيام المتصل بالركوع، فعلى ذلك يكون القيام المتصل بالركوع امرا مستقلا عنه يمكن ان يكون ركنا في الصلاة.

نعم لو قيل باشتراط الركوع بالقيام شرعا و ببطلانه بفقد القيام بدعوى أن حديث لا تعاد ناظر الى ان الركوع مع قيوده و شروطه الشرعية هو المستثنى و مقتضاه ان الإخلال بالشرط مخل بالركن و موجب للبطلان و لو سهوا لما صح أيضا استقلال القيام بالركنية، فإن ما ذكر على فرض صحته يكشف عن عدم استقلاله لها لما مر فيه من الوجه، فلا بد في القول بركنيته من الالتزام بعدم شرطيته للركوع، أو الالتزام بعدم كون المستثنى الركوع مع قيوده و شروطه، و الالتزام بهما غير بعيد.

اما الالتزام بعدم شرطية القيام للركوع، فلانة لا دليل على الاشتراط، و توهم أن

قوله في صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللّه أكبر ثم اركع الى آخرها «2»

دال على الاشتراط في غير محله، فإنه مضافا الى ان الصحيحة بصدد بيان المستحبات و الآداب كما يظهر للمراجع، ان غاية ما تدل عليه

هو اشتراط التكبيرة بالانتصاب و أما اشتراط الركوع بالقيام فلا دلالة لها عليه و لا دليل على زيادة ذلك لو لم نقل بأن إطلاقها يقتضي عدمه.

و ربما يقال بعد ما فرضنا وجوب القيام لمن كان قادرا و صحيحا بمقتضى الأدلة فالأمر بالركوع الظاهر في وجوب احداثه يرجع الى وجوب الانحناء الخاص على

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 15- من أبواب القيام حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب الركوع حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 209

من يكون قائماً، و حاصله لزوم الانحناء الخاص عن استقامة و اقامة للصلب، فلو ركع جالسا لم يأت بما هو ركن اعنى الركوع عن استقامة انتهى.

و فيه أولا ان الأوامر المتعلقة بالأجزاء لا يلحظ فيها الا متعلقاتها بل لا يعقل لحاظ غيرها، فالأمر المتعلق بالركوع ليس إلا أمرا بالركوع و لا يتوجه الا الى المكلف لا إلى القائم باعتبار وجوب القيام بدليل آخر، كما لا يتوجه الى الاتى بالقراءة و التسبيحات الى غير ذلك.

و ثانيا لو سلم ذلك لكن مقتضى الإطلاق صحة الإتيان بالركوع و لو اتى به من غير قيام، مثلا لو قال: ايها القائم اركع لا يدل ذلك على لزوم كون الركوع عن قيام الا ان يقيد كلامه بما يفيد ذلك.

و ثالثا لو سلم ذلك لكن لا دليل على الاشتراط فإن الدلالة عليه انما هو من الظهور القائم باللفظ و مجرد وجوب القيام و توجه الأمر بالقائم لا يستفاد منه شرطيته بحيث يبطل الركن بالإخلال بشرطه، ثم على فرض الاشتراط، فلا دليل على ان المستثنى من لا تعاد هو الركوع المقرر شرعا مع شرائطه، إذ قد مر ان مقتضى الدليل هو استثناء ذات الركوع فراجع.

ثم

على ما تقدم من الكلام لا مانع عقلا عن وجوب ذلك القيام ركنا لو دل الدليل عليه لكن قد تقدمت الإشارة الى ان لا دليل عليه كما ان التشبث بأصالة الركنية و قاعدة الاشتغال في غير محله.

و العمدة هي الإجماع المدعى من عصر المحقق الى ما بعده، و فيه مجال واسع، للمناقشة فإن الاختلاف الكثير في كلماتهم و إهمال جمع عن ذكره و احتمال استفادة الركنية من أصالتها و من نحو

قوله من لم يقم صلبه فلا صلاة له «1»

و تحكيمه على لا تعاد و احتمال ذهاب جمع منهم الى ان شرط الركن ركن و جمع منهم إلى جزئيته للركن و جزء الركن ركن الى غير ذلك يوجب التشكيك في قيام الإجماع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب القيام حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 210

الحجة، لكن مع ذلك مخالفة ما تسالم عليه الأصحاب جرئة، و طريق الاحتياط هو النجاة.

مسألة: لو أخل بتكبيرة الإحرام لنسيان أو غيره من الاعذار، فمع الغض عن الأدلة الخاصة هل يحكم بالصحة كنسيان سائر الاجزاء و الشرائط ما عدا المستثنى في حديث لا تعاد، لتحكيمه على أدلتها و لدليل الرفع الحاكم عليها، أو يحكم بالبطلان لخصوصية في لسان أدلة إثبات التكبيرة توجب تقديمها على حديث الرفع و دليل لا تعاد.

لا يبعد البطلان فان الظاهر حكومة أدلة التكبيرة على حديث الرفع و دليل لا تعاد، و ذلك لا

لقوله في موثقة عمار و لا صلاة بغير افتتاح «1»

، فإنه و ان كان حاكما على دليل لا تعاد في نفسه، لكن قد عرفت فيما سلف أن تكرر هذا التركيب في موارد يقدم فيها لا تعاد يمنع عن ذلك سيما

وروده في فاتحة الكتاب مع تصريح حديث لا تعاد بأنها سنة و لا تنقض السنة الفريضة، الا ان يقال ان الورود في مورد أو في موارد قام الدليل على منع التحكيم لا يوجب رفع اليد عن الحكومة في سائر الموارد، لكن مع ذلك لا يسلم عن الاشكال.

بل التقديم لأجل

ما ورد فيها من أنها تكبيرة الافتتاح، «2»

و انها مفتاح الصلاة «3»

و لا تفتح الصلاة إلا بها «4»

و ان تحريمها التكبير، «5»

فان مثل تلك التعبيرات ظاهرة في ان الصلاة اعتبرت بوجه لا يدخل فيها المصلي إلا بالتكبيرة، فكأنها بيت مسدود لا يفتح الا بها، فلو لم يكبر المكلف و اتى بجميع أجزاء الصلاة تقع خارجها كما ان قوله تحريمها التكبير ظاهر في عدم الدخول فيها إلا بالتكبيرة،

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1- 12

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 12

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 10

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 211

و لا ينافي ذلك كونها جزء الصلاة باجزائها كما أشرنا إليه فيما سبق.

و كيف كان فهذه التعبيرات تجعل أدلة التكبيرة الافتتاحية مقدمة عليهما، اما على حديث لا تعاد فواضح، لان موضوعه الصلاة، و هذه الأدلة تدل على عدم الدخول فيها ما لم يكبر فترفع موضوعه تعبدا، و اما على حديث الرفع، فلان مفاده ليس الا رفع المنسي مثلا و لا يثبت به الدخول في الصلاة بلا تكبيرة.

و بعبارة أخرى مفاد أدلة إثبات التكبيرة أن الصلاة لا تفتتح الا

بها، و حديث الرفع لا يتكفل لإثبات افتتاحها بلا تكبيرة، و فرق بين تحكيمه على أدلة سائر الاجزاء و بين المقام فان الدخول في الصلاة في تلك الموارد محرز مع قطع النظر عن دليل الرفع و الإتيان بسائر الأجزاء وجداني، و الجزء المنسي إذا رفع به تم المقصود و هو الإتيان بالصلاة المأمور بها الوجداني، و اما في المقام فالدليل دال على عدم دخوله في الصلاة و عدم فتح بابها، و دليل الرفع لا يثبت دخوله فيها، هذا بحسب القواعد، و مقتضاها بطلان الصلاة بترك التكبيرة مطلقا.

و اما بحسب الروايات الخاصة، فقد دلت جملة منها على بطلان الصلاة بنسيان التكبيرة،

كصحيحة زرارة قال: سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال: يعيد «1»

و

موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل اقام الصلاة فنسي أن يكبر حتى افتتح الصلاة، قال: يعيد الصلاة، «2»

و

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما في الذي يذكر انه لم يكبر في أول صلاته، فقال: إذا استيقن انه لم يكبر فليعد و لكن كيف يستيقن «3»

الى غير ذلك، فهي بإطلاقها تدل على البطلان سواء ذكرها قبل الركوع أو بعده أو بعد الصلاة.

و بإزائها روايات منها

صحيحة الحلبي قال: سألته عن رجل نسي أن يكبر

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 3.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 212

حتى دخل في الصلاة، فقال: أ ليس كان من نيته ان يكبر، قلت: نعم قال: فليمض في صلاته، «1»

فهي أخص من الروايات

المتقدمة، و مقتضى الجمع ان يفصل في المسألة.

و قد يقال: ان تقييد تلك الروايات بصحيحة الحلبي غير صحيح للزوم حمل المطلقات على الفرد النادر، فلا بد من حمل الصحيحة على التقية حيث حكى القول بمضمونها اى الاكتفاء بالنية عن العامة و فيه ان النادر نسيان التكبيرة ممن كان من نيته أن يكبر، و أما نسيانها لمن لم يكن من نيته التكبير فليس بقليل، لما أشرنا إليه فيما سلف من ان نية عنوان الصلاة ليست بعينها نية الأجزاء جزء فجزء بل يعقل ان تحرك ارادة المركب إلى أجزائه فإن كل جزء يحتاج في وجوده الى تصوره و التصديق بفائدته كي تتعلق به الإرادة، فإيجاد كل جزء موقوف على إرادة مستقلة متعلقة به و ارادة العنوان لا يعقل ان تكون ارادة الجزء أو الاجزاء، و هذا أمر سار في إيجاد المركبات الحقيقية و الاعتبارية، فلا يعقل ان تكون ارادة بناء المسجد عين ارادة المقدمات الخارجية أو الداخلية، و لا يعقل انحلال الإرادة إلى الإرادات، فعلى هذا يكون الظاهر من الرواية هو التفصيل بين ما إذا لم يتعلق إرادته بالتكبيرة بنفسها و بين ما إذا تعلقت بها ثم نسي أن يكبر، و هذا أمر ممكن.

و على هذا تكون الصحيحة مختصة بمورد نادر و المطلقات بقيت على حالها في المصاديق الشائعة، و بعد رفع اشكال الحمل على الفرد النادر لا بد من الأخذ بالمقيد و ان كان موافقا لمذهب العامة، فإن الحمل على التقية مورده التعارض بين الروايات لاما إذا كان بينها جمع عقلائي.

لكن يمكن ان يقال في المقام بان لسان روايات إثبات التكبيرة آب عن التخصيص،

كقوله: لا تفتح الصلاة إلا بالتكبيرة «2»

و مفتاحها التكبيرة «3»

الى غير ذلك فلا

بد

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 9.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 12.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 7.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 213

من معاملة التعارض و الترجيح للروايات المقابلة لصحيحة الحلبي المخالفة لمخالفتها للشهرة و موافقتها للعامة و موافقة مقابلاتها للسنة.

و ان أبيت عن استهجان التقييد، فنقول: ان صحيحة الحلبي لإجمالها لا تصلح لتقييد تلك الصحاح، و ذلك لان فيها احتمالين متناقضين، فان كلمة نعم في جواب قوله: أ ليس كان من نيته ان يكبر يحتمل ان تكون حرف تصديق يراد منها انه لم يكن من نيته ذلك، فقال: فليمض أي إذا لم يكن من نيته و كان ناسيا لها رأسا صحت صلاته، و هذا مقابل ما حكى عن العامة، و في مقابله ما إذا كان نسيانه بعد تعلق إرادته بالتكبيرة فنسيها، و هو و ان كان نادرا لكنه واقع، و يحتمل ان يكون المراد بها الضد، اى انه كان من نيته كذلك، فالأمر دائر بين الاحتمالين المتناقضين، و دعوى الظهور في أحد الطرفين عهدتها على مدعيها، و مع الإجمال لا تصلح للتقييد.

و منها

صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قلت له: الرجل ينسى أول تكبيرة (من) الافتتاح، فقال: ان ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرء ثم ركع، و ان ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه (مقامه) في موضع التكبير قبل القراءة (أو) و بعد القراءة، قلت: فان ذكرها بعد الصلاة قال: فليقضها و لا شي ء عليه «1».

بدعوى ظهورها في صحة الصلاة مع ترك تكبيرة الإحرام إذا تذكر بين الصلاة بعد الركوع أو تذكر بعد

الصلاة.

و فيها منع فان الظاهر من قوله: أول تكبيرة الافتتاح، ان المنسي هو التكبيرة الاولى من التكبيرات السبع الافتتاحية، كما ان أول تكبيرة من الافتتاح ظاهر في ذلك، و حمل من على البيانية خلاف الظاهر، و انما قال أول تكبيرة لأن تعيين الاولى و الثانية إلى آخرها كأنه قصدي، فأراد الإتيان بها واحدة بعد واحدة فنسي الاولى و نوى التكبيرة الثانية ثم كبر الثالثة إلى آخرها، فالمنسية تكبيرة مستحبة و الأمر بالقراءة محمول على الاستحباب كما ان الأمر بالإتيان بها بين الصلاة و القضاء بعدها

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 8.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 214

محمول عليه.

و مع الغض عنه و حمل التكبيرة على الافتتاحية الواجبة، فقوله: ان ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبيرة، ظاهر في ان الإتيان بها لا بد و ان يكون في موضعها و هو افتتاح الصلاة إذ ما عداه ليس مقامها و ان كان مقام سائر التكبيرات فبناء عليه ظاهر الرواية بطلان الصلاة و لزوم الاستيناف و عليه يحمل القضاء على الاستحباب، و ان أغمض عما ذكر فالرواية ذات احتمالات و لا تصلح لتقييد الصحاح.

و منها

موثقة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قام في الصلاة و نسي أن يكبر فبدء بالقراءة، فقال: ان ذكرها و هو قائم قبل ان يركع (فليكبر و ان ركع) فليمض في صلاته «1»،

و هي مع اختلاف النسخة معارضة

بصحيحة على بن يقطين، قال: سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى ان يفتتح الصلاة حتى يركع، قال: يعيد الصلاة «2»،

و الترجيح للصحيحة، و يمكن ان يقال بعيدا: ان مفاد الموثقة

أعم من نسيان التكبير الواجب و غيره و الصحيحة مختصة بتكبيرة الافتتاح، فيعمل معهما عمل المطلق و المقيد.

و منها

صحيحة ابن ابى نصر عن ابى الحسن الرضا عليه السلام، قال: قلت له:

رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتى كبر للركوع، قال: اجزأه «3».

و يعارضها

موثقة ابن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السلام، انه قال: في الرجل يصلى فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟، قال: لا بل يعيد الصلاة إذا حفظ انه لم يكبر «4»

، و الظاهر ان موردها النسيان سيما مع ملاحظة ذيلها، و توهم ان اجزاء تكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام موافق للقاعدة في غاية السقوط، كما ان حمل ما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 10.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 2- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 5.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 3- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 2.

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 3- من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 215

دلت على المضي و عدم البطلان على صورة الشك في غاية البعد، فتحصل مما مر بطلان الصلاة بالإخلال بالتكبيرة مطلقا.

و مما ذكرنا يظهر الكلام في قوله

في صحيحة زرارة على بعض طرقها منها في قاعدة لا تعاد: ان التكبير سنة و لا تنقض السنة الفريضة «1»

فإن إطلاقها و ان اقتضى دخول تكبيرة الإحرام فيها لكن قد عرفت ان الأحاديث الواردة في إثبات التكبيرة حاكمة عليه فيحمل التكبير على غير تكبيرة الإحرام فتدبر جيدا هذا حال نقصان التكبيرة.

و اما الزيادة فقد حكى التسالم على بطلان الصلاة بها، و فرعوا عليه ان التكبير الثاني موجب للفساد و الثالث صحيح و هكذا في كل

زوج و فرد، أقول إبطال زيادتها موقوف على إمكان وقوع تكبيرة الافتتاح زائدة و مع الامتناع يسقط البحث بهذا العنوان و التحقيق ان التكبير و التسليم يمتازان عن سائر الاجزاء، فان غيرهما مما يمكن فيه الزيادة حتى القيام المتصل بالركوع سواء قلنا بان الركن هو القيام المنتهى الى الركوع أم لا، اما على الثاني فكما إذا هوى إلى الركوع فتذكر عدم إتيانه بالقراءة فقام لها ثم ركع، و اما على الأول فكما لو زاد الركوع عن قيام إذ معه يستند البطلان على فرض القول به الى زيادة القيام لأنه أسبق العلتين.

و هذا بخلاف التكبيرة الافتتاحية و التسليم المخرج، فإنه لا يتصور فيهما الزيادة، أما في التسليم المخرج فلان الواقع بعده خارج الصلاة و لا يعقل الخروج مرتين، و اما في تكبيرة الافتتاح التي يحصل بها الدخول في الصلاة، فلأنها لا يعقل فيها الزيادة أيضا لا عمدا و لا عن غير عمد، أما العمدية فلعدم إمكان صدور التكبيرة الافتتاحية من العامد الملتفت، لعدم إمكان تعلق القصد بحصول ما هو حاصل، مضافا الى عدم إمكان تحقق الافتتاح مرتين، و لو قيل: إن العزم على الثانية موجب لبطلان الاولى يقال: على فرض التسليم ينتفي موضوع الزيادة فإن الأولى بطلت

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 1- من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 216

بالعزم فرضا و الثانية افتتاح لصلاة مستأنفة لا زيادة، و كذا لو قلنا بان العزم و الاشتغال بالتكبيرة موجب للبطلان، لان التكبيرة لا تقع زيادة فإنها بإتمامها تكبيرة الإحرام، و اما غير العمدية فلان القصد بها و ان كان ممكنا، لكن الافتتاح مرتين غير معقول، و هو أمر واقعي لا دخل للعمد

و غيره فيه، و الكلام في البطلان بالعزم أو به مع الاشتغال هو الكلام.

فالبحث عن بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام ساقط رأسا، نعم يصح البحث عن ان زيادة التكبير بعنوان تكبيرة الإحرام هل هو موجب للبطلان أولا، لإمكان الإتيان بها كذلك مع السهو و الغفلة و نحوهما و ان لم تكن تكبيرة الإحرام.

ثم مع الغض عما تقدم و البناء على إمكان زيادتها، فمقتضى دليل لا تعاد و حديث الرفع عدم بطلان الصلاة بزيادتها، و ما تقدم من تحكيم أدلة التكبيرة على حديث لا تعاد لا يجري في الزيادة، لأن دخوله في الصلاة مفروض و انما الشك في بطلانها بها و هي داخلة في المستثنى منه في لا تعاد، كما لا إشكال في شمول حديث الرفع لغير العامد، بل لو زادها عن عمد و علم لا تضر أيضا لشمول لا تعاد لها، فان ما قلنا من انصرافه عن العامد انما هو في العمد على النقيصة التي مقتضى القاعدة بطلانها بها لا الزيادة التي هي بالعكس، فمع الشك في الإبطال مقتضى الحديث عدمه، كما ان مقتضى الأصل كذلك، و التمسك للإبطال

بقوله: من زاد في صلاته فعليه الإعادة «1»

، قد مر دفعه مستقصى فيما سلف فليراجع.

كما ان التشبث بالإجماع على ركنية التكبيرة الافتتاحية و الإجماع على ان الركن ما تبطل الصلاة بتركه أو زيادته مطلقا في غير محله اما على ما ذكرناه من عدم إمكان الزيادة فيها، فظاهر فإنه على فرض ثبوت الإجماعين لا بد من القول باختصاص الإجماع الثاني بغير التكبيرة الافتتاحية بعد امتناع الزيادة فيها، بل لو دل نص أو إجماع على خصوصها لا بد من تأويله بعد الامتناع عقلا، هذا مضافا الى عدم ثبوت

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 217

الإجماع الثاني بعد اختلاف كلماتهم بل الظاهر ان الركن ما يبطل الشي ء بتركه، كما هو مقتضى عنوان الركنية، فان ركن الشي ء كأنه قوائمه التي قام الشي ء بها فمع فقدها يهدم الشي ء لا مع زيادتها، و اما على الوجه الأخر أي الإتيان بعنوان تكبيرة الافتتاح و ان لم تكن زيادة بأن يقال: لو كبر للافتتاح ثم كبر له ثانيا بطل و أبطل، فثبوت الإجماع فيه ممنوع.

و اما الاستدلال على كونه مع العمد باطلا بأنه تشريع محرم، و على كونه مبطلا للصلاة بأنه زيادة فيها، ففيه ان كون التشريع موجبا لحرمة الفعل ممنوع، فإن المأتي به بعنوانه الذاتي لا يعقل تحريمه بالتشريع، و بالعنوان الثانوي العرضي لا ينافي بقاء عنوانه الذاتي على إباحته أو استحبابه، هذا مع الغض عما ذكرنا من الامتناع، و الا فالاساس مهدوم، كما ان إبطال الزيادة العمدية غير ثابت، بل الأصل و الدليل على عدمه.

و ربما يحتمل أو يقال: ان الإتيان بالتكبيرة الافتتاحية ثانيا يلازم استيناف الصلاة و لازمه رفع اليد عن الاولى، و هو موجب لبطلانها، اما لان العزم على رفضها مبطل، أو هو مع الاشتغال بما ينافي الأولى، أو هو مع إتمام التكبيرة كذلك.

و فيه أولا ان العزم أو هو مع الاشتغال أو الإتمام لا يلازم العزم على الاستيناف و رفع اليد عن الأولى، لإمكان أن يأتي بالثانية بعنوان تكبيرة الافتتاح و الغفلة عن عدم الإمكان أو الجهل به، فأراد زيادة التكبيرة عمدا بتوهم ان عمدها لا يوجب البطلان، و هذه الزيادة و ان لم تكن زيادة تكبيرة الافتتاح واقعا، لكن زيادة

بعنوان الافتتاح مع عدم رفع اليد عن الاولى بل مع العزم على بقائه في الصلاة بالتكبيرة الاولى.

و ثانيا ان الناسي أو الساهي و ان كبر للافتتاح لكن لم يكن عزمه رفع اليد عن الاولى و الاستيناف، و ذلك للغفلة عن كونه في الصلاة، و مجرد ذلك لا يوجب البطلان و ان اتى بالتكبيرة، و لا بد في البطلان من دليل آخر.

و ثالثا ان مجرد العزم على رفع اليد عن الاولى لا دليل على إبطاله، و توهم

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 218

أن استدامة النية لا بد منها و نية الخلاف ينافيها، فاسد لعدم الدليل على لزوم الاستدامة بهذا المعنى، بل ما هو اللازم هو الإتيان باجزاء الصلاة مع النية، و ان تكون تلك النية تبعا لنية أصل الصلاة و هما موجودتان في الفرض، و بالجملة ما وجد من اجزاء الصلاة أو غيرها من المركبات كالوضوء مثلا لا دليل على بطلانه و عدم لحوقه بالتالى بمجرد العزم على رفع اليد عنه، بل يقتضي الأصل خلافه، بل العزم و الاشتغال بما ينافيه أيضا لا يوجب البطلان و كذا مع التكبير أيضا.

و دعوى- ان الهيئة الاعتبارية و وحدتها المعتبرة في الصلاة غير باقية مع العزم و الاشتغال، فيصير ذلك ما حيا لصورتها عرفا، و العرف محكم في أمثال المقام- غير وجيهة لأن مجرد ذلك ان لم يكن اشتغالا كثيرا موجبا لرفع اسم الصلاة لا يوجب محو الصورة لا عرفا و لا شرعا، و مع الشك يقتضي الأصل بقائها، مع ان في كون ذلك موكولا الى العرف كلاما، فإنه ليس من الموضوعات العرفية، فلا بد في دعوى المحو من انتسابه إلى المتشرعة لينتهي الأمر إلى اعتبار الشارع، و

عهدتها على مدعيها، ثم لو قلنا ببطلانها مع العزم فلا إشكال في صحة الثانية و عدم الحاجة الى الثالثة.

و اما على القول بان الاشتغال بالتكبيرة قبل تمامها يوجب البطلان فقد يقال بأن أجزاء التكبيرة اجزاء الصلاة و مع كونه في الصلاة لا يعقل أو لا يصح دخوله في مصداق آخر منها.

و فيه ان هذا مبني على ان اجزاء التكبيرة قبل تمامها اجزاء و انما تكشف التكبيرة عن ذلك، و هو مخالف لظاهر الأدلة، كقوله: أولها أو افتتاحها أو مفتاحها التكبير، و الصلاة لا تفتتح الا بالتكبير، إذ من المعلوم ان التكبيرة لا تتحقق الا بعد التمام فاذا تمت دخل المصلى فيها، و دخول الاجزاء في الصلاة تبع لها و لا يعتبر الاجزاء مستقلا فيها، بل ما هو المعتبر نفس التكبيرة لا اجزائها و هي تبع لها، و لا يعقل دخول التابع في الجزئية قبل دخول المتبوع، فالاجزاء بعد تمام التكبيرة صارت

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 219

اجزاء الصلاة تبعا، و على ذلك فالاشتغال موجب للبطلان على الفرض، و الدخول في الصلاة موقوف على تمامها، فيندفع الاشكال.

و اما لو قلنا بان البطلان عارض بعد تمام التكبيرة، و لعل هذا مورد تسالمهم على بطلان الثانية و الاحتياج إلى الثالثة، و الظاهر ان نظرهم الى ان الدخول في الصلاة لا يمكن الا بعد بطلان ما بيده، و الفرض انها لا تبطل إلا بإتمام التكبير فلا يعقل أو لا يصح كونه مبطلا و مفتاحا للصلاة.

لكن يمكن ان يقال بصحة الثانية و عدم الاحتياج إلى الثالثة، فإن المانع المتوهم أمور، منها مضادة الاشتغال بهذه و تلك، و هو غير لازم أو غير ممكن، فان الصلوتين بوجودهما كمضادين أو مثلين

و على هذا يكون عدم إحداهما ملايما مع وجود الأخرى غاية الملايمة لو اعتبر للعدم حيثية، و الا يقال: عدم إحداهما غير مضاد للأخرى، و الفرض ان التكبيرة بتمامها موجب لبطلان الاولى و الدخول في الثانية، فهذا الظرف أو هذه الرتبة مقام الجمع بين عدم الاولى و وجود الثانية، و لا يعقل التضاد في هذا الظرف لعدم تعقل وجود المضادين.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الخلل في الصلاة، در يك جلد، چاپخانه مهر، قم - ايران، اول، ه ق

كتاب الخلل في الصلاة؛ ص: 219

و مما ذكر يظهر النظر في ما افاده شيخنا العلامة من ان المبطل مبطل لتضاده مع الأثر من العمل فكيف يمكن ان يصير جزئه، فان مضادته انما هي مع اثر المصداق الذي كان بيده قبل التكبير الثاني لا مع اثر المصداق المتحقق بالثاني، و بعبارة اخرى انه مضاد لأثر الفرد الباطل به، و لا ينافي ذلك صيرورته جزء لفرد أخر.

و منها ان التكبير الثاني لا يمكن ان يقع امتثالا للأمر بالتكبير مع وجود الأول، لامتناع تكرر الامتثال، و مع عدم الأمر يقع باطلا، و فيه- مضافا الى ان الاجزاء لا أمر لها نفسيا، لا مستقلا و هو ظاهر، و لا ضمنيا لما حقق في محله، و لا غيريا، بل الأوامر المتعلقة بها إرشاد إلى الجزئية كالأوامر المتعلقة بالشروط فلا معنى للامتثال- ان الامتثال انما هو بعد تمام التكبيرة، و هو ظرف بطلان الاولى، فلا مانع من وقوعها امتثالا، و منه يظهر النظر في توهم ان التكبير لا يعقل ان يصير جزء مع وجود التكبيرة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 220

الأولى، لأن الجزئية بعد التمام و هو ظرف سقوط جزئية الاولى.

و

منها انه مع علم المكلف بالواقعة لا يمكن له قصد الافتتاح، لعدم إمكان تكرره كما تقدم، و فيه ان ما تقدم من الامتناع هو قصد افتتاح ما هي مفتتحة، أي قصد تكبيرة الإحرام بعد تكبيرة الإحرام في مصداق واحد، لا قصد تكبيرة الافتتاح لمصداق يتحقق في ظرف بطلان الافتتاح الأول، و بعبارة اخرى ان المصلى لما راى ان الافتتاح يقع في حال سقوط الافتتاح الأول لأن التكبيرة بإتمامها افتتاح و مبطل، لا يرى امتناعا حتى يمتنع له القصد.

و منها انه مع العمد تقع الثانية محرمة، اما للتشريع المحرم، و اما لكونها مبطلة للصلاة و هو محرم، و فيه ان التشريع غير لازم بعد ما لم يتكرر الافتتاح في مصداق واحد، بل بإتمامها ينتفي موضوع التشريع، مضافا الى ما تقدم من عدم حرمة الفعل المشرع به، و اما الحرمة من قبل كونها مبطلة للعمل ففيها بعد تسليم حرمة الإبطال ان سبب الحرام ليس محرما، فما هو الحرام إبطال العمل لا سبب إبطاله.

و منها ان صحة الثانية موقوفة على تأخر بطلان الاولى اما زمانا أو آنا أو رتبة و هو مفقود، و فيه ان ذلك دعوى بلا برهان، لعدم دليل على لزوم التأخر حتى الرتبي منه، فعلى القواعد لا مانع من صحة الثانية و عدم الاحتياج إلى الثالثة.

بقي الكلام في دعوى عدم الخلاف بين الأصحاب و تسالمهم على البطلان قديما و حديثا كما قيل، لكنها قابلة للخدشة بعد احتمال تشبثهم بإحدى الوجوه السابقة، فطريق الاحتياط الإتمام ثم الإعادة.

مسألة: لو أخل بالجهر أو الإخفات في الأوليين أو في سائر الركعات عن جهل بالحكم أو الموضوع أو نسيان أو خطأ أو سهو و نحوها، فمع قطع النظر عن الروايات

الخاصة، ان لم يكن لدليل إثبات الجهر أو الإخفات إطلاق فمقتضى أصالة البراءة في الأقل و الأكثر الصحة مطلقا، للشك في اعتبارهما في غير حال العلم و العمد، من

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 221

غير فرق بين الجهل بالحكم و غيره، و من غير فرق بين الالتفات الى الخلل بعد الصلاة أو أثناءها بعد الركوع أو قبله حتى أثناء القراءة، فمن ترك الجهر أو الإخفات في آية أو آيات من الحمد أو السورة نسيانا أو نحوه ثم التفت يجوز له المضي و لا يجب عليه الإتيان بما قرء، بل لا يجوز الا رجاء و احتياطا.

و اما لو كان لدليلهما إطلاق يشمل الحالات العارضة، فربما يتوهم أن حديثي لا تعاد و الرفع الحاكمين على دليلهما لا يشملان جميع الحالات، فإن الأول على فرض تسليم شموله لغير العمد و العلم من سائر الحالات و عدم اختصاصه بالسهو يكون محطه الالتفات بعد الصلاة، فان الإعادة تكرار الشي ء و هو انما ينطبق على الشي ء بعد وجوده، و لو أغمض عن ذلك و يقال بشموله لأثناء الصلاة فلا ينبغي الإشكال في عدم الشمول لما قبل الدخول في الركن، فان قبله لا معنى للإعادة أو الاستيناف و مقابلهما، فلو قرء جهرا فيما لا ينبغي الجهر فيه و التفت اليه قبل الدخول في الركوع لا يشمله، فلا بد من الرجوع الى إطلاق أدلة اعتبارهما، و يمكن المناقشة في شمول دليل الرفع أيضا لهذا الفرض لو سلم شمول إطلاقه لحال الالتفات و عدم تقيده بما دام النسيان مثلا، لإمكان دعوى الانصراف عن المنسي الذي يمكن جبرانه بلا إعادة الصلاة و استينافها.

و فيه نظر اما بالنسبة الى لا تعاد فإن منشأ توهمه تخيل

ان الحكم في المستثنى منه و المستثنى متعلق بعنوان الإعادة، و قد سبق منا ان عنوانها غير مقصود بلا إشكال، ضرورة ان في ترك الأركان الموجب للبطلان بقي الأمر المتعلق بالصلاة على حاله لعدم امتثاله و لازم كون الإعادة بعنوانها مأمورا بها سقوط الأمر المتعلق بالصلاة و ثبوت أمر جديد متعلق بالإعادة بعد قيام الضرورة على عدم الأمرين معا، و هو كما ترى لا ينبغي التفوه به، فالأمر بالإعادة في المورد و في كل مورد ورد نحوه كناية عن بطلان الصلاة إلا إذا قامت القرينة على الخلاف، كما ان قوله: لا تعاد كناية عن صحتها و هو من الوضوح بمنزلة، مضافا الى ان ذيل الحديث دل على ذلك، و هو التعليل بأن السنة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 222

لا تنقض الفريضة، و على ذلك يكون مفاد الحديث ان ترك الجهر لا يوجب البطلان و إطلاقه يشمل ما قبل الركوع فلو أخفت في آية ثم التفت و مضى في صلاته صحت، و لو قيل بالبطلان يكون مخالفا لإطلاقه و للتعليل الوارد فيه.

و اما حديث الرفع فشموله أوضح، فإن الظاهر الذي لا ينكر ان المنسي مثلا مرفوع، و الرفع ما دام النسيان لا يرجع الى محصل لو أريد به الرفع ثم الوضع، و لو قيل: ان الرفع متعلق بالمنسي إلى آخر عمر المكلف فلو التفت يكشف عن عدم الرفع فهو كما ترى خلاف الظاهر جدا، فمقتضى إطلاق الدليل في المقام ان المنسي و نحوه مرفوع سواء التفت بعده قبل الركوع أو بعده أو بعد الصلاة أم لا، فمع رفع الجهر عن الآية لم يبق محل للإتيان و الجبران، فان الآية وقعت صحيحة بعد رفع الجهر أو

الإخفات، و الإتيان بها ثانيا خارج عن الصلاة.

نعم لو فرض كون القراءة المتقيدة بالجهر أو الإخفات جزء بنحو وحدة المطلوب فمع الجهر محل الإخفات أو العكس لم يأت بالجزء، فلا بد من الإتيان ما لم يمض وقت الجبران، لكن هذا الاحتمال ضعيف مخالف لفهم العقلاء، مضافا الى ان إطلاق دليل إثبات القراءة يدفعه، و لا يعارضه إطلاق دليل الجهر على فرضه، فان الظاهر من مثل قوله فرضا الجهر واجب في صلاة العشائين انه شرط للقراءة أو الصلاة كما لا يخفى.

ثم على ما ذهبنا اليه من جريان البراءة في الأقل و الأكثر، و من عموم لا تعاد لجميع الصور إلا صورة العلم و العمد، و جريان حديث الرفع في مثل المقام، لا ثمرة مهمة للبحث عن مفاد الأدلة الخاصة، لكن لما اختلفت الانظار في المبنى، بل لعلهم تسالموا على عدم معذورية الجاهل بحسب القواعد أو بقيام الإجماع لا بأس بالبحث عنها إجمالا.

فنقول: اما إطلاقها فمحل منع، لأنها اما في مقام بيان أحكام أخر، أو حكاية أفعال، و اما ما

في رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السلام المنقولة عن كتاب العلل

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 223

لمحمد بن على بن إبراهيم، و فيها و القنوت واجب و الإجهار بالقراءة واجب في صلاة المغرب و العشاء و الفجر «1»

فمع إشكال في سندها، و ان الظاهر على ما يشهد به المجلسي و صاحب المستدرك و يشهد به متنها ان هذه الفقرة من كلام المؤلف انها ليست في مقام البيان، بل هي في مقام بيان أصل الفرض و النفل، فراجع روايات الباب كي يتضح الأمر.

و اما حدود دلالتها فلا بد من ذكر ما هو المهم منها، و هي

صحيحة

زرارة عن ابى جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: اى ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، و ان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شي ء عليه و قد تمت صلاته «2»

و في الفقيه بدل اى ذلك ان فعل ذلك الى آخرها.

و يحتمل فيها وجود المفهوم لكل من الجملتين و عدمه فيهما أو وجوده في الأولى دون الثانية أو العكس على رواية التهذيب، و الوجه في الأول أنها جملتان شرطيتان سيما على رواية الفقيه لكل منهما مفهوم، و في الثاني ان المتكلم إذا تصدى لذكر مفهوم كلامه فلا مفهوم له، و في الثالث ان المتفاهم في أمثال ذلك أنه للجملة الاولى مفهوم و قد تصدى المتكلم لذكر بعض مصاديقه الشائعة و عليه لا مفهوم للثانية، و في الرابع انه على رواية التهذيب لم يكن قوله اى ذلك فعل حرف شرط فكأنه قال:

المتعمد كذا و لا مفهوم لمثله.

ثم على فرض المفهوم للجملتين يقع التعارض بين المفهومين في بعض المصاديق كما لو قلنا بان قوله: لا يدرى لا يشمل الا الجهل بالحكم، و السهو و النسيان مخصوصان بالموضوع، و مع التعارض يكون المرجح أو المرجع حديثي لا تعاد و الرفع.

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 6- من أبواب كيفية الصلاة و آدابها حديث: 4.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 26- من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 224

و على فرض ثبوت المفهوم للذيل دون الصدر تبطل الصلاة في الجهل بالموضوع و نسيان الحكم و سهوه، و كذا كل مورد لا يشمل المنطوق.

و على

فرض عدم ثبوت المفهوم لها تكون الموارد التي هي خارجة عن المنطوق في الجملتين محكومة بالصحة على ما هو الأصح.

و على فرض ثبوت المفهوم لخصوص الجملة الأولى تصح في غير المتعمد، و هذا هو الأصح لكونه موافقا لفهم العرف حتى على رواية التهذيب، فإن أي ذلك في حكم الشرطية يفهم منها المفهوم، و ان الظاهر ان للكلام مفهوما و انما تصدى المتكلم لبيان بعض مصاديقه، و لا يبعد ان يقال: ان العرف مساعد للقول بان المتفاهم من الصحيحة و لو بمناسبة الحكم و الموضوع ان الميزان في باب الجهر و الإخفات هو التعمد بالترك و عدمه، و هما تمام الموضوع للإعادة و عدمها، فتشمل الصحيحة جميع الموارد حتى الموارد التي يقال انها خارجة عن السؤال كالمأموم المسبوق و جهر المرأة فيما يجب عليه الإخفات، و لا فرق بين الركعتين الأولتين و الأخيرتين، كما لا فرق بين التخلف في بعض القراءة و جميعها، و الأمر سهل بعد ما عرفت من القاعدة لو لا الصحيحة.

مسألة: لو أخل بعدد الركعات زيادة فزاد ركعة أو أزيد عمدا أو لا عن عمد، فمقتضى القاعدة الأولية عدم البطلان، حتى مع العمد كمن صلى الظهر خمسا عالما عامدا، و حتى مع الإتيان بالتشهد و السلام في آخر الركعات مع العمد و العلم فان البطلان من ناحية الركعات، اما لأجل كون الصلاة مأخوذة بشرط لا عن الزيادة على فرض كونه معقولا، أو لأجل كون الزيادة مزاحمة بحسب الجعل الشرعي بناء على ما قلنا في أمثالها.

و مع الشك كان المرجع البراءة بعد فرض ان عنوان الصلاة صادقة على المأتي بها، فالشك بين الأقل و الأكثر كسائر الموارد، مضافا الى حديث لا تعاد فإنه يشمل

الزيادة حتى العمدية و لم يكن منصرفا عنها، للفرق بين النقيصة التي قلنا

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 225

بانصرافه عن العمد، لان حكم العقلاء فيها البطلان كما انه مقتضى القواعد، و بين الزيادة التي يكون حكم العقل و العقلاء عدم البطلان بها، و الى حديث الرفع فان الحكم مشكوك فيه فيشمله الحديث، و البطلان من ناحية تأخير التشهد و السلام أيضا ممنوع، فإنه لا محالة من أجل اشتراط الاتصال بالركعة الأصلية أو اعتبار نحو وحدة في الاجزاء بحيث لو انفصل التشهد و السلام تنهدم الوحدة، و كلاهما من قبيل الشك في الأقل و الأكثر، و يكون مجرى البراءة و منطبق حديثي لا تعاد و الرفع بعد صدق الصلاة حتى مع فقدانهما مطلقا، هذا بحسب القاعدة.

و اما بحسب الأخبار

ففي موثقة أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من زاد في صلاته فعليه الإعادة، «1»

و قد مرت جملة الكلام فيها في أوائل هذه الرسالة، و مجملة ان الأمر فيها دائر بين رفع اليد عن إطلاقها و حمل الزيادة على زيادة الركعة أو الأركان و حفظ ظهور عليه الإعادة الدال على اللزوم و القول بكونه كناية عن البطلان و بين حفظ الإطلاق و حمل الجملة على الاستحباب، و لا ترجيح للأول، بل الترجيح للثاني لأن الأول موجب لتخصيص الأكثر كما ان الحمل على العمد مخالف لإطلاقها لو لم نقل بان فيه أيضا هذا المحذور، و اما ما أفاد شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه من ان المراد الركعة كقوله: زاد اللّه في عمره فقد مر الجواب عنه.

و

في صحيحة زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا استيقن انه قد زاد

في صلاته المكتوبة لم يعتد بها و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا، «2»

كذا عن التهذيبين، و عن الكافي كذلك بزيادة ركعة بعد قوله:

صلاته المكتوبة.

و هي على رواية الكافي تدل على المقصود، لكن الشيخ في الكتابين يحكيها عن الكافي من دون لفظة ركعة فيدل ذلك على اختلاف نسخ الكافي، و لعل

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 226

الشيخ أخبر بالواقعة من غيره، و تقديم أصالة عدم الزيادة على عدم النقيصة غير ثابت.

و توهم أن الكافي أضبط فاسد في المقام فان الشيخ في الكتابين روى الرواية عن الكافي كما ان توهم- ان زيادة الركعة هي القدر المتيقن من الرواية فإنه على رواية الشيخ داخلة فيها- في غير محله، فإنه على روايته لا بد من التوجيه للزوم تخصيص الأكثر لو قلنا ببطلانها بمطلق الزيادة، فلا بد من الحمل على العمد أو على الاستحباب و ان كان بعيدا عن قوله: لا يعتد بها.

الا ان يقال: ان مناسبة الحكم و الموضوع، و دلالة بعض الروايات على ان الركعة الزائدة موجبة للبطلان،

كصحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل صلى فذكر انه زاد سجدة فقال: لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة، «1»

و

رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شك فلم يدر ا سجد اثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثم استيقن انه قد زاد سجدة، فقال: لا و اللّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، و قال: لا

يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة «2»

موجبة لترجيح وجود الركعة في النسخة.

و على ذلك يمكن ان يقال: ان في صحيحة زرارة احتمالين، أحدهما انه بصدد بيان الحكم الظاهري، و كان المراد من الاستيقان هو عنوانه مقابل الشك، و انه بعد ما صلى إذا كان شاكا في الزيادة فلا يعتنى به لقاعدة التجاوز، و إذا استيقن يجب الإعادة فتكون موثقة أبي بصير دالة على ان الزيادة بحسب الواقع توجب الإعادة، و الصحيحة تدل على ان الحكم الظاهري مع الشك هو عدم وجوب الإعادة و لو كان إطلاقها شاملا لأثناء الصلاة، فدلت على عدم الإعادة مع الشك في زيادة الركعة في الأثناء فلا بأس به، و لا ينافي ذلك ان الوظيفة في بعض الشكوك سجدة السهو مثلا، كما ان إطلاقها يقيد بالدليل الوارد في بعض الشكوك المبطلة، لكن هذا الاحتمال في الرواية بعيد.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب الركوع حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب الركوع حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 227

و الأرجح احتمال آخر و هو ان المراد بيان الحكم الواقعي، و ان الاستيقان و نحوه من العناوين الطريقية لا يحمل على الموضوعية إلا بدليل، و ليس المراد في الصحيحة الا ان من زاد ركعة يجب عليه الإعادة من دون دخالة للاستيقان في ذلك بنحو تمام الموضوع أو بعضه فيكون الظاهر منها ان من زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها، و مفهومه انه إذا لم يزد ركعة يعتد بها و هي صحيحة، و هو أعم من ان لم يزد شيئا أو زاد و لم يكن الزائد ركعة فحينئذ لو قلنا بإطلاق الصحيحة بالنسبة إلى الجاهل

بالحكم و الناسي له بعد معلومية خروج الزيادة عمدا عنها، فيخرج من موثقة أبي بصير الشاملة لمطلق الزيادة سواء كان عمدية أو سهوية أو جهلية أو نسيانية ما عدا الزيادة العمدية و ما عدا الركعة و بقي الباقي، و ان قلنا باختصاص الصحيحة بالزيادة السهوية في الموضوع يبقى في الموثقة الزيادة العمدية و الركعة، و قد قلنا سالفا ان الزيادة العمدية لو لا ورود النهى عنها ليست نادرة، فلا بأس بهذا التقييد، فتحصل مما ذكر ان زيادة الركعة مبطلة مطلقا.

و بإزاء تلك الروايات روايات أخر،

كصحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل صلى الظهر خمسا، فقال: ان كان لا يدرى جلس في الرابعة أم لم يجلس، فليجعل اربع ركعات منها الظهر و يجلس و يتشهد ثم يصلى و هو جالس ركعتين و اربع سجدات فيضيفها إلى الخامسة فتكون ناقلة، «1»

و

صحيحة زرارة سألته عن رجل صلى خمسا، فقال: ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته، «2»

و نحوها صحيحة جميل بن دراج. «3»

و في تلك الروايات نحو ارتياب، من قبل ان الجلوس بمقدار التشهد و عدمه بمقداره تمام الموضوع للصحة و الفساد بحسبها، مع انه ليس بركن و تركه مع ترك التشهد لا يوجب الفساد، فانتساب الفساد الى تركه دون زيادة الركعة من البعد بمكان، و من قبل ان الركعة الزائدة التي اتى بها بعنوان الفريضة مع ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس تصير نافلة مع فقد القصد و تكبيرة الافتتاح، و لكن مع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 7.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل

الواقع في الصلاة حديث: 4.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 228

النص الصريح الصحيح لا وجه للإشكال، و العمدة هو أعراض المشهور عنها و قلة المفتي بها مع صحتها و أخصيتها من الروايات المطلقة و مع عدم التعارض بين الطائفتين لا وجه للحمل على التقية بمجرد موافقتهم، فلا تصلح لتقييد الروايات، فالقول بالبطلان بركعة زائدة أو ركعتين هو الأقوى.

إلا فيما إذا صلى التمام جهلا في السفر الذي وجب عليه القصر، و الأصل فيه

صحيحة زرارة و محمد بن مسلم انهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي و كم هي فقال: ان اللّه عز و جل يقول: وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ، فصار القصر في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر، قالا: قلنا: انما قال اللّه عز و جل:

ليس عليكم جناح و لم يقل: افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر، فقال عليه السلام: أو ليس قد قال اللّه عز و جل إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا، الا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لان اللّه عز و جل ذكره في كتابه، و صنعه نبيه صلى اللّه عليه و آله، و كذلك التقصير شي ء صنعه النبي صلى اللّه عليه و آله و ذكره اللّه في كتابه قالا: قلنا: فمن صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا، قال: ان كان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى أربعا أعاد، و ان لم يكن

قرئت عليه و لم يعلمها فلا اعادة عليه الى آخرها «1».

و دلالتها في الجملة ظاهرة، لكن يحتمل ان يكون لقراءة آية التقصير و تفسيرها بعنوانهما دخالة في الحكم، بمعنى ان الحكم معلق بالعلم به من ناحية الكتاب و تفسيره، فاذا خالف ذلك يجب عليه الإعادة، و اما لو لم تقرء و لم تفسر فلا اعادة و لو علم الحكم من ناحية السنة، و يؤيده العناية بذكرهما في المنطوق و المفهوم، و لكنه بعيد و لهذا لم يحتملوه، فالمراد بذلك التعليق على العلم بالحكم و عدمه، و انما ذكر الآية و تفسيرها لمسبوقية الكلام بما ذكره زرارة و محمد و التعليق على التفسير لأجل عدم ظهور الآية في نفسها في وجوب التقصير لو لا تفسيرها عنهم،

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 22- من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 229

بل ظاهرها الرخصة، بل لها نحو إجمال أخر من ناحية تذيلها بقوله إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، «1» الذي يظهر منه ان التقصير لأجل الخوف من العدو كما ذهب اليه جمع، و تمسك بعضهم كالشافعي بظاهر لا جناح و افتى به، و لذلك و ذاك قال أبو جعفر عليه السلام: لو قرئت عليه آية التقصير و فسرت له.

ثم انه بعد ما كانت الرواية كناية عن العالم و غيره، فمن المحتمل ان يكون حكم البطلان دائرا مدار العلم الفعلي مع الالتفات بالأطراف، أي من كان عالما عامدا بطلت صلاته و غيره يكون داخلا في المفهوم و على ذلك لو نسي الحكم أو الموضوع و صلى تماما لم تبطل بمقتضى المفهوم، و ان يكون المدار على العلم الفعلي بالحكم فيدخل في المفهوم السهو عن الموضوع

دون السهو عن الحكم، و ان يكون المدار على حدوث العلم فمجرد العلم بالحكم موضوع للبطلان و لو نسيه فمع النسيان حكما أو موضوعا بطلت، و ان تكون الرواية بصدد بيان حكم العالم و غيره و خرج النسيان موضوعا أو و حكما أيضا عن مصبها، و على ذلك لم يكن للشرطية مفهوم.

ثم انه بإزاء هذه الصحيحة

صحيحة العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلى و هو مسافر فأتم الصلاة قال: ان كان في وقت فليعد و ان كان الوقت قد مضى فلا، «2»

و يحتمل فيها ان يكون المورد هو نسيان الموضوع أو ذلك مع نسيان الحكم أيضا، و يحتمل فيها الإطلاق للعمد و العلم و الجهل و النسيان.

فعلى بعض الاحتمالات فيهما لا تعارض بينهما و هو الاحتمال الأخير في الصحيحة الاولى و الاحتمال الأول في الثانية، فان كلا منهما متعرض لموضوع غير موضوع الأخر، و على بعض الاحتمالات تكون النسبة بينهما هي الإطلاق و التقييد، و على بعض تكون النسبة العموم من وجه فيتعارضان في الجاهل بالحكم في الوقت، فان مقتضى الأولى

______________________________

(1) سورة النساء- آية- 101

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 17- من أبواب صلاة المسافر حديث: 1

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 230

الصحة و مقتضى الثانية البطلان.

و قد يقال باظهرية الصحيحة الاولى في مفادها و هو نفى الإعادة في الوقت من الصحيحة الثانية في شمولها للجاهل، بل الظاهر ان مصب الثانية هو النسيان، و فيه منع كلا الدعويين أما الثانية فلاطلاقها، و مجرد السؤال في بعض روايات الباب عن الناسي لا يوجب ان يكون مصب غيره هو النسيان، و اما الاولى فلان منشأ التوهم هو أن عنوان الإعادة

مما يدعى ظهوره في الإتيان ثانيا في الوقت و هو غير وجيه لما تكرر منا من ان عنوانها كناية عن البطلان، و الميزان في ظهور الكلام في مورد الكناية هو المكنى عنه، و من المعلوم انه عنوان واحد مأخوذ فيهما فلا وجه لدعوى الأظهرية.

و العمدة موافقة الصحيحة الأولى للشهرة و هي وجه تقدمها على الثانية، فتحصل مما ذكرناه انه على جميع الاحتمالات فيهما يثبت عدم وجوب الإعادة على من أتم جهلا بحكم التقصير.

و لو صلى قصرا في مورد يجب عليه التمام بطلت صلاته بحسب القواعد و عليه الشهرة على ما نقل فما

في رواية منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: سمعته يقول: إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة فإن تركه رجل جاهلا فليس عليه اعادة «1»

، لا يصلح للاستناد إليه في الصحة، لضعف سندها و ان وصفه بعض بالصحة، و لمخالفتها للشهرة.

و قد يقال: ان الرواية لم تكن ظاهرة في سقوط الإعادة في الوقت عن الجاهل بوجوب التمام. لأنها تدل على سقوط الإعادة عمن ترك التمام في بلد الإقامة جهلا و ترك الواجب الموسع لا يصدق الا بعدم الإتيان به في مجموع الوقت. فمن علم بالحكم في الوقت بعد تحقق القصر لم يصدق انه ترك التمام جهلا نعم تدل على سقوط القضاء عنه.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 17- من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 231

و فيه ان الظاهر الذي لا ينبغي الريب فيه هو ان المراد من قوله: ترك التمام انه اتى بالقصر مقام التمام جهلا. و بعبارة اخرى ان جملة تركه الى آخره في مقابل أتم الصلاة تدل على انه لو لم

يتم رجل جهلا صحت صلاته. و الأمر سهل بعد ضعفها.

و لو أتم المسافر ناسيا للحكم أو الموضوع فليعد في الوقت دون خارجه، و تدل عليه صحيحة العيص المتقدمة الشاملة بإطلاقها للفرضين. بل لفرض ثالث أيضا و هو الإتيان تماما بحسب عادته و ارتكازه من غير نسيان لا للحكم و لا للموضوع.

و لعل هذا الفرض أكثر اتفاقا. و لهذا شمول الرواية له أوضح، و اما

رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام. قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر اربع ركعات، قال: ان ذكر في ذلك اليوم فليعد و ان لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا اعادة عليه «1»

المختصة بالنسيان سؤالا و جوابا فلا توجب صرف الصحيحة إلى النسيان و دعوى ان مساق الروايات هو النسيان في الموضوع فنسيان الحكم خارج عنها في غير محلها بعد إطلاق السؤال و عدم الاستفصال في الجواب و بعد ما سمعت ان الأكثر وقوعا هو الفرض الثالث، و كيف كان مقتضى الإطلاق هو التفصيل في الفروض المتقدمة و لا يعارضها

صحيحة عبيد اللّه بن على الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

صليت الظهر اربع ركعات و انا في السفر، قال: أعد «2»

، لأنها مطلقة تقيد بصحيحة العيص.

و قد يقال ان صحيحة الحلبي مخصوصة بالنسيان عن الموضوع لعلو شأنه عن الجهل بالحكم، و فيه- مضافا الى ان عدم جهله بالحكم لا يوجب الاختصاص بالنسيان في الموضوع، لإمكان السؤال عن الفرض الثالث المتقدم الذي هو أكثر وقوعا و لا ينافي وقوعه علو الشأن- أن الرواة انما أرادوا السؤال عن الحكم الكلى من غير اختصاص بشخص أو ابتلائه به

كقول زرارة في الصحيحة أصاب ثوبي دم رعاف أو

غيره

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 17- من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 17- من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 232

أو شي ء من المني «1»

، ضرورة انه لا يريد إلا السؤال عن الواقعة من غير ابتلائه بها، كما ان

قولهم رجل شك بين الثلاث و الأربع «2»

لا يراد به الرجل، كذلك في أمثال المقام مما ينسبون الموضوع إلى أنفسهم لا يريدون الاختصاص و لا يظهر منها ابتلاء الراوي بالواقعة.

و اما صحيحة زرارة و محمد بن مسلم «3» الواردة في الجاهل بالحكم، فهي و ان احتملنا فيها احتمالات، لكن لا يبعد ان يكون الحكم فيها حيثيا من غير إطلاق لغير الجاهل، فالجاهل بالحكم صحت صلاته، و الناسي و الساهي عن الحكم أو الموضوع يعيد في الوقت دون خارجه، و ان كان الاولى مراعاة الاحتياط في غير النسيان للموضوع.

مسألة لو قصر المسافر اتفاقا بان كان آتيا بالعمل باعتقاد الإتمام و بعنوانه لجهله بالحكم أو بالموضوع و سها و سلم في الثانية باعتقاد كونها رابعة، و كذا لو أتم الحاضر اتفاقا بان كان آتيا بالصلاة بعنوان القصر للجهل أو النسيان و سها و أتم، لم تصح صلاته و تجب عليه الإعادة على قول مشهور، بل المحكى عدم الخلاف في الفرض الأول، و أردف بعضهم الاتى كذلك لعذر بالمتعمد لذلك تشريعا، لكنه غير وجيه لعدم إمكان الإتيان بالعمل بقصد الطاعة أو التقرب مع العلم بالخلاف، و ان أمكن التشريع بمعنى الافتراء و الإتيان بصورة العمل.

و كيف كان فهل يصح العمل مطلقا بحسب القواعد، أولا كذلك أو في المقام تفصيل يمكن ان يقال: انه ان قلنا في باب القصر و الإتمام بان

كلا منهما متعلق للأمر، فالصلاة قصرا عنوان متعلق للأمر بالنسبة إلى المسافر، و تماما عنوان متعلق لأمر أخر بالنسبة إلى الحاضر، و قلنا مع ذلك بان صحة العبادة موقوفة على قصد الطاعة المتوقف على الأمر، فلا محالة يكون المسافر الآتي بعنوان التمام جهلا قاصد اللامر

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 44- من أبواب النجاسات حديث 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 17- من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 233

المتوهم تعلقه بالتمام، فلا يعقل تصحيحها لأنه لم يأت بالمأمور به و لم يكن قاصدا لإطاعة أمر المولى، فما اتى به بعنوانه غير مأمور به و ما هو المأمور به لم يأت به.

و توهم كون الداعي له هو الأمر الواقعي و الخطأ انما هو في التطبيق غير صحيح في الفرض لأن الداعي له لا يعقل ان يكون الأمر الذي يقطع بعدم وجوده، و ما هو الداعي ليس الا توهم الأمر لا الأمر الواقعي، و قد قلنا في غير المقام: ان الانبعاث لا يكون في مورد من الموارد من الأمر الباعث إنشاء، بل مع القطع بأمر المولى يكون الباعث للاطاعة مبادي أخر موجودة في المكلف كالخوف من العقاب أو الرجاء للثواب أو غيرهما من المبادي، و مع تخيل الأمر يتحقق الانبعاث بواسطة تحقق المبادي، و بالجملة ان حديث الخطاء في التطبيق مع كون الداعي هو الأمر الواقعي لا ينطبق على هذا الفرض.

و ان قلنا بان الأمر متعلق بعنوان صلاة الظهر مثلا و طبيعتها، و القصر و الإتمام كيفيتان في المأمور به، نظير الترتيبي و الارتماسي بالنسبة إلى غسل الجنابة، فإن الأمر المتعلق بطبيعة

الغسل واحد، و له في مقام الإتيان كيفيتان و ليس للترتيبى أمر و للارتماسى أمر أخر، يصح ان يقال: ان المكلف قاصد للأمر الواقعي المتعلق بطبيعة صلاة الظهر، و أخطأ في مقام الامتثال بتطبيقه على احدى الكيفيتين، فاتى بعنوان التمام بتوهم ان تكليفه الإتيان بها بهذه الكيفية، فإذا سها و سلم في الثانية صحت صلاته، لكونه آتيا بالمأمور به مع كون داعيه الأمر الواقعي، و كذا الحال في العكس.

هذا إذا قلنا بان صحة العبادة متوقفة على قصد الإطاعة و الأمر، و اما ان قلنا بعدم الحاجة إليه، بل الإتيان بها بقصد القربة و الخلوص مجز و ان لم يكن لها أمر كما في باب التزاحم لو قلنا بسقوطه، أو كان الأمر و لكن لم يقصده و كان الداعي هو التقرب، فتصح صلاته أيضا، فإن الآتي بصلاة الظهر بعنوان التمام للّه تعالى إذا سلم في الثانية قد أتى بصلاة مأمور بها متقربا الى اللّه تعالى، و لا تتوقف الصحة الا على ذلك، نعم لو قلنا بان كلا من عنواني القصر و الإتمام دخيل في المأمور به و لا بد من قصده لا يمكن التصحيح لكنه مما لا دليل عليه.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 234

ثم ان الظاهر عدم تعدد الأمر في القصر و الإتمام بمعنى انه لم يكن لصلاة التمام أمر بعنوانها و لا للقصر كذلك، بل الأمر متعلق بنفس الصلاة و طبيعتها و الأمر الآخر يستفاد منه كيفيتها بالنسبة إلى المسافر أو الحاضر، و الأصل فيه الآية الكريمة وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ «1»، و المتفاهم منها بضميمة صحيحة زرارة و محمد بن مسلم «2» انه يجب تقصير

الصلاة التي أمر بها، لا وجوب الصلاة تقصيرا مستقلا و تماما كذلك، فالأمر واحد و كيفية الإتيان على نحوين، نظير الغسل كما أشرنا إليه، فعلى ذلك مقتضى القاعدة الصحة، فلو استكشفنا من عدم الخلاف في المسألة ان الحكم بحسب الشرع كذلك فلا كلام، و ان قلنا بان للعقل دخالة في المسألة و في مثله لا يمكن استكشاف حكم شرعي مستقل من الإجماع فضلا عن لا خلاف، فلا محالة يحكم بصحتها و طريق الاحتياط معلوم و مطلوب مسألة لو زاد ركوعا أو سجدتين فهل توجب هذه الزيادة بطلان الصلاة أولا، يمكن الاستدلال لطرفي القضية بأمور، اما للثاني فبان عدم الإعادة على القواعد كقاعدة البراءة العقلية، فإن الحكم بالإعادة اما لأجل تقييد الصلاة بعدم زيادة الركن بناء على جواز مثل هذا التقييد، أو لأجل جعل المزاحمة بينهما، و الشك في كل منهما مجرى البراءة حتى في الزيادة العمدية و كقاعدة لا تعاد فإن إطلاقها يقتضي الصحة حتى مع العمد، كما أشرنا إليه سابقا و قلنا بالانصراف عن العمد في جانب النقيصة لا الزيادة، و قلنا: ان مقتضى ذيل الحديث ان الزيادة لو فرض إيجابها للبطلان انما ثبت بالسنة و السنة لا تنقض الفريضة، و لو سلم عدم الجريان في العمد فلا ريب في جريانها في موارد العذر كالجهل و النسيان و نحوهما، و كحديث الرفع في مثل الجهل حكما أو موضوعا أو نسيانا.

و يمكن الاستدلال للصحة أيضا بجملة من الروايات، منها

صحيحة زرارة و بكير ابني أعين المتقدمة على نسخة الكافي، قال: إذا استيقن انه قد زاد في صلاته

______________________________

(1) سورة النساء آية- 101.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 22- من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة،

ص: 235

المكتوبة ركعة لم يعتد بها الى آخرها «1»

فان مفهومه الصحة مع عدم زيادة الركعة سواء زاد ركوعا أو سجودا، و على نسخة التهذيب يتشبث بإطلاقها على البطلان.

و منها

صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل صلى فذكر انه زاد سجدة، فقال: لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة «2»

، فإنها تدل على ان ما يوجب البطلان زيادة ركعة، إذ لو كانت السجدتان بوحدتهما أو الركوع بوحدته توجب البطلان كان ذكر الركعة بلا وجه، بل مع إبطال الركوع لا يعقل انتساب البطلان إلى الركعة، فإن البطلان عارض قبل تحققها دائما، و حمل الركعة على الركوع خلاف الظاهر.

و قريب منها

موثقة عبيد بن زرارة، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شك فلم يدر اسجد ثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثم استيقن انه قد زاد سجدة فقال:

لا و اللّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، و قال لا يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة «3»

، و الوجه في دلالتها كسابقتها.

الا ان يقال: ان في عبارة الرواية قرينة تدل على ان المراد بالركعة الركوع، فان قوله في الجواب: لا و اللّه لا تفسد الصلاة زيادة سجدة لا إبهام فيه و يدل على المقصود بلا شبهة، فقوله بعد ذلك: لا يعيد صلاته الى آخرها اتى به لإفادة أمر زائد و هو ان السجدة الواحدة لا تبطلها، فتدل بمفهوم القيد على ان السجدتين مبطلة، فإذا دلت على ذلك لا يعقل ان تكون الركعة بتمامها دخيلة في البطلان، فإن الزائد على سجدتين غير دخيل، و هذا قرينة على ان المراد هو الركوع ليصح الكلام، فكأنه قال: السجدتان

مفسدة و كذا الركوع، و انما لم نقل ذلك في الرواية الأولى، لإمكان ان يقال فيها بان ذكر سجدة لأجل وقوعها في كلام السائل، و هذه النكتة تمنع عن فهم المفهوم، و اما في الثانية فبعد ما تم جوابه أتى بجملة أخرى زائدة على

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب الركوع حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب الركوع حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 236

ذلك فتفيد المفهوم و معه يتم ما ذكرنا من الدلالة.

و لو قيل بأن الجملة الأولى بمنزلة الكبرى الكلية و جواب السؤال في الجملة الثانية، يقال: مع كفاية الكبرى الكلية في المقصود لا احتياج الى بيان الصغرى، مضافا الى ان ذلك أيضا كاف في الدلالة التي رمناها، فإن دلالة الكبرى الكلية على البطلان بالسجدتين بالمفهوم كافية في القرينية و انما لم نقل بهذه الدلالة بناء على كون المقصود جواب السؤال بنفس هذه الجملة، و اما إذا كان الجواب في الجملة الثانية، و كانت الجملة الأولى كبرى شرعية منطبقة على الثانية فلا قصور في الدلالة على المفهوم.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في فهم العرف من مثل هذه الجملة و هذا القيد المفهوم، إذ لو كانت طبيعة السجدة غير مبطلة لا وجه للتقييد بالوحدة، و الميزان هو الفهم العرفي و ان فرض إنكار المفهوم بحسب الصناعة، كما هو كذلك حتى في مفهوم الشرط، و على ذلك يمكن ان تكون تلك الرواية شاهدة على ان المراد بالركعة في الصحيحة أيضا الركوع.

و أما للأول اى البطلان بزيادة الركوع أو السجدتين فيمكن الاستدلال بالنسبة إلى زيادة الركوع بجملة من

الروايات، منها

رواية معلى بن خنيس قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و ان ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأولتين و الأخيرتين سواء «1».

وجه الدلالة انه لو كانت زيادة الركوع على تقدير العود لتدارك السجدة غير مبطلة كزيادة القراءة و القيام لم يكن وجه لبطلان الصلاة في مفروض الجواب فالوجه للبطلان لزوم زيادة الركن اى الركوع لو رجع لتدارك السجدة، و توهم ان الزيادة في المورد عمدية فاسد ضرورة ان الركوع الأول انما اتى به لأجل تخيل كونه في محله و انه ركوع الصلاة، و انما يتصف بالزيادة بعد الإتيان بالركوع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب السجود حديث: 5.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 237

الثاني في محله، فالثاني عمدي و ليس بزائد بل هو ركوعه الصلاتي، و الأول يتصف بالزيادة بعد تحقق الثانية و لم يكن إيجاده عمدية، نعم منشأ انتزاع الزيادة عنه عمدي اى الركوع الثاني، و بهذا يظهر ان ما قال بعضهم في غير مورد من ان دليل بطلان العمل بالزيادة

كقوله: من زاد في صلاته فعليه الإعادة «1»

لم يشمل ما انتزع الزيادة عن العمل بعد وجوده ففي مثله لا دليل على بطلانه غير وجيه لدلالة هذه الرواية و الروايات الاتية على ذلك، و هذه الرواية و ان كانت دلالتها ظاهرة لكنها مرسلة و فيها ضعف.

و منها

صحيحة إسماعيل بن جابر عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر و هو قائم انه لم يسجد،

قال فليسجد ما لم يركع فاذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء «2»

و نحوها غيرها، وجه الدلالة على ان زيادة الركوع مبطلة و ليست كزيادة القراءة و القيام هو أن زيادة الركوع لو لم تضر بالصلاة و كانت كزيادة القراءة لم يكن وجه للخروج به عن محل السجدة حتى يجب المضي و قضاء السجدة.

و بالنسبة إلى زيادة السجدتين بجملة من الروايات، منها

صحيحة رفاعة عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد و يقوم قال: يستقبل «3»

و قريب منها غيرها، و هي تدل على ان زيادة السجدتين مبطلة و الا لم يكن وجه للاستقبال بل كان يجب العود لتدارك الركوع ثم السجدتين و توهم أن الزيادة هنا على فرض العود لتدارك المنسي عمدية قد مر بيان فساده.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب السجود حديث: 1.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب الركوع حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 238

و اما الاستدلال

برواية أبي بصير «من زاد في صلاته فعليه الإعادة «1»»

و برواية زرارة و بكير «2» على رواية التهذيب، فقد مر الكلام فيه مستقصى فيما سبق و فصلنا القول فيهما و في نسبتهما مع حديثي لا تعاد و الرفع فلا نطيل، فبطلان الصلاة بزيادة الركوع أو السجدتين لا ينبغي الإشكال فيه، لا لمجرد الإجماع و الشهرة، بل لدلالة تلك الروايات عليه، فما قيل من انه لا دليل عليه الا الإجماع في غير محله و ان كان الإجماع بل الشهرة في مثله

حجة كافية لو لا الروايات.

مسألة لو علم بترك السجدتين و لم يدر انهما من ركعة واحدة أو من ركعتين فللمسألة صور، الصورة الأولى ما إذا علم بذلك بعد الفراغ من الصلاة و الإتيان بالمنافي كالاستدبار و نحوه.

و ليعلم أولا ان العلم الإجمالي في المقام و أكثر الموارد المبحوث عنها انما هو العلم بالحجة و ان شئت قلت: علم بالواقع الثابت من قبل الأدلة الشرعية كالأمارات و نحوها، لا العلم الفعلي بالتكليف الواقعي الفعلي الذي لا يرضى المولى بتركه و لا يحتمل فيه الخطاء و التخلف، و الفرق بينهما كما بينا في محله ان الثاني لا يمكن فيه احتمال الترخيص في أحد الأطراف فضلا عن جميعها، لان احتماله مساوق لاحتمال اجتماع النقيضين، و المبحوث عنه في الغالب الا ما شذ هو الأول، و في مثله يجوز الترخيص في جميع الأطراف فضلا عن بعضها. فيكشف ذلك عن عدم الفعلية مطلقا أو على بعض التقادير، و ما نحن فيه من قبيله فلو ادى مقتضى الأدلة الى مخالفة العلم الإجمالي في بعض الأطراف لا يصح رده بلزوم المحال على تقدير و ان الترخيص في المعصية غير ممكن فان ذلك في الفرض الثاني لا الأول و التفصيل في مقامه.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 19- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 239

و كيف كان فهل يجب في الصورة المفروضة إعادة الصلاة و قضاء السجدتين و الإتيان بسجدة السهو، أو عليه إعادتها فقط، أو قضائهما و السجود للسهو فقط وجوه، فمع قطع النظر عن القواعد و الأصول يكون مقتضى العلم الإجمالي الأول،

و اما مع النظر إليها فلا بد أولا من النظر الى القواعد و الأصول الحاكمة كقاعدة التجاوز و الفراغ ثم إلى المحكومة فالمحكومة.

فلو قلنا بان هنا قاعدتين، قاعدة الفراغ و هي أصالة الصحة المؤسسة للحكم بالصحة عند الشك فيها بعد الفراغ من العمل، و قاعدة التجاوز المؤسسة للحكم بالصحة عند احتمال ترك ما يعتبر وجوده أو فعل ما يعتبر عدمه بعد التجاوز عن محله، و قلنا أيضا بحكومة قاعدة التجاوز على قاعدة الفراغ لان الشك في الصحة و الفساد ناش عن الشك في ترك ما يعتبر وجوده أو فعل ما يعتبر عدمه، وقع التعارض بين قاعدة التجاوز في أطراف العلم و بقيت قاعدة الفراغ بلا معارض، و مقتضاها صحة العمل.

فحينئذ لو قلنا بأنها امارة على الواقع فتكشف عن عدم ترك السجدتين من ركعة واحدة و عن تركهما من ركعتين فيجب عليه قضائهما و سجدة السهو و ينحل بذلك العلم الإجمالي.

و ان قلنا بأنها أصل لا يترتب عليها إلا صحة العمل، فلا بد من الإتيان بقضائهما و السجود لئلا تلزم المخالفة القطعية، الا ان يقال ان القاعدة معارضة مع استصحاب عدم وجوب قضاء السجدة و عدم وجوب سجدة السهو، فإنه جار بعد سقوط قاعدة التجاوز الحاكمة أو المتقدمة عليه، و هو في عرض قاعدة الفراغ لعدم حكومتها عليه، و مع سقوطهما بالتعارض تصل النوبة الى الأصل المحكوم، كأصالة بقاء وجوب الصلاة، و قاعدة البراءة عن وجوب القضاء و سجود السهو و يأتي تتمة لذلك.

لكن التحقيق أن قاعدة الفراغ ليست قاعدة مجعولة برأسها، بل قد ذكرنا في محله امتناع ذلك فراجع مظانه، كما أن التحقيق عدم حكومة قاعدة التجاوز عليها على فرض تأسيسها، و ذلك لعدم مناط

الحكومة هنا على ما ذكرنا في محله من لزوم

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 240

كون الترتب شرعيا و لا يجدي مجرد السببية و المسببية.

فعلى ما هو التحقيق من وحدة القاعدة و هي قاعدة التجاوز فبعد سقوطها بالتعارض في أطراف العلم، تصل النوبة إلى أصول أخر من الحكمية و الموضوعية و الحاكمة و المحكومة، كأصالة بقاء وجوب الصلاة عليه، و أصالة عدم وجوب قضاء السجدة و سجدة السهو، و أصالة الاشتغال بتكليف الصلاة، و أصالة البراءة عن القضاء و سجود السهو.

لكن تلك الأصول الحكمية محكومة لأصول أخر، فإن الشك في بقاء حكمها و وجوبها و اشتغال الذمة بها مسبب عن الشك في صحة المأتي به و فساده و عن الشك في عروض البطلان عليه، و استصحاب صحته و عدم عروض المبطل محقق لمصداق المأمور به و موجب لسقوط التكليف و سلب الاشتغال، مع ان قاعدة الاشتغال محكومة لاستصحاب بقاء التكليف، و كذا استصحاب عدم تحقق موجب القضاء و سجود السهو حاكم على استصحاب عدم الوجوب فضلا عن البراءة و لازم ذلك صحة الصلاة و عدم وجوب القضاء، و الأصلان متعارضان للعلم الإجمالي بوجوب إعادة الصلاة أو قضاء السجدتين.

لكن استصحاب الصحة و عدم عروض المبطل محكوم لأصل آخر فان الشك في الصحة و عروض المبطل مسبب عن الشك. في ترك السجدتين من ركعة، و استصحاب عدم الإتيان بهما في ركعة أو استصحاب عدم الثانية فيها بعد العلم بوجود سجدة محقق لموضوع مستثنى لا تعاد بعد خروج سجدة واحدة عنه بالدليل، و ليس عنوان الترك موضوعا حتى يناقش فيه من جهة المثبتية.

و اما موجب قضاء السجدة و سجدة السهو فهو ترك السجدة المنفردة أو الواحدة، و قد

يتوهم جريان استصحاب عدم السجدة الواحدة و المنفردة، و هو حاكم على الأصل الحكمي و على أصل عدم الموجب على احتمال، و فيه ان الأصل المذكور مثبت على فرض و غير تام الأركان على فرض آخر، فان المستصحب ان كان نفس

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 241

عدم السجدة و أريد إثبات الحكم لعدم السجدة الواحدة و المنفردة فهو مثبت، و ان كان عدم السجدة المنفردة و الواحدة اى الموصوف بما هو كذلك فلا حالة سابقة له لأن الأعدام لا يعقل اتصافها بأمر وجودي أو عدمي عقلا و لا تتصف بهما عرفا، و هذا بوجه نظير استصحاب عدم القرشية الذي فصلناه بما لا مزيد عليه و أثبتنا عدم جريانه لا بنحو القضية المعدولة و لا بنحو الموجبة السالبة المحمول و لا بنحو السالبة المحصلة فراجع.

فتحصل مما ذكر وجوب الإعادة و عدم وجوب قضاء السجدتين و سجدة السهو للأصل الحكمي و انحلال العلم الإجمالي و لو حكما.

بل يمكن ان يقال: ان قضاء السجدة و سجدة السهو مترتبان على الصلاة الصحيحة، كما يظهر من عنوان القضاء فان قضاء السجدة هو الإتيان بها بعد الصلاة الصحيحة بل سجدة السهو أيضا كذلك و لو لا صحة الصلاة لما وجبا، و يظهر ذلك أيضا من الروايات الواردة في المسألة من الأمر بالمضي و الإتمام ثم قضائها و الإتيان بالسجدة للسهو «1»، فحينئذ مع استصحاب عدم الإتيان بالسجدتين في الركعة يحرز البطلان و ينتفي الصحة، و به ينتفي موضوع القضاء و سجدة السهو، و ما في بعض الكلمات من انهما لا تترتبان على الصلاة الصحيحة بل دليلهما أحكام حيثيته مما لا يمكن موافقته، و عليه فاستصحاب عدم الإتيان بالسجدتين في ركعة

مقدم على استصحاب عدم وجوب القضاء و عدم وجوب سجود السهو و على أصل البراءة عن وجوبهما، و لو منعنا التقدم كما يأتي فجريان جميعها موجب للحكم بالبطلان و عدم لزوم القضاء و الأمر سهل.

الصورة الثانية ما إذا علم إجمالا بعد الفراغ و قبل الإتيان بالمنافي، فحينئذ ان لم يحتمل ترك كلتيهما من الركعات غير الأخيرة، بأن احتمل أنه اما تركهما من الأخيرة أو ترك إحداهما منها و الأخرى من الركعات السابقة، فعلى القول بأنه مع تركها من الأخيرة يقع التشهد و السلام في غير محلهما و وجب الإتيان بهما ثم الإتمام، يجب

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 14- من أبواب السجود أحاديث: 1 و 2 و 4 و 5.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 242

عليه بحكم العلم الإجمالي الإتيان بهما و الإتمام ثم قضاء السجدة مرتين و كذلك سجدة السهو، فإنه لا يحتمل في الفرض بطلان الصلاة، بل يعلم إجمالا بأنه يجب عليه اما ذاك أو ذلك.

الا ان يقال: ان استصحاب عدم الإتيان بهما في الأخيرة أو استصحاب عدم السجدة الثانية بعد العلم بالإتيان بالأولى يوجب انحلال العلم و لو حكما، فإنه بعد الاستصحاب يرتفع الإجمال و يعلم بوجوب الإتيان بهما تفصيلا و لو بحسب الحكم الظاهري، و يشك في وجوب القضاء و السجود للسهو فيستصحب عدمهما كما هو مقتضى البراءة أيضا:

و ان احتمل ترك كلتيهما من غير الأخيرة فيجري استصحاب عدمهما و يترتب عليه البطلان و ينحل العلم، فيجب عليه الإعادة و يرتفع موضوع القضاء و سجود السهو كما مر، مع انه موافق لأصل البراءة و الأصل الحكمي.

الصورة الثالثة ما إذا علم في أثناء الصلاة بعد ما لم يمكن التدارك كما لو كان

بعد الركوع الثالث فلم يدرانه تركهما من الركعة الثانية أو من الأولى أو ترك من كل منهما سجدة، فيعلم اما بوجوب الاستيناف أو وجوب القضاء و سجود السهو، ففي هذه الصورة أيضا يجري استصحاب عدم الإتيان بالسجدة الثانية في ركعة ترك فيها سجدة واحدة يقينا، أو استصحاب عدم الإتيان بهما إذا كان أحد أطراف العلم احتمال عدمهما في ركعة و يوجب الحكم بالبطلان و رفع موضوع القضاء و السجود كما مر.

ان قلت: ان العلم الإجمالي متعلق بواحب مردد بين المطلق و المشروط، فان وجوب القضاء مشروط بإتمام الصلاة فلم يكن علم إجمالي بتكليف مطلق على اى حال، و في مثله يجوز اجراء قواعد الشك، فيحكم بعدم وجوب الإعادة و كذا القضاء و مخالفة أحدهما للواقع غير مضر لأنها لا ترجع الى مخالفة التكليف الفعلي القطعي.

قلت: كون الواجب مرددا بين المطلق و المشروط محل اشكال بل منع،

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 243

لان التكليف بالقضاء مشروط بالنسبة إلى الركوع و المفروض تحققه. و اما بالنسبة إلى إتمام الصلاة فليس مشروطا، بل الظاهر انه معلق على الفراغ من الصلاة فإن وجوب القضاء يترتب على الفوت و هو حاصل بمجرد الركوع، لكن محل الواجب ما بعد الفراغ فالوجوب فعلى و ان كان الواجب استقباليا.

و الاخبار الواردة في قضائها مختلفة الظاهر، ففي بعضها يشبه أن يكون مشروطا و في بعضها يشبه أنه مطلق لكن محل وجوده بعد الصلاة، لكن القرينة المذكورة أي لزوم ترتب القضاء على الفوت و عدم اشتراطه بأمر آخر غيره قاعدة تكشف المراد عن الاخبار، بل في دلالة ما ذكر على الوجوب المشروط اشكال فليرجع إليها، فلا نحتاج الى جواب الإشكال بأن الواجب المشروط كالمطلق في

قبح الترخيص.

و لكن في المقام يمكن ان يقال بجواز قطع الصلاة ليرتفع موضوع القضاء لعدم الدليل على حرمته في مثل المقام، و لو اتى بها رجاء يأتي فيها ما مر لان ذلك تبعيد المسافة، مع انه بما ذكرنا من اقتضاء الأصل البطلان ينسد باب الإتيان بالصلاة رجاء ليترتب عليه عدم القضاء بل يرتفع موضوعه بالحكم بالبطلان فتدبر.

الصورة الرابعة ما لو علم بذلك بعد تجاوز المحل على جميع الاحتمالات قبل الدخول في الركن كما لو علم حال التشهد فحالها حال الصور السابقة من بطلان الصلاة و وجوب إعادتها و عدم وجوب غيرها من القضاء و سجدة السهو عليه.

و ربما يقال في مطلق الموارد التي كان أحد الاحتمالات البطلان سواء كان بعد الفراغ أو قبله بان مقتضى كون وجوب القضاء و سجود السهو مترتبا على الصلاة الصحيحة تقدم قاعدة التجاوز المثبتة للصحة على ما يترتب عليها نفى القضاء و سجود السهو، لكون ما يوجب الصحة جاريا في موضوع ما ينفى القضاء و سجود السهو، فالقاعدة الجارية في الشك في السجدتين معا حاكمة على غيرها، فاذن جريانها لإثبات الصحة لا مزاحم له إذ لم يحرز الصحة إلا به، و بعد جريانها و إثبات الصحة بها تصل النوبة إلى إجرائها بالنسبة إلى سجدة واحدة، و لازم إجرائها فيها مخالفة العلم الإجمالي

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 244

قطعا، فيرفع اليد عنها و يحكم بوجوب القضاء و سجود السهو.

و بعبارة اخرى ان الأصل الجاري في السجدتين في رتبة مقدمة لا يزاحمه العلم الإجمالي لعدم لزوم المخالفة القطعية، و لا الأصل الذي في سائر الأطراف لعدم جريانه في هذه الرتبة لترتبه على إحراز الصحة فيحكم بالصحة، و اما سائر الأصول فساقطة

لمكان المخالفة القطعية.

و فيه ان ما ذكرنا سابقا من ان القضاء و سجود السهو مترتبان على الصلاة الصحيحة بحسب الأدلة و الاعتبار لا يلزم منه تقدم الأصول بعضها على بعض لعدم الترتب بين موضوعاتها و هي الشك بعد التجاوز، مع انه على فرض الترتب العقلي كالأصل السببي و المسببي لا يكون الأصل السببي مقدما، لما قرر في محله من ان ملاك التقدم أمر آخر، على انه لا ترتب في المقام، و اما عدم جريان الأصل لإثبات القضاء إلا في الصلاة الصحيحة، فلا ينافي الجريان عرضا بالنسبة إلى السجدتين و السجدة الواحدة لإثبات الصحة و القضاء في رتبة واحدة، و بعبارة أخرى لا يتوقف جريان الأصل بالنسبة إلى السجدة الواحدة على ثبوت الصحة مقدما على جريان الأصل الأخر، بل ما يوجب رفع لغوية الأصل هو عدم ثبوت القضاء في الصلاة الباطلة، و اللغوية مرتفعة إذا ثبت القضاء و الصحة في وقت واحد أو رتبة واحدة من غير لزوم التقدم الزماني أو الرتبي، فاذن الأصلان جاريان معا مع الغض عن العلم الإجمالي، و يثبت بأحدهما الصحة و بالآخر القضاء في زمان واحد بل في رتبة واحدة، و لما كان الأجراء في الجميع مخالفا قطعيا للعلم سقطا جميعا، و بعده يحكم بالإعادة لاستصحاب عدم سجدتين في ركعة أو عدم سجدة مع العلم بعدم سجدة أخرى و بعدم وجوب القضاء و السهو للأصل كما مر.

الصورة الخامسة ما إذا لم يتجاوز المحل الشكي في بعض الأطراف، كما لو شك في حال الجلوس قبل الدخول في التشهد في أنه ترك السجدتين من هذه الركعة أو من ركعة سابقة، فمقتضى قاعدة التجاوز في ما مضى و استصحاب عدم الإتيان في ما بقي

محله و قاعدة الشغل بل مقتضى بعض الروايات هو الإتيان بالسجدتين و لا شي ء عليه.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 245

و لكن الشيخ الأعظم بنى على عدم جريان قاعدة التجاوز فيما إذا كان الفائت مرددا بين ما بقي محله و بين ما تجاوز، و تمسك بعد ذلك بأصالة عدم المبطل، و أوجب قضاء سجدة واحدة حذرا عن المخالفة القطعية، و تبعه في عدم الجريان بعض الأعيان قائلًا بأنه ليس ببعيد بالنسبة إلى منصرف أدلة القاعدة.

و فيه ما لا يخفى بعد العموم و الإطلاقات القوية، و لا إشكال في ان هاهنا شكوكا متعددة ناشئة من العلم الإجمالي، أحدها الشك في الإتيان بالسجدتين في الركعة الأخيرة و هو شك في وجودهما و عدمهما بلا اشكال و محله باق قطعا ثانيها الشك في السجدة الأخيرة من كل من الركعة الأخيرة و الركعة الماضية و ثالثها شك مستقل آخر في الإتيان بالسجدتين في الركعة الماضية و من المعلوم انه مضى محله، و هو مشمول لقاعدة التجاوز، و لا دليل على تقييد دليل القاعدة بعدم الاقتران بالعلم الإجمالي، و دعوى الانصراف في غير محلها مع ان في الأدلة بعض العمومات مما لا مسرح للانصراف فيه.

و ما يظهر منه من كون الفائت مرددا بين ما بقي و ما مضى مما يوهم انه شك واحد مردد التعلق مغالطة، ضرورة ان هنا شكين مستقلين لكل حكمه، لا شك واحد و لعل بنائه على وحدة الشك أوقعه في ذلك، و اما تمسكه بأصالة عدم المبطل على فرض عدم قاعدة التجاوز فقد مر ما فيه من ان أصالة عدم الإتيان بالسجدتين محرزة لمستثنى قاعدة لا تعاد و حاكمة على الأصل الذي ذكره لو كان أصيلا

فالأقوى ما تقدم.

القول في الشك

اشارة

و هو اما في أصل الصلاة و اما في الاجزاء و الشرائط و اما في الركعات اما الشك في أصل الصلاة ففيه مسائل،

[المسألة] الأولى

ما لو شك بعد انقضاء الوقت في الإتيان بالصلاة في وقتها، فتارة يبحث عنه بلحاظ الأصول العقلية، و اخرى بلحاظ الاستصحاب.

و ثالثة بملاحظة قاعدة التجاوز، و رابعة بلحاظ النص الوارد في خصوصه.

اما البحث بلحاظ الأصول العقلية فيختلف حسب اختلاف كيفية الاستفادة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 246

من أدلة إيجاب الصلاة فإن قلنا بأنها تدل على الوجوب مطلقا، و ان حال الوقت كحال الطهور ماء و ترابا بالنسبة إلى الصلاة، و ان الصلاة في الوقت و خارجه من قبيل تعدد المطلوب كما في سائر ما يعتبر في الصلاة، يكون المحكم قاعدة الاشتغال، و ان قلنا: ان التكليف بالصلاة أداء غير التكليف قضاء، و أن القضاء بأمر جديد فالمحكم قاعدة البراءة، و كذا مع الشك و عدم إحراز أحد الأمرين.

و أما البحث بلحاظ جريان استصحاب عدم الإتيان إلى آخر الوقت فنقول:

ان جريان الأصل المذكور مبني على ان موضوع الحكم بالقضاء هذا العنوان كما يظهر من بعض الروايات في الناسي، و اما إذا كان الموضوع عنوان الفوت فالأصل المذكور لا يثبته الا على القول بالأصل المثبت، الا ان يقال: ان الفوت عبارة عن عدم تحقق شي ء ذي مصلحة، و فيه منع فإنه عبارة عن ذهاب المصلحة أو أمر ذي مصلحة من يده، لا نفس عدم الإتيان، فالأصل مثبت و سيأتي تتمة لذلك.

و اما استصحاب بقاء التكليف المتعلق بالصلاة فمبنى على ان الأمر بالصلاة مطلق بالنسبة إلى الأداء و القضاء، فاذا شك بعد الوقت بان التكليف سقط بالإتيان أو لا يستصحب بقائه عينا، و اما

على فرض كون الأمر بالأداء غير الأمر بالقضاء، و انه يحتاج إلى أمر جديد، أو على فرض التردد في ذلك و احتمال ان يكون على الوجه الأول أو الثاني فلا يجرى الاستصحاب الشخصي.

ثم يرد على الأصل المذكور ما أورده النراقي على الاستصحابات الحكمية أو الموضوعية من تعارض استصحاب الوجود باستصحاب عدمي آخر، ففي المقام يعارض استصحاب بقاء التكليف على عنوان الصلاة الى ما بعد الوقت باستصحاب عدم التكليف بالصلاة المتقيدة بالوقت، و كذا الحال في الأشباه و النظائر، و قد فرغنا عن جوابه في محله، و قلنا: ان الأصلين على ما ذكر لا تعارض بينهما لان الموضوع في أحدهما مغاير لموضوع الأخر و شرط التعارض وحدة الموضوع، و مع عدم التقيد بالوقت و كونهما في موضوع واحد هي الصلاة لا يجري الثاني لعدم اتصال

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 247

زمان الشك باليقين فراجع.

ثم على فرض تعدد الأمر و كون القضا بأمر جديد تجري في بادئ النظر استصحابات ثلاثة، أحدها استصحاب وجوب الصلاة على نحو الكلى القسم الثالث، فان وجوبها أداء معلوم، و مع ذهاب الوقت يحتمل تحقق وجوب القضاء لاحتمال عدم الإتيان بالأداء، فنفس طبيعة الوجوب المشتركة بين الأداء و القضاء مجرى الاستصحاب للعلم بها و الشك في بقائها، ثانيها استصحاب عدم وجوب القضاء للشك في حدوثه بعد العلم بعدمه في الوقت، ثالثها استصحاب عدم الإتيان بالصلاة الى آخر الوقت.

لكن مع جريان الأصل الأخير لا مجرى للسابقين لحكومته على الدليل الاجتهادي أي وجوب القضاء بتنقيح موضوعه، و مع تطبيق الدليل الاجتهادي يرفع الشك تعبدا فيكون الأصلان المتقدمان محكومين للدليل المحكوم للأصل الأخير، كما هو المحقق في حكومة الأصل السببي على المسببي مطلقا، فلا شك

تعبدا في وجوب القضاء، فأصالة عدم القضاء غير جارية، كما يرتفع به احتمال بقاء الكلى.

و قد يستشكل في استصحاب عدم الإتيان بها، بان موضوع القضاء هو عدم الإتيان بها في الوقت المضروب لها، لا مطلق عدم الإتيان فيرد على الأصل ما يرد على استصحاب الاعدام الأزلية كاستصحاب عدم قرشية المرأة، لأن عدم الإتيان بها في الوقت على نعت الليس الناقص لا حالة سابقة له، و على نعت الليس التام اى عدم وجود الإتيان بالصلاة الواقعة في الوقت لعدم الوقت بل و عدم المكلف الاتى بها لا يترتب عليه الأثر، و إثبات الموضوع المترتب عليه الأثر أي الليس الناقص بإجراء الأصل في الليس التام مثبت.

الا ان يقال: انا نعلم في الان الأول من الوقت بعدم الإتيان بالصلاة في الوقت، و لو مع احتمال الإتيان بها في أول وقتها، ضرورة انها لا يعقل وجودها في الان الأول، ففي هذا الآن عدم الإتيان بها في الوقت معلوم و يشك في بقائه إلى آخر الوقت

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 248

فيستصحب بلا ورود الشبهة المتقدمة.

مضافا الى انه مع الغض عن ذلك، يمكن اجراء استصحاب عدم الإتيان بالصلاة و إحراز جزء الموضوع به، و الجزء الأخرى الوقت و ذهابه محرز بالوجدان، كسائر الموارد المحرز فيها أحد جزئي الموضوع بالأصل و الأخر بالوجدان.

و الجواب عن الأول ان المعلوم عدم الإتيان في الان الأول من الوقت و هو ليس موضوعا للحكم، و ما هو الموضوع عدم الإتيان في الوقت المضروب لها من الأول الى آخره، و ان شئت قلت: عدم الإتيان في مجموع الوقت هو الموضوع للأثر، و يرد على القطعات المتأخرة ما يرد على الاولى لو فرض عدمها و أريد

إجراء الأصل الأزلي، و بالجملة الإشكال الوارد على استصحاب الاعدام الأزلية يرد على القطعات المتأخرة، و هذا ليس إنكارا لإجراء الأصل في الزمان و الزمانيات المتصرمة، بل اشكال على إجراء الأصل بنعت الليس الناقص تأمل.

و عن الثاني ان إحراز الموضوع بالأصل و الوجدان لا يمكن في المتقيدات و المركبات، اما في الاولى فلان إثبات التقيد بإجراء الأصل مثبت، و اما في الثانية فلان المركبات الاعتبارية متقومة بلحاظ نحو وحدة فيها و الأصل لا يصلح لإثباتها.

و الذي يسهل الخطب ان موضوع وجوب القضاء كما يظهر من الروايات الواردة في الناسي بعد إلغاء الخصوصية هو عدم الإتيان بالصلاة الى ذهاب وقتها، فاستصحاب عدم الإتيان بها الى آخر الوقت أو الى ذهابه محرز للموضوع و يترتب عليه القضاء.

و اما استصحاب الكلي ففي جريانه اشكال، لا لأجل حكومة استصحاب عدم وجوب القضاء عليه، بدعوى ان الشك في بقاء الكلى مسبب عن الشك في حدوث وجوب القضاء مقارنا لسقوط وجوب الأداء و الأصل السببي حاكم على المسببي، و ذلك لما حقق في محله و أشرنا إليه سابقا من ان ميزان تقدم الأصل السببي على المسببي ليس مجرد السببية و المسببية، بل لو كان السببي محرزا لموضوع الدليل الاجتهادي فانطبق

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 249

هو على الموضوع التعبدي يرفع ذلك الدليل الشك تعبدا فيقدم عليه، و اما السببية إذا لم تكن بتلك المثابة فلا تقدم له عليه، و ان شئت قلت: ان الترتب إذا كان عقليا لا يوجب التقدم كالمقام، فأصالة عدم وجوب القضاء لا يترتب عليها شرعا عدم بقاء الحكم الكلى بل الترتب عقلي، فاذن يتعارض الاستصحابان و المرجع الأصل العملي.

بل الإشكال في جريانه هو ان الجامع بين

الحكمين التكليفيين ليس حكما شرعيا لأنه جامع انتزاعي من الحكمين عقلا لا حكم مجعول شرعا و لا موضوع لحكم شرعي، فلا مجرى لأصالة بقاء، فأصالة عدم وجوب القضاء بلا معارض.

هذا كله فيما إذا أحرز وحدة التكليف أو تعدده، و اما مع عدمه و تردد الأمر بينهما، فمع الغض عن أدلة إثبات القضاء يكون الأصل فيه شبيها باستصحاب القسم الثاني من الكلى مع فرق بينهما بناء على ما ذكروا فيه من دوران الأمر بين مقطوع الزوال و مقطوع البقاء كالمردد بين طويل العمر و قصيره، إذ في المقام يكون الأمر مرددا بين مقطوع الزوال و محتمل البقاء لا مقطوعة، فإن المفروض هو الشك في الإتيان بالصلاة في الوقت، و معه يشك في بقاء التكليف على فرض وجود طويل العمر اى على فرض وحدة التكليف في الأداء و القضاء، و على فرض كون القضاء بأمر جديد يكون زوال التكليف الادائى مقطوعا به، لكن مع لحاظ أدلة القضاء يكون الأمر دائرا بين محتمل البقاء في فرض و محتمله في فرض آخر، و ان كان الاحتمال بملاك التردد بين طويل العمر و قصيره في أحد الفرضين، و بملاك احتمال حدوث تكليف بالقضاء مقارنا لسقوط التكليف بالأداء على الفرض الآخر و الأمر سهل.

و يمكن ان يقال في المقام: ان استصحاب عدم حدوث التكليف الواحد الطويل العمر جار، و أثره عدم وجوب الإتيان بعد الوقت، و لا يعارضه استصحاب عدم حدوث القصير، لان عدمه لا اثر له الا ان يثبت به تحقق الطويل، و هو كما ترى مثبت، و لا يتوهم فيه اجراء اشكال أصل العدم الأزلي كما يظهر بالتأمل، هذا حال الاستصحاب عدم حدوث القصير، لان عدمه لا اثر له

الا ان يثبت به تحقق الطويل، و هو كما ترى مثبت، و لا يتوهم فيه اجراء اشكال أصل العدم الأزلي كما يظهر بالتأمل، هذا حال الاستصحابات.

و أما الكلام في ما تقتضيه قاعدة التجاوز، فنقول: لا إشكال في جريان قاعدة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 250

التجاوز في الشك بعد الوقت لو قلنا بان القضاء بأمر جديد، بل صدق نحو

قوله عليه السلام: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو «1»

على مضى الوقت اولى و انسب.

و اما لو قلنا بأمر واحد في الأداء و القضاء مع تعدد المطلوب، فبناء على ان مفاد القاعدة إحراز المشكوك فيه لكن من حيث، اى تكون أصلا حيثيا، فتجري بالنسبة إلى المطلوب الأعلى لو كان للإحراز أثر، و اما بالنسبة إلى نفس الطبيعة فلا تجري لعدم المضي بالنسبة إليها، لأن المفروض ان الأمر بنفس الطبيعة لا توقيت فيه و انما التوقيت بالنسبة إلى المطلوب الأعلى.

و التفكيك المذكور ليس بعزيز، كما لو توضأ بماء ثم علم انه مسبوق بالنجاسة مع الشك في بقائها فيحكم بصحة الوضوء و طهارة أعضائه من حيث اشتراط الوضوء بها، و بنجاستها في نفسها للملاقاة، و كما لو صلى و شك بعدها في وجود الوضوء فيحكم بتحققه من حيث اشتراط ما مضى عليه و عدم تحققه في نفسه أو من حيث اشتراط ما يأتي به بعد ذلك.

ففي المقام يحكم بتحقق الصلاة من حيث ما مضى و هو المطلوب الأعلى لو كان له اثر، و لا يحكم بتحققها في نفسها، فلا بد من إيجادها لقاعدة الاشتغال و الاستصحاب و كذا الحال لو قلنا بأن القاعدة أصل تعبدي غير محرز فيحكم بعدم الاعتناء بالشك بالنسبة الى ما

مضى، بخلاف القول بمحرزيتها المطلقة أو باماريتها فإنه على فرض الجريان يثبت الموضوع مطلقا حتى بالنسبة الى ما يأتي، لكن التحقيق هو كونها أصلا محرزا حيثيا، و على هذا لو ترددنا في وحدة الأمر و تعدده في الأداء و القضاء لا تجري قاعدة التجاوز للشبهة المصداقية، فلا بد من التمسك بالاستصحاب و قد مر الكلام فيه.

و اما الكلام في ما يقتضيه النص في المقام، فنقول: لا إشكال في عدم الاعتناء

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 251

بالشك في الإتيان بعد الوقت،

لصحيحة زرارة و الفضيل عن ابى جعفر عليه السلام انه قال في حديث: و متى استيقنت أو شككت في وقتها انك لم تصلها أو في وقت فوتها انك لم تصلها صليتها، فان شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى تستيقن، فان استيقنت فعليك ان تصليها في أي حالة كنت «1»

، و قريب منها صحيحتهما الأخرى «2» و لا يبعد وحدتهما، و المراد بوقت الفوت الوقت الثاني بعد وقت الفضيلة، و بالوقت وقت الفضيلة.

ثم ان ما ذكرنا من الاحتمالات المتقدمة مجرد تصورات، و الا فالأقوى بحسب الكتاب و السنة ان الأوامر لا تنحل إلى أمرين، بل أمر واحد تعلق بالصلاة في الوقت و لا يشمل خارجه، و القضاء انما هو بأمر جديد كما هو المقرر في محله.

المسألة الثانية

لو شك في الإتيان بالصلاة و قد خرج الوقت بمقدار ركعتين أو ثلاث ركعات فهل يعتنى بشكه أولا؟ يمكن الاستدلال للأول بوجهين، الأول دعوى تنزيل خارج الوقت منزلته بدليل من أدرك، و دعوى إطلاق التنزيل بالنسبة الى

جميع الآثار منها كون الشك فيه شكا في الوقت، و دعوى عدم اختصاص قاعدة من أدرك بمن اشتغل بالصلاة و أدرك بالفعل ركعة من الوقت، بل هي قاعدة كلية كلية دالة على انه لو بقي مقدار ركعة منه بقي وقت جميع الصلاة، و لما لم يكن ذلك على نحو الحقيقة جزما يحمل على التنزيل، و يستفاد منها ان مقدار ثلاث ركعات أو ركعتين من خارج الوقت بمنزلة الوقت مطلقا سواء في ذلك من اشتغل في آخر الوقت بالصلاة فوقع بعضها خارج الوقت و من لم يشتغل كما في المقام و لهذا لو علم ببقاء الوقت مقدار ركعة يجب عليه المبادرة إليها و كانت صلاته أداء.

و دعوى ان القاعدة لا تختص بالملتفت لإدراك الركعة، فخارج الوقت بمقدار ما ذكر وقت تنزيلي لمطلق المكلفين سواء علموا بالواقعة أم لا، فمن شك بعد الوقت

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 1.

(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة كتاب الصلاة باب- 42- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 252

الحقيقي في المقدار التنزيلي كما لو شك بعد غروب الشمس بدقيقة أو دقيقتين في الإتيان بالعصر كان شكه في الوقت و ان لم يدرك فعلا ركعة منه و لم يكن ملتفتا إلى الواقعة.

و نتيجة تلك الدعاوي وجوب الاعتناء بالشك و لزوم قضاء الصلاة، بعد الجزم بأن إدراك ركعة من الوقت التنزيلي ليس بمنزلة إدراك ركعة من الوقت الحقيقي، ليترتب عليه تنزيل أخر بالنسبة إلى الزائد من ثلاث ركعات فينتفى عنوان القضاء هذا غاية ما يمكن ان يقال في هذا الوجه.

و فيه انه قد مر منا في مباحث الخلل في الوقت

محتملات القاعدة، و قلنا بعدم استفادة تنزيل الخارج منزلة الوقت حتى على مرسلة الخلاف، و هي

قوله:

و في لفظ أخر من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت «1»

، أو

مرسلة كتاب الاستغاثة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، انه قال: من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل ان تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها «2»

، فضلا عن غيرها مما لا يكون بهذا اللفظ.

فإن أقرب الاحتمالات بناء على التنزيل هو تنزيل إدراك الركعة منزلة ادراك الوقت لا تنزيل الخارج منزلة الوقت، و فرق بين كون أدرك الركعة من الوقت منزلة أدرك جميعه و بين تنزيل الخارج منزلته، مع انه على فرض التنزيل ففي عمومه و إطلاقه منع.

مضافا الى احتمال أخر لعله أقرب و هو عدم كونه بصدد التنزيل بل المراد ان وقوع ركعة من الصلاة في الوقت كاف في كونها أداء عند الشارع الأقدس، و ان وقوع ركعة في الوقت و إدراكها كإدراكه جميعا في صيرورة الصلاة أداء، كما ان

______________________________

(1) لم نعثر عليها في كتب الأحاديث و الظاهر انها متصيدة من أحاديث الباب.

(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة كتاب الصلاة باب- 28- من أبواب المواقيت حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 253

وقوع بعض الصلاة قبل الوقت و بعضها في الوقت كاف في الصحة، فدعوى التنزيل ثم دعوى تنزيل الوقت ثم دعوى إطلاقه كلها دعا و بلا دليل.

الوجه الثاني دعوى دلالة بعض الروايات على ذلك بضميمة قاعدة من أدرك،

كصحيحة زرارة و الفضيل عن ابى جعفر عليه السلام انه قال: متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة انك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، فان شككت بعد

ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا اعادة (خ-) عليك من شك حتى تستيقن فان استيقنت فعليك ان تصليها في أي حالة كنت «1»

، و قريب منها ذيل صحيحة أخرى عن الكافي.

بدعوى ان المراد بوقت الفوت وقت وقعت الصلاة فيه فائتة، فالميزان في عدم الاعتناء بالشك خروج الوقت الذي تقع فيه فأتته و هو بعد مقدار ثلاث ركعات من خارج الوقت المقرر بحسب الأدلة الأولية، فإن مقتضى دليل من أدرك كون الصلاة المأتي بها خارج الوقت مع إدراك ركعة في الوقت أداء لا قضاء و لا قضاء و أداء، و قد ادعى عدم الخلاف فيه أيضا، و قد تقدم في الوجه الأول عدم اختصاص القاعدة بمدرك الركعة فعلا، و عدم اختصاصها بالملتفت للواقعة، فهذا المقدار من الزمان ملحق بالوقت في كون الصلاة فيه أداء بحسب الواقع مطلقا.

و يرد عليه ان هنا احتمالا أخر في الصحيحة لعله أقرب الى الفهم من هذا الاحتمال، و هو ان المراد بوقت فوتها وقت لو خرج ذلك الوقت و لم يصل ثم أراد الصلاة تكون صلاته فائتة، و بعبارة اخرى ان الميزان في وقت الفوت هو افتتاح الصلاة لا الركعات المتأخرة.

و يشهد لذلك

صحيحتهما «2» عن ابى جعفر عليه السلام في قول اللّه تبارك و تعالى:

إِنَّ الصَّلٰاةَ كٰانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتٰاباً مَوْقُوتاً، يعنى مفروضا و ليس يعنى وقت فوتها

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 1.

(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 42- من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 254

ان جاز ذلك الوقت ثم صليها لم تكن صلاته هذه مؤداة

، يستفاد منها ان وقت الفوت وقت لو افتتح

الصلاة فيه تكون فائتة غير مؤداة، و هذا الاحتمال لو لم يكن أقرب فلا أقل من كونه مكافئا له، و معه تسقط الرواية عن الدلالة، و مقتضى أدلة التجاوز انه لا اعتبار بهذا الشك هذا.

مع ان في الرواية نحو إبهام فإن المراد بوقت الفوت ان كان الوقت الثاني أي الوقت الذي بعد وقت الفضيلة فانتساب الفوت إلى الصلاة يحتاج إلى تأويل و تجوز، و ان كان المراد وقت لو اتى بها فيه تكون مؤداة فتسميته بوقت الفوت غير ظاهرة، و ان كان المراد وقت لو اتى بها كانت غير مؤداة فالأمر بالإتيان قبل خروجه غير موجه، و هذا أيضا يوجب عدم جواز الاستناد إليها للمطلوب.

المسألة الثالثة

لو شك في الإتيان بالعشائين بعد انتصاف الليل، فبناء على امتداد وقتها الى نصف الليل لا يعتنى بشكه لقاعدة التجاوز و الدليل الخاص، و بناء على امتداده الى الفجر ان قلنا بذلك مطلقا حتى للمختار و ان وجبت المبادرة إليهما قبل انتصاف الليل و انه لا يجوز التأخير عنه بلا عذر، و أما ان كان الوقت مع التأخير باقيا فيجب الاعتناء بالشك و الإتيان بهما و هو واضح.

و لو قلنا بان الوقت للمختار الى انتصاف الليل و لو أخر الصلاة اليه تقع قضاء، و يمتد الى الفجر لو كان التأخير لعذر كنسيان و حيض، فحينئذ لو علم بأن التأخير على فرضه عن عمد و اختيار، بأن شك في أنه اتى بهما أو أنه أخرهما عن انتصاف الليل اختيارا لا يعتنى بشكه لأنه من الشك بعد الوقت، و لو علم بأنه على فرضه كان عن عذر يجب الاعتناء و الإتيان بها.

و لو لم يحرز أحدهما و كان شاكا في ان الترك

هل كان عن اختيار أو عن عذر، لم يصح التمسك بقاعدة التجاوز لأن الشبهة بالنسبة إليها مصداقية، و مقتضى الاستصحاب بقاء التكليف و لزوم الإتيان بهما لكن لا يثبت بذلك لزوم المبادرة و عدم جواز التأخير عن الفجر لعدم إثبات كون الوقت باقيا، و على فرض القضاء لا تجب

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 255

المبادرة إليه بناء على المواسعة، بل على المضايقة أيضا لأن التضييق ليس ينافي التأخير بهذا المقدار خصوصا لو كان حدوث الشك قبل الفجر بمقدار الإتيان بهما مثلا، هذا بحسب القواعد.

و اما بحسب النص الخاص ففي صحيحة زرارة و الفضيل المتقدمة ان الحكم بوجوب الإتيان و عدمه عند الشك مترتب على بقاء وقت الفوت و خروجه، و قد

ورد في رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السلام، لا يفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتى يطلع الفجر و لا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس «1»

و هي حاكمة على الصحيحة بإحراز الموضوع، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الفروض المتقدمة، لكنها ضعيفة، نعم قد أرسلها الصدوق بقوله قال الصادق عليه السلام، «2» و مرسلاته كذلك معتمدة و ان لا يخلو ذلك من اشكال في خصوص المورد المحتمل أو المظنون ان مرسلته عين المسندة الضعيفة، مع احتمال كون ذلك الإرسال على فرض ما ذكر توثيقا منه لروات الرواية تأمل.

المسألة الرابعة لو شك في الوقت في الإتيان بالفريضة، ففيه صور نتعرض لمهماتها، الاولى لو علم بأنه صلى العصر و لم يدر أنه صلى الظهر أولا و كان الوقت واسعا فهل يجب عليه الظهر أولا، ربما يقال بعدمه لان الشك بعد تجاوز المحل فان صلاة العصر مشروطة بصلاة

الظهر و محل الشرط قبل تحقق المشروط نظير الشك في الوضوء بعد الصلاة و يدل، على ذلك قوله في بعض الروايات ان هذه قبل هذه.

و ما قيل في الجواب من أن صلاة الظهر ليست مشروطة بوقوع صلاة العصر بعدها كي يكون محلها شرعا قبل صلاة العصر بل صلاة العصر مشروطة بالظهر فلا يكون الشك بعد تجاوز المحل ليس بمرضى فان لازم اشتراط الظهر بوقوع العصر بعدها كون محل العصر

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب المواقيت حديث 9

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب المواقيت حديث 9

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 256

بعدها كون محل العصر بعدها لا الظهر قبل العصر، كما ان لازم اشتراط العصر بوقوع الظهر قبلها هو كون محل الظهر قبلها، و لهذا ورد في الروايات ما تقدم.

ان قلت: ان الشك انما هو في صحة صلاة العصر، و إجراء قاعدة الفراغ فيها لا يثبت كون الظهر قبل العصر محققة الا بالأصل المثبت.

قلت: ان منشأ الشك في صحة صلاة العصر هو الشك في تحقق شرطه اى صلاة الظهر و قاعدة التجاوز جارية بالنسبة إلى الشرط اى صلاة الظهر و مقدمة على قاعدة الفراغ، مع ان المقرر في محله انه لا أصل رأسا لقاعدة الفراغ بل هنا قاعدة واحدة هي قاعدة التجاوز و مقتضاها تحقق الظهر قبل العصر أو عدم الاعتناء بالشك فيها بعد تجاوز محلها.

فان قلت: ان الترتيب بين الظهر و العصر مختص بالملتفت، و مع عدم الالتفات لا يشترط الترتيب فلا مجرى للقاعدة.

قلت هذا مسلم لكن لا يدفع الاشكال به في بعض الفروع، كما لو علم بان الترك لم يكن من غير التفات بل اما اتى بالصلاة أو تركها

عمدا و التفاتا فتجري القاعدة و يثبت بها تحقق الظهر، و توهم عدم جريانها في مثل القرض فاسد مخالف لإطلاق الأدلة.

و الحق في الجواب ما تعرضنا له في محله من ان قاعدة التجاوز أصل محرز حيثى، فصلاة الظهر لها حيثيتان حيثية اشتراط العصر بها و حيثية كونها واجبة مستقلة فالقاعدة يحرزها في المقام من جهة الاشتراط لا مطلقا، و لا بأس في التعبديات بالبناء على وجود شي ء من جهة و على عدمه من اخرى، فلو شك في الإتيان بالوضوء بعد صلاة الظهر يبنى على تحققه من حيث اشتراط الظهر به و يستصحب عدمه و يبنى عليه من حيث اشتراط العصر به، ففي المقام يبنى على تحقق الظهر من حيث الاشتراط و على عدمه من حيث كونه واجبا مستقلا.

ففرق بين قاعدة الطهارة و الاستصحاب و بين قاعدة التجاوز، فان لسانهما

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 257

التعبد بوجود الطهارة و المستصحب مطلقا في موضوع الشك، و اما قاعدة التجاوز فلا تدل على التعبد به مطلقا، بل من حيث المضي و التجاوز كما هو لسان أدلتها،

فقوله عليه السلام: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو «1»

يدل على عدم الاعتناء بالشك بالنسبة الى ما مضى فالوضوء بالنسبة الى ما مضى مبني على الوجود أو لا يعتنى بشكه لا بالنسبة الى ما يأتي، فصلاة الظهر محققة تعبدا بالنسبة الى ما مضى و هو حيث اشتراط العصر بها لا بالنسبة إلى ذاتها التي بقي وقتها و لم يتجاوز محلها، فعلى ذلك لو قيل باشتراط الترتيب واقعا يجب عليه الإتيان بالظهر و يصير حالها كحال الوضوء و الطهور.

فان قلت: ان المحل في قاعدة التجاوز أعم من المحل الشرعي

و العادي فإذا كان من عادة المصلى الإتيان بالعصر عقيب الظهر يكون المحل العادي للظهر قبل العصر من حيث كونها واجبا مستقلا لا من حيث الاشتراط.

قلت: قد فرغنا في محله عن فساد هذه الدعوى لعدم الدليل عليها الا دعوى إطلاق الأدلة أو بعض الشواهد المذكورة في محله، و في الإطلاق منع بعد تعيين الشارع محل الاجزاء و الشرائط، فإنه مع تعيين المقنن محالها لو قال: ان مضى المحل لا يعتنى بالشك يحمل عرفا على المحال المقررة، مع ان المحل العادي المختلف بحسب الأشخاص و لشخص بحسب الأزمان لا يكون محلا بنحو الإطلاق.

مع ان مثل قوله: كل ما شككت فيه مما قد مضى محمول على التجوز بنحو الحقيقة الادعائية كما هو التحقيق في باب المجازات، و المصحح للدعوى كما يمكن ان يكون مضى الوقت المقرر شرعا، يمكن ان يكون مضى المحل العادي أو هما معا أو أحدهما أو المضي المطلق، و مع صحة الادعاء بكل نحو لا دليل على التعيين و لا على الإطلاق، إذ ليس المقام كالإطلاق في سائر المقامات مثل جعل

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث- 3

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 258

ماهية موضوعة للحكم بلا قيد حيث يحمل على الإطلاق، فإن الموضوع هنا ليس موضوعا للحكم بنحو الحقيقة، ضرورة أن المضي لا ينسب الى نفس الموضوعات المشكوك فيها حقيقة، فدار الأمر في المصحح بين الوجوه المتقدمة و لو لا الدليل على واحد منها لم يحمل على أحدها، لكن لا إشكال في إرادة المحل الشرعي و انه ملحوظ لتصحيح الدعوى كما يدل عليه أدلة المقام، و اما سائر الاحتمالات فلا دليل عليه، و العمدة ان الإطلاق

في المقام ليس كسائر الإطلاقات فتدبر جيدا.

و اما دعوى ان

قوله في بعض الروايات: انه حين العمل اذكر «1»

مؤيد للتعميم فان ظاهره ان احتمال عدم وجود المشكوك فيه لأجل كونه على خلاف العادة لا يعتنى به فمخدوشة لان ذلك التعليل على فرض كونه تعليلا شاهد على ان الذاكر يأتي بالمأمور به على وجهه المقرر شرعا و لا يخل بمقصود المولى، لا انه يأتي به على طبق عادته، و لو جعل هذا التعليل شاهدا على ان المراد بالمحل هو الشرعي منه لكان اولى.

و اما دعوى ان

قوله في بعض الروايات في الوضوء إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه مما أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك «2»

، و كذا في الغسل

قوله: فان دخله الشك و قد دخل في صلاته فليمض في صلاته و لا شي ء عليه «3»

، شاهدان على الدعوى ففيه ما فصلناه في مقامه من ان حال الوضوء قبل جفاف محالة باقية و حال الغسل قبل الدخول فيما يترتب عليه شرعا باقية فراجع.

فتحصل مما مر ان مقتضى القواعد وجوب الإتيان بالظهر في الفرض، لكن وردت هنا رواية ربما يستند إليها في وجوب المضي و عدم الاعتناء بالشك، و هي ما

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب الوضوء حديث: 7.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من أبواب الوضوء حديث: 1.

(3) الوسائل كتاب الطهارة باب- 41- من أبواب الجنابة حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 259

روى الحلي في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز بن عبد اللّه قال: و قال زرارة عن ابى جعفر

عليه السلام: إذا جاء (فاذا جائك) يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضى (العصر) الحائل و الشك جميعا، فان شك في الظهر فيما بينه و بين ان يصلى العصر قضاها، و ان دخله الشك بعد ان صلى (يصلى) العصر فقد مضت الا ان يستيقن لان العصر حائل فيما بينه و بين الظهر فلا يدع الحائل لما كان من الشك الا بيقين «1»

و لا بأس بصرف الكلام الى فقه الحديث فنقول: الظاهر سيما على نسخة (فاذا جائك يقين) ان الكلام مسبوق بكلام آخر لم ينقل إلينا، و لهذا وقع في الجملة الأولى نحو إجمال.

فإن متعلق اليقين يحتمل ان يكون صلاة الظهر فيراد انه مع اليقين بعدم الإتيان بها بعد الحائل اى العصر الذي هو المراد به بالقرينة، فيجب الإتيان بالظهر و العصر جميعا و على ذلك يقع في المقام إشكالان، أحدهما انه لم يفرض في الكلام الشك في الظهر بل الفرض تعلق اليقين بتركها فكيف قال الحائل و الشك اى المشكوك فيه الذي يراد به الظهر، و يمكن ان يتخلص عنه بتكلف بارد و هو ان الظهر كانت مشكوكا فيها ثم جاء يقين فكأنه قال حدث يقين بعد الشك ثم باعتبار تعلق الشك بها قبل عروض اليقين وصفها بالمشكوك فيها ثانيهما ان اعادة العصر مخالفة لحديث لا تعاد، الا ان يقال: لا بأس بها لو لا تسالم الأصحاب على أن الترتيب ليس بواقعى.

و يحتمل ان يكون متعلق اليقين بطلان الحائل أي إذا جاء يقين ببطلان العصر يقضى العصر و الشك اى الظهر المشكوك فيها جميعا، اما العصر فلليقين، و اما الظهر فعلى القاعدة، فأراد إفهام أن الحائل الباطل ليس بشي ء، و على ذلك

يندفع الإشكالان و يناسب الفرع الاتى، بل ظاهر الرواية هذا الاحتمال لان المفروض في الكلام تعلق يقين و كون شي ء مشكوكا فيه و قد جعل الحائل الذي هو العصر مقابل المشكوك فيه

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 260

و مقابله هو ما تعلق به اليقين فيكشف عن متعلق اليقين و هو بطلان العصر بعد فرض وجوده.

ثم انه وقع في كتاب جامع الأحاديث خطأ ففيه و يقضى (العصر- ح و) الحائل و الشك جميعا بعطف الحائل على العصر بالواو و عليه لا يصح الكلام الا مع التوجيه، لكن في السرائر هكذا و يقضى العصر (ح ز) الحائل الظاهر منه ان في نسخة ذكر العصر موصوفا بالحائل، و جعل كلمة (ز) علامة على زيادة كلمة العصر فتوهم كاتب جامع الحديث ان كلمة زاء واو، و الأمر سهل.

و المقصود في المقام قوله: فان شك في الظهر الى آخره الظاهر في التفصيل بين الشك الحادث قبل صلاة العصر و بعدها، فلو حدث بعدها مضى و لا يعتنى به لمكان الحائل و هو العصر فيدل على ان الشك في الظهر مع سعة الوقت لا يعتنى به على خلاف القواعد.

لكنه معارض

لصحيحة زرارة و الفضيل «1» المتقدمة فإنها مشتملة على جملتين هما، قوله: متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة انك لم تصلها و قوله: أو في وقت فوتها انك لم تصلها صليتها.

و كل منها معارضة لرواية حريز عن زرارة بالعموم من وجه، فإن الجملة الأولى خاصة بأول الوقت و أعم من كون الشك قبل صلاة العصر أو بعدها، و الرواية خاصة بالشك بعد صلاة العصر و أعم من أول الوقت

و آخره، و لعلها أعم من ذلك و من خارج الوقت أيضا، و كذا الحال في الجملة الثانية فإنها خاصة بآخر الوقت و أعم من كون الشك قبل العصر أو بعده، و الرواية أخص من وجه و أعم من وجه فتتعارضان و الترجيح على فرض صحة سند الرواية للصحيحة لكونها موافقة للقاعدة اى روايات قاعدة التجاوز بحسب مفهومها بل منطوق بعضها كقوله انما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 261

و لو استشكل في كون الروايات من الأئمة عليهم السلام من المرجحات، أو استشكل في اندراج العامين من وجه في المتعارضين الوارد فيهما الترجيح، سقطتا بالتعارض، و يكون المرجع هو القواعد، فيجب الإتيان بالظهر و هو واضح.

لكن في جواز الاتكال على رواية حريز اشكال بل منع لان استناد الكتاب اليه ليس واضحا و متواترا و السند الى كتابه مفقود عندنا، و الظاهر ان الحلي رحمه اللّه إنما أسند الكتاب اليه باجتهاد منه و قيام قرينة لديه على ذلك، لا بسند غير مذكور لنا، و شهادته اجتهادية غير حجة لا يصح لنا الاتكال إليها.

هذا مضافا الى احتمال آخر في الرواية يجمع به بينها و بين الصحيحة و يرتفع به التعارض، و هو ان قوله: فان شك بينه و بين ان يصلى العصر قضاها يكون فعل المضارع مبنيا للمفعول، و يراد به الوقت الذي يصلى فيه العصر اى قبل وقت الاختصاص اى مقدار اربع ركعات بالغروب أو قبل بقاء ركعة واحدة حيث يصلى فيه العصر، و قوله: ان دخله الشك بعد ان يصلى العصر على رواية الوسائل و نسخة من جامع الأحاديث

يراد به بعد مضى الوقت عن مقدار اربع ركعات أو ركعة على احتمالين.

و على ذلك يكون المراد بقوله في الجملتين زمان يصلى فيه العصر أو لا يصلى، و على ذلك يحمل قوله لان العصر حائل أي الزمان الذي بقي من الوقت اقصر من اربع ركعات أو ركعة، أي هذه القطعة من العصر حائل و الشك فيه لا يعتنى به، فصارت الرواية عين مضمون الصحيحة حيث علق فيها الحكم على بقاء وقت الفوت اى الوقت الذي لو جاز لم تكن صلاته مؤداة كما في صدرها بل خرج وقته، فيندفع التعارض كما يندفع اشكال كونها مخالفة للقواعد، و هذا الاحتمال و ان كان بحسب النظرة الأولى بعيدا في الجملة، لكن عند التأمل و في مقام الجمع بينها و بين الصحيحة ليس بذلك البعد و الأمر سهل.

الصورة الثانية إذا اشتغل بصلاة العصر في الوقت الموسع فشك في الإتيان بالظهر ففيها احتمالات، أحدها عدم جريان قاعدة التجاوز، بدعوى ان ظاهر

قوله

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 262

في الروايات الا ان هذه قبل هذه «1»

اعتبار عنوان القبلية و اشتراط العصر بعنوان قبلية الظهر عليها، و لا يمكن إثبات هذا العنوان بقاعدة التجاوز إلا بالأصل المثبت، و مع عدم جريانها تصل النوبة الى الأصل المحكوم اى استصحاب عدم الإتيان بالظهر، و إجرائه لتنقيح موضوع العدول من العصر إليها مشكل، لان موضوع العدول بحسب أدلته هو العلم بترك الظهر فله موضوعية و لا تصلح أدلة الاستصحاب لإثبات قيامه مقام القطع الموضوعي، فلا بد من رفع اليد عما اشتغل بها و الإتيان بالظهر ثم العصر.

و فيه مضافا الى منع اعتبار عنوان القبلية، بل لا يراد بقوله: هذه قبل هذه الا اشتراط العصر بالإتيان

بالظهر، و معه تجري قاعدة التجاوز، بل لو سلم اعتبار عنوانها جرت القاعدة في نفس العنوان المشكوك فيه، فاذا شك في تحقق عنوان القبلية المعتبر في صلاة العصر لا يعتنى به، بل يبنى على تحققه لكون القاعدة على ما مر محرزة تعبدا من حيث، فاذا شك في حصول القبلية المعتبرة في صلاة العصر يبنى على وجودها نعم لا يترتب عليها الا حيث صحة صلاة العصر.

ثم على فرض عدم جريانها لا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان لتنقيح موضوع العدول، لان عنوان مثل التذكر و العلم و نحوهما المأخوذ في الأدلة لا يفهم منه الموضوعية عرفا بل المتفاهم العرفي من نحو

قوله: ان نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة فانوها الاولى «2»

ان موضوع الحكم هو عدم الإتيان و أن التذكر و العلم طريقان اليه فلا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان لتنقيح موضوع العدول.

مضافا الى أنه لقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي وجه لا يخلو من جودة فراجع مظانه.

ثانيها جريان قاعدة التجاوز و إثبات وجود شرط صلاة العصر بتمامها، فان

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 24.

(2)- الوسائل كتاب الصلاة باب- 63- من أبواب المواقيت حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 263

قوله: الا ان هذه قبل هذه ظاهر في ان تقدم صلاة الظهر شرط لطبيعة صلاة العصر، لا لأجزائها حتى يقال: ان القاعدة لا تجري بالنسبة الى الاجزاء الاتية، فمحل الشرط للطبيعة قبلها، فاذا اشتغل بها جاز عن محله فيحرز بالقاعدة شرطها فهل يجب إتمامها عصر اثم الإتيان بالظهر بدعوى ان الاستصحاب لا يجرى مع وجود القاعدة و يعد الصلاة يجرى لأن القاعدة محرزة من حيث، أو يجب

العدول بان يقال: ان القاعدة لا تحرز وجود الظهر الا من حيث اشتراط العصر بها كما هو الشأن في المحرز الحيثى، و معه لا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان بالظهر من حيث ذاتها فيندرج الموضوع تحت أدلة العدول، و الأوفق بالقواعد هذا الوجه.

ثالثها جريانها و إحراز وجود الشرط بالنسبة الى الاجزاء الماضية دون الاتية، بدعوى اشتراط صلاة العصر باجزائها بتقدم الظهر عليها، فحينئذ يمكن ان يقال بإمكان إحرازه باقحام صلاة الظهر في العصر و إتمامها ثم الإتيان بما بقي من العصر فصحت الظهر و كذا العصر لإحراز الشرط تعبدا و وجدانا بدعوى عدم الدليل على بطلان الصلاة باقحام الصلاة فيها، كما ورد نظيره في اقحام الصلاة اليومية في صلاة الآيات، فالاقحام موافق للقاعدة.

و دعوى البطلان بالزيادة العمدية سيما الأركان فيها ممنوعة لعدم الصدق الا مع الإتيان بعنوان الصلاة نفسها لا لصلاة اخرى.

و ما في بعض الروايات في باب النهى عن قراءة العزيمة معللا بان

السجود زيادة في المكتوبة «1»

يقتصر على مورده بعد عدم صدق الزيادة حقيقة، و حملها على التعبد، مع احتمال الصدق فيما إذا كانت السجدة من متعلقات السورة المأتي بها في الصلاة فأين ذلك من المقام.

و دعوى ان الروايات الإمرة بالعدول الى العصر دالة على عدم جواز الإقحام و الا لكان عليه البيان مخدوشة لأن مجرد الأمر به لا يدل على عدم جواز غيره، و لو

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 40- من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 264

حمل الأمر على الوجوب فلا يدل على التعيين و نفى الغير، مع ان الظاهر حمله على الإرشاد لتصحيح الصلاة، و لو لا كون ذلك الإقحام خلاف ارتكاز المتشرعة

لما كان به بأس، و دعوى كون الإقحام ماحيا لصورة الصلاة و مخلا بالوحدة قابلة للدفع، فالعمدة هو ذلك الارتكاز.

ثم انه يصح العدول منها الى صلاة الظهر لصحتها بإحراز الشرط بدليل التجاوز للاجزاء السالفة و استصحاب عدم الإتيان بالظهر على ما مر لتنقيح موضوع العدول و قد تحصل مما مر صحة العدول في جميع الفروض بحسب القاعدة.

نعم ربما يتوهم مخالفة ذلك لرواية زرارة نقلا من كتاب حريز بن عبد اللّه المتقدمة في بعض الفروض و الاحتمالات، فان في قوله: فان شك في الظهر فيما بينه و بين ان يصلى العصر قضاها و ان دخله الشك بعد ان يصلى العصر فقد مضت احتمالات منها ان يكون المراد ان حدث الشك قبل صلاة العصر قضاها، و ان حدث بعدها فقد مضت، و على ذلك لم يتعرض لحدوثه في الأثناء و منها ان يكون المراد ان حدث قبل شروع الصلاة قضاها، و ان حدث بعد الشروع مضت، و هذا مخالف لما تقدم من لزوم العدول فان المتفاهم منه انه لا يعتنى بشكه و يصح ما اشتغل به عصرا و يتمها كذلك، و منها ان يكون المراد ان حدث بينه و بين إتمام الصلاة قضاها، اى ان حدث قبل تمامها، و في مقابله الحدوث بعدها، و في هذا الفرض يمكن إجراء القاعدة المتقدمة أي العدول الى العصر، فالمخالف لها فرض واحد منها، مع احتمال ان يكون المراد بقوله مضت البناء على الإتيان بالظهر بما هي شرط في العصر و أوكل الحكم على القواعد، و الأمر سهل بعد ضعف الرواية فالقاعدة متبعة.

الصورة الثالثة لو علم بالإتيان بالعصر و شك في الإتيان بالظهر و قد بقي من الوقت اربع ركعات، فان

قلنا باشتراك الوقت بينهما الى الغروب مطلقا كما قويناه في محله يجب الإتيان بالظهر و كذا لو قلنا بذلك فيما إذا كان آتيا بالعصر لكون الشك فيها حينئذ في الوقت، كما أنه لو قيل باختصاص آخر الوقت بالعصر مطلقا كان الشك

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 265

في الظهر حينئذ من الشك بعد الوقت فلا يعتنى به.

ان قلت: هذا كذلك بحسب القاعدة، لكن مقتضى صحيحة زرارة و الفضيل «1» المتقدمة ان الحكم معلق على خروج وقت الفوت و عدمه، حيث صرح فيها بأنه إن شك في وقت فوتها يجب الإتيان، و ان خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا يجب، و قد فسر وقت الفوت فيها بأنه وقت لو جاز ذلك الوقت لم تكن الصلاة مؤداة.

و إذا ضم ذلك الى

صحيحة الحلبي، قال: سألته عن رجل الى ان قال:

قلت: فإن نسي الاولى و العصر جميعا ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال: ان كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر، و ان هو خاف ان يفوته فليبدء بالعصر و لا يؤخرها فيفوته فيكون قد فاتتاه جميعا الى آخرها «2»

ينتج انه مع بقاء اربع ركعات خرج وقت فوت الظهر اى وقت لو جاز لم يكن مؤديا، فيكون شكه بعد وقت الفوت فلا يجب الاعتناء، فالميزان خروج الوقت بمقدار لو صلى لم يكن أتيا بالمأمور به كما لو شك في العصر مع بقاء الوقت بمقدار أقل من ركعة فإنه لا يعتنى به مع عدم خروج الوقت، لأنه لو صلى في ذلك الوقت لم يكن صلاته مؤداة.

قلت: في صحيحة الحلبي احتمالان، أحدهما ان المراد بفوتهما مضى وقتهما اى كون فوت الظهر المأتي بها

في الوقت المذكور مستندا الى مضى وقتها كما هو الحال في العصر المأتي بها بعد الظهر في الفرض، و على ذلك تكون الصحيحة كمرسلة داود بن فرقد «3» من أدلة القائلين باختصاص آخر الوقت بالعصر و عدم الاشتراك فخرج الفرض عن مفروض المسألة.

و ثانيهما ان المراد بفوت الظهر هو بطلانها، لكون الوظيفة في الوقت الضيق

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 18.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 7.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 266

هو الإتيان بالعصر و كانت الظهر مشروطة بالإتيان بالعصر فالبطلان مستند الى ترك شرطها لا الى خروج وقتها كما لو صلى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر عمدا، و لما كان البطلان في وقت لا يمكن جبرانها في الوقت صح القول بأنه فات منه، نظير ما لو صلى العصر في الوقت المختص بها باطلة فإن البطلان و ان لم يكن مستندا الى خروج الوقت لكن صح القول بفوتها لعدم بقاء الوقت لجبرانها.

و على هذا الاحتمال يجمع بين الروايات الدالة على بقاء وقتهما الى الغروب كالروايات المتقدمة في خلل الوقت. و لعل منها

رواية عبيد بن زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السلام و فيها لا يفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس «1»

على اشكال فيها و بين ما هي ظاهرة في اختصاص آخر الوقت بالعصر و يجمع أيضا بين الصحيحتين بان المراد من صحيحة الحلبي ما ذكر و من صحيحة زرارة و الفضيل «2» هو خروج الوقت، و على ذلك لما كان الوقت باقيا و مشتركا بين الظهرين يجب الاعتناء بالشك، و يجب الإتيان بها

بعد الإتيان بالعصر و ان كانت قضاء.

الصورة الرابعة لو شك في الظهرين في الوقت المختص بالعصر يجب الإتيان بها على اى حال لكون الشك بالنسبة إليها في الوقت، و كذا الظهر ان قلنا باشتراك الوقت بينهما الى الغروب مطلقا، اما لو قلنا باختصاص آخر الوقت بالعصر لو لم يأت بها، و مع الإتيان بها يكون وقت الظهر باقيا، فهل يجب الإتيان بها في الفرض أو لا وجهان.

وجه الثاني ان العصر محكومة بعدم الإتيان بها، لقاعدة الشك في المحل، و للاستصحاب، و لصحيحة زرارة و الفضيل. فيكون الشك في الظهر بعد خروج المحل.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 10- من أبواب المواقيت حديث: 9.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 267

و فيه أنه لا يثبت بالقاعدة إلا الاعتناء بالشك بالنسبة إلى العصر على اشكال فيه أيضا، كما لا يثبت بالصحيحة إلا وجوب الإتيان بالعصر و لا بالاستصحاب الا البناء على عدم الإتيان بها، و لا يثبت بشي ء منها ان الوقت مختص بالعصر كما لا يثبت بها ان الشك في الظهر بعد الوقت لتجري القاعدة، بل و لا يثبت بها ان الوقت خارج بالنسبة إلى الظهر إلا بالأصل المثبت.

فان قلت: ان الاختصاص بالعصر من الأحكام الوضعية الشرعية المترتبة على وجوب الإتيان بالعصر، و بعد ثبوت الاختصاص يكون عدم كون الوقت للظهر عبارة أخرى عنه لا من اللوازم حتى يكون الأصل مثبتا، و بعد الحكم شرعا بان الوقت خارج بالنسبة إلى الظهر يكون الشك فيها خارج الوقت، فيترتب عليه أثره و هو المضي.

قلت: ان وجوب الإتيان بالعصر مترتب على الاختصاص دون العكس كما يظهر من الأدلة كمرسلة داود، فإجراء الأصل

فيه لإثبات الاختصاص مثبت فإنه من إثبات الملزوم باستصحاب اللازم، و من قبيل استصحاب الحكم لإثبات الموضوع كاستصحاب وجوب إكرام زيد لإثبات كونه عالما، مع انه- على فرض إثبات الاختصاص و التسليم بان كون الوقت خارجا عبارة أخرى عن الاختصاص، و الغض عن عدم إمكان كون أحد العنوانين عين الأخر، بل انه من اللوازم البينة و الجلية و الأصل مثبت حتى في مثلها بل في الوسائط الخفية و الجلية على ما هو المقرر في محله، الا ان يدعى ان الجعل في أحدهما مستلزم للجعل في الأخر و هو كما ترى- لا شك في ان إثبات كون الشك بعد الوقت باستصحاب وجوب الإتيان بالعصر مثبت.

ثم انه هل يمكن إثبات كون الشك في الوقت بالنسبة إلى الظهر باستصحاب بقاء وقته أما باستصحاب الشخص أو القسم الأول من الكلى ان قلنا بان الوقت مشترك بينهما الى الغروب الا مع عدم الإتيان بالعصر إلى أربع ركعات بالغروب فينقلب الاشتراك الى الاختصاص، أو قلنا بان آخر الوقت مختص بالعصر و مع الإتيان بها قبل صلاة الظهر بوجه صحيح يستمر وقت الظهر الى الغروب، فمع الشك في الإتيان

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 268

بالعصر يشك في استمرار وقت الظهر فيستصحب أو باستصحاب القسم الثالث من الكلى ان قلنا بان وقتها الى مقدار اربع ركعات، و مع الإتيان بالعصر قبلها بوجه صحيح جعل وقت العصر للظهر بجعل أخر، فالشك في بقاء الوقت ناش من حدوث وقت آخر مقارنا لزوال الوقت الأول فيستصحب الوقت الكلى و يترتب عليه قوله: ان شك في وقت الفوت فليصل، و يدعى ان هذا الأمر التعليقي حكم تعليقي شرعي مترتب على الوقت، نظير الاستصحاب التعليقي لترتب الحكم

على الموضوع عند وجوده، كاستصحاب حكم العصير العنبي، أي قوله: ان نش عصيره يحرم الى زمان صيرورته زبيبا، و يترتب عليه الحرمة عند نش عصيره.

قلت: ان استصحاب بقاء الوقت لا يثبت به كون الشك في الوقت، و توهم ان الشك وجداني و الوقت مستصحب فيثبت الموضوع بها فاسد لان ما هو وجداني هو الشك في هذه القطعة من الزمان و ما هو مستصحب نفس وقت الظهر، و اما كون الشك في وقتها فهو ليس بوجدانى و لا يصح إثباته بالأصل الا على الأصل المثبت، و التنظير بالاستصحاب التعليقي في غير محله كما هو ظاهر.

ثم انه بعد عدم جريان قاعدة التجاوز في الظهر، ربما يقال بان عدم وجوب الظهر في الوقت المختص بالعصر معلوم و وجوب القضاء مشكوك فيه و مقتضى قاعدة البراءة عدم وجوبها، بل مقتضى استصحاب عدم وجوب القضاء و استصحاب عدم وجوبها الى ما بعد الوقت ذلك.

و يمكن ان يقال: ان معلومية عدم وجوب الظهر في الوقت المختص ممنوعة لاحتمال وجوبها فان العصر محتمل التحقق و على فرضه تجب الظهر، بل مع عدم الإتيان بالعصر أيضا يحتمل وجوب الظهر، لاحتمال كون وجوب الإتيان بالعصر في الوقت المختص من باب تزاحمهما و ترجيح الشارع جانب العصر، و قد حقق في محله ان المتزاحمين واجبان فعلا و لا يسقط خطاب المزاحم المرجوح فحينئذ يحتمل وجوب الظهر كما يحتمل وجوب العصر فيستصحب وجوبهما و وجوب الظهر الى ما بعد الوقت، فان قلنا بوحدة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 269

التكليف الادائى و القضائي و ان وجوب القضاء تابع للأداء و ان تعدد المطلوب يكون الاستصحاب شخصيا أو من الكلى القسم الأول، و ان قلنا بان القضاء

بأمر جديد يكون من القسم الثالث لاحتمال حدوث التكليف بالقضاء مقارنا لسقوط الأمر الادائى، و ان احتمل الأمران يكون من القسم الثاني.

و فيه- مضافا الى ان الاحتمال الأول و الثالث باطلان لان القضاء بأمر جديد بحسب مقتضى الأدلة، و ان التحقيق هو الاحتمال الثاني، و استصحاب الكلى ممنوع لما أشرنا إليه سابقا من ان الكلى المستصحب لا بد و ان يكون حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم، و الكلى الجامع بين التكليف الادائى و القضائي، ليس حكما شرعيا بل أمر انتزاعي عقلي لا يجب اتباعه، و لا موضوعا مترتبا عليه الحكم الشرعي ان مقتضى صحيحة الحلبي الحاكمة بأن الإتيان بالظهر في الوقت المختص بالعصر موجب لفوتها ان المورد ليس من باب التزاحم، و الا لم يكن وجه لبطلانها سواء سقط الأمر كما هو المعروف أم لا كما هو المختار، فالبطلان بعد اشتراك الوقت بينهما بحسب الأدلة كما تقدم لأجل أن الظهر مشروطة بالإتيان بالعصر، و مع عدمه بطلت لفقدان الشرط، فاستصحاب عدم الإتيان بها ينقح موضوع الصحيحة، فعلى ذلك يجرى استصحاب عدم وجوب الظهر الى ما بعد الوقت، فلا يجب القضاء كما هو مقتضى البراءة و استصحاب عدم وجوب القضاء.

و قد يتوهم ان استصحاب عدم الإتيان بها الى آخر الوقت ينقح موضوع الفوت الذي هو مأخوذ موضوعا لوجوب القضاء، و هو حاكم على الاستصحابين المذكورين و على أصل البراءة، لا يقال: ان اجراء الاستصحاب لإثبات عنوان الفوت مثبت، فإنه يقال: ان الفوت ليس عنوانا وجوديا منتزعا من عدم الإتيان، إلى آخر الوقت كعنوان الحدوث الذي هو أمر وجودي منتزع من الوجود المسبوق بالعدم حتى يكون الأصل بالنسبة إليه مثبتا، بل الفوت عبارة عن عدم الإتيان

بالموضوع المشتمل على المصلحة المقتضية للوجود الى زمان لا يمكن تداركها، فهو عنوان عدمي و عبارة أخرى عن

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 270

عدم تحقق الموضوع المذكور، فإجراء أصالة عدم الإتيان إلى آخر الوقت كاف في الحكم بالقضاء.

و فيه ان دعوى وحدة العنوانين و كون أحدهما عبارة أخرى عن الأخر ممنوعة، بل الفوت مترتب على الترك في تمام الوقت، و الشاهد عليه صحة قولنا ترك في تمام الوقت صلاته ففاتت منه، و عدم صحة: تركها في تمام الوقت فتركها، و كذا فاتت منه ففاتت، و كذا فاتت منه فتركها فصحة الأول عرفا و عقل عدم صحة ما عداه شاهدة على اختلافهما عنوانا و واقعا و ترتب الفوت على الترك.

و ما قلنا من ترتب الفوت على الترك مع كون كل منهما عدميا، نظير ما يقال: من أن عدم العلة علة لعدم المعلول، و ليس المراد منه تأثير عدم في عدم، أو ترتب عدم على عدم، بل هو لبيان علية الوجود للوجود و ترتب وجود على وجود و على اى حال بعد اختلافهما عنوانا و اعتبارا، لا يصح إثبات الفوت باستصحاب الترك في تمام الوقت إلا بالأصل المثبت، و انه من قبيل إثبات اللازم باستصحاب الملزوم في العرف و ان كان إطلاق ذلك على الاعدام مبنيا على المسامحة عقلا.

فتبين من ذلك ان تخلصه عن الأصل المثبت بدعوى كون الفوت عدميا و ليس نظير الحدوث غير مرضى لان ميزان المثبتية محقق و لو كان العنوانان عدميين.

نظير إثبات عدم اليوم باستصحاب عدم طلوع الشمس و بالجملة بعد اختلافهما عنوانا لا يصح استصحاب أحدهما لإثبات الأخر إلا بالأصل المثبت من غير فرق بين عدميتهما أو وجودية أحدهما أو كليهما

و لا بين ترتب أحدهما على الأخر و عدمه، هذا إذا قلنا بان القضاء مترتب على الفوت، و اما ان قلنا بأنه مترتب على عدم الإتيان بالمأمور به في الوقت المقرر له فلا مانع من جريان استصحاب عدم الإتيان إلى آخر الوقت لإثباته.

ان قلت: ان الفوت مترتب على عدم الإتيان في الوقت المقرر لا على مجرد عدمه، و استصحاب عدمه في الوقت غير جار لعدم الحالة السابقة لعدم الإتيان في الوقت ظرفا أو قيدا و مثبتية استصحاب عدمه المطلق الى آخر الوقت لإثبات عدمه في الوقت كاستصحاب سائر الاعدام الأزلية.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 271

قلت: أولا ان كلا من تقييد عدم الإتيان بزمان خاص و كونه ظرفا له محال لان العدم لا يعقل ان يصير مثبتا له، ضرورة أن ثبوت شي ء لشي ء فرع ثبوت المثبت له، فعدم الإتيان بالصلاة لا يعقل ان يكون موضوعا للقضاء مع قيد الوقت أو ظرفيته له، كما لا يكون الموضوع له عدم الإتيان بالصلاة المتقيدة بالوقت أو في الوقت، على ان يكون الظرف قيد للصلاة أو ظرفا لها و يكون الإتيان بلا قيد، فان عدم الإتيان بالصلاة المتقيدة أو المظروفة صادق قبل الوقت و لا يكون موضوعا للقضاء، فما هو قابل للتقييد و المظروفية ليس موضوعا له، و عدم الإتيان في الوقت يصح ان يكون موضوعا، لكن تقييده بالوقت أو ظرفية الوقت له غير ممكن، فعلى ذلك لا بد من القول بان ما يترتب عليه القضاء عدم الإتيان و مضى الوقت المقرر للمأمور به، و ان الموضوع ذو جزئين.

فحينئذ يمكن إثبات القضاء باستصحاب العدم و مضى الوقت وجدانا و من قبيل إثبات الموضوع بالأصل و الوجدان.

و مع الغض عن

ذلك و التزام ان الموضوع للقضاء عبارة عن عدم الإتيان في الوقت على ان يكون الوقت ظرفا لعدم الإتيان بدعوى عرفية ذلك، و الميزان هو تشخيص العرف لا حكم العقل يمكن إجراء أصل عدم الإتيان في الوقت بوجهين.

أحدهما استصحاب عدم الإتيان بالصلاة في الوقت من ما قبل الظهر مثلا الى غروب الشمس، و معه يحرز الموضوع اى عدم الإتيان في القطعة المتصلة بما قبل الظهر و هذا استصحاب شخص يكون الظرف الذي هو جزء الموضوع قطعة من الزمان الذي يكون بقاء للمستصحب، و ليس كليا حتى يتوهم المثبتية، و عدم كون القطعة الأولى موضوعا للحكم لا يضربه بعد كون القطعة المتصلة بها موضوعا له.

ثانيهما استصحاب عدم الإتيان بها في الوقت المقرر، فان في الجزء الأول منه الذي لا يسع للصلاة حتى بمقدار تكبيرة الافتتاح تماما يصح ان يقال: انى اعلم

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 272

بعدم الإتيان بها في الوقت المقرر، فان وقتها من الزوال و هي لا يعقل ان تقع في أول الزوال، فيصح القول المذكور، و مع الشك في الإتيان بها الى الغروب يستصحب القضية المتيقنة إليه، نعم لو احتمل الإتيان بها قبل الوقت و وقوع جزء منها فيه، لا تصح دعوى العلم ان قلنا بان هذا المقدار الذي لا يسع الا لبعض السلام كاف في الصحة و هو محل كلام.

الصورة الخامسة لو علم إجمالا بالإتيان بإحداهما و عدم الإتيان بالأخرى و لم يبق من الوقت إلا أربع ركعات فلو كان المأتي بها الظهر يجب عليه العصر و بالعكس.

و عندئذ ان قلنا بعدم اعتبار قصد العنوان في الصحة يكتفى بالإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة و تصح، و اما ان قلنا

باعتبار قصد العنوان تفصيلا في الصحة و أنه لا يصح قصد ما في الذمة حتى يكتفى بأربع ركعات من غير القصد الى أحد العنوانين فيعلم إجمالا بوجوب إحداهما قاصدا لعنوانها فحينئذ ان قيل بان وقوع العصر قبل الظهر صحيحة لا بد و أن يكون ناشيا عن الغفلة، و أصالة عدمها امارة عقلائية تكشف عن أن المأتي بها الظهر لا العصر غفلة، فيجب عليه العصر، لكنه فاسد جدا لا يستند الى دليل.

و عليه لو قلنا بان الوقت مختص بالعصر مطلقا سواء اتى بها أم لا، فقاعدة التجاوز الجارية في الظهر، و استصحاب عدم الإتيان بالعصر الفارغ عن المعارض يوجب انحلال العلم تعبدا، فيجب عليه العصر، و يبنى على تحقق الظهر و لا يعتنى بشكه، و ان قلنا بالاشتراك مطلقا فلا تجري قاعدة التجاوز فيهما، و كذا لو قلنا بالاختصاص لو لم يأت بالعصر فإنه من موارد الشبهة المصداقية للقاعدة.

فحينئذ ان قلنا بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم مطلقا أو بسقوطه بالتعارض، فيجب العمل بالعلم الإجمالي بالإتيان بإحداهما بعنوانه رجاء و قضاء الأخرى خارج الوقت، و توهم لزوم الإتيان بالظهر لتحصيل الترتيب فاسد لان

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 273

الترتيب اما حاصل أو غير معتبر في الفرض، و توهم انه لا دليل على القضاء بعد سقوط الأصل غير صحيح لان العقل يحكم بوجوب الإتيان بهما، و لازم ذلك الإتيان بإحداهما قضاء، كما لو علم بعد الوقت بترك إحداهما و بعبارة أخرى بعد العلم بان ترك المأمور به في الوقت يوجب القضاء يكون العلم الإجمالي حجة على الواقع كالعلم التفصيلي.

و لو قلنا بجريان الأصل في أطراف العلم لو لم يلزم منه المخالفة العملية، فتجري أصالة عدم الإتيان

في كل منهما فيحرز موضوع صحيحة الحلبي من وجوب الإتيان بالعصر، الا ان يقال: ان مفاد الصحيحة لا ينطبق على المورد، لان فيها التعليل بأنه لو اتى بالظهر فاتتاه، و لا شك أنه مع العلم بالإتيان بإحداهما لم يفت المأتي بها، الا ان يقال: ان لازم التعبد بعدم الإتيان بهما هو التعبد بفوتهما لو اتى بالظهر، مع ان الحكم بوجوب العصر مع عدم الإتيان بهما الى ما بقي من الوقت مقدار اربع ركعات مسلم غير قابل للتشكيك، و الاستصحاب يحرز موضوع الحكم.

هذا كله على القول باعتبار قصد العنوان تفصيلا، و اما مع عدمه فالإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة كاف في العمل بالعلم الإجمالي و في تحقق قصد العنوان إجمالا، و لا يجب عليه القضاء، و توهم انه مع جريان الأصلين يجب عليه الإتيان بالعصر بمقتضى الأدلة في غير محله فإنه مع الإتيان بما هو المعلوم لا يبقى مجال لاحتمال وجوب شي ء عليه، و الفرض انه ليس على ذمته الا صلاة واحدة و قد اتى بها بلا ريب، و التحقيق ذلك و اما ما تقدم فمبنى على مبان غير مرضية.

تنبيه لا بأس بالإشارة إلى أمر ربما ينتج في بعض المسائل الآتية، و هو انه لا إشكال في عدم الفارق بين الظهرين، كما انه لا إشكال في انه لا حقيقة لهما الا تلك الاجزاء من التكبيرة الافتتاحية إلى التسليم معتبرا فيها نحو وحدة و اتصال، فالظهران متحدتا الحقيقة و الصورة و دعوى ان لكل منهما حقيقة مختلفة مع صاحبتها في غير محلها.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 274

فحينئذ يقع اشكال، و هو ان اختلافهما في بعض الأحكام بعد اتحادهما في الصورة و الحقيقة مما لا

منشأ له، فكيف صارت صلاة الظهر و هي الصلاة الوسطى أفضل من سائر الصلوات، و لم اختص أول الوقت بالظهر و آخره بالعصر، و لم اشترطت العصر بوقوعها بعد الظهر الى غير ذلك.

و الذي يمكن ان يقال ان اختلاف الإضافات كثيرا ما يوجب اختلاف الأحكام عرفا و شرعا مع وحدة المضاف إليه حقيقة، فرداء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سيفه و سائر ما يضاف إليه أشرف و أفضل من غيره، و لو وجد ردائه أو سيفه لبذل فيه من الأثمان بلغت ما بلغت، و ليس ذلك الا لمجرد الإضافة اليه، و فرش المسجد لا يجوز بيعه بخلاف فرش المنزل لمجرد اختلاف الإضافة، و الزمان مع كونه امرا واحدا مستمرا لا يختلف فيه حقيقة يوم من يوم أخر و لا ليلة من ليلة أخرى لكن لما نزل القرآن المجيد في ليلة القدر أو في شهر رمضان صار زمان نزوله من اجله عظيما شريفا يمتاز عن سائر الأزمنة، و ليس ذلك إلا لإضافة خاصة، و كذا الحال في الكعبة و مدينة الرسول الى غير ذلك.

فحينئذ يمكن ان يقال: ان ساعات الأيام بواسطة القضايا الواقعة فيها صار بعضها أشرف من بعض، و ما نسب الى بعضها صار أشرف من غيره بواسطة الإضافة، و كذا يختلف الأحكام بذلك، فأربع الركعات المأمور بها في أول الظهر لأجل انتسابها اليه تختلف مع شريكتها في الأحكام و الآثار الاعتبارية.

فحينئذ تمتاز الظهر عن العصر بهذه الإضافة، و لا بد من قصد العنوان و ان كان بنحو الإشارة و الإجمال، كالإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، فإن ذلك إشارة الى ما هو الواقع المعلوم حقيقة عند اللّه و ان كان

مجهولا عند المكلف، و هذا المقدار كاف في التعيين و قصد العنوان و لا دليل على الزائد منه.

ثم ان الإضافة إلى الظهر مثلا قد تعتبر بالنسبة إلى نفس طبيعة الصلاة و ماهيتها من غير نظر الى أجزائها فتكون إضافة واحدة لمضاف واحد، و قد تعتبر إلى أجزائها

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 275

فكل ركعة أو جزء منها كانت مضافة الى الزمان.

فعلى الثاني يكون العدول من صلاة إلى أخرى محالا، لان الجزء مثلا عند وجوده صار مضافا الى الزمان و مأتيا به بعنوانه، و بعد تحققه بهذا العنوان و هذه الإضافة لا يعقل تبديله بإضافة أخرى و عنوان أخر، اما لصيرورته معدوما أو لامتناع انقلابه عما هو عليه.

و على الأول يجوز العدول، لأن الإضافة لنفس الطبيعة التي بيدها، و ما دامت الطبيعة تحت اختيار المكلف حال اشتغاله بها له ان ينوي لها إضافة أخرى، و هو أمر اختياري له، فمن اشتغل بصلاة الظهر ثم بدا له ان يجعلها صلاة العصر أو غيرها له ذلك باختياره و نيته ما دام مشتغلا بها من غير لزوم امتناع، و على ذلك يكون العدول موافقا للقاعدة سواء عدل من الحاضرة إلى الفائتة، أو من اللاحقة إلى السابقة أو بالعكس، فان ظاهر أدلة العدول هو ذلك حيث تدل على انه بالنية يتحقق العدول، فمن صلى ركعتين من العصر ثم علم انه ترك الظهر ينويها ظهرا كما هو مورد النص، و هذا يكشف عن ان الإضافة مخصوصة بنفس الماهية لا لأجزائها، و الا لامتنع الأخذ بظاهر الروايات و كان اللازم تأويلها.

و بالجملة بعد ما كانت الماهية بنفسها واحدة غير ممتازة، و دل الدليل على ان الإضافة الموجبة للافتراق قابلة للنقل باختيار

المكلف لكونها للماهية و نظير إضافة الملكية لا إضافة الإجارة صار العدول على القاعدة بعد ما وقع المعدول عنه صحيحا و كان المعدول إليه مأمورا به، و على ذلك لو دخل في صلاة الظهر مع عدم الإتيان بالعصر في الوقت الخاص بالعصر أو شك في الإتيان بها يمكن القول بلزوم العدول الى العصر، و انما لا يجوز العدول إلى اللاحقة إذا لم يكن السابقة مأمورا بها كما لو اتى بها ثم دخل فيها ثانيا خطأ فإن عدم الجواز لأجل بطلان السابقة ثم لو قلنا بعد جواز العدول من السابقة مطلقا، و استشكلنا في ما مر بأن الإمكان لا يكفي في القول بالصحة مع توقيفية العبادة، و لا دليل على جواز العدول كذلك، بل لعل عدمه متسالم عليه

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 276

بين الأصحاب، يمكن القول في الفرع المذكور بإيقاع صلاة العصر في خلال الظهر، و بعد تتميمها يتمم الظهر من غير احتياج الى رفع اليد، إذ لا دليل على عدم جواز ذلك كما مر في السابق، و بذلك يقع بعض الظهر في وقتها كالعصر.

و لو منع ذلك أيضا بدعوى مخالفته لارتكاز المتشرعة لا بد من رفع اليد عن الظهر و الإتيان بالعصر ثم الظهر قضاء، هذا إذا أدرك من العصر ركعة أو أزيد، و الا فالظاهر صحة الظهر و لزوم تتميمها ثم قضاء العصر. لان الوقت مشترك، و الظهر صحيحة إلى الان فرضا، و العصر لم يزاحمها لصيرورتها قضاء رفع اليد عن الظهر أم لا، فيجب عليه تتميمها مع القول بعدم جواز العدول الى العصر.

الصورة السادسة لو لم يبق من الوقت إلا ركعة فشك في الإتيان بالصلاة، فبملاحظة خصوص قاعدة التجاوز مع الغض

عن الدليل الخاص الوارد في الوقت أي صحيحة الفضيل و زرارة «1»، و عن دليل

من أدرك ركعة «2»

يمكن ان يقال: انه لم يمض الوقت و ان الشك في الوقت، لان ظاهر الأدلة ان وقت الظهرين باق الى غروب الشمس، و هذه القطعة الأخيرة وقت للطبيعة، و لهذا لو وقعت الركعة الأخيرة من الصلاة فيها لكانت في وقتها بخلاف ما لو وقعت بعد غروب الشمس، و انما يمضى الوقت بقول مطلق بغروبها، فمقتضى ضم هذه الروايات اى روايات امتداد الوقت الى غروب الشمس الى روايات قاعدة التجاوز هو ان الشك في الوقت.

و قد يقال: ان المراد بالوقت في

قوله (ع): أنت في وقت منهما جميعا «3»

هو الوقت الواسع لأداء الصلاة فيه، لان وقت الشي ء ما يمكن ان يقع فيه بتمامه، و من المعلوم عدم إمكان وقوع الصلاة في الوقت الذي لا يسع إلا لركعة، فلا بد من توجيه قوله: أنت في وقت منهما الى الغروب و مضى الوقت الواسع لجميع الصلاة

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 1.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث 5.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 277

بذهابه الى حد لا يمكن ان يقع تمام الصلاة فيه.

و فيه انه لا وجه لتأويل الروايات بعد إمكان الحمل على ظاهرها، و هو ان الوقت الى غروب الشمس، لا بمعنى انه وقت الشروع، بل بمعنى انه وقت لها باعتبار انه لو وقعت الصلاة في تحققها الامتدادي فيه لو وقعت في وقتها، فهل يصح ان يقال في

قوله عليه السلام إذا زالت الشمس دخل وقت الصلوتين «1»

لا يراد به ظاهره لان

الصلاة لا يعقل وقوعها أول الزوال، فكما ان المراد به انه وقت لأجل انه لو شرع فيها حال الزوال وقع الصلاة في الوقت المضروب لها، كذلك المراد بان قبل الغروب وقت انه لو ختمت وقعت في وقتها،

و قوله: كل ما شككت فيه مما قد مضى «2»

لو نسب الى زمان الصلاة يكون مضيه بقول مطلق هو المضي بجميع قطعاته.

و بتقريب آخر، ان الصلاة في اعتبار الشارع المستكشف من ارتكاز المتشرعة و الاخبار الواردة في الأبواب المختلفة ليست نفس تلك الاجزاء، و لا مجموعها من حيث المجموع بالترتيب الخاص بدليل ان المكلف إذا كبر دخل فيها بلا ريب و بلا شائبة مجاز، و هو داخل فيها الى ان يختمها بالسلام سواء في ذلك نفس الاجزاء و الفترات الحاصلة بينها، فالدخول فيها أمر حاصل بمجرد الشروع و باق الى آخره، و لا يعقل مع كونها اجزاء أو مجموعا ان تكون كذلك كما لا يعقل فيها القواطع و النواقض، و انما يصح كل ذلك بلا تأول إذا كانت معتبرة بنحو وحداني اتصالي نظير سائر الماهيات التي تتحقق بأول الوجود و تبقى الى آخره.

فلو كان البلد مثلا مجموع الابنية لا يصدق على الوارد في أولها انه وارد في البلد، لان الجزء ليس بلدا، و الحال في نقطة منه ليس حالا فيه، بل لا يعقل الحلول فيه بأحد، بل المار بأحد جانبيه الى الأخر غير مار بالبلد لان المرور وقع على

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت أحاديث: 8 و 9 و 10 و 11.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 278

الاجزاء الخاصة و هي ليست

بلدا.

و لو كان شهر رمضان مثلا عبارة عن مجموع الأيام لما دخل الشهر بحلول هلاله و لا بدخول يومه، فشهر رمضان عبارة عن قطعة زمان ممتد اعتبرت فيها أيام و ليال و ساعات و دقائق نحو بعض الماهيات الحقيقية التي يصدق على بعضها و على كلها اسم الحقيقة كالماء.

و الصلاة اعتبرت نحو اعتبار يشبه بوجه شهر رمضان فكما ان الشهر يحل بأول دقائقه و هو باق الى آخره كذلك الصلاة تتحقق بأول اجزائها أي تكبيرة الإحرام و يكون المكلف متلبسا بها الى السلام المخرج، و الأوقات إنما جعلت لهذه الطبيعة الاعتبارية لا لأجزائها، و ليس أول الزوال وقتا لتكبيرة الإحرام و الان الأخر للحمد و هكذا، بل إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر اى تلك الماهية التي تتحقق بأول وجودها، فكل قطعة و دقيقة من الزوال الى غروب الشمس وقت لتلك الطبيعة، فإذا شرع فيها يكون الوقت الواقعة فيه الصلاة وقتا لها، و لا يلحظ في هذا الاعتبار الاجزاء أصلا، و على ذلك لا فرق في هذا الأمر بين أول الوقت و آخره،

فقوله: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهرين و أنت في وقت منهما جميعا الى غروب الشمس «1»

إطلاق حقيقي بعد الاعتبار المذكور.

فحينئذ يكون مضى وقت الصلاة بغروب الشمس، لان الوقت المقرر لها وقت حقيقي لها الى الغروب، فمقتضى قاعدة التجاوز مع قطع النظر عن سائر الأدلة و عن خصوص الرواية الواردة في الوقت كون الشك قبل غروب الشمس قبل تجاوز الوقت و انما التجاوز يتحقق بغروبها.

ان قلت: مقتضى بعض الروايات

كقوله حين يتوضأ اذكر «2»

، و

قوله أقرب

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 5.

(2) الوسائل كتاب الطهارة باب- 42- من

أبواب الوضوء حديث: 7.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 279

إلى الحق، «1»

و

قوله قد ركعت، «2»

هو ان العلة لعدم الاعتناء بالشك ان المكلف المقدم للإتيان بالمأمور به يأتي به مع جميع ما يعتبر فيه، و لا يصح الاعتناء بشكه باحتمال الغفلة و الاشتباه، و على ذلك لو شك في وقت لا يسع الصلاة فيه و تكون قضاء لوقوع بعضها خارج الوقت، لا محالة يكون ذلك لاحتمال التأخير غفلة و اشتباها، فمقتضى الروايات المتقدمة عدم الاعتناء بالشك و ان لم يصدق المضي، لأن العلة تخصص و تعمم.

قلت: علية ما ذكر محل اشكال بل منع نعم لا مانع من كونه نكتة الجعل، لكن لا يصح رفع اليد عن الإطلاق بمثل ذلك، و لا رفع اليد عن الكبريات الكلية به، هذا مع الغض عن صحيحة زرارة و الفضيل.

و اما بالنظر إليها،

فقوله: متى شككت في وقتها انك لم تصلها أو في وقت فوتها انك لم تصلها صليتها، فان شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك، «3»

منضما الى قوله قبل ذلك في تفسير وقت الفوت: بأنه إن جاز ذلك الوقت ثم صليتها لم تكن صلاته هذه مؤداة ظاهر في ان المراد بخروج وقت الفوت ذهاب الوقت بمعنى غروب الشمس، فإن الصلاة إذا وقعت بعد غروبها تكون غير مؤداة بنحو الإطلاق، و لو وقع بعضها في الوقت و بعضها خارجه تكون قضاء أو أداء ببعضها و قضاء ببعض، و الظاهر من دخول الحائل و كونها غير مؤداة غير هذا الفرض فالصحيحة مع اشتمالها على التفسير المذكور مطابقة للاحتمال الذي رجحناه في مطلقات روايات قاعدة التجاوز، من ان المضي بخروج الوقت اى بغروب الشمس.

نعم مع

الغض عن أدلة القضاء لا شك في ان الصلاة الواقعة بعضها خارج الوقت باطلة بحسب القواعد مع الغض عن قاعدة من أدرك، فيكون الشك مع

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 27- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 60- من أبواب المواقيت حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 280

بقاء الوقت بمقدار أقل من سعة جميع الصلاة شكا في وقت لو صليها لم تكن مؤداة لصيرورتها باطلة، فينطبق حينئذ على الاحتمال المرجوح المتقدم في قاعدة التجاوز، لكن مع أدلة القضاء و التفسير المتقدم يكون الترجيح للاحتمال الأخر المطابق لما رجحناه بل مع الغض عن التفسير المذكور تكون الصحيحة ظاهرة فيما ذكر، لان وقت الفوت مقابل وقت الفضيلة الذي عبر فيها بأنه وقتها، و الوقت من أوله الى آخره قسم بقطعتين إحداهما الوقت و الأخرى وقت الفوت و خروجه بغروب الشمس، فتحصل مما ذكر ان مقتضى قاعدة التجاوز و صحيحة زرارة ان الشك في الوقت و لو كان بمقدار بعض الركعة يعتنى به، و التجاوز و دخول الحائل بذهاب الوقت بتمامه.

ان قلت: ان الصحيحة الآمرة بالصلاة مع الشك في وقت الفوت دالة على ان الوقت واسع لها، و الا كان الأمر بشي ء غير مقدور، فلاحظ الوقت الواسع لها و في مقابلها الوقت غير الواسع، فالشك في ذلك الوقت لا يعتنى به.

قلت: الأمر بالصلاة لا يدل على ان صلاته أداء، بل غاية ما يدل عليه انه وجب عليه الاعتناء بشكه و لا يكون خارج الوقت فيجب الصلاة عليه و لو كان الإتيان بها خارج الوقت فمع اعتبار الشك في الوقت لو شك

في الجزء الأخر من الوقت صح ان يقال: يجب عليك الصلاة فلا محالة تكون صلاته قضاء، بل قوله في الصحيحة:

فليصل ليس امرا مولويا، لان الصلاة لا تجب مع الإتيان بها، و مع عدمه يجب بالأمر الأول، فالأمر إرشاد إلى حكم العقل بالاشتغال.

ثم على ما بنينا من عدم جريان قاعدة التجاوز مع بقاء الوقت و لو كان أقل من ركعة، لا نحتاج الى دليل من أدرك في الاعتناء بالشك فيما لو بقي الوقت بمقدار إدراك الركعة.

و أما لو بقي بمقدار أقل من إدراك ركعة فهل يدل دليل من أدرك على الاعتناء بالشك؟ يبتني ذلك على ان يدل منطوق الدليل على تنزيل خارج الوقت منزلة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 281

الوقت، و مفهومه على تنزيل الوقت منزلة خارجه، و على ان شكه شك في خارج الوقت، و في الكل إشكال، أما تنزيل الوقت فقد أشرنا إليه سابقا بان الدليل لا يدل عليه في المنطوق حتى

في مثل من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل ان تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها «1»

فان الظاهر منه تنزيل المدرك له أو تنزيل إدراكه للوقت، لا تنزيل نفس الوقت، و على فرض التسليم و تسليم المفهوم للدليل فلا يدل الأعلى عدم تنزيل الأقل منزلة الوقت لا تنزيله منزلة عدم الوقت حتى ينتج، و على فرض التنزيل فلا إطلاق له حتى يثبت به تنزيل الشك فيه منزلة الشك في الوقت منطوقا و خارجه مفهوما.

و دعوى ان تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت كاف في كون شكه كذلك من غير احتياج الى تنزيل أخر، فإنه من قبيل ترتب الحكم على الموضوع غير وجيهة فإن الشك في الإتيان في الوقت ليس حكما مترتبا

عليه، بل موضوع لوجوب الاعتناء به على اشكال فيه ناش من ان لزوم الاعتناء ليس حكما شرعيا بل حكم عقلي لقاعدة الاشتغال، و ليس للشارع في قاعدة التجاوز حكمان أحدهما وجوب الاعتناء بالشك و ثانيهما وجوب المضي، نعم بالنسبة إلى خارج الوقت يكون وجوب المضي حكما شرعيا، و كيف كان فدعوى كون الشك في قاعدة التجاوز حكما شرعيا مترتبا على الموضوع في غير محلها.

ثم انه من المحتمل ان يكون المراد من قوله: من أدرك ركعة الى آخره، ان الوقت المعتبر في الصلاة اعتبر بنحو يكون وقوع ركعة من الصلاة فيه كافيا في صحتها من غير نظر الى الإتيان بها و عدمه أو اشتغال ذمة المكلف بها و عدمه، نظير اعتبار ذات الوقت فيها، و على ذلك صحت الصلاة لو فرض اشتغال الذمة بها ان وقعت كذلك، و لازم ذلك جواز التأخير إلى إدراك ركعة لعدم اعتبار شي ء فيه من الاضطرار أو اشتغال الذمة بها و حينئذ ليس الدليل ناظرا إلى توسعة الوقت أو تنزيل

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب- 28- من أبواب المواقيت حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 282

الخارج منزلة الوقت و بالعكس، فلو شك في الصلاة و قلنا بمقالتنا هذه يكون شكه في الوقت و لو قيل بان الشك بعد مضى الوقت الى حد لا يسع للصلاة يكون الشك بعد الوقت.

لكن هذا الوجه مضافا الى كونه خلاف الظاهر لا أظن التزام أحد به، فالمراد من دليل من أدرك أما تنزيل الخارج منزلة الوقت، أو تنزيل المدرك لركعة منزلة مدرك الصلاة أو مدرك الصلاة في الوقت. أو تنزيل إدراك ركعة منها منزلة إدراكها تامة أو في وقتها، كل ذلك لا

مطلقا بل لمن لم يصل الى هذا الحد، أو لمن اضطر إلى الإتيان بها كذلك، كما هو ظاهر قوله من أدرك، و صريح الموثقة «1» من رواياته، فلا يجوز التأخير الى هذا الحد، و ان أخر و لو عصيانا يجب الإتيان بها، و إدراكه لها ادراك للصلاة.

و من بين هذه الوجوه اما يرجع الوجه الأخير، أو أحد الوجهين الأخيرين، أو لا ترجيح بينها، و لا ينبغي الإشكال في عدم ترجيح الأول، بل هو خلاف ظاهر الدليل بل خلاف اعتبار التنزيل الذي هو نظير الحقيقة الادعائية، و قد أشرنا سابقا الى وجهه، و كيف كان فعلى الوجه الذي رجحناه في قاعدة التجاوز و صحيحة زرارة لا نحتاج في المسألة إلى دليل من أدرك، بخلاف الوجه الأخر أي القول بان خروج الوقت مضيه الى حد لا يسع تمام الصلاة، و عليه فان قلنا: ان المعتبر في موضوع دليل التجاوز الشك بعد الوقت، و في قباله الشك في الوقت فلا محالة لا يفيد الدليل الا على الوجه الأول، بناء على كفاية التنزيل في الوقت في صيرورة الشك فيه شكا في الوقت و قد عرفت الإشكال في أصل التنزيل و في كفايته لما ذكر.

و قد يقال: ان قاعدة الشك في الوقت ليست كقاعدة الشك في خارجه قاعدة شرعية مترتبة على الشك في الوقت، بل القاعدة الحاكمة بلزوم الإتيان هي قاعدة الاشتغال الحاكم بها العقل، و ليس في موضوع القاعدة اعتبار عنوان الوقت، و

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب- 30- من أبواب المواقيت حديث: 1 و 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 283

يكفى فيها الشك في الإتيان بالمأمور به، فيكفي التنزيل المذكور في حكم العقل بلزوم الإتيان.

و فيه ان حكم

العقل بلزوم البراءة اليقينية انما هو مع العلم بالاشتغال و الفرض ان الوقت المقرر للصلاة خارج، و معه يسقط التكليف و ينتفي موضوع الاشتغال، و مع الغض عنه ان قاعدة التجاوز حاكمة بالمضي و عدم الاعتناء بالشك، و معها ينتفي موضوع الاشتغال، فلا بد في الحكم بالاشتغال من إحراز عدم كونه موردا لقاعدة التجاوز و يكون موردا للاشتغال، و هو بإحراز كون الشك في الوقت.

ان قلت تنزيل هذا المقدار من وقت المغرب منزلة وقت الظهرين لا معنى له الا كون الشك في هذا المقدار في الإتيان بالصلاة موجبا لوجوب الإتيان بها، من دون احتياج إلى إثبات ان الشك في هذا المقدار شك في الوقت، فان الحكم على العناوين عين الحكم على المصاديق و انما الاختلاف بالإجمال و التفصيل، و لهذا يقال في القياس: هذه خمر و كل خمر يحرم شربها بأخذ نفس عنوان الموضوع من غير أخذ عنوان الخمر أو الشرب فيه، و في المقام يقال: هذا المقدار من وقت المغرب وقت للظهر و كل وقت للظهر إذا شك فيه في الإتيان بها يجب الإتيان بها فيجعل نفس هذا المقدار بما هو موضوعا لوجوب الإتيان بالظهر إذ أشك في الإتيان بها لا بعنوان وقت الظهر، و لا ان الشك فيه شك في الوقت.

قلت: ان عينية تنزيل وقت المغرب منزلة وقت الظهر مع كون الشك في هذا المقدار موجبا لوجوب الإتيان ممنوع، و قياس المقام بالخمر و مصاديقها في غير محله، و كيف يمكن عينية العنوانين مع كون أحدهما من الأحكام الوضعية الشرعية و الأخر من حالات النفس، بل العنوانان مختلفان و لكل مصاديق مختلفة مع الأخر، و على ذلك لا يصح القياس الذي تشبث به.

و

ان أريد بذلك ان تنزيل أحدهما عين تنزيل الأخر، فهو أيضا ممنوع، و استلزام أحد التنزيلين للآخر أول الكلام، بل لنا ان نقول في القياس المتقدم: ان الحكم الشرعي

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 284

لو كان موضوعه عنوان الشرب في لسان الدليل لا يمكن إثباته باستصحاب الخمر، و لا بتنزيل شي ء كالعصير منزلتها، فلو ورد ان شرب الخمر موجب لثبوت الحد الكذائي ثم ورد ان العصير خمر لا يثبت بذلك ان شربه يوجب الحد الا مع إثبات عموم التنزيل، و كيف كان لا يمكن مساعدة ما أفيد و ان نسب الى شيخنا الأستاد قدس سره.

كما نسب اليه ان التنزيل يجدي في عدم كون هذا الشك شكا بعد الوقت، و ذلك يكفي في حكم العقل بالاشتغال، لعدم كون موضوعه الشك في الوقت، و فيه أيضا ما لا يخفى لمنع إثبات عدم كونه بعد الوقت بدليل التنزيل.

ثم انك قد عرفت على ما تقدم منا آنفا ان الشك في الوقت و لو كان أقل من ركعة مما يعتبر و يعتنى به، و لا تشمله قاعدة التجاوز من غير فرق بين كون المستند قاعدة التجاوز أو صحيحة الفضيل صدرا و ذيلا.

و اما بناء على المسلك الأخر و هو القول بان تجاوز الوقت و مضيه بأن لا يبقى منه ما يسع الصلاة فمع بقاء ركعة منه كان الشك بعد التجاوز، فلا بد اذن في القول ببقاء الوقت و كون الشك في الوقت و عدم التجاوز من التمسك بحديث من أدرك.

و يرد عليه مضافا الى ما تقدم، انه بناء على اختصاص الحديث بمن لم يصل أو بمن اضطر إلى الإتيان بها و لو بقاعدة الشغل يتوقف جريان من أدرك على

استصحاب عدم الإتيان أو الاضطرار إليه لقاعدة الاشتغال، و مع كون الشك بعد التجاوز تمنع قاعدته عن الاستصحاب و قاعدة الاشتغال لتقدمها عليهما بالحكومة أو بغيرها، فلا يمكن جريان قاعدة من أدرك في المقام.

الصورة السابعة ما لو شك في الإتيان بالظهرين و لم يبق من الوقت الا مقدار خمس ركعات، فعلى ما قدمناه يكون الشك فيهما في الوقت و يجب الإتيان بهما، و هذا لا اشكال فيه.

انما الإشكال في ان الواجب عليه هل هو الإتيان بالظهر ثم العصر أو العكس؟

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 285

وجهه ان في صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة في مورد عدم الإتيان بهما و قد ضاق الوقت على انه ان خاف فوت إحداهما يصل العصر ثم الظهر و لو صلى الظهر فاتتاه جميعا «1» احتمالين: أحدهما ان المراد بالفوت خروج الوقت و عدم وقوع شي ء منهما فيه، و يكون المفروض فيهما احتمال بقاء الوقت لأربع ركعات فقط فاذا خاف ذلك يجب تقديم العصر، و في غير ذلك كما لو علم بكون الوقت أكثر منه لكن احتمل ان يكون بمقدار خمس ركعات يجب تقديم الظهر، فالفوت انما يصدق مع وقوعهما تماما خارج الوقت، فعلى هذا الاحتمال تدل الصحيحة على انه مع عدم الإتيان بهما يجب تقديم الظهر على فرض، و تقديم العصر على أخر، و عليه لا نحتاج إلى قاعدة من أدرك.

ثانيهما: و هو الأظهر أن الفوت عبارة عن عدم وقوع تمام الصلاة في الوقت المقرر، فلو بقي من الوقت خمس ركعات أو أكثر إلى أقل من ثمان ركعات فقد فات وقت إحداهما، و لو خاف ذلك يجب عليه تقديم العصر، و إذا وجب ذلك مع العلم بعدم الإتيان يجب مع الشك

في الإتيان بهما أيضا، لتنقيح الاستصحاب موضوع الحكم، و مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الفرق في وجوب تقديم العصر بين احتمال بقاء اربع ركعات أو أكثر إلى ثمان ركعات، و مع العلم ببقاء ثمان ركعات أو أزيد يجب تقديم الظهر.

فعلى ذلك هل يمكن التمسك بقاعدة من أدرك مع بقاء خمس ركعات لإثبات عدم الفوت و تقديم الظهر على العصر أولا.

وجه الاشكال فيه ان التمسك للظهر موجب لوقوعها بمقدار ثلاث ركعات في الوقت المختص بالعصر، فيزاحمها العصر و انما ترتفع المزاحمة فيما إذا انطبق قاعدة من أدرك على العصر ليوسع وقتها أو يوجب عدم الفوت، و مع بقاء الوقت للعصر تماما لا وجه للتمسك بهذه القاعدة لها، و مع عدم جوازه لا يصح التمسك

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 18.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 286

للظهر لمكان المزاحمة.

و قد تفصى شيخنا الأستاد (قدس سره) عنه بان كل صلاة مطلوب مستقل و مجموعهما أيضا مطلوب عرفا، و بعبارة أخرى يجب على المكلف ثمان ركعات و لم يمكن له الإتيان بها في الوقت بجميعها و يمكن ادراك ركعتين منها فيجب.

و فيه ما لا يخفى فان مجموع الصلوتين ليس مطلوبا، بل المطلوب كل واحدة و الا لزم في تركها عقوبات ثلاثة لترك هذه و هذه و المجموع، و اعتبار المجموع لا يوجب شمول التكليف المتعلق بكل واحدة منهما مستقلا للمجموع و العرف لا يساعد أيضا لما ذكر، فان العرف لا يرون الا وجوب الظهر و وجوب العصر، مضافا الى انه لو كان المجموع الذي هو أمر واحدا اعتبارا مطلوبا واحدا هو الصلاة أيضا، يشمله قاعدة من أدرك، و لازمه ادراك المجموع بإدراك ركعة من الوقت،

فلو صلى و وقعت ركعة من المجموع في الوقت و البقية خارجه صحت صلاته لقاعدة من أدرك، و هو كما ترى.

هذا مضافا الى عدم رفع الاشكال بذلك، فان المجموع المركب من الصلوتين إذا لو حظ بالنسبة إلى الوقت، يكون أحد جزئية مزاحما للآخر في الوقت، فكما ان العصر المستقلة مزاحمة للظهر المستقلة كذلك تكون العصر التي هي جزء للمجموع مزاحمة للظهر، و مجرد مطلوبية المجموع عرفا لا يوجب رفع التزاحم، بل مزاحمة العصر المستقلة باقية على حالها، لأن مطلوبية المجموع ناشئة عن مطلوبية جزئية و لا يعقل رفع المزاحمة بينهما لعدم تعقل رفع الاستقلال، إذ مع رفعه يرفع مطلوبية المجموع، و بالجملة هذا الوجه مع الإشكالات الواردة عليه لا يرتفع به الاشكال.

و الذي يمكن ان يقال في رفع الاشكال: ان عمدة المستند في مزاحمة العصر للظهر في الوقت المختص بها صحيحة الحلبي الدالة على انه مع خوف فوت إحداهما يقدم العصر، و الإتيان بالظهر يوجب فوت كلتيهما، و بطلان الظهر بعد اشتراكهما في الوقت على ما تقدم اما لأجل اشتراطها بالإتيان

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 287

بالعصر، أو مزاحمة العصر في مصلحتها بحيث تمنع عن استيفائهما مع عدم الإتيان بها، و كيف كان لا يثبت شي ء منهما الا بمقدار دلالة الصحيحة، و فيها علق الحكم على عنوان خوف الفوت و عدمه، فمع عدمه لا بد من تقديم الظهر فلا مزاحمة و لا اشتراط في هذا الفرض.

فحينئذ إذا علم ان صلاة العصر عند بقاء الوقت بمقدار ركعة لا تفوت، بل وقعت أداء كما هو ظاهر الأدلة و معقد لا خلاف في الخلاف يرتفع خوف فوتها، و يرتفع خوف فوت الظهر أيضا بقاعدة من أدرك، و

بالجملة لا يتوقف رفع خوفه بانطباق من أدرك فعلا على المورد، بل لو علم انطباقه عليه عند تحقق موضوعه يرتفع، فلو بقي من الوقت خمس ركعات لا يحتمل فوت إحداهما بدليل من أدرك المنطبق على العصر في وقته و على الظهر فعلا، فيرتفع خوفه فيجب عليه الظهر ثم العصر، و لا تكون العصر مع رفع خوفه مزاحمة للظهر فتدبر جيدا، هذا إذا قلنا بشمول قاعدة من أدرك للظهر فيما لو بقي من الوقت خمس ركعات.

و كذا الحال لو قلنا بعدم شمولها لها مع كون الوقت مشتركا بينهما الى الغروب على ما هو الحق، فإنه مع بقاء جميع وقتها لا ينطبق عليها القاعدة، بل في فرض الاشتراك و استناد البطلان و الفوت الى المزاحمة أو الاشتراط بتحقق العصر أو تركها عذرا يمكن الاستشكال في شمولها لها ثبوتا، فان الجمع بلفظ واحد بين تنزيل إدراك ركعة مقام تنزيل ادراك الجميع و تنزيل إدراك ركعة بلا مزاحمة مقام ادراك الصلاة كذلك أو إدراك ركعة بلا اشتراط مقام ادراك الصلاة كذلك لعله غير ممكن.

و توهم إمكان الجمع في قوله: من أدرك ركعة من الصلاة إلى آخره، بأن يقال: نزل إدراك ركعة جامعة للشرائط و عدم المزاحمات مكان ادراك الصلاة كذلك فيشمل الموردين بالعموم و الإطلاق فاسد.

أما أولا فللزوم التقييد المستهجن كما هو ظاهر و اما ثانيا فلان المراد من

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 288

الإدراك في الرواية هو إدراك ركعة في الوقت جزما، لكونه متفاهما من عنوان الإدراك و بقرينة سائر الروايات الوارد فيها التصريح بذلك، و قرينة فهم الأصحاب، فلا شبهة في أن المراد من الإدراك في القاعدة هو إدراك ركعة من الوقت، و على ذلك لو

فرض إمكان الجمع بينه و بين ادراك الوقت المشترك مقابل المختص على ما بنينا عليه فلا إشكال في قصور دلالتها.

و التحقيق في المقام عدم شمولها لصلاة الظهر و المغرب إلا إذا لم يبق من الوقت الا مقدار ركعة مع الإتيان بالشريكة خطأ أو تركها عذرا، و الروايات الواردة في المقام أيضا مؤيدة لذلك لكونها متعرضة للعصر و الغداة، و هي و ان لم تتعرض للعشائين أيضا، لكن التعرض للعصر الشريكة للظهر دونها ربما يشهد بعدم ارادة الظهر منها، و على فرض عدم شمول القاعدة للظهر فنفس شمولها للعصر في محلها كافية لرفع الخوف عن فوت إحداهما، فإن العصر لا يخاف فوتها لقاعدة من أدرك المنطبقة عليها في محلها، و على ذلك لا تزاحم العصر الظهر في وقتهما المشترك بينهما فيقع الظهر في وقتها بلا مزاحم، و العصر في وقتها التنزيلي إذ كانت أداء فلا تفوت واحدة منهما، هذا كله على ما قويناه من اشتراكهما في الوقت و ان الشك فيهما شك في الوقت.

و اما بناء على القول الأخر من عدم كون الشك في الظهر في وقتها و شمول قاعدة التجاوز لها بخلاف العصر ففي المسألة صور: الاولى ما لو علم بعدم الانفكاك بينهما في الفعل و الترك و أنه اما اتى بهما جميعا أو تركهما كذلك، و عليه تجري في الظهر قاعدة التجاوز، و في العصر استصحاب عدم الإتيان بها، و لازمه التفكيك بينهما، و هو مخالف للعلم فيعلم بمخالفة أحدهما للواقع.

فان قلنا بعدم جريان الأصول أو سقوطها بالتعارض في أطراف العلم و ان لم يكن موجبا للمخالفة العملية يرجع الى الأصل المحكوم أى: استصحاب عدم الإتيان بالظهر و قاعدة الاشتغال في العصر، و عليه

لا يمكن الحكم بتقديم الظهر ببركة

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 289

صحيحة الحلبي «1» فإن المفروض فيها عدم الإتيان بهما، فيتوقف تنقيح الموضوع بإحرازه بالأصل، و أصالة الاشتغال لا تصلح لذلك، الا ان يقال: ان المتفاهم من الصحيحة انه مع لزوم الإتيان بهما و لو عقلا يجب تقديم الظهر مع عدم خوف الفوت تحصيلا للترتيب، و ان لزوم تقديم العصر انما هو لأجل فوت إحداهما، أو يقال: ان وجوب تقديم الظهر حكم ثابت لمن لم يأت بهما واقعا من غير دخالة الإحراز فيه، و في المقام دوران الأمر بين الإتيان بهما فلا شي ء على المكلف و عدم الإتيان بهما فيجب تقديم الظهر، و بالجملة اما لا يجب عليه شي ء أو يجب الإتيان بهما بتقديم الظهر، و هذا هو الأقوى.

و ان قلنا بجريان الأصول في أطراف العلم مع عدم المخالفة العملية كما في المقام و على ما هو الأقوى، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم لزوم الإتيان بالظهر، بل التعبد بالإتيان بهما على ما هو الأظهر من كونها أصلا محرزا حيثيا، و مقتضى استصحاب عدم الإتيان بالعصر لزوم الإتيان بهما.

و على ذلك يستشكل بأن الإتيان بالعصر لغو بعد البناء على كون الظهرين أداء في مفروض الكلام لقاعدة من أدرك اما بما أفاده شيخنا الأستاذ قدس سره أو بما ذكرناه، فإنها على ذلك تقع اما لغوا أو باطلا لأجل فقد الترتيب.

الا أن يقال: ان قاعدة التجاوز تحرز وجود الظهر و هو كاف في حصول شرط العصر.

و فيه ان المحتمل في مثل

قوله في الروايات المستفاد منها الاشتراط: الا أن هذه قبل هذه «2»

إما دخالة عنوان قبلية الظهر على العصر أو بعدية العصر أو ترتب العصر عليها أو عدم

دخالة شي ء منها بل الشرط في صحتها وجود الظهر فلو وجدت صحت العصر، و على ما عدا الأخير لا تصلح القاعدة لإثبات تلك العناوين إلا بالأصل

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 4- من أبواب المواقيت حديث: 18

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 4- من أبواب المواقيت حديث 5 و 20 و 21

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 290

المثبت.

و أما على الأخير فيما أنها أصل محرز حيثى لا يحرز بها الظهر الا من حيث وجودها المستقل للتجاوز عن محل أدائها، و قد تقدم ان دليل قاعدة من أدرك لا يصلح لإثبات كون الشك في الوقت، و اما من حيث اشتراط العصر بها فلا يحرز بها لعدم كونها محرزة مطلقا. و لا مانع في التعبديات من لزوم البناء على وجود شي ء من حيث و عدم لزومه أو لزوم عدمه من حيث، و على ذلك لما كانت كل من الصلوتين أداء لقاعدة من أدرك و لدعوى عدم الخلاف من الشيخ في الخلاف يجب الإتيان بالظهر تحصيلا للشرط لا رجاء كما أفيد، فإنه لم يتعبد بتحققها من هذه الحيثية، بل الظاهر جريان استصحاب عدم الإتيان بها لعدم حكومة قاعدة التجاوز عليه من هذا الحيث، و انما تكون حاكمة عليه من حيث وجودها الاستقلالي للتجاوز من هذه الحيثية دون تلك فينقح الاستصحاب فيهما موضوع صحيحة الحلبي، بل لا يبعد أن يقال: ان الصحيحة متعرضة لحيث اشتراط العصر بالظهر.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الخلل في الصلاة، در يك جلد، چاپخانه مهر، قم - ايران، اول، ه ق

كتاب الخلل في الصلاة؛ ص: 290

و مما ذكرنا يظهر حال صورة احتمال انفكاكهما سواء احتمل تركهما أو فعلهما معا أو ترك الظهر و فعل

العصر أو العكس، فإنه على ما بنينا عليه تكون حال الصورتين أو الصور الأخرى حال صورة العلم بعدم الانفكاك، من جريان الاستصحابين و الاندراج تحت صحيحة الحلبي، و على المبنى الأخر يظهر الحال بالتأمل فيما تقدم.

الصورة الثامنة ما لو ما شك في بقاء الوقت، و شك مع ذلك في الإتيان بالظهر فقط أو بالعصر فقط يجب الإتيان بالمشكوك فيه.

لا لما قيل من ان حكمه حكم الشك فيها مع بقاء الوقت واقعا فان استصحاب بقاء الوقت يترتب عليه هذا الحكم، لما عرفت من الخلط فيه بين اللازم العقلي و الحكم الشرعي و الخلط بين الموضوع و الحكم، مع انه لو سلم لم يكن وجوب الإتيان في الوقت مع الشك فيه حكما شرعيا مستفادا من كبرى شرعية، بل وجوب الإتيان مع

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 291

الشك فيه حكم العقل بالاشتغال.

بل لان وجوب الإتيان لا يحتاج إلى إحراز الوقت، بل بعد اشتغال الذمة يقينا بالأداء تجب البراءة اليقينية، و مع الشك في خروج الوقت يحكم العقل بالإتيان خروجا عن الاشتغال و لعدم المؤمن مع الترك، هذا مع الغض عن الاستصحاب.

و اما بالنظر إليه فإن استصحاب بقاء الوقت و استصحاب عدم الإتيان بالصلاة كافيان في الحكم بالوجوب فان الوجوب مترتب على عدم الإتيان و بقاء الوقت من غير دخالة الشك في الوقت فيه، و لو شك في الوقت و شك في الإتيان بها فالحكم كذلك لو ترتب على عدم الإتيان و بقاء الوقت، لكن مقتضى صحيحة الحلبي خلاف ذلك فإن المأخوذ فيها خوف الفوت و عدمه فمع خوفه يجب تقديم العصر، و من المعلوم ان الاستصحاب لا يرتفع به الخوف وجدانا، و لا دليل على التعبد بعدمه

شرعا، و عليه لو خاف في الفرض من فوت إحداهما يجب عليه الإتيان بالعصر، و مع عدمه يجب الإتيان بهما مترتبا.

القسم الثاني: و هو الشك فيما يعتبر في الصلاة شرطا أو شطرا أو مانعا و قاطعاً، لا إشكال في لزوم الإتيان بما يعتبر فيها و المراعاة له إذا شك في المحل للأصل و تؤيده جملة من الاخبار، كما لا ينبغي الإشكال في عدم لزوم ذلك و عدم الاعتناء بالشك مع كونه بعد المحل لقاعدة التجاوز من غير فرق بين أنحاء ما اعتبر فيها، و من غير فرق بين الركن و غيره، و من غير فرق بين الركعتين الأولتين و الأخيرتين، و ان نقل الخلاف في ذلك عن بعض الأصحاب انما الاشكال و الخلاف في بعض الموارد.

منها الخلاف في ان المستفاد من روايات الباب هل هو تأسيس قاعدة واحدة أو قاعدتين، فمن قائل ان هنا قاعدتين مستقلتين، قاعدة التجاوز المختصة بالصلاة، و قاعدة الفراغ فيما شك في صحته و هي قاعدة جارية في جميع الأبواب غير مختصة بالصلاة، و من قائل ان المستفاد منها قاعدة واحدة تشمل بإطلاقها الشك في الوجود و الشك في الصحة.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 292

و هنا احتمال أخر هو المتعين بعد بيان مأخذه، و هو ان القاعدة في المقام هي قاعدة التجاوز عند الشك فيما يعتبر في الشي ء، و هي سارية في جميع الأبواب و غير مختصة بالصلاة، و اما أصالة الصحة بمعنى الحكم بالصحة أو البناء عليها عند الشك فيها بعد الفراغ من العمل فلا أساس لها، و قد فصلنا ذلك في رسالة الاستصحاب و نشير إليه في المقام إجمالا.

فنقول: ان في قاعدة الفراغ بما ذكروها اشكالا ثبوتيا من

ناحيتين.

أولاهما ان الصحة و الفساد أمران انتزاعيان من فعل المكلف تابعان لمنشئهما، و لا يعقل تخلفهما عنه، و لا تنالهما بذاتهما يد الجعل، بل لا يعقل ذلك الا بالتصرف في المنشأ، فلو كان المأتي به مطابقا للمأمور به في جميع ما يعتبر فيه تنتزع منه الصحة، و لا يعقل عدمها كما لا يعقل الحكم بالفساد، أو الحكم بالبناء عليه كما انه لو كان المأتي به مخالفا له و لو من حيث لانتزع منه الفساد و لا يعقل مع بقاء المنشأ بحاله انتزاع الصحة منه أو الحكم بها أو الحكم بالبناء عليها، و بالجملة جعل الصحة من غير التصرف في المنشأ محال، و مع التصرف فيه بوجه ينطبق عليه المأتي به تحصيل للحاصل، و منه يعلم عدم إمكان الحكم بالبناء عليها مع فعلية ما يعتبر في المأمور به و عدم التصرف في المنشأ، فأصالة الصحة بالمعنى المعهود أمر غير معقول.

ثانيتهما ان الشك في الصحة لا يعقل الا مع الشك في شي ء مما يعتبر في العمل، و لا يعقل العلم بتحقق المأمور به باجزائه و جميع ما يعتبر فيه و الشك في صحته، و على ذلك يكون الشك فيها دائما مسبوقا بالشك في الوجود الذي هو مجرى قاعدة التجاوز، فأصالة الصحة دائما أما محكومة للقاعدة أو جعلها لغو لا يعقل صدوره من الحكيم.

و توهم ان بين القاعدتين عموما من وجه قد فرغنا عن رده، و توهم عدم

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 293

إجراء قاعدة التجاوز في غير الصلاة فاسد لا يرجع الى مستند و مخالف للإطلاقات.

و على ما ذكرنا لا بد من توجيه ما دل على قاعدة الفراغ على فرضه، لكن الظاهر عدم دليل عليها بالمعنى

الذي ذكر من ان المراد بها أصالة الصحة عند الشك فيها.

فإن العمدة في الباب ما جملة من الروايات الواردة في عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ من الصلاة،

كصحيحة ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال: كل ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد «1»

و قريب منها غيرها.

و لكن أنت خبير بأنها لا تدل على أصالة الصحة، بل المراد من الشك فيه هو الشك في وجود ما يعتبر في الصلاة، و مجرد ذكر الفراغ أو الانصراف لا يدل على ان عدم الاعتناء لأجل الفراغ بعد توافق النص و الفتوى على جريان قاعدة التجاوز في الصلاة قبل الفراغ منها و بعد انطباق قاعدة التجاوز عليه بإطلاق أدلتها، فذكر الفراغ اما لبيان أحد المصاديق و بيان عدم الفرق بين ما قبل الفراغ و ما بعده أو لبيان عدم الاعتناء بالشك حتى في الركعات، و كيف كان لا ينبغي الإشكال في عدم إرادة أصالة الصحة على ما راموا.

أو جملة من الروايات الأخر

كموثقة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو «2»

بدعوى دلالة قوله مضى و امضه في الخروج عن نفس الشي ء لا عن محله، و عليه يكون المراد من الشك هو الشك في الصحة.

و فيها بعد تسليم ذلك و الغض عن تحكيم دلالة الصدر الظاهر في الشك في الوجود على الذيل ان المحتمل فيهما بعد فرض المضي عن نفس الشي ء اما الشك

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 27- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة،

ص: 294

في وجود ما يعتبر فيه كما لو خرج من الركوع و شك في الاستقرار المعتبر فيه أو خرج من القراءة و شك في مراعاة ما يعتبر فيها، و اما الشك في صحته.

و من المعلوم ان الشك الأصيل الاولى هو الشك في وجود ما يعتبر فيه، و اما الشك في الصحة فهو أمر تبعي مسبب من الأول، و الظاهر من الشك فيه هو الشك الأصلي لا التبعي، مع ان الحمل على الفراغ من الصلاة مخالف للإطلاق بلا وجه، و الحمل على الشك في الاجزاء بعد الخروج عنها أو أعم منه و من الخروج من العمل المركب مخالف لظاهر القائل بأن أصالة الصحة انما جرت في الأفعال المستقلة.

و مما ذكرنا يظهر الكلام في ذيل صحيحتي زرارة «1» و إسماعيل ابن جابر «2» بل الاشكال فيهما أوضح لأنهما صريحتان في الشك في الاجزاء، بل نقول من رأس: ان الشك في جميع الموارد شك في الوجود أولا و بالذات، و المضي مضى عن المحل كذلك، و الشك في الصحة، و المضي عن الشي ء، و الفراغ عنه، و كذا الشك في الوجود الصحيح و الفراغ عن العمل تبعي ثانوي مسبوق بالشك في الوجود و الخروج عن المحل و لا يتصور غير ذلك في شي ء من الموارد.

فلو شك في صحة الصلاة بعد العمل يكون شكه مسبوقا بشك في وجود شي ء معتبر فيها بنحو من الاعتبار بعد المحل المقرر له، فلو شك في الصلاة للشك في صحة تكبيرة الإحرام بعد إحراز وجودها يكون شكه مسبوقا بالشك في وجود كيفية معتبرة في التكبيرة، و لا يعقل الشك في صحة الصلاة و لا في صحة التكبيرة أولا و بالذات، و محل كيفية

التكبيرة نفس مادتها، فالشك بالأصل هو الشك في كيفيتها بعد خروج محلها الذي هو مادة التكبيرة، و لو شك في صحة السلام يكون مسبوقا بالشك في وجود ما يعتبر فيه بعد محله الذي هو نفس السلام مادة، و كل ذلك مشمول

لموثقة ابن مسلم:

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 295

كل ما شككت فيه مما قد مضى الى آخرها «1»

و على ذلك لا محيص عن حمل الموثقة على الشك الأصيل الاولى و هو ما مر، و كذا المضي على مضى محله فتحصل من جميع ما مر انه لا أصل لأصالة الصحة و لا لقاعدة الفراغ، سواء كانت بمعنى أصالة الصحة، أو بمعنى الشك في الوجود بعد العمل.

فعلى ذلك لا بد من القول بان الوضوء باق تحت قاعدة التجاوز و ان تصرف الشارع في التجاوز عنه، و قيده في خصوص الوضوء بالتجاوز عن تمام العمل بالنص الصريح الصحيح.

و تشهد لذلك

موثقة ابن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه «2»

فان المستفاد من الحصر في الذيل ان الميزان الكلى هو التجاوز و عدمه لا الفراغ و عدمه، من غير فرق بين رجوع الضمير الى الوضوء، بشهادة صحيحة زرارة «3» الواردة في الشك في الوضوء المصرحة بأنه ما دام قاعدا على الوضوء و مشتغلا به يجب عليه الإتيان بما شك فيه، و إذا قام من الوضوء و خرج منه و صار في

حال اخرى لا شي ء عليه، و بين رجوعه إلى شي ء مشكوك فيه كما هو الظاهر ابتداء، غاية الأمر أنه لا بد على ذلك من تقييدها فيما سماه اللّه اى الغسل و المسح بالتجاوز عن تمام الوضوء، و إبقاء سائر الشكوك المتعلقة بغير ما سماه اللّه بحاله، من جريان القاعدة بالنسبة إليها كالشك في شرائط الوضوء، و على أى حال يدل الحصر المذكور الذي في قوة الكبرى الكلية على ان المناط

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 42- من أبواب الوضوء حديث: 2.

(3) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 42- من أبواب الوضوء حديث: 1.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 296

في الاعتناء بالشك و عدمه هو التجاوز و عدمه، سواء كان التجاوز بتمام الوضوء أو بالدخول في الجزء الأخر.

و منها الخلاف في جريان قاعدة التجاوز في سائر الموضوعات غير الصلاة، فإنه ربما يقال باختصاص القاعدة بالصلاة، بخلاف قاعدة الفراغ السارية في جميع أبواب الفقه، و قد تقدم آنفا ان قاعدة الفراغ مما لا أصل لها.

و عليه فينطبق جميع روايات الباب على قاعدة التجاوز، و لا إشكال في استفادة الكبرى الكلية منها

كموثقة محمد بن مسلم: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو «1»

فان عمومها مما لا اشكال فيه و انما حمل القائل هذه الرواية على بيان قاعدة الفراغ دون التجاوز، و قد عرفت ما فيه.

و يدل على الكلية ذيل صحيحتي زرارة «2» و إسماعيل بن جابر «3» ففي الأولى بعد السؤال و الجواب الشاملين تقريبا لتمام الشكوك في اجزاء الصلاة بنحو لا يبقى شك للسائل في ان الشك بعد الخروج عن المحل و

الدخول في الغير لا يعتنى به تصدي الإمام عليه السلام لبيان أمر كلي، و هو قوله: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشي ء، و احتمال اختصاص الكلى بالصلاة، في غاية البطلان بعد بيان الحكم في الاجزاء و عدم الاحتياج الى البيان، و الثانية أيضا نص في الكلية، و الحمل على الصلاة مما لا وجه له، و كيف كان بعد كون القاعدة الوحيدة هي التجاوز لا يبقى شك في كليتها، و لا دليل على التقييد بالتجاوز من العمل الا في الوضوء خاصة بالنسبة الى ما سماه اللّه دون غيره، و لا دليل على إلحاق التيمم و الغسل بالوضوء.

______________________________

(1) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

(3) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 297

و منها انه لا يعتبر في القاعدة الدخول في الغير، و على فرض الاعتبار لا فرق فيه بين الركن و غيره و لا بين الاجزاء الواجبة و غيرها و لا بين الاجزاء مطلقا و غيرها.

اما الدليل على الدعوى الاولى، فهو أن الظاهر من الاخبار كقوله هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك كما في موثقة بكير بن أعين «1» و

قوله في رواية ابن مسلم: و كان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك «2»

و

قوله في صحيحة حماد بن عثمان: قد ركعت امضه «3»

هو ان نكتة تأسيس القاعدة هي عدم الغفلة عن العمل حين الاشتغال به، لأنه حال العمل لا يترك ما يعتبر فيه عمدا، و لا غفلة و

سهوا لأنه في هذا الحال اذكر، و لأصالة عدم الغفلة حال الاشتغال.

و من الواضح ان الدخول في الغير لإدخاله له في ذلك، فلا بد من حمل نحو

قوله في صحيحة زرارة: إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء «4»

و

قوله في صحيحة إسماعيل: كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه «5»

على محمل كغلبة عروض الشك بعد الدخول في الغير أو ملازمه الدخول في الغير مع التجاوز، مع ان القيود الغالبية لا تصلح لتقييد المطلقات فضلا عن تخصيص العموم.

و مما يدل على المدعى بوضوح

موثقة ابن ابى يعفور إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه «6»

فان فيها الجمع بين الدخول في الغير، و الحصر الذي يستفاد منه ان الشك المعتبر

______________________________

(1) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 42- من أبواب الوضوء حديث: 7.

(2) الوسائل كتاب الصلاة باب- 27- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 2.

(4) الوسائل كتاب الصلاة باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

(5) الوسائل كتاب الصلاة باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 4.

(6) الوسائل كتاب الطهارة- باب 42- من أبواب الوضوء حديث: 2.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 298

منحصر في الشك الذي لم يتجاوز محله، فاذا جاوزه فلا شك فاعتبار الدخول في الغير مناف للحصر، فلا بد من حمله على ما تقدم، فلا ينبغي الإشكال من هذه الناحية.

و اما الدليل على الدعوى الثانية فهو إطلاق الأدلة و عدم الدليل على التقييد، و دعوى الانصراف الى الركن أو

الى الاجزاء الواجبة أو الى مطلق الاجزاء في غير محلها.

و قد يقال: ان الغير مختص بالاجزاء المستقلة بالتبويب كالتكبير و القراءة و الركوع و السجود و نحوها فان شمول نحو قوله: كل شي ء شك فيه للاجزاء انما هو بعناية و تنزيل، لأنها بعد اعتبارها جزء للمركب تسقط عن الاستقلال، فدخولها في عنوان الشي ء و عمومه في عرض دخول الكل لا يمكن إلا بعناية التعبد و التنزيل، و حينئذ لا بد من الاقتصار على مورده و هو الاجزاء المستقلة، كما يظهر من صدد صحيحتي زرارة و إسماعيل.

و فيه ما لا يخفى فان عنوان الشي ء المأخوذ في صحيحة زرارة لا يعقل ان يكون حاكيا عن خصوصيات الأشياء مثل الكل و الجزء، فان الخصوصيات أمور زائدة تحتاج إلى دلالة مفقودة في المورد، و كذا قوله: كل شي ء فيه لا يعقل ان يكون دالا الا على الكثرة الإجمالية في الشي ء بدلالة الكل، و لا يعقل دلالته على الخصوصيات كالكلية و الجزئية، لكن نفس عنوان الشي ء، أو كل شي ء تنطبق على كل شي ء بعنوان الشيئية لا شي ء أخر من الخصوصيات، فقوله- شموله للكل و الجزء في عرض واحد- لا يرجع الى محصل و ساقط من أصله.

هذا مضافا الى ان الشك في الكل في غير الشك بعد الوقت الذي ليس هاهنا مورد البحث غير مشمول لقاعدة التجاوز، لأنه شك تبعي مسبوق بالشك فيما يعتبر فيه، فتوهم لزوم شمول الشك للجزء و الكل- كي يحتاج إلى العناية و التنزيل- فاسد جدا.

و تدل على المدعى

موثقة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 299

عليه السلام: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر اركع أم لم

يركع؟ قال: قد ركع «1»

فإنها تدل على عدم اعتبار الدخول في السجدة، بل الغير أعم من مقدمات الفعل أيضا، نعم لا بد من القول بالتخصيص في مسألة واحدة و هي الشك في السجدة حال النهوض الى القيام قبل ان يستوي قائماً، فإن مقتضى موثقة عبد الرحمن وجوب الرجوع، و لا مانع من تخصيص قاعدة التجاوز فيها.

و من العجب ما ذهب إليه القائل المتقدم، من حمل قوله في الموثقة المتقدمة:

رجل أهوى إلى السجود على السجود، قائلًا بأن للهوى مراتب، فإنه من مبدء التقوس الى وضع الجبهة على الأرض يكون كله هويا، فيحمل الهوى على أخر مراتبه الذي يتحقق به السجود انتهى.

و أنت خبير بما فيه من الوهن و الضعف و من وضوح البطلان، ضرورة ان نفس السجود ليست هويا الى السجود، فهل يمكن ان يكون الشي ء هويا الى نفسه، و مع الغض عن ذلك إلقاء مثل الكلام لإفادة نفس السجدة أو الهوي المستلزم لها يعد مستهجنا خارجا عن الكلام المتعارف حتى في محيط التقنين أو الناقل له، فالقول بأن غاية ما يلزم تقييد الهوى بآخر مراتبه غير مفيد لرفعه.

و ربما يقال: ان الظاهر من الغير في صحيحة إسماعيل «2» بملاحظة كون صدرها في مقام التحديد و التوطئة للقاعدة المقررة في ذيلها هو أن مثل السجود و القيام حد للغير، و انه لا غير أقرب منهما بالنسبة إلى الركوع و السجود، إذ لو كان الهوى و النهوض كافيين قبح التحديد بهما، و لم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إذا شك قبل الاستواء قائماً انتهى.

و فيه منع كون صدرها في مقام التحديد كي يترتب عليه ما ذكر، بل الكلام

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب

الركوع حديث: 6.

(2) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 300

يجرى مجرى العادة في أمثال المقام، و يمكن ان يكون سر ذكر السجود و القيام كون عروض الشك قبلهما نادرا، و بالجملة لا يصح رفع اليد عن الإطلاق بمثل ذلك الذي لا دليل عليه، و لا عن الموثقة- المتقدمة آنفا- الصريحة في عدم الاعتناء إذا أهوى إلى السجود، و جزم المشهور في المسألة المشار إليها انما هو لموثقة أخرى من إسماعيل، لا لما ذكره، فالوجه عدم الفرق بين غير و غير مطلقا الا في مسألة واحدة هي ما جزم به المشهور و التقييد غير عزيز.

و منها ان المضي و عدم الاعتناء في القاعدة على نحو العزيمة لا الرخصة، و ذلك لا للأوامر الواردة فيه، لعدم الاستفادة منها الا الرخصة بعد ورودها في مورد توهم الحظر، و لا لقوله في بعضها: ان شكه ليس بشي ء لأن ما يستفاد منه ليس الا عدم الاعتناء بالشك، و يأتي فيه ما يرد على الاحتمال الأول، و على ذلك لا يكون الإتيان بالمشكوك فيه و التلافي بقصد المشروعية تشريعا محرما، و لا يلحق الإتيان بالزيادة العمدية كما قال القائل، فإنه مع عدم الاستفادة منه الا الترخيص لا يترتب عليه ما ذكر.

بل لكون القاعدة كما أشرنا إليه فيما سلف محرزة، كما يستفاد من

قوله عليه السلام في صحيحة حماد: قد ركعت امضه «1»

و

في موثقة عبد الرحمن: قد ركع «2»

و مع التعبد بوجود المشكوك فيه بعد الإتيان به زيادة في المكتوبة من غير شبهة المثبتية فلا يجوز، و التفصيل يطلب من مظانه.

و منها ان روايات الباب كموثقة ابن مسلم «3» و صحيحتي زرارة

«4» و إسماعيل «5»

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 2.

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 6.

(3) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

(4)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

(5) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 4.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 301

هل تدل بإطلاقها على عدم الاعتناء بالشك على جميع أنحائه، حتى فيما فرض احتمال ان الإتيان مطابقا للواقع يكون سهوا و غفلة أو مصادفة، فمن اعتقد ان المسافر حكمه التمام و بعد ما اتى بالصلاة احتمل انه أخطأ و اتى قصرا، أو اعتقد انه مخير بين القصر و الإتمام و بعد ما صلى احتمل أنه صلى قصرا مصادفة أو غير ذلك من أنحاء الشكوك مع الجهل بالحكم أو الموضوع أو كليهما تشمله القاعدة، أو تختص بمورد واحد هو الشك في مخالفة الواقع سهوا و غفلة بعد العلم بالحكم و الموضوع، أو تشمل مورد احتمال المصادفة، لا مورد احتمال الإتيان بالعمل الصحيح غفلة و سهوا وجوه.

أوجهها الاختصاص بالمورد الأول المشار اليه، لعدم إحراز كون الروايات في مقام البيان بالنسبة إلى حالات المكلف و حالات المصاديق، فإن روايتي ابن مسلم و إسماعيل في مقام بيان مصاديق المشكوك فيه كالأجزاء و الشرائط، و اما بيان حكم الحالات العارضة للافراد أو للمكلف فلم يحرز كونهما في مقامه، و كذا الحال في صحيحة زرارة، فإن ما هي متكفلة لبيانه هو حكم الشي ء الذي شك فيه، و اما الحالات الخارجة فلم يحرز، و عليه لا يصح الأخذ بالإطلاق.

و لو رد ذلك بدعوى ان المتكلم بصدد بيان

حكم الشك، فأخذه في الموضوع بلا قيد يدل على انه تمام الموضوع من اى سبب حصل، و لا معنى للإطلاق إلا ذلك.

يقال: انه لا إشكال في ان الحكم بالمضي في تلك الروايات ليس حكما تعبديا محضا بحيث لم يكن للعقول اليه سبيل، بل أمر يجده العقلاء لنكتة جعله طريقا، و هي ان المكلف الذي بصدد الإتيان بالمأمور به و الخروج عن عهدة التكليف، مع علمه بالحكم و الموضوع لا يغفل نوعا عن خصوصيات المأمور به، فلا محالة مع نفى الغفلة و السهو بالأصل يأتي به جامعا للاجزاء و الشرائط، و هذا الارتكاز العقلائي موجب لانصراف الدليل الى ما هو المرتكز عندهم، و هذا الارتكاز غير

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 302

البناء العقلائي على عدم الاعتناء بالشك كي يقال: ان القاعدة عقلائية، فإن البناء العملي عليه غير ثابت، بل مجرد ذلك الارتكاز كاف في صرف الدليل الى ما هو كذلك.

و على ذلك يمكن أن يقال: ان المتكلم لم يقيد الموضوع لاتكاله على هذا الارتكاز العقلائي، مع ان الشواهد الموجودة في الروايات تدل على ان القاعدة مجعولة لهذا المورد،

كقوله عليه السلام: هو حين يتوضأ اذكر «1»

و كان حين انصرف أقرب الى الحق «2»

و قوله عليه السلام: قد ركع «3»

بل الناظر في الروايات سؤالا و جوابا يرى ان مورد الكلام هو هذا المورد بالخصوص دون الجاهل بالحكم و الموضوع و سائر أنواع الشك و الإنصاف ان مدعى الانصراف بعد ما ذكر و بعد تلك الشواهد ليس مجازفا.

و قد ادعى بعض أهل التحقيق إطلاق الأدلة لجميع صور الشك، و قال في تقريبه: ان العمدة في حمل الأعمال الماضية على الصحيح هي السيرة القطعية، و انه لو لا ذلك

لاختل النظام و لم يقم للمسلمين سوق، فضلا عن لزوم العسر و الحرج إذ ما من أحد إذا التفت الى إعماله الصادرة منه في الأعصار السابقة من عباداته و معاملاته الا و يشك في كثير منها لأجل الجهل بالحكم و اقترانها بأمور موجب للشك، و لو لا الحمل على الصحة مطلقا لضاق عليهم العيش، و هذا الدليل و ان كان لبيا يشكل استفادة العموم عنه، الا انه يعلم منه عدم انحصار الحمل على الصحيح بظاهر الحال، فيؤخذ بالإطلاق.

و فيه ان السيرة القطعية غير ثابتة لو لم نقل بان عدمها ثابت، و على فرض الثبوت

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الطهارة- باب- 42- من أبواب الوضوء حديث: 7.

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 27- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.

(3) الوسائل كتاب الصلاة- باب- 13- من أبواب الركوع حديث: 6.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 303

فالمتيقن منها هو فرض كون الترك مستندا الى السهو و الغفلة مع العلم بالحكم و الموضوع، و قد اعترف القائل بأنها دليل لبى لا يثبت بها تمام المدعى، و على فرض كون المتيقن منها ما ذكر كيف يستكشف منها عدم انحصار الحمل على الصحيح بظاهر الحال، بل لقائل أن يقول: ان السيرة القطعية الحمل على الصحيح فيما يقتضي ظاهر الحال موجبة لانصراف الدليل الى موردها، و كيف كان لا إشكال في عدم الدلالة على الإطلاق.

و أما دعوى اختلال النظام و وقوع العسر و الحرج ففي غير محلها، اما في العبادات فما يمكن ان يكون الاختصاص فيه بالفرض المتقدم موجبا للاختلال و العسر هو الصلاة، و الا فالشك في سائرها قليل لا يوجب الاعتناء به عسرا فضلا عن اختلال النظام، و اما الصلاة

فالشك في الصلوات السابقة و ان كان كثيرا، لكن العلم بحال الواقعة تفصيلا نادر جدا، فاحتمال كون الترك مستندا الى السهو و الغفلة أو الى الجهل و التصادف أو سائر الاحتمالات يوجب عدم إمكان التمسك بقاعدة التجاوز، و لا بالاستصحاب لكون الشبهة بالنسبة إليها مصداقية، فعلى ذلك وجوب القضاء مجرى البراءة، لان القضاء بأمر جديد.

و بوجه أخر ان الجهل بالأركان قليل جدا و بغيرها لا يوجب البطلان، و ذلك أما للقول بأن قاعدة لا تعاد تعم الترك و لو عن جهل و انما يخرج منه انصرافا العمد مع العلم بالحكم و الموضوع، و اما لكون حال المكلف مجهولا عنده نوعا، فكما يحتمل الترك عن جهل يحتمل السهو و الغفلة، فلا يصح التمسك بالقاعدة، و لا بالاستصحاب للشبهة المصداقية، فيكون القضاء مورد البراءة و توهم ان لا تعاد لا يشمل الشك في غير محله لان المراد ليس شموله للشك بعنوانه، بل مرادنا ان الترك بحسب الواقع في غير الخمس لا يوجب البطلان و لا دخالة للعلم و الشك فيه، فحينئذ نقول ان الأمر دائر بين الإتيان بالمشكوك فيه و عدمه، و على أى حال صحت الصلاة لأنه اما أتى بالمأمور به على وجهه أو صحت صلاته بقاعدة لا تعاد.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 304

و بوجه ثالث ان المفروض الإتيان بالصلوات السابقة و الشك في صحتها من جهة الشك في ترك شي ء منها ركنا أو غيره، فمع احتمال صحة الصلاة يكون القضاء مجرى البراءة لأنه بأمر جديد، و لا يمكن إحراز بطلانها و عدم موافقتها للمأمور به بالاستصحاب، لأن الأصل بنحو الكون الرابط غير مسبوق بالعلم بالحالة السابقة، و إجرائه بنحو الكون التام و العدم الأزلي

لإثبات الكون الرابط مثبت، كما في نظائر الأصول للإعدام الأزلية لإثبات الحكم للموجود، فتحصل منه ان الاختصاص بالعالم حكما و موضوعا مع احتمال الترك سهوا و غفلة لا يوجب محذورا، هذا كله بالنسبة إلى العبادات.

و اما المعاملات المشكوك فيها كالبيع و الصلح و غيرهما فأكثر ما وقعت منها في جريان السوق من المعاملات الجزئية اليومية المعاطاتية من المأكول و المشروب و الملبوس لا تكون موردا للشك إلا نادرا، مع ان متعلقاتها صارت تالفة في الأعصار السالفة إلا نادرا، و مع التلف يشك في الضمان، و إثباته بقاعدة اليد أو قاعدة الإتلاف غير ممكن لأن الشبهة فيهما مصداقية بعد التردد في كون الشك من القسم الجاري فيه قاعدة التجاوز أو القسم غير الجاري فيه القاعدة، فلا يجوز التمسك بالقاعدة و لا بالاستصحاب مطلقا، و لا بسائر القواعد، فالضمان مجرى البراءة.

مضافا الى انه مع احتمال صحة المعاملة الخارجية تجري البراءة من الضمان، و إثبات بطلانها بنحو الكون الناقص غير مسبوق بالعلم، و بنحو التام لإثبات الناقص مثبت كما تقدم نظيره، و مع عدم الجريان، و كون سائر القواعد و الاستصحابات الحكمية غير جارية للشبهة المصداقية تجري البراءة عن الضمان.

بقي الكلام في المعاملات المهمة كالأراضي و العقارات و غيرها ما يهتم بها المتعاملان، و في مثلها يمكن ان يقال: ان أكثرها تقع بالتوكيل للدلالين و غيرهم مما يحمل أعمالهم على الصحة مطلقا، و مع فرض إيقاعها مباشرة فما طرء عليها التلف و لو حكما يأتي فيها ما تقدم من البراءة عن الضمان، و ما بقي منها يمكن إجراء

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 305

أصالة الحل فيها و دعوى- وجوب الاحتياط في الماليات مطلقا حتى في مثل المورد-

ممنوعة لا تستند الى دليل، مضافا الى ان الشك فيها نادر، و موردها أيضا نادر لا يوجب الاحتياط فيها اختلال النظام و العسر و الحرج، مضافا الى ان نحو المورد ليس مجرى دليل الحرج و العسر، بل مجرى الضرر، و في دليله كلام و اشكال يطلب من محالة «1».

مع انه في المعاملة الخطيرة تراعى غالبا الاحتياطات و الرجوع الى أهل الخبرة و الاطلاع عن الصحة و الفساد، بل لعلها توكل الى الدلالين المطلعين، و يقل مع ذلك الشك فيها سيما من ناحية غير ما جرت فيها قاعدة التجاوز، كما ان مثل النكاح و الطلاق فلما يتفق الاجراء الا بالتوكيل و هو مجرى أصالة الصحة في فعل الغير الجارية في مطلق الشكوك الا ما ندر فدعوى العسر و الحرج- فضلا عن الاختلال مطلقا- في غير محلها.

و منها لا إشكال في لزوم فعلية الشك في قاعدة التجاوز، كما ان الظاهر منه هو الشك الحادث بعد التجاوز، فالشك الباقي من ما قبله الى ما بعده ليس موضوعا للحكم، فلو شك في الوضوء قبل الصلاة مع سبق الحدث ثم غفل عنه و صلى، فان احتمل التوضي حال الغفلة يشمله القاعدة لكون الشك حادثا، و ان لم يحتمل فلا يبعد التفصيل بين الذهول عن الشك رأسا بحيث لو التفت الى الواقعة لم يرتفع ذهوله و بين ما كان الشك في خزانة نفسه و ان لم يتوجه اليه، فعلى الأول يكون من الشك الحادث فيؤخذ بالقاعدة، و على الثاني من الشك الباقي فلا تجري.

و يأتي الوجهان في الشك و اليقين المأخوذين في الاستصحاب، فلو ذهل عنهما رأسا لا يجري، لأن فعلية الشك و اليقين معتبرة فيه، فمع الذهول عنهما رأسا حيث

ليسا بفعليين فلا يجرى، بخلاف ما لو بقيا في النفس فإنه يجري و ان غفل

______________________________

(1) راجع كتاب الرسائل لسيدنا الأستاذ الامام الخمينى مد ظله العالي ففيه مطالب راقية و تحقيقات أنيقة لا يستغنى منه.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 306

عنهما.

و ربما يحتمل في الاستصحاب ان المعتبر فيه الالتفات الى الشك و اليقين، لأنه من الحجج الشرعية المعتبر فيها الالتفات إلى الحجة، و لا معنى للاحتجاج بالأمر المغفول عنه.

و فيه انه لا دليل على هذا المدعى، فان غاية ما يمكن دعواه هو دلالة مثل

قوله عليه السلام: و لا تنقض اليقين أبدا بالشك «1»

على ذلك، نظرا إلى أنه أمر بعدم الانتقاض و لازمه الالتفات و مع الغفلة لا معنى لعدم نقضه به، و فيه- مضافا الى ان ذلك مخالف لظاهر بعض روايات أخر،

كقوله عليه السلام: لا يدخل الشك في اليقين «2»

و قوله عليه السلام: فان الشك لا ينقض اليقين «3»

فان اليقين لا يدفع بالشك «4»

و اليقين لا يدخل فيه الشك «5»

فان الظاهر منها ان الحكم لعنوان الشك و اليقين في نفسهما من غير دخالة الالتفات فيه- ان الأمر بعدم الانتقاض و النهى عنه لا يدلان على دخالة الالتفات في الموضوع كما هو الأمر في جميع الخطابات المتوجهة إلى المكلفين.

فقوله- عليه السلام مثلا: اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه «6»

- لا يدل على دخالة الالتفات الى الغسل أو الماء أو البول، بل الظاهر من مثله ان الحكم للواقع و الموضوعات الواقعية، فلو غسل ثوبه مع الغفلة عن الواقعة كفى، و في المقام لو كان شاكا في الطهارة و على يقين بها سابقا و غفل و صلى صحت صلاته، لان اليقين و الشك فعليان و

ما هو المعتبر فعليتهما دون الالتفات إليهما، فالمصلي في

______________________________

(1)- الوسائل كتاب الطهارة- باب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.

(2)- الوسائل كتاب الصلاة- باب- 10- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 3.

(3)- الوسائل كتاب الطهارة- باب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.

(4)- مستدرك الوسائل كتاب الطهارة- باب- 1- من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.

(5)- الوسائل كتاب الصوم- باب- 3- من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.

(6) الوسائل كتاب الطهارة- باب- 8- من أبواب النجاسات حديث: 3.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 307

المثال محكوم بالطهارة للاستصحاب و ان كان غافلا عن الحكم.

مع إمكان ان يقال: انه على فرض لزوم الالتفات الى الاحتجاج، يصح ذلك عند الالتفات إلى الواقعة، ففي المثال لو التفت الى حاله يجري الأصل، و يبنى على صحة صلاته المأتي بها حال الغفلة، فإن الإعادة من قبيل نقض اليقين بالشك فتدبر.

و منها انه قد ظهر مما تقدم حال الشك في الشرائط و الموانع و القواطع، فان الشك في كل منها بعد التجاوز عن المحل لا يعتنى به، فلو شك بعد الصلاة في وجود الطهارة حدثية كانت أو خبثية لا يعتنى به و لو كان مجرى الاستصحاب، لكن لا بد من تحصيلها للصلوات الاتية، لما مر من ان قاعدة التجاوز محرزة من حيث، لا مطلقا و بذلك يفرق بينها و بين استصحاب الطهارة فإن الثاني محرز مطلق.

فما في بعض الكلمات من التحير في الفرق و انه لو كانت القاعدة محرزة يجب ترتيب الآثار حتى في الصلوات اللاحقة كالاستصحاب ناش من عدم التأمل في الفرق بينهما، فان مفاد دليل الاستصحاب عدم نقض اليقين بالشك، و مفاد دليل التجاوز عدم الاعتناء بالشك فيما مضى

و البناء على الوجود بالنسبة الى ما مضى، و على ذلك يكون الفرق واضحا.

ثم ان للشرط أقساما بحسب التصور، الأول: أن يكون شرطا لنفس الطبيعة كالطهور و الاستقبال و الستر، فإنها معتبرة في طبيعة الصلاة من غير لحاظ الاجزاء، و لهذا تبطل الصلاة لو أخل بها حال عدم الاشتغال بالاجزاء، فلو أحدث حال النهوض الى القيام أو استدبر أو ألقى الستر عمدا بطلت، فما في بعض الكلمات من ان تلك الشروط للصلاة حال الاشتغال بالاجزاء غير وجيه، لان لازمه الالتزام بالصحة في المثال المذكور، و هو كما ترى.

الثاني: أن يكون شرطا للصلاة حال الاشتغال بالاجزاء، الثالث: أن يكون شرطا للاجزاء نفسها، و الاستقرار و الاستقلال و كذا الجهر و الإخفات يمكن ان يكون من قبيل الثاني، كما يمكن أن يكون من قبيل الثالث، كما أن الانحناء في الركوع زائدا على مقدار تحقق الطبيعة من قبيل الثالث.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 308

و لا يبعد أن يكون الاستقرار و الاستقلال أيضا كذلك، بل و كذا الجهر و الإخفات، و في دلالة قوله تعالى وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ «1» على أنها من قبيل الثاني تأمل، بل تصوره أيضا لا يخلو من كلام، و الفهم العقلائي شاهد على انها من قبيل الثالث.

و أما مثل موالاة حروف الكلمة و كلمات الآية بحيث يضر تخلفها بالصدق فهو ليس من الشروط بل من مقوماتها، و لا فرق من هذه الحيثية بين حروف الكلمة و كلمات الآية، فما في بعض الكلمات من ان الفرق بينهما ان تخلف الموالاة في الأول يضر بالصدق عقلا دون الثاني، ليس على ما ينبغي، فإن الفصل الطويل أو بالأجنبي بين الكلمات أيضا يضربه عقلا.

و كيف كان لا

إشكال في شي ء مما ذكر في عدم الاعتناء بالشك فيه مع مضى المحل لعموم الدليل و إطلاقه.

نعم يقع الكلام في تحقق المضي بالنسبة إلى الوضوء مثلا، فان الشرط اى ما يعتبر في الصلاة شرطا لو كان عبارة عن الغسلتين و المسحتين فلا إشكال في ان محلها قبل الصلاة، و لو كان الطهور الحاصل بها فمحل المحصل قبلها، و مع حكم الشارع بتحققه يترتب عليه الآثار بالنسبة إلى الصلاة التي يشتغل بها دون سائر الصلوات هكذا أفاد شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه «2» و فيه ان ترتب المحصل على المحصل و المسبب على السبب عقلي و ان كان السبب شرعيا أو السببية كذلك، فعلى هذا لا تصلح القاعدة الجارية في المحصل لإثبات الأثر إلا بالأصل المثبت.

و أما ما قيل- من ان محل الطهور شرعا قبل الصلاة لقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ «3» الى آخره، بخلاف الستر و الاستقبال فان لزوم تقدمهما عقلي لا شرعي-

______________________________

(1) سورة الإسراء آية- 110.

(2)- هو الأستاذ المؤسس آية اللّه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي قدس سره.

(3) سورة المائدة- آية- 9.

كتاب الخلل في الصلاة، ص: 309

ففيه انه بعد عدم إمكان تحصيل الشرط الا بتقدمه على المشروط لا يمكن استفادة كون المحل شرعيا من الآية الكريمة كما هو ظاهر.

و الأقوى ان الطهور شرط لطبيعة الصلاة و مع عروض الشك أثناء الصلاة لا يمكن التمسك بالقاعدة بالنسبة إليها في الوجود البقائى، فان الطبيعة تتحقق بالدخول فيها مع تكبيرة الافتتاح و باقية الى ان يخرج عنها بالسلام، فلها وجود تدريجي كالزمان أو الزماني، و القاعدة لا تفيد بالنسبة إلى وجودها البقائى، و كذا الحال لو كانت الطهارة شرطا للاجزاء أو للصلاة في

حال الاجزاء، فالتفصيل بين الاجزاء اللاحقة و الصلوات الأخر لا يرجع الى فارق و اللّه العالم.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، كتاب الخلل في الصلاة، در يك جلد، چاپخانه مهر، قم - ايران، اول، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.